بجيش قليل العدد والعتاد.. هل بريطانيا مستعدة لخوض حروب؟
تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT
لندن- في وقت تُصِّرُ فيه بريطانيا على المضي قدما في الحشد لتحالف عسكري بديل تحسبا لأي انسحاب أميركي محتمل من حلف الناتو، لا يبدو لكثيرين أن ذلك الطموح السياسي توازيه قدرات عسكرية كافية للدخول في أي مواجهة غير معروفة الخواتيم.
وفي ظل تواتر التصريحات على لسان مسؤولين عسكريين بريطانيين خلال السنوات الماضية المُحذِّرة من ضعف قدرات الجيش وتبعيته المزمنة للصناعات العسكرية الأميركية، يسعى البريطانيون مؤخرا لرصَّ الصفوف مع شركائهم الأوروبيين لسد تلك الفجوات الدفاعية.
وكشفت صحيفة التايمز البريطانية أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يستعدان لإبرام صفقة كبرى للتعاون العسكري في مايو/أيار المقبل تتجاوز القيود التي فرضها واقع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
مساع للتطوير
ويشرع الاتفاق الباب في الاتجاهين لتوريد أكبر للأسلحة من شركات بريطانية وأوروبية في محاولة لفك الارتباط الدفاعي بالحليف الأميركي، وفي ظل تعهد بريطاني برفع ميزانية الإنفاق العسكري إلى 2.5% من الناتج الداخلي الخام بحلول2027، في أعلى زيادة من نوعها منذ نهاية الحرب الباردة.
ولا يبدو أن لندن تطمح فقط للشراكة مع الأوروبيين، بل تسعى لتطوير بنية تحتية محلية للصناعات الدفاعية، حيث أشارت صحيفة الغارديان أن شركة "بي إيه إي سيستمز"، إحدى أهم المؤسسات الدفاعية البريطانية، تعد خطة لإنتاج كميات كافية من المواد المتفجرة والوقود العسكري لتعويض الواردات من الولايات المتحدة وفرنسا وسد حاجات الجيش.
إعلانوأفسح غياب الولايات المتحدة عن آخر مناورات عسكرية لحلف الناتو في فبراير/شباط الماضي المجال لبريطانيا لاختبار قدرتها على قيادة تدريبات "ستيدفاست دارت" بالجناح الشرقي للحلف، حيث ساهم البريطانيون بأكبر عدد من القوات بما يزيد على 2600 جندي و730 مركبة، نشرت في بلغاريا ورومانيا واليونان.
لكن هذا الحماس البريطاني قد لا يكفي لسد الفارق المتزايد في أعداد المجندين في الجيش مع توالي السنوات، حيث توقع وزير الدفاع البريطاني جون هيلي -في وقت سابق- أن ينخفض عدد القوات إلى 70 ألف جندي خلال السنة الحالية، في تراجع حاد وغير مسبوق في تاريخ الجيش البريطاني منذ عام 1793.
وتشير إحصاءات رسمية إلى انخفاض ممنهج في أعداد القوات العسكرية البريطانية، حيث كان ينضوي تحت لواء الجيش البريطاني حوالي نصف مليون جندي عام 1960، ليتراجع ذلك إلى 192 ألف جندي في 2010.
ما المطلوب؟
ويرى مثنى العبد الله، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، أن البريطانيين يدركون أن المكانة الدبلوماسية والسياسية لبلادهم لا توازي قدراتها العسكرية المتهالكة، التي أضحت بحاجة لصيانة وإعادة تأهيل مستعجلة في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
ويضيف العبد الله للجزيرة نت، أن بريطانيا غير جاهزة لقيادة تحالف عسكري بديل عن الزعامة الأميركية لحلف الناتو، وستحتاج لجهد مضاعف لاستدراك سنوات من التأخر في زيادة الإنفاق العسكري وإعادة تأهيل الترسانة النووية والبحرية والجوية، وجعل القطاع العسكري نقطة جذب تستقطب الكفاءات وتحفز الجنود على البقاء في الخدمة.
وكان الرئيس السابق للاستخبارات الخارجية البريطانية أليكس يانغر، قد دعا لبحث إمكانية فتح باب خدمة التجنيد التطوعي أو الإجباري في صفوف الجيش البريطاني لتعويض الأعداد المتزايدة التي تختار مغادرة الخدمة العسكرية، محذِّرا من استنزاف سريع للقوات البريطانية حال دخولها في مواجهة شبيهة بحرب أوكرانيا وروسيا.
لكن يبدو أن القادة العسكريين البريطانيين يرون أن الحروب التي قد تلوح في الأفق ستخاض بشكل مختلف، إذ قالت وزارة الدفاع البريطانية إنها ستنفق حوالي 10% من ميزانية الدفاع للعام الحالي على تطوير القدرات التكنولوجية والسيبرانية العسكرية، بما فيها تقنيات حديثة لإسقاط المُسيَّرات المعادية.
إعلانويرى بول غيبسون، المسؤول السابق في وزارة الدفاع البريطانية، أن تقييم قدرات الجيش البريطاني يجب أن يتواءم مع منطق الحروب المعاصرة التي أصبحت تعتمد أكثر على الكفاءة التكنولوجية والاستخباراتية، مشيرا إلى أن بريطانيا استطاعت خلال الفترة الماضية تعويض النقص في العنصر البشري عبر أنظمة عسكرية حديثة.
ويعتقد غيبسون في حديثه للجزيرة نت أن تطوير تقنيات عسكرية تستثمر في أنظمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي أصبح حاجة ملحة لمواجهة الحروب الهجينة والسيبرانية، التي يختار خصوم المعسكر الغربي ضد بريطانيا بشكل تزايد، أن تكون نمط المواجهة الجديدة، عوضا عن حروب معلنة تخاض وجها لوجه.
فك الارتباط صعبوتتعالى أصوات المسؤولين العسكريين البريطانيين داعية لأخذ احتمال اندلاع أي مواجهة على خطوط التماس بين حلف الناتو وروسيا على محمل الجد، والاستعداد الصارم لارتفاع منسوب التوتر في جبهات صراع أخرى كالمحيطين الهادي والهندي.
ولا يعد حلف الناتو المظلة العسكرية الوحيدة التي تربط بريطانيا بالولايات المتحدة، حيث يجمع الحليفين علاقات عسكرية خاصة، وشراكات دفاعية تتجاوز ضفتي الأطلسي.
وفي حين تنضوي بريطانيا إلى جانب كل من كندا والولايات المتحدة ونيوزيلندا وأستراليا فيما يعرف بتحالف العيون الخمس، وهو أحد أبرز الشبكات الاستخباراتية في العالم، لا تستطيع الغواصات النووية البريطانية أيضا أن تجوب المحيطات دون الاعتماد على الخبرات الأميركية في صيانتها وتأهيل الرؤوس النووية التي تحملها.
وفي السياق، يعتقد الباحث في سياسات الدفاع والأمن في المركز الأوروبي للسياسات الخارجية، رافائيل لوس، أن فك الارتباط العسكري مع الولايات المتحدة قد يصبح "مهمة صعبة" حين يتعلق الأمر بترسانة الردع النووي والتبادل الاستخباراتي، بالنظر لتاريخ الاعتماد الطويل لبريطانيا على القدرات الأميركية في المجالين.
إعلانوفي المقابل، يؤكد لوس للجزيرة نت، أن تحقيق الاستقلالية عن المظلة الأميركية "غير مستحيل" على الأمد البعيد، لكنه مكلف بالمنظور القريب، حيث تستطيع بريطانيا العمل بكفاءة مع دول أوروبية كفرنسا لبناء قاعدة تصنيع مستقلة للترسانة النووية، في ظل ما يصفها بـ"جرأة سياسية أوروبية ملحوظة" للتخفيف من التدخل الأميركي في الشؤون الأوروبية الدفاعية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الدفاع البریطانی الجیش البریطانی
إقرأ أيضاً:
صدور العدد الجديد من مجلة نزوى بملفات متنوعة وقضايا راهنة
صدر حديثا العدد 123 من مجلة نزوى الثقافية، مستهلاً افتتاحيته بمقال لعائشة الدرمكية رئيسة التحرير تتناول فيه موضوع "أنسنة النص وآليات الكاتب"، ويأتي هذا العدد مترافقا مع كتاب خاص بعنوان "سُلوة المحزون: مختارات من شعر راشد بن خميس الحبسي"، وهو عمل شعري انتقى نصوصه سليمان بن بلعرب بن عامر السليماني النزوي، وحققه وقدّمه وليد بن سعيد النبهاني.
ويضم العدد أيضا ملفًا فكريًا أعدته وقدّمته زهور كرَّام، يناقش مستقبل الكتابة الأدبية في ظل الذكاء الاصطناعي، بمشاركة مجموعة من الكتاب الذين تناولوا الموضوع من زوايا مختلفة، من بينهم إبراهيم عمري، ومشتاق عباس معن، ومحمد سناجلة، وريهام حسني.
وفي ملف آخر يناقش خطاب المجلات الثقافية ومقاربتها للأزمات نقرأ لعبده وازن مقالةً عن أزمة الصحافة الثقافية في لبنان في ظل المأزق السياسي الذي يعيشه البلد، أما سمية اليعقوبية وشيماء العيسائية فتذهب دراستهما لتحليل خطاب صحيفة "الجمهورية" وتحولاته خلال سنوات الحرب السورية، بينما يكتب عماد عبداللطيف عما أسماه بـ"قفلة القهر" التي تلازم الكاتب فتمنعه من التعبير عن رأيه تحت ضغط الأزمة، نتيجةً لافتقاد الدافعية أو اهتزاز الثقة وغياب الإحساس بالجدوى، كما يكتب عمر المغربي عن تاريخ الصحافة الثقافية العربية وتطورها في مساق الأزمات متوقفًا عند ما وصفه بـ"مغبة التمويل الأجنبي". ويصف ياسر عبدالحافظ في مقالته زمنَ المجلات الثقافية بـ"زمن الفراغ العظيم" الذي يتلاشى فيه التأثير الحقيقي للفن والثقافة بمواجهة الكوارث السياسية. وأخيرًا، تكتب سميحة خريس عن خطر التهميش الذي تتعرض له الثقافة بصورة عامة في واقعنا العربي.
وتتصدر باب الدراسات في هذا العدد دراسةٌ لبيير دوهام بترجمة محمد عادل مطميط تبحثُ في تطور نظريات المدّ والجزر في العصور الوسطى، مركزة على الأثر الكبير الذي تركه كتاب "المدخل الكبير" لأبي معشر البلخي على مفكري الغرب اللاتيني. وفي دراسة بعنوان "ارتحالات الحكاية" مرورًا من ابن حزم إلى بوكاشيو وحتى يوسف إدريس، يقدم عادل ضرغام قراءة تحليلية مقارنة بين ثلاث حكايات متشابهة في البنية والمحتوى رغم اختلاف السياقات التاريخية والثقافية. ونقرأ في دراسة بعنوان "التوليد الشعري في القصيدة العربية القديمة" لحافظ الرقيق عن تقنيات الابتكار والتجديد الشعري في الشعر العربي القديم. كما يقدم عقيل عبدالحسين قراءة في رواية لطيفة الدليمي "مشروع أوما" التي تطرح رؤية بديلة، بيئية يوتيوبية، لعالم ما بعد الحرب في العراق. وأخيرًا في باب الدراسات تطالعنا دراسة خديجة السويدي بعنوان "العقل البشري وسيرورة إنتاج الأدلة وتلقيها" والتي تستند فيها إلى فلسفة بورس الذرائعية لمقاربة فترة كوفيد-19 بوصفها فترة نموذجية لدراسة كيف ينتج العقل الدليل ويعيد تمثيله. وفي باب الحوارات، يحاور محيي الدين جرمة الناقد والمترجم الفلسطيني الأردني فخري صالح حورًا عن الترجمة وهيمنة السياسي على الثقافي ومخاطر الترجمة الوسيطة. وفي باب المسرح، تقدم رائدة العامري قراءة نقدية بعنوان "فعالية التشكيل في مسرحية "آزاد" لآمنة الربيع، التي تركز على أهمية الصراع الحواري في تكوين النص المسرحي وتصاعد نبرته الدرامية.
وفي باب السينما، يتتبع حسن سلامة نشأة وتطور واحدة من أبرز الحركات الثورية والمتمردة في تاريخ السينما وذلك في مقالته عن "التعبيرية الألمانية"، ويُفتتح باب الشعر في هذا العدد بقصائد لمحمد فؤاد الرفاعي تتلوها قصائد عائشة السيفي، وقصيدة بعنوان "برتقالتان لتعديل الطقس" لمحمد العديني، وقصيدة "السحرة" لسحن شهاب الدين، و"لكل رغبة ظلامها" لفرات إسبر، و"تضاريس كردية" لصفاء سالم إسكندر، و"آخر الناجين من الطوفان" لمصطفى ملح، و"هناك أكثر من طريق إلى غابة الظلام" لإسحاق الخنجري، و"من أين يأتي الضوء" لليلى عسَّاف، بالإضافة إلى ترجمة يقمها محمد العربي غجو لقصائد من شعر كرستينا بيري روسي.
بينما يُفتتح باب النصوص بترجمة لقصة "مصباح القلب" للكاتب الهندية بانو مشتاق الفائزة بجائزة البوكر العالمية، ترجمةٍ يقدمها علي عبدالأمير صالح. كما نقرأ قصة "المسافرون السبعة الفقراء" لتشارلز ديكنز بترجمة سارة باعمر وريم المعشنية، وقصة "رسائل الغرقى التي لا تصل" لسعيد الحاتمي، و"شجرة فرانكشتاين" لكاثرين دافي بترجمة نسرين البخشوني، و"تحت سماء واحدة" لمراد نجاح عزيز، و"جهة مجهولة" لعبدالحق السلموتي، و"يذهب الشجن إلى الماء" لنوفل نيّوف، وأخيرًا قصة "أعوام الحصيني" لرحمة المغيزوية.
وفي باب المتابعات والرؤى، يقدم حمزة فنين ترجمةً لمقالة جون برتراند بونتاليس "في استحالة الترجمة". ويكتب عماد الدين موسى عن غواية الشرق في الحكاية الألمانية من خلال قراءة ل"سفينة الأشباح” لفيلهلم هاوف، بينما يتناول رسول درويش في مقالته قراءة في كتاب "اللمسات الفنية عند مترجمي الخيام" لإبراهيم العريض، أما وجدان الصائغ فتقدم "وثيقة لحياة المثقف المنفي داخل العراق". وفي مقالها "جليلة بكّار، التمثيل وسؤال الكتابة المسرحيّة" تطالعنا راضية عبيد بقراءة في تجربة الممثلة والكاتبة المسرحية التونسية، كما تقدم وداد سلوم قراءة نقدية في رواية "ميثاق النساء" لحنين الصايغ، متحدثةً عن معاناة المرأة المزدوجة في مجتمع ريفي متشدد. أما سعاد زريبي فتذهب للحديث عن جماليات "الكامب" من حيث الشكل الفني والمظهر الاجتماعي. وأخيرًا في المتابعات، يناقش محمود ودغيري في مقالته كتاب "الأخاديد ونداؤها" لخالد بلقاسم.
كما تضمن هذا العدد من نزوى محورًا يقربنا من أجواء "فن الغرافيتي في شوارع بيروت" كتبته نادين سنو وترجمته عائشة الفلاحية. وفي محور آخر تطالعنا قصص لم تنشر من قبل للكاتب الفرنسي الشهير مارسيل بروست، قصص قدمها لوك فريس وترجمها كامل عويد العامري.