الظل الروسي في الأزمة بين الجزائر ومالي
تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT
عدا عن الأسباب المحلية والعوامل الإقليمية المتداخلة من الصعب تجاهل أن لروسيا دورا في التأزم الذي تشهده علاقات الجزائر مع بعض الدول الإفريقية المحيطة بها وعلى رأسها مالي.
يصعب تخيّل الطغمة العسكرية الحاكمة في مالي «تستأسد» على الجزائر لو لم تكن وراءها قوة دولية تشجعها وتعدُها بالحماية. غالبا هذه القوة هي روسيا.
كانت مالي جارا مسالما للجزائر طيلة العقود الثلاثة التي أعقبت استقلال البلدين (مالي في 1960 والجزائر في 1962) حتى جعل الرئيس موسى طراوري من التوقف في مطار الجزائر ومقابلة رؤسائها، ولو لدقائق معدودة، سُنة من سُنن رحلاته إلى فرنسا وأوروبا. ناهيك عن الزيارات الرسمية المبرمجة.
في تسعينيات القرن الماضي انشغل كل بلد بهمومه الداخلية فتراجع منسوب الدفء في العلاقات. ثم تحوّل الفتور إلى جفاء رغم إصرار الجزائر على البقاء وسيطا في أزمات مالي الداخلية. آخر مستويات الفتور كان العداء الذي نشهده هذه الأيام. وحادثة المسيّرة المالية التي أسقطها سلاح الجو الجزائري في تينزاواتين من أعراض الأزمة وليست من أسبابها.
هل من الصدفة أن يتحوّل الفتور إلى عداء مع بدء تسلل اليد الروسية إلى القارة الإفريقية بذرائع متعددة أبرزها مساعدة الأنظمة الحاكمة على سحق خصومها المحليين؟ وهل من الصدفة أن يتزامن الفتور بين الجزائر ومالي مع ذوبان التقارب التقليدي الذي كان بين الجزائر وموسكو؟
ليس من السهل الجزم بأن روسيا تتعمد تأزيم العلاقات بين الجزائر وجيرانها الأفارقة، لكن يجوز القول إن الحضور الروسي هناك لا يخدم بالضرورة الأمن القومي الجزائري التساؤلات التي تُطرح الآن في الجزائر عن دور روسيا في مالي وأسرار تخليها عن تحالفها مع الجزائر في غير محلها، لأن الاعتقاد بأن الجزائر وروسيا حليفتان استراتيجيتان، ثم البناء على ذلك، مغالطة من الأساس. الاتحاد السوفييتي ذاته لم يكن حليفا استراتيجيا للجزائر، لم يدعمها بالجرأة المطلوبة حتى أثناء حرب التحرير (1954 ـ 1962) بشهادة كبار قادة الثورة مثل فرحات عباس والأخضر بن طوبال، ولم يعترف بحكومتها المؤقتة إلا بعد سنتين من تشكيلها وبعد أن اعترفت بها عشرات الدول القريبة والبعيدة.
بعد الاستقلال، وبحكم الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية لثورتها، ولظروف دولية مساعدة، وجدت الجزائر نفسها في فلك المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي، تتزود منه بحاجاتها العسكرية والاقتصادية دون أن يرقى ذلك إلى تحالف استراتيجي. بالنسبة للجزائر كانت موسكو سوقا لائقة للتزود بالسلاح وقطع الغيار العسكرية بشروط ميسَّرة أحيانا، وبالنسبة لموسكو كانت الجزائر زبونا جيدا ولاعبا يعيق، متى ما استطاع، تمدد الغرب الرأسمالي إلى شمال إفريقيا.
كانت الأرضية خصبة شجعت الود بين البلدين، فكان التقارب ذا طابعين، ثنائي ثم ضمن الكتلة الاشتراكية التي كانت تقارع الغرب الرأسمالي الاستعماري.
ورغم كل شيء، ورغم التعاون العسكري الكثيف، لم يبلغ التقارب بين البلدين مستويات استثنائية كأن يشمل مثلا بناء قواعد سوفييتية في الجزائر.
تزامن انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991 وانشغال الروس بمشاكلهم الداخلية مع انشغال الجزائر هي الأخرى بأزمتها الداخلية. بعد ذلك اختلفت روسيا عقائديا وبدأت تغيّر طموحاتها، ففقدت العلاقات الثنائية بريقها وأصبحت تعيش على الحنين وبقايا الاعتقاد بأن الدولتين حليفتان تقليديتان. وبينما عملت روسيا على التحرر من ذلك الاعتقاد، حافظت عليه الجزائر وظل خطابها السياسي والإعلامي يكرر، تلميحا وتصريحا، أن روسيا حليف استراتيجي. يجب القول أيضا إنه رغم التراجع، حافظت العلاقات الثنائية على دفئها وخلت من أسباب التوتر.
لكن بحلول العقدين الماضيين تراكمت جملة من العوامل عمّقت المسافة بين البلدين رغم استمرار الحديث في العاصمتين عن شراكة اقتصادية وسياسية قوية. من هذه العوامل حديث الجزائر عن تنويع صادرات سلاحها وتوجهها إلى الولايات المتحدة ودول غربية أخرى من أجل ذلك. تكرار الدبلوماسية الجزائرية أنها ترفض التدخلات الأجنبية في الدول الإفريقية بينما أصبح التدخل ركنا من أركان العلاقات الدولية الجديدة، وبينما كانت روسيا تتمدد في القارة، وفي دول على أبواب الجزائر، عبر شركاتها الأمنية ومرتزقتها وتؤثر في الصراعات الداخلية وفق حساباتها الخاصة. وعندما توغل الجيش الروسي في أوكرانيا امتنعت الجزائر عن دعم موسكو صراحة وفضلت الوقوف على الحياد، لكن نُسب لها إغراء أوروبا بغازها لتعويض الغاز الروسي الذي أُخضع لعقوبات غربية. هذه العوامل وأخرى كرّست الاعتقاد في موسكو بأن الجزائر ليست حليفا موثوقا، وكرّست الاعتقاد في الجزائر بأن عهد الصداقة القوية مع روسيا والوثوق بها قد ولّى.
ليس من السهل الجزم بأن روسيا تتعمد تأزيم العلاقات بين الجزائر وجيرانها الأفارقة، لكن يجوز القول إن الحضور الروسي هناك لا يخدم بالضرورة الأمن القومي الجزائري، وقد يضر به في بعض الحالات. ففي سعيها للتخلص من النفوذ الفرنسي في دول الساحل الإفريقي، عملت روسيا على توجيه قادة هذه الدول إلى التضحية برصيد العلاقات مع دول الجوار وبينها الجزائر.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الجزائر مالي روسيا الجزائر روسيا مالي سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بین الجزائر
إقرأ أيضاً:
اتحاد الشركات يستعرض دور قطاع التأمين في حماية المرأة ماليًا واجتماعيًا،
تناولت نشرة اتحاد شركات التأمين المصرية هذا الأسبوع، دور قطاع التأمين في حماية المرأة ماليًا واجتماعيًا، باعتبار أن التأمين يعبر عن عقد يتم بمقتضاه نقل عبء المخاطر من الفرد «المؤمن له» إلى شركة التأمين، مقابل قسط معلوم، وذلك لتوفير الحماية المالية ضد الخسائر المحتملة.
وأفرد الاتحاد في نشرته، أنواع التأمين التي تخدم المرأة بشكل مباشر، والتي من بينها التأمين الصحي للنساء، والذي يشمل خدمات الرعاية الصحية الإنجابية، والحمل والولادة، وفحوصات الكشف المبكر عن الأمراض مثل سرطان الثدي وعنق الرحم.
بالإضافة إلى التأمين على الحياة، حيث يضمن استقرار الأسرة المالي في حال وفاة المرأة المعيلة أو أحد أفراد الأسرة، والتأمين متناهي الصغر، والذي يستهدف النساء في المشروعات الصغيرة والمتوسطة أو في الاقتصاد غير الرسمي، لتوفير حماية مالية بأسعار ميسّرة، فضلاً عن تأمين الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وعن العلاقة بين التأمين والمرأة، قال اتحاد شركات التأمين: ترتبط احتياجات المرأة بالتأمين بشكل وثيق بخصائص ديموغرافية واجتماعية واقتصادية مميزة، منها طول العمر المتوقع حيث تعيش النساء غالباً لفترات أطول من الرجال، مما يعني حاجة أكبر للتخطيط المالي للتقاعد والحماية من مخاطر نفاد المدخرات، إلى جانب المخاطر الصحية الخاصة، حيث تتعرض المرأة لمخاطر صحية مرتبطة بالحمل والولادة وأمراض مثل سرطان الثدي وعنق الرحم، والتي تتطلب رعاية طبية مكلّفة.
وتابع الاتحاد، أن المرأة تتحمل الكثير من مسؤولية إدارة شؤون الأسرة إلى جانب عملها خارج المنزل، مما يجعل استقرارها المالي أساسياً لاستقرار الأسرة بأكملها.
وأشار اتحاد شركات التأمين إلى دور التأمين في حماية المرأة ماليًا، من خلال تغطية التكاليف الباهظة، حيث يخفف التأمين الصحي العبء المالي عن المرأة وعائلتها في حال الإصابة بالأمراض المزمنة أو الحاجة إلى عمليات جراحية أو رعاية طويلة الأمد، بالإضافة إلى التركيز على الأمراض النسائية، حيث تقدم بعض وثائق التأمين تغطية مخصصة لأمراض مثل السرطانات النسائية، مما يشجع على الكشف المبكر والعلاج الفعال.
هذا بالإضافة إلى الحفاظ على المدخرات، حيث يمنع التأمين الصحي استنزاف مدخرات الأسرة في حالات الطوارئ الطبية، مما يحافظ على رأس المال المالي للمرأة ويحميها من الوقوع في براثن الفقر.
وأضاف الاتحاد، يساهم القطاع في تأمين الدخل، ففي حالة العجز أو الإصابة التي تمنع المرأة من العمل، يوفر تأمين الدخل دخلاً منتظماً يحل محل الراتب المفقود.
وأفاد، يحمي تأمين الحياة الزوجة والأطفال من العواقب المالية المدمرة لوفاة المعيل الرئيسي «الزوج أو الأب»، مما يضمن استمراريتهم في التعليم والمعيشة.
وأردف، تمثل منتجات التأمين على الحياة ذات الطابع الادخاري أداة فعالة للمرأة للادخار بشكل منظم لمرحلة التقاعد، خاصة مع فجوات المعاشات التقاعدية.
وأشار الاتحاد إلى وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق كنموذج لدور التأمين في حماية المرأة ماليا و اجتماعياً، حيث تضمن قانون التأمين الموحد رقم 155 لسنة 2024 مادة غير مسبوقة تلزم الزوج بدفع مبلغ تأميني تحت بند «التأمين ضد مخاطر الطلاق» والذي تتقاضاه المطلقة وفقًا لشروط وضوابط حددها القانون.
وتهدف الوثيقة إلى ضمان حقوق المرأة في حالات الطلاق وتأمينها ماديا لحين حصولها علي جميع مستحقاتها وهو ضمانة لأمانها النفسي واستقرار أسرتها، و خاصة في حالة السيدات اللاتي لا تعملن وليس لديهن دخل ثابت. و تعكف اللجان الفنية باتحاد شركات التأمين المصرية على دراسة الشكل المقترح للوثيقة تمهيدا للعرض على الهيئة العامة للرقابة المالية.
رأي اتحاد شركات التأمين المصريةالتأمين ليس مجرد أداة مالية تقنية، بل هو ركيزة أساسية لتحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة، من خلال توفير شبكة أمان ضد الأخطار الصحية والمالية، يمكن للتأمين أن يطلق العنان لإمكانات المرأة، ويعزز استقلاليتها، ويسهم في استقرار أسرتها ومجتمعها.
وأضاف، الاستفادة الكاملة من هذه المزايا تتطلب مواجهة جادة ومتعددة الأوجه للفجوات القائمة، والتي تتراوح بين العوائق الهيكلية في سوق العمل، والقصور في تصميم منتجات تأمينية مخصصة للنساء، والتحديات الاجتماعية والثقافية عميقة الجذور.
وقال: إن سد هذه الفجوات ليس مسؤولية قطاع واحد، بل هو جهد مشترك يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الحكومات، والجهات التنظيمية، وشركات التأمين، والمجتمع المدني، لبناء نظام تأميني شامل وعادل، يحقق الحماية الكاملة للمرأة ويسهم في بناء مجتمع أكثر مرونة وازدهاراً للجميع.
اقرأ أيضاًسعر الذهب في الإمارات اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025
البورصة المصرية تربح 15 مليار جنيه عند إغلاق التعاملات
ارتفاع سعر سبيكة الذهب btc اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 في الصاغة