زهير عثمان

السياق السياسي – خطوةٌ لا تخلو من الدلالات

في خضم الحرب الأهلية المتصاعدة وتعقيد المشهد السياسي والعسكري في السودان، يبرز تعيين السفير عمر محمد أحمد الصديق وزيرًا للخارجية في الحكومة الانتقالية بقيادة الجيش كخطوة استراتيجية ذات أبعاد متعددة. فالقرار يتجاوز مجرد اختيار دبلوماسي مخضرم، ليحمل إشارات محتملة لإعادة تموضع تيارات الإسلام السياسي – أو على الأقل فصيل منها – في مفاصل الدولة، بعد سنوات من التراجع الذي أعقب سقوط نظام البشير.



يأتي التعيين في لحظة حرجة يواجه فيها السودان عزلةً دوليةً متنامية، وأزمة إنسانية طاحنة، وصراعًا داخليًا محتدمًا بين الجيش وقوات الدعم السريع. في هذا السياق، يبدو التعيين محاولةً لإعادة ضبط البوصلة الدبلوماسية، وتجميل صورة السلطة القائمة أمام الخارج، دون الإخلال بالتحالفات الداخلية.

من هو عمر الصديق؟ دبلوماسية مهنية أم أيديولوجيا مُعلّبة؟

السفير عمر الصديق ليس غريبًا على السلك الدبلوماسي السوداني. تخرج في جامعة الخرطوم عام 1979، وتدرج في وزارة الخارجية منذ العام 1980. تنقل في عواصم مهمة كسفير في بريطانيا، ألمانيا، الصين، وجنوب إفريقيا، وكان أيضًا مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة.

لكن خلفيته الأيديولوجية تثير الجدل؛ فقد شغل مناصب حساسة خلال حكم الإنقاذ الإسلامي (1989 – 2019)، وكان من أبرز الوجوه التي تولت صياغة خطاب خارجي يُمازج بين اللغة الدبلوماسية الناعمة والانتماء العقائدي. ورغم ارتدائه عباءة "المهنية"، ظل مقربًا من توجهات الإسلاميين، ما يجعل تعيينه اليوم محل تساؤلات: هل يمثل امتدادًا لخط سياسي قديم، أم بداية لنهج جديد في ظروف مختلفة؟

تحليل التعيين – احترافية أم إعادة تدوير للنظام السابق؟

البُعد الداخلي – هندسة المشهد السياسي

احتواء الإسلاميين: يبدو التعيين محاولة لاستيعاب التيار الإسلامي داخل مؤسسات الدولة، عبر منحه أدوارًا غير أمنية، مع ضمان ألا تعود له السيطرة الكاملة. وذلك بهدف خلق توازن داخلي دون إغضاب القواعد المؤيدة للحرب

الالتفاف على مطالب الإصلاح: يُقرأ التعيين ضمن موجة أوسع من إعادة تمكين عناصر النظام السابق تحت غطاء "الكفاءة"، في سياق مساعٍ لتعويم الحكومة الحالية بشخصيات ذات قبول خارجي دون تغيير حقيقي في جوهر المشروع السياسي.

البُعد الإقليمي والدولي – خطاب مزدوج وتحالفات متغيرة

تحسين الصورة الدولية: يعوّل النظام على خبرات الصديق وعلاقاته الدولية في كسر العزلة، خاصة مع تصاعد الانتقادات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب.

الانحياز لمحاور إسلامية: ثمة من يرى أن التعيين قد يندرج ضمن توجه أوسع نحو تمتين الروابط مع محاور إسلامية مثل تركيا وقطر، ما قد يعيد إنتاج خطاب "المظلومية الإسلامية" أو يثير حساسيات إقليمية في ظل التنافس مع دول مثل الإمارات ومصر.

تحديات في الداخل والخارج – هل يكفي قناع الدبلوماسية؟

داخليًا: يواجه الصديق شكوكًا من التيارات الليبرالية والعلمانية، التي تخشى أن يكون التعيين واجهة لإعادة تدوير الإسلاميين. وتُطرح تساؤلات مشروعة حول قدرته على الفصل بين قناعاته الأيديولوجية ومتطلبات إدارة ملفات حساسة كالعلاقة مع إسرائيل، أو التفاوض في ملفات الحرب والسلام.

خارجيًا: ستراقب العواصم الغربية هذا التعيين بحذر، خاصة إذا ارتبط أداء السودان الخارجي بخطاب إسلامي يعيد إلى الأذهان مراحل من دعم جماعات متطرفة. كما أن التوفيق بين علاقات متوازنة مع الغرب، والانحياز لمحاور إقليمية إسلامية، يظل تحديًا عسيرًا في ظل الانقسامات الجيوسياسية الحالية.

دروس التاريخ – هل ينجح النموذج الهجين؟

النموذج التركي: تجربة حزب العدالة والتنمية تُظهر كيف يمكن توظيف الخطاب الإسلامي في إطار دبلوماسية نشطة. لكنها أيضًا تُظهر حدود هذا النموذج عندما يدخل في صراع مع الداخل أو يتصادم مع الغرب.

النموذج المصري: تجربة الإخوان في السلطة (2012-2013) لم تفلح في تحقيق الاستقرار، وانتهت بقطيعة داخلية وخارجية حادة.

في السودان، قد يكون التعيين محاولة لابتكار نموذج "هجين" يجمع بين المهنية والاعتدال الإسلامي، لكن نجاحه مرهون بقدرته على تجاوز إرث الماضي، والتعامل بواقعية مع معادلات الداخل والخارج.

السيناريوهات المحتملة – بين الجسر والمطب

سيناريو التوازن: أن ينجح الصديق في إقناع المجتمع الدولي بقدرة السودان على اتباع سياسة خارجية عقلانية، تعزز الاستقرار وتُجنّب البلاد مزيدًا من العزلة.

سيناريو الاستقطاب: أن يتحول التعيين إلى منصة لعودة خطاب أيديولوجي يقسم الساحة السياسية ويعمّق العزلة الخارجية.

سيناريو "التكتيك المؤقت": أن يُستخدم الصديق كورقة تفاوضية مرحلية لتحسين شروط التعاون الدولي، دون نية حقيقية لإصلاح جوهري في السياسات أو تركيبة السلطة.

بين المهنية والمشروع السياسي

لا يمكن فصل تعيين السفير عمر الصديق عن محاولة النظام الحالي للنجاة في لحظة مصيرية من تاريخ السودان. وبينما يُقدّم الرجل كخبير قادر على مخاطبة الخارج بلغة يفهمها، تظل أسئلة الداخل معلقة: هل سيكون سفير المهنية في وجه العاصفة، أم مجرد واجهة لمشروع سياسي يريد العودة من باب "الاعتدال"؟

السؤال الأهم- هل سيكون جسرًا للعبور إلى المستقبل، أم جسرًا يعيد السودان إلى مربع الماضي؟

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: عمر الصدیق السفیر عمر

إقرأ أيضاً:

وزير الداخلية يبحث مع القائم بأعمال السفير الأمريكي سبل تعزيز التعاون الأمني

انضم إلى قناتنا على واتساب

شمسان بوست / الإعلام الأمني _ عدن:

التقى وزير الداخلية اللواء الركن إبراهيم علي حيدان، اليوم، عبر تقنية الاتصال المرئي، القائم بأعمال سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى اليمن، السيد جوناثان بيتشيا، بحضور اللواء عبدالجبار سالم، وكيل مصلحة الهجرة والجوازات.

وجرى خلال اللقاء مناقشة سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين الصديقين في المجال الأمني، خاصة فيما يتعلق بتطوير أنظمة الرقابة على المنافذ الحدودية، وتحديث نظام التأشيرة الإلكترونية، بما يسهم في رفع كفاءة الأجهزة الأمنية وتعزيز قدراتها في ضبط الحدود والتصدي للتهديدات الأمنية.

واستعرض وزير الداخلية الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية في حفظ الأمن والاستقرار، مشيرًا إلى النجاحات المتحققة في مختلف القطاعات الأمنية، ومنها مصلحة الهجرة والجوازات، التي تشهد حاليًا عملية تحديث شاملة ضمن مشروع التحول الرقمي الذي تتبناه الوزارة.

من جهته، أعرب القائم بأعمال السفير الأمريكي عن تهانيه لوزير الداخلية والقيادات الأمنية على الإنجازات التي حققتها الوزارة خلال الفترة الماضية، من خلال ضبط عدد من الخارجين عن القانون وإحباط محاولات تهريب كميات كبيرة من المواد الممنوعة.

وأكد السيد بيتشيا دعم بلاده المتواصل لجهود وزارة الداخلية اليمنية في مجال التدريب والتأهيل، وتعزيز قدرات الكوادر الأمنية، وتطوير البنية التحتية الرقمية، بما يواكب التطورات التكنولوجية الحديثة في المجال الأمني.

مقالات مشابهة

  • وزير النفط يبحث مع السفير الياباني تعزيز التعاون في قطاع الطاقة وجذب الاستثمارات
  • عبارات جميلة عن الصديق الوفي
  • وزير الداخلية يبحث مع القائم بأعمال السفير الأمريكي سبل تعزيز التعاون الأمني
  • وزير التموين يكلف إدارة الاتصال السياسي بسرعة فرز طلبات النواب لأجل المواطنين
  • محافظ الإسكندرية يستقبل وزير العمل لبحث ملفات التدريب والتشغيل والسلامة المهنية
  • بصمة خالدة.. اكتشاف أثر يد حرفي مصري عمره 4000 عام
  • وزير الدفاع التركي يلتقي السفير الأمريكي
  • السفير أنس الطيب الجيلاني يلتقي مستشار الرئيس الأذربيجاني للشئون الخارجية
  • نائب وزير الخارجية يشارك في اجتماع فريق الاتصال لمنظمة التعاون الإسلامي المعني بالصومال
  • تيتيه تودّع السفير الفرنسي.. تأكيد على التهدئة ودعم التوافق السياسي في ليبيا