البلاد – بيروت

 

وسط سعي لبناني لإعادة ضبط الأوضاع الأمنية على الحدود ومواجهة ملفات شائكة كالسلاح غير الشرعي والتهريب وفوضى الميليشيات، قاد رئيس الحكومة نواف سلام وفدًا وزاريًا رفيعًا إلى دمشق في زيارة تُعدّ الأبرز منذ سنوات. تزامن ذلك مع استقبال رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون لمسؤول في مجلس الشيوخ الأمريكي، مؤكدًا التزام الجيش اللبناني بواجباته في الجنوب، ومسار الإصلاحات الذي بدأ لخدمة لبنان أولًا.

هذا الحراك المتوازي بين سوريا وواشنطن يعكس مسارًا لبنانيًا مزدوجًا لاستعادة الأمن وترسيخ السيادة، وتطبيع العلاقات مع الجوار بدينامية تنموية وأمنية شاملة.

في تطور لافت على مستوى العلاقات اللبنانية السورية، وصل رئيس الحكومة نواف سلام إلى العاصمة السورية دمشق أمس الاثنين، على رأس وفد وزاري ضمّ وزراء الخارجية والدفاع والداخلية. والتقى الوفد الرئيس السوري أحمد الشرع في زيارة وُصفت بأنها “تصحيحية للمسار”، تهدف إلى إعادة بناء العلاقة بين البلدين على قاعدة الندية والاحترام المتبادل.
وركّزت المباحثات على ملفات سياسية وأمنية واقتصادية شديدة الحساسية، أبرزها ضبط الحدود ومنع التهريب، وتشديد الإجراءات على المعابر الرسمية، وإغلاق غير الشرعية منها، إضافة إلى ترسيم الحدود بشكل نهائي. كما طرُحت مسألة المفقودين اللبنانيين في سوريا، واللاجئين السوريين في لبنان، في إطار خطة لتهيئة الظروف التي تضمن عودتهم الآمنة والكريمة.
واتفق الطرفان على “تعزيز التنسيق الأمني بما يحفظ استقرار البلدين”. كما اتفقا على “تشكيل لجنة وزارية مؤلفة من وزارات الخارجية، والدفاع، والداخلية والعدل لمتابعة وحل كل الملفات ذات الاهتمام المشترك”.
وأشارت مصادر لبنانية إلى أن المناخ السياسي في الزيارة اتسم بالإيجابية، مع تلمّس استعداد سوري لإطلاق مرحلة جديدة من التنسيق الأمني والمؤسساتي. كما كُشف عن نية لعقد اتفاقات تعاون استثماري في قطاعات حيوية، في ظل سعي الحكومة اللبنانية إلى تعويض ما لحق بالاقتصاد من انهيارات خلال السنوات الماضية، وهو ما ينطبق أيضًا على الحكومة السورية الجديدة.
في موازاة ذلك، وفي قصر بعبدا، استقبل رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزف عون عضو اللجنة الفرعية لتخصيص الاعتمادات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، بول غروف، بحضور السفيرة الأمريكية ليزا جونسون. وأكد عون أن مسار الإصلاحات في لبنان “انطلق بالفعل”، وهو يأتي أولًا في مصلحة لبنان وليس فقط استجابة لرغبات المجتمع الدولي.
وأوضح أن ما تحقق خلال الأشهر الثلاثة الماضية منذ انتخابه وتشكيل الحكومة الجديدة ليس قليلًا، مشيرًا إلى إجراءات وتدابير مرتقبة في ملفات إصلاحية شتى. وشدد الرئيس عون على أن الانتخابات البلدية والاختيارية ستُجرى في موعدها، ما يعكس التزامًا باستحقاقات الداخل اللبناني.
وفي رسالة واضحة للمجتمع الدولي، لفت الرئيس عون إلى أن الجيش اللبناني يقوم بدوره الكامل في القرى التي انسحب منها الاحتلال الإسرائيلي جنوبًا، تنفيذًا للقرار الدولي 1701، مؤكدًا مصادرة الأسلحة والذخائر وملاحقة المخالفين، ما يبرهن على جاهزية المؤسسة العسكرية لحماية المدنيين وتثبيت الاستقرار.
وعبّر الرئيس عون عن تقدير لبنان للمساعدات الأمريكية، لا سيما المقدّمة للجيش والمؤسسات الأمنية، داعيًا مجلس الشيوخ إلى مواصلة هذا الدعم بما يتناسب مع التحديات القائمة.
ومن جهته، أكد بول غروف استمرار بلاده في دعم لبنان في المجالات كافة، مشيرًا إلى أن انطباعاته من اللقاءات في بيروت كانت إيجابية وسيبلغ بها اللجنة المختصة في مجلس الشيوخ.
بهذا المسار المزدوج، بين بوابة دمشق ورسائل بعبدا إلى واشنطن، يخطو لبنان نحو استعادة أمنه وتعزيز سيادته، في محاولة لتجاوز أزماته المركبة بسياسة واقعية وانفتاح محسوب على القوى الإقليمية والدولية.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: مجلس الشیوخ

إقرأ أيضاً:

سوريا.. هل يتبخّر حلم انتعاش السياحة أمام الفوضى الأمنية والقيود على الحريات؟

بعد سقوط الأسد، تواجه السياحة في سوريا أزمة مزدوجة: فوضى أمنية وقيودا على الحريات تهدد بانهيار كامل للقطاع، رغم آمال الانتعاش الاقتصادي ورفع العقوبات. اعلان

مع مرور أشهر على سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة "هيئة تحرير الشام" سيطرتها على مفاصل الدولة تحت قيادة أحمد الشرع الذي عُين رئيسًا للمرحلة الانتقالية، تواجه سوريا تحديات جسيمة، أبرزها تعافي قطاع السياحة ، الذي كان يومًا ما من أهم روافد الاقتصاد الوطني.

لكن الواقع الحالي كشف عن فجوة عميقة بين الآمال الكبيرة وبين المعوقات التي تعصف بالقطاع من الداخل والخارج، وتهدد بتحوله إلى رافعة اقتصادية ضائعة، إن لم يتم التصدي لها بشكل سريع وفعّال.

خسائر مضاعفة عبر سنوات الحرب

تكبد قطاع السياحة في سوريا خسائر فادحة خلال سنوات الحرب، حيث توقف نحو 544 مشروعًا سياحيًا عن التنفيذ بين عامي 2011 و2014 ، وهو مؤشر أولي على حجم الدمار الذي لحق بهذا القطاع الحيوي حتى قبل أن تمتد الحرب بشكل كامل لتطال معظم أنحاء البلاد.

وفي عام 2019، كشف وزير السياحة في حكومة نظام بشار الأسد، رامي مرتيني، عن خروج 1468 منشأة سياحية من الخدمة ، بينها 365 فندقًا و1103 مطاعم ، إضافة إلى تضرر 403 منشآت سياحية بشكل كلي أو جزئي ، مما يعكس حجم الدمار الذي تعرض له هذا القطاع الاستراتيجي.

ومنذ ذلك الحين، حاولت الحكومة إعادة تنشيط القطاع ضمن المناطق التي كانت تحت سيطرتها، وفي عام 2024، واصل النمو زخمه نسبيًّا، إذ بلغ عدد الزوار القادمين إلى سوريا حتى بداية شهر تموز/يوليو الماضي نحو 1.002 مليون زائر ، بزيادة قدرها 5% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق ، ما يُعد مؤشرًا إيجابيًّا رغم استمرار التحديات المتعلقة بالبنية التحتية والأوضاع الأمنية الهشة.

العامل الأمني: فوضى لا ترحم المنشآت ولا الزوار

لكن كل هذه المؤشرات الإيجابية انقلبت رأسًا على عقب مع سقوط النظام وبدء المرحلة الانتقالية، حيث أصبحت المنشآت السياحية هدفًا مباشرًا للفصائل المتطرفة التي تسعى إلى فرض نمط حياتي صارم، يتنافى مع طبيعة الحياة التي اعتاد عليها السوريون والسياح.

خلال الأشهر الماضية، رصدت يورونيوز بشكل دقيق تصاعد أعمال العنف ضد المنشآت السياحية، خصوصًا في العاصمة دمشق وطرطوس وحمص. حيث تعرضت مطاعم ومقاهٍ ومواقع سياحية لهجمات متكررة من فصائل متشددة تتبع لجماعات متطرفة، تتهم أصحاب هذه المنشآت بمخالفة "الأعراف الإسلامية"، مثل تقديم الكحول أو السماح بالموسيقى أو الرقص.

في إحدى الحالات، تم تدمير محلات تبيع المشروبات الكحولية في منطقتي دمشق وطرطوس، كما تم تهديد أصحاب المطاعم الذين يسمحون لزبائنهم بشرب الكحول، ما أدى إلى حالة من الرعب والتخوف من استمرار العمل في مجال السياحة.

Relatedدُمرت محالّهم وطُلب منهم دفع الجزية.. مسيحيو سوريا ضحايا انتهاكات الفصائل المتطرفةمطاعم دمشق القديمة في قبضة الأمن العام: لا غناء ولا حرية ولا أمان!سرقة ورعب في أحد ملاهي دمشق: اعتداءات على الحريات وفصائل مسلحة غير منضبطة

وقال أحد أصحاب المطاعم في دمشق ليورونيوز: "بعد سقوط النظام، تخيلنا أن يكون هذا الصيف بداية نهضة جديدة، وأن تعود المنشآت السياحية إلى سابق عهدها، لكن المفاجأة كانت صادمة. لم تتجاوز نسبة الإشغال العشرات، والمطاعم شبه خالية، والحفلات النادرة التي أُقيمت لم تستمر أكثر من ليلة واحدة بسبب الضغوط الأمنية."

أما صاحب منتجع سياحي في اللاذقية، فقد أكد أن غياب الأمن هو أكبر عائق أمام استعادة القطاع لدوره الاقتصادي: "الدولة تفقد اليوم مصدرًا رئيسيًا للدخل، وتفوت فرصة تحريك العجلة الاقتصادية، فقط لأنها لم تستطع ضبط الأمن في الساحل السوري، حيث تكثر حالات القتل والخطف كل يوم. إذا أردت الاستثمار، عليك أولًا باستعادة الأمان."

قيود على الحريات: قرارات غريبة تقيد النشاطات السياحية

إلى جانب الجانب الأمني، برزت تحديات ثقافية وإدارية داخلية ، كان أبرزها القرارات الصادرة عن وزارة السياحة السورية مؤخرًا، والتي أثارت جدلًا واسعًا داخليًا وخارجيًا.

من بين تلك القرارات، التوجيهات الجديدة حول حرية اللباس في الشواطئ العامة، حيث تم تقسيم الشواطئ بناءً على نوع الملابس المسموح بها، مع ترك حرية أكبر للفنادق الفاخرة (4 و5 نجوم) في حين فُرضت قيود صارمة على الشواطئ الشعبية.

وقال خبير اقتصادي ليورونيوز، طلب عدم ذكر اسمه: "السياحة ليست فقط أماكن تراثية وبحر وجبل، بل هي أيضًا ثقافة الحريات التي تدرّ المال. التجربة واضحة في تركيا ولبنان، حيث لا يتم تقييد الزائر، بل تُقدَّم له الخيارات. أما عندنا، فإن مثل هذه القرارات العشوائية تقتل أي أمل في استعادة الثقة لدى السائح المحلي أو الأجنبي."

وأضاف: "اليوم الدولة تخسر ملايين الدولارات بهذه القرارات وتساهم في انتشار البطالة بما توفره السياحة من توظيف أيدي عاملة في كل سوريا، كان من الأجدى على وزارة السياحة أن تدعم القطاع لا أن تصدر قرارات تُقيد الحريات. المجتمع السوري متنوع، وثقافته قادرة على الموازنة بين القيم والحرية، دون الحاجة إلى تدخل تعسفي."

هل هناك بصيص أمل؟

رغم حالة التشاؤم التي تسود المشهد السياحي، إلا أن هناك بعض المؤشرات التي قد تكون مبشّرة، لو توفرت لها الإرادة السياسية والأمنية:

الاهتمام الدولي المتزايد بالمواقع الأثرية مثل تدمر وحلب القديمة.الطلب الداخلي على السياحة الداخلية رغم انخفاض مستوى الدخل.إمكانية عودة السياح العرب والأوروبيين لو استقرت الأوضاع الأمنية وانتظمت الخدمات.

لكن لتحقيق ذلك، يرى الخبراء أنه على الحكومة الانتقالية أولًا استعادة الأمن والاستقرار، وثانيًا إعادة النظر في القرارات التي تقيّد الحريات ، حتى ولو كانت تدعي الحفاظ على الأخلاقيات.

فالسياحة، كما يقول أحد أصحاب المطاعم: "ليست فقط مبنى أو شاطئ، بل هي تجربة إنسانية تبدأ من الحرية وتنتهي بالراحة. مضيفاً، بدون خطوات عملية لإصلاح البيئة الأمنية والثقافية والسياحية، فإن سوريا ستظل بعيدة عن استعادة دورها كوجهة سياحية مهمة في المنطقة".

اليوم، يتوقع الكثيرون خسائر جمّة ما لم يتم تداركها ، خصوصًا أن الناس تنتظر المستثمرين في هذا القطاع الحيوي والأساسي، وبعيدًا عن العقوبات الاقتصادية التي رُفعت مؤخرًا، فإن التحدي الحقيقي يبقى في إعادة الثقة وبناء بيئة آمنة وحرّة تُحفِّز السياح على العودة.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • وزير خارجية السعودية ومبعوث واشنطن إلى دمشق يبحثان دعم سوريا
  • نائب رئيس الحكومة اللبنانية: التعاون مع سوريا ركيزة أساسية لحلّ ملف اللاجئين السوريين في لبنان
  • برلماني: مصر تصدت بحزم لمحاولات تهجير الفلسطينيين بتوجيهات حاسمة من الرئيس السيسي
  • تشكيل اللجنة العليا لـ«انتخابات مجلس الشعب».. خطوة حاسمة في مسار الديمقراطية السورية
  • التحقيق مع أمين سلام سيتشعّب ويطول...
  • التشكيلات الدبلوماسية أمام مجلس الوزراء الإثنين وعون يلتقي البابا اليوم
  • رئيس مجلس السيادة يهنئ الرئيس الروسي بالعيد الوطني لبلاده
  • رسالة حاسمة من الرئيس الألماني لـ إيران قبل زيارته إلى إسرائيل
  • سوريا: استشهاد مدنى واعتقال 7 آخرين خلال اقتحام إسرائيلى بلدة بريف دمشق
  • سوريا.. هل يتبخّر حلم انتعاش السياحة أمام الفوضى الأمنية والقيود على الحريات؟