الربيع ليس مجرد فصل يتبدل فيه الطقس وتخضر الأرض، بل هو تجربة شعورية وحالة وجدانية ألهمت الشعراء على مر العصور، تتجدد فيه الطبيعة، وتتفتح الزهور، ويطول النهار، وتزدهر الروح، وقد ارتبطت أعياد الربيع في الذاكرة الجمعية والطقوس الشعبية، بفرحة الخلاص من البرد واليباس، وبداية موسم جديد يفيض بالجمال والحياة، فكيف تفاعل الشعراء مع هذا الموسم؟ وكيف تحولت أعياده إلى رموز في القصيدة العربية؟

الربيع في الشعر العربي الكلاسيكي: البهجة والرقة

في التراث الشعري العربي القديم، نجد وصف الربيع في أبهى صوره، مقترنًا بالخمر والغزل والطبيعة، فقد كتب الشعراء قصائد وصفية تفيض بالصور البلاغية التي تجسد مظاهر الربيع بدقة وحب، مثل تفتح الأزهار، خرير المياه، اعتدال النسيم، ورقص الطيور.

أبو نواس، الشاعر العباسي المعروف بولعه بالحياة، قال في إحدى قصائده: (أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا.. من الحسن حتى كاد أن يتكلما).

ويُلاحظ في هذه الأبيات كيف يُشبه الربيع بكائن حي له قدرة على الابتسام والكلام، وهو تجسيد بلاغي لجمال الطبيعة.

أما المتنبي، فرغم فصاحته ووصفه المتقن، دائمًا ما كانت رؤيته مشوبة بالحكمة وميل إلى التأمل الوجودي، فيقول: (أرى كل يوم في الربيع زيادةً.. ومَا أنا منه مستلذٌّ ولا جلِدُ)، رغم جمال الطبيعة، فإن الشاعر لا يشعر بالابتهاج، وكأن الربيع يذكّره بما ينقصه في الداخل.

الربيع في الشعر الصوفي: صحوة الروح واحتفال بالمحبوب

في الشعر الصوفي، اتخذ الربيع بعدًا رمزيًا، يتجاوز الجمال الطبيعي إلى الجمال الإلهي. فهو موسم يقظة الروح، وتجلي الأنوار، وتفتح البصيرة. الشاعر الصوفي يرى في تفتح الزهور انعكاسًا لتفتح القلب.

جلال الدين الرومي يكتب: (كل زهرة تتفتح تهمس: "انهض... الوقت حان لتحبّ".... والعطر ليس من الزهرة فقط، بل من القلب العاشق)، هذه الرؤية تنزع من الربيع معناه المادي، وتضفي عليه بعدًا روحانيًا عميقًا، يجعله موسمًا من المواجهة مع الذات ومصالحتها.

أعياد الربيع والرمزية الشعرية: من النيروز إلى شم النسيم

أعياد الربيع، مثل عيد النيروز في الثقافات الفارسية والكردية، وشم النسيم في مصر القديمة، كانت مصدر إلهام شعري لقرون. وفي كل هذه المناسبات، يحتفل الناس بالحياة والطبيعة، ويشاركون في طقوس جماعية تعبّر عن الأمل.

وقد تناول بعض الشعراء هذه الطقوس في قصائدهم، مثل الخروج إلى الحدائق، أكل الأسماك والبيض الملون، والاستحمام في الأنهار كرمز للتجدد.

في الشعر العامي المصري، نقرأ عند صلاح جاهين:

في شم النسيم...

الدنيا لونها فلّ ومشمش

والضحكة طالعة من كل وشّ

وفي هذه الكلمات نلمس الروح الشعبية التي تستوعب الربيع كفرصة للفرح الجماعي، ولحظة من لحظات الصفاء.

الربيع والشعر الحديث: الحنين، المقاومة، والحرية

أما في الشعر الحديث، فقد اتخذ الربيع دلالات جديدة، خصوصًا لدى شعراء المقاومة والرومانسية الجديدة، فالربيع لم يعد فقط موسم الطبيعة، بل أصبح رمزا للأوطان الضائعة، وللثورات، ولأحلام الحرية.

محمود درويش، يكتب:

في الربيع، تتفتح الأرض كما قلب أمي

ويعود الحنين شجرة زيتون في باحة بيتنا

وفي قصائد نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، يظهر الربيع أحيانًا مغلفًا بالحزن، كأن جماله لا يكفي لتجاوز الفقد الداخلي.

المرأة والربيع: جمال مزدوج

لطالما اقترنت صورة الربيع بالأنوثة في الشعر، ليس فقط لنعومته وخصوبته، بل لأنه يشبه المرأة في كونه مصدرًا للدهشة والعطاء، العديد من الشعراء استخدموا الربيع استعارة للحبيبة، أو جعلوا من الحبيبة نفسها تجسيدًا للربيع.

يقول نزار قباني:

وجهكِ ربيع،

عيناكِ زهرتان على ضفاف القصيدة

وضحكتكِ أول شمّ نسيم بعد شتاء القلب

الربيع كشعرٍ متجدد لا ينتهي

من القصيدة الجاهلية إلى النص الحديث، بقي الربيع ملهمًا للشعراء، ليس فقط لجماله الحسي، بل لما يحمله من رموز، هو الأمل الذي يتفتح كل عام، والوعد بأن بعد الشتاء يولد الضوء، وفي كل عيد ربيع، تعود القصيدة لتزهر على شفاه الشعراء من جديد.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الربيع شم النسيم المزيد الربیع فی فی الشعر

إقرأ أيضاً:

البابا لاون الرابع عشر يشجع المؤمنين على أن يكونوا هيكلا مقدسا للرب

أطل قداسة البابا لاون الرابع عشر ظهر الأحد من على شرفة مكتبه الخاص في القصر الرسولي ليتلو مع وفود الحجاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس صلاة "افرحي يا ملكة السماء" ووجه كلمة توقف فيها عند إنجيل اليوم وشجع المؤمنين على أن يسيروا في فرح الإيمان وأن يكونوا هيكلًا مقدسًا للرب، وأن يلتزموا في حمل محبته إلى الجميع.

استهل البابا كلمته قبل تلاوة الصلاة مشيرًا إلى أنه بدأ منذ بضعة أيام خدمته ووجه كلمة شكر إلى المؤمنين على محبتهم وعطفهم تجاهه، طالباً منهم أن يعضدوه بواسطة الصلاة وأن يكونوا قريبين منه.

مسيرة الإيمان 

بعدها لفت عظيم الأحبار إلى أننا قد نشعر أحيانًا أننا لسنا أهلا لما يدعونا إليه الرب في حياتنا، كما في مسيرة الإيمان. بيد أن إنجيل اليوم يؤكد لنا أنه لا ينبغي أن ننظر إلى قوانا الخاصة، بل إلى رحمة الرب الذي اختارنا، واثقين بأن الروح القدس يقودنا ويعلمنا كل الأشياء.

4 نقاط مهمة في كلمة البابا لاون في قداس بدء الحبريةبحضور 300 ألف مصل .. البابا لاون يترأس قداس بدء الحبرية | صورالأمانة العامة للسينودس توجه رسالة إلى البابا لاون الرابع عشرالبابا لاون يزور الرئاسة العامة لرهبنة القديس أوغسطينوس

وأضاف قداسة البابا أن يسوع تحدث إلى الرسل، عشية موته عندما كانوا مضطربين وخائفين، ويتساءلون كيف يستطيعون أن يستمروا في الشهادة لملكوت الله، وأعلن لهم عطية الروح القدس، قاطعاً وعداً جميلا إذ قال: "إن أحبني أحدٌ يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلا".

مضى لاون الرابع عشر إلى القول إن الرب يسوع وبواسطة هذه الكلمات حرّر التلاميذ من كل خوف وقلق، وقال لهم "لا تضطرب قلوبكم ولا تخف". وإذا مكثنا في محبته، قال البابا، سيأخذ هو نفسه منزلاً فينا، وتصبح حياتنا هيكلاً لله وهذه المحبة تنيرنا، تتخذ فسحة لها في طريقة تفكيرنا، وفي خياراتنا، وتمتد لتشمل الآخرين وتشع في كل الأوضاع التي نعيشها.

ثم توجه الحبر الأعظم إلى المؤمنين الحاضرين في الساحة الفاتيكانية ومن تابعوه عبر وسائل التواصل قائلاً لهم إن المنزل الذي يتخذه الله فينا هو هبةُ الروح القدس، الذي يمسك بيدنا ويجعلنا نختبر، حتى في الحياة اليومية، حضور الله وقربَه، ويجعل منا منزلا أو مسكنا له.

وقال الأب الأقدس في هذا السياق إن كل واحد منا وإذ ينظر إلى دعوته الخاصة وإلى الواقع والأشخاص الذين أُوكلوا إليه، وإلى الالتزامات التي يقوم بها، وإلى خدمته في الكنيسة، يمكنه أن يقول بثقة: حتى إذا كنتُ هشاً، الرب لا يخجل من إنسانيتي، بل على العكس، فهو يـأتي ليأخذ له منزلاً في داخلي. إنه يرافقني بواسطة روحه القدوس، ينيرني ويجعلني أداةً لمحبته تجاه الآخرين، والمجتمع والعالم.

السير في الفرح 

بعدها شجع الحبر الأعظم المؤمنين على السير في فرح الإيمان، متخذين من هذا الوعد ركيزة لهم، وذلك ليكونوا هيكلًا مقدسًا للرب. وطلب منهم أن يتعهدوا في حمل محبته إلى كل مكان، متذكرين أن كل أخت وكل أخ هو مسكن لله، وأن حضور الرب يتجلى بنوع خاص في الصغار والفقراء والمتألمين، وهو يطلب منا أن نكون مسيحيين يقظين ورؤوفين.

في ختام كلمته قبل صلاة "افرحي يا ملكة السماء" طلب قداسة لاون الرابع عشر من جميع المؤمنين أن يتوكلوا على شفاعة العذراء مريم، مشيرا إلى أنها، وبعمل الروح القدس، أصبحت مسكناً مكرساً لله، ومعها يمكننا نحن أيضا أن نختبر فرح قبول الرب وأن نكون علامة وأداة لمحبته.  

طباعة شارك البابا لاون البابا لاون الرابع عشر القصر الرسولي الفاتيكان

مقالات مشابهة

  • البابا لاون الرابع عشر يشجع المؤمنين على أن يكونوا هيكلا مقدسا للرب
  • نبض بغداد تعيد "الروح" لشوارع العاصمة.. وعد جديد بالحياة 
  • إضاءة نقدية على القصيدة العمودية المعاصرة
  • البطين: آخر أنواء الربيع وبداية اشتداد الحر
  • آخر أنواء فصل الربيع.. الحصيني: اليوم.. بدء ثاني نجوم الثريا
  • إيمان الراشدي.. تحوّل الجدار إلى مرآة للهوية
  • الخط الحجازي يسيّر رحلة عائلية مميزة بالقطار إلى أم الجمال في يوم الاستقلال
  • الجمال والخدمات.. دهوك تستعد لمهرجان شامل للإحتفاء بالمحافظة (صور)
  • أمسية “مؤسسة فلسطين الدولية”: حين يتوّج الإبداع الذاكرة ويُغنّي الجمال في وجه العتمة
  • 7 يونيو.. أصالة تستعد لحفلها في الكويت «صورة»