تُعد قرارات دونالد ترامب المتسارعة بفرض تعريفات جمركية موسعة على واردات رئيسية من الصين والاتحاد الأوروبي، محطة محورية أعادت تشكيل مسار الاقتصاد العالمي، وأثارت قلقًا بالغًا في أسواق المال والطاقة على حد سواء. وبينما تركزت بعض التحليلات على الجانب التجاري المباشر، فإن التأثير الأعمق والأكثر تعقيدًا برز في سوق الطاقة، الذي يُعد بطبيعته حساسًا للتقلبات الجيوسياسية، والتوترات التجارية، وسلاسل الإمداد العالمية، وهو ما بلور الحاجة إلى مقاربة متعددة الأطراف.

 

ورغم أن النفط لم يكن مستهدفًا بشكل مباشر في الإجراءات الجمركية، إلا أن السياسات التجارية الأمريكية ساهمت في زعزعة الثقة بالأسواق العالمية، ما أدى إلى تقلبات حادة في أسعار النفط، وهو ما أشارت إليه مجموعة من التقديرات والمؤشرات الدولية، فبحسب تقرير صادر عن “وكالة الطاقة الدولية” (IEA)، فإن حالة عدم اليقين التي أفرزتها الحرب التجارية أدت إلى تباطؤ الطلب العالمي على النفط ووجود فائض مستمر في العرض حتي عام 2026 ليصل إلى 690 ألف برميل يومياً إلي جانب التوقع بارتفاع فائض المعروض العالمي إلى 1.7 مليون برميل يومياً خلال الربع الأول من العام المقبل، وذلك نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي في كل من الصين والاتحاد الأوروبي

وفي الوقت نفسه، خفضت أوبك" توقعاتها لنمو الطلب على النفط لعامي 2025 و2026 جراء الحرب التجارية وكنتيجة مباشرة لتأثير تعريفات ترامب الجمركية التي أثرت سلباً على الاستهلاك، وبالتالي تم تقليص توقعات النمو بمقدار 100 ألف برميل يومياً، حيث يتوقع أن يبلغ النمو حوالي 1.3 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل نحو 1% سنوياً في كلا العامين.

ورغم هذه التخفيضات لا تزال توقعات أوبك أعلى بكثير من معظم الجهات الأخرى، إذ خفضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تقديراتها لعام 2025 بنسبة 30% إلى 900 ألف برميل يومياً، وتوقع "جولد مان ساكس" نمواً يبلغ 500 ألف برميل فقط يومياً.

كما خفّض "جولد مان ساكس" توقعاته لسعر خام برنت لعام 2025 من 73 دولاراً للبرميل إلى 66 دولاراً، كما خفضه لعام 2026 من 61 دولاراً للبرميل إلى 58 دولاراً. كما خفض توقعاته لسعر خام غرب تكساس الوسيط العام 2025 من 69 دولاراً إلى 62 دولاراً للبرميل، وتوقعاته لعام 2026 من 57 دولاراً إلى 53 دولاراً.

وفي هذا الإطار، وبعد استقراء التقديرات الدولية بشأن أسواق النفط، يتصدر التساؤل المتعلق بأسباب تراجع إنتاج النفط في الولايات المتحدة؟

فقد بدأت تلوح في الأفق احتمالية ليس فقط لركود نمو إنتاج النفط الأمريكي، بل لتراجعه الفعلي، وذلك على خلفية تنامي حالة عدم اليقين بشأن سياسات الرئيس ترامب التجارية، وانخفاض الأسعار بشكل أكبر على المدى القريب وهو ما سيسهم بدوره في تأجيل إتمام حفر آبار جديدة أو إغلاق آبار قائمة، ما سيقلل إمدادات النفط بشكل كبير في 2025.

وهو ما برز خلال تقديرات لصحيفة "وول ستريت جورنال"، والذي توقع بتخفيض تقديرات النمو في الولايات المتحدة بشكل كبير، حيث أنه إذا انخفضت أسعار الخام الأمريكي إلى 50 دولاراً للبرميل، فإن الإنتاج المحلي قد يتراجع بأكثر من مليون برميل يومياً خلال 12 شهراً. 

إما ما يتعلق بالتأثيرات على الأسواق المنتجة، فإن الوضع الاقتصادي يشهد إعادة رسم لخريطة تدفقات الطاقة العالمية بعيدًا عن المحور الأمريكي، فهناك إعادة ترتيب للتحالفات والأسواق الطاقية متمثل في تسريع التوجه نحو تنويع الشراكات التجارية في مجال الطاقة، فبعض الدول الخليجية لديها انكشاف في صادراتها إلي الصين ولاسيما عمان، التي تتجه اكثر من 40% من صادراتها إلي السوق الصيني ثم قطر والسعودية، وبالتالي تتعمق التأثيرات في ميزان المدفوعات، ولكن بتأثير أقل نسبياً نتيجة قدرة الدول الخليجية علي امتصاص الصدمات الخارجية المتمثلة في 3 أبعاد الأول خفض الأنفاق، وخاصة الاستثماري ، ثانيا استخدام بعض الاحتياطات ، وثالثاً، توظيف سوق السندات والذي يمُكن أن ينظر إليه كونها خطوة اجرائية متوسطة المدي. 

كما بدأت دول آسيوية وأوروبية تعزز تعاونها مع دول الخليج وروسيا لتأمين إمدادات أكثر استقرارًا. كما دخلت الصين في شراكات استراتيجية جديدة مع إيران وكازاخستان لتقليل اعتمادها على الأسواق الأمريكية. 

في ضوء هذه التحديات، يبدو أن سوق الطاقة العالمي يتجه إلى مرحلة من التكيف القسري مع واقع يتسم بارتفاع في الكلفة وتقلبات متزايدة. ومع استمرار إدارة ترامب في تبني نهج تصعيدي تجاه الشركاء التجاريين، من غير المرجح حدوث انفراج قريب. وتتوقع مؤسسة “وود ماكنزي” أن تستمر أسعار النفط في نطاق متقلب يتراوح بين 70 و85 دولارًا للبرميل خلال النصف الثاني من 2025، مع ضغوط على المنتجين والمستهلكين على حد سواء.

ختاماً، إن ما أفرزته التعريفات الجمركية الأمريكية في عام 2025 لا يُعد مجرد أزمة تجارية، بل هو مؤشر على تحول هيكلي أعمق في النظام الاقتصادي والطاقي الدولي. فمع تنامي النزعة القومية الاقتصادية وتراجع فاعلية المؤسسات متعددة الأطراف، تصبح الحاجة ملحّة لإعادة التفكير في أطر التعاون الدولي، خاصة في قطاع حيوي مثل الطاقة، الذي يظل ركيزة الاستقرار الاقتصادي والاستراتيجي للدول.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: التعريفات الجمركية الصين الولايات المتحدة المزيد برمیل یومیا ألف برمیل وهو ما

إقرأ أيضاً:

الذهب والنفط يتراجعان مع ترقب لقاء ترامب وبوتين

تراجعت أسعار الذهب اليوم الاثنين، كما واصلت أسعار النفط خسائرها في وقت يترقب فيه المستثمرون نتيجة محادثات بين الولايات المتحدة وروسيا هذ الأسبوع بشأن الحرب في أوكرانيا، وكذلك البيانات حول التضخم في يوليو/تموز التي قد تقدم مزيدا من الوضوح حول قرارات مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بشأن أسعار الفائدة.

وفي التعاملات المبكرة اليوم تراجع الذهب في المعاملات الفورية 0.6% إلى 3378.49 دولارا للأوقية (الأونصة)، بعد أن سجل أعلى مستوى منذ 23 يوليو/ تموز يوم الجمعة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل تحقق أفغانستان الاكتفاء الذاتي من الطاقة بعد توقيع الاتفاق الأكبر في تاريخها؟list 2 of 2الكويت توقع عقودا لمحطة توليد طاقة بـ3.27 مليارات دولارend of list

وانخفضت العقود الأميركية الآجلة للذهب لشهر ديسمبر/ كانون الأول 1.4% إلى 3441.20 دولارا.

وقال مات سيمبسون المحلل الكبير لدى سيتي إندكس "أسفرت تهدئة التوتر الجيوسياسي بشأن الحرب في أوكرانيا عن انخفاض الذهب بشكل أكبر، بعد الإعلان يوم الجمعة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيلتقي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على الأراضي الأميركية".

وقال ترامب يوم الجمعة إنه سيلتقي بوتين في 15 أغسطس/ آب في ألاسكا للتفاوض بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وينصب التركيز أيضا على بيانات أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة المقرر صدورها غدا الثلاثاء، إذ يتوقع المحللون أن يساهم تأثير الرسوم الجمركية في ارتفاع التضخم الأساسي 0.3% ليصل المعدل السنوي إلى 3% ويبقى بعيدا عن هدف البنك المركزي البالغ 2%.

وعزز تقرير الوظائف الأميركي الأحدث، الذي جاء أضعف من المتوقع، التوقعات بخفض مجلس الاحتياطي لأسعار الفائدة في سبتمبر/أيلول. وتشير الأسواق إلى احتمالية تبلغ 90% تقريبا لخفض الفائدة في سبتمبر/أيلول، وخفض واحد آخر على الأقل بحلول نهاية العام. ويميل الذهب إلى الاستفادة من انخفاض أسعار الفائدة.

وتحظى المناقشات التجارية بين الصين والولايات المتحدة أيضا باهتمام كبير مع اقتراب الموعد النهائي الذي حدده ترامب في 12 أغسطس/ آب الجاري لإبرام اتفاق تجاري بين البلدين.

إعلان

وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى:

هبطت الفضة في المعاملات الفورية 0.5% إلى 38.13 دولارا للأوقية. تراجع البلاتين 1.1% إلى 1317.90 دولارا. ارتفع البلاديوم 0.1% إلى 1127.37 دولارا. العقود الآجلة لخام برنت تراجعت إلى 66.26 دولارا للبرميل كما نزل خام غرب تكساس إلى 63.49 دولارا (شترستوك)النفط يواصل التراجع

وواصلت أسعار النفط تراجعها في التعاملات الآسيوية اليوم، لتواصل خسائرها التي تجاوزت 4% الأسبوع الماضي في وقت يترقب فيه المستثمرون نتيجة محادثات أميركية روسية.

وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 33 سنتا بما يعادل 0.5% إلى 66.26 دولارا للبرميل بحلول الساعة 04:30 بتوقيت غرينتش، كما نزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 39 سنتا إلى 63.49 دولارا للبرميل.

وزادت التوقعات باحتمال إنهاء العقوبات التي حدت من إمدادات النفط الروسي إلى الأسواق العالمية بعد أن قال الرئيس الأميركي الجمعة إنه سيلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 15 أغسطس/ آب بألاسكا للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وحذرت سوجاندا ساشديفا من مؤسسة "إس إس ويلث ستريت" وهي شركة أبحاث مقرها نيودلهي "إذا تعثرت محادثات السلام وطال أمد الصراع، فيمكن للسوق أن تميل سريعا لاتجاه صعودي مما قد يدفع لزيادات حادة في أسعار النفط".

وحدد ترامب موعدا نهائيا لروسيا حل الجمعة الماضية للموافقة على السلام في أوكرانيا وإلا ستواجه الدول التي تشتري نفطها عقوبات ثانوية، وضغط في الوقت نفسه على الهند لخفض مشترياتها من النفط الروسي.

ومن المتوقع أن تضغط الرسوم الجمركية الأميركية الأعلى التي فرضها ترامب على الواردات من عشرات الدول، ودخلت حيز التنفيذ يوم الخميس، على الأنشطة الاقتصادية بسبب تغييرها لمسارات سلاسل الإمداد وتأجيج التضخم.

وتحت تأثير التوقعات الاقتصادية القاتمة:

انخفض برنت 4.4% خلال الأسبوع المنتهي يوم الجمعة. تراجع خام غرب تكساس الوسيط 5.1%.

كما أظهرت بيانات من المكتب الوطني للإحصاء يوم السبت أن أسعار المنتجين في الصين (أكبر مستورد للنفط في العالم) تراجعت بأكثر من المتوقع في يوليو/تموز بينما استقرت أسعار المستهلكين، مما يشير إلى مدى تأثير الطلب المحلي الضعيف والغموض التجاري القائم على معنويات الاستهلاك والشركات.

مقالات مشابهة

  • إدارة معلومات الطاقة تتوقع هبوط برنت دون 60 دولارا
  • إدارة الطاقة الأمريكية تتوقع هبوط أسعار النفط إلى أقل من 60 دولاراً للبرميل
  • استقرار أسعار النفط.. وخام برنت يسجل 66.15 دولار للبرميل
  • 1.4 مليون برميل يومياً.. أوبك ترجح نمو الطلب على النفط في 2026
  • أوبك تثبت توقعات نمو الطلب على النفط عند 1.3 مليون برميل يوميا
  • العراق يخفض إنتاجه النفطي بأكثر من 130 الف برميل يوميا في تموز
  • الذهب والنفط يتراجعان مع ترقب لقاء ترامب وبوتين
  • تراجع أسعار النفط.. وخام برنت يسجل 66.07 دولارًا للبرميل
  • مؤسسة النفط: إنتاج ليبيا يتجاوز 1.38 مليون برميل يومياً
  • مونيكا وليم تكتب: القرار الإسرائيلي نحو إعادة احتلال غزة.. الأبعاد العسكرية والإستراتيجية