عوامل نهوض الأمة في مواجهة الأعداء من منظور خطاب السيد القائد
تاريخ النشر: 24th, April 2025 GMT
يمانيون../
سؤال أثاره السيد القائد في ضوء تجليات المرحلة وما يعصف بالمنطقة والعالم من متغيرات، وهو السؤال ذاته الذي يعيد تكراره على مسامع الأمة قادة وشعوباً من وقت لآخر: كيف لا يستغل العرب والمسلمون ما تمخض عن صمود غزة وما رافقه من تجليات إقليمية وعالمية تزيح الستار عما لم يكن في حسبان العدو في كل الساحات، بما فيها ساحة العدو وداعميه في أوروبا وأمريكا؟!
ولماذا يستمر الخذلان العربي الإسلامي للمقاومة، بينما عوامل كثيرة تظهر أن بإمكان العرب والمسلمين أن يستغلوا فرصة اليوم حيث تهيئ لعزة وكرامة أمة؟!
لقد لخص السيد القائد جملة عوامل هي في صالح الأمة لمواجهة مشروع سحق وتدمير العرب والمسلمين ومواجهة مشروع الصهيونية ونموذج اليمين المتطرف، حيث الإيمان بقتل وتشريد من طالته يد القتل من العرب والمسلمين، واستعباد من بقي منهم.
في عام ونصف من توحش صهيوني بغزة – أرهق أحرار الأمة بما فيه من دموية عدو، ومعه عون أمريكا وجزء من الغرب المتصهين، وحلف أعرابي – كانت التجليات تشير إلى أنه رغم ما حصل لسيف العروبة والإسلام من ثلم، إلا أنه بمقدوره أن يخوض معركته، حيث بشائر النصر تلوح في زحام الجرح وغضب الدم.
تناول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- العوامل التي رافقت حرب غزة وما مزجته من آلام وانتصار معًا، ولخصها في عوامل الصمود، والصحوة العالمية، وأزمات الداخل الصهيوني، وأزمات أمريكا العاصفة، والنموذج اليمني النهضوي المقاوم.
وبعرضه لهذه العوامل التي تظل روافع بناء، يشير إلى أنها كعناصر قوة تهدر حتى اللحظة؛ بدءًا بالصمود الفلسطيني الأسطوري للمقاومة والشعب معًا، والصحوة العالمية التي خرجت لتساند الحق الفلسطيني في كل أصقاع العالم، وما صاحبها من إعادة رسم الصورة الحقيقية للعدو الإسرائيلي الدموية في الذهنية الغربية، كذلك الأزمات المعقدة التي تعيشها أمريكا الداعم والشريك الرئيسي للكيان في حرب الإبادة بغزة وأحد أسباب استمرار مآسي العرب وتعطيل مشروع النهضة العربية.
النموذج اليمني المقاوم، برز بقوة إلى واجهة المشاريع التحررية، كأيقونة من أيقونات النضال العالمي، الذي جمع في تركيبته جانبًا فكريًا مقاومًا وجانبًا عمليًا يمثل عنصر القوة المادي، والمفترض أن يكون نموذجًا وباكورة يستند عليها أي مشروع نهضوي عربي إسلامي، في ظل مبادرة اليمن بعرض مساعداته للدول والشعوب العربية الإسلامية، والاستعداد لنقل تجربته الرائدة لشعوب الأمة، بعد أن حققت ما حققته من نجاح في مواجهة الهيمنة والاستكبار الأمريكي، والمشروع الصهيوني العالمي.
والواقع أن هذه العوامل برزت كفرص في صالح الأمة، لكن لا أحد بادر للأخذ بها من قادة هذه الأمة التي تبدو غير مكترثة بالمصير الذي يبشر به الصهاينة (الذبح) لأمة الإسلام.
عامل الصمود الذي برز في عام ونصف من عدوان صهيوني متوحش على قطاع غزة، هو في حد ذاته أحد روافع تحقيق النصر وكسر شوكة العدو الإسرائيلي، إذا ما عززت الأمة حضوره بالدعم والإسناد. لقد كان الصمود “الأسطوري” للمجاهدين في غزة، كما -يقول السيد القائد- هو في حد ذاته عامل من عدة عوامل مساعدة يجب أن تشجع الأمة على النهوض بمسؤوليتها.
فالمقاومة بهذا الحضور الفاعل كان تأثيرها واضحًا، وانعكس في اتجاهات ومستويات عدة، ففي الساحة الداخلية، مثل الصمود عامل ضغط ما زال يفعل فعله داخل كيان العدو، ومعه اتسعت رقعة الخلافات السياسية والاجتماعية والدينية بين المغتصبين، وهذا واضح جدًا فيما يتعلق بخلافات قادة العدو، حيث تتعالى الأصوات من أن هذا النهج الصهيوني والذي يقابله صمود فلسطيني، يقود العدو الإسرائيلي إلى الهاوية، بينما يتسع الشرخ داخل المجتمع الصهيوني، في ظل استمرار أزمة الأسرى التي تؤجج مزيدًا من النار، بينما تتآكل الثقة بقادة الكيان المحتل، وصولًا إلى مستوى الاستنزاف الذي يقرب هذا الكيان من حافة الهاوية ثم السقوط في حرب أهلية، كثير من القراءات تتوقعها من حين لآخر.
لهذا جاء تساؤل السيد القائد: أما كان هذا “الثبات العظيم عامل قوة مهم يفترض أن يُبنى عليه تحرك ودعم”؟!
ما يمكن أن نسميه “صحوة عالمية” كان عاملًا قويًا وما يزال إن أمكن أن يبنى عليه مشروع نهضة عربية إسلامية، قد لا يتكرر في هذه المرحلة.
هذه الصحوة، بحسب السيد القائد، “أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة اهتمام العالم”، وأصبحت مادة لاختبار “إنسانية” العالم والتزامه بـ”مبادئ حقوق الإنسان”، ضمن شعارات الحرية والمساواة والعدالة التي رفعها الغرب كشعار جديد لأوروبا والغرب المتحضر، الأمر الذي كان يفترض من قادة الأمة ومفكريه ونخبه البناء عليه، حيث أصبحت الشعوب في مختلف العالم تنظر إلى الكيان الصهيوني “أنه مجرم ظالم محتل يرتكب الإبادة الجماعية”، ووصلت هذه الصحوة الإنسانية إلى الساحة الأمريكية نفسها، حيث إن أكثر من نصف الأمريكيين، بحسب استطلاعات الرأي هناك، لم يعودوا متضامنين مع إسرائيل، والأمر كذلك في أوروبا.
وخلال فترة حصار غزة منذ 2007، أتاحت الهوامش الديمقراطية الغربية مجالًا لحراكات إنسانية لدعم غزة، مثل سفن كسر الحصار على سبيل المثال، لكنها لا تصل إلى ما وصل إليه الحراك الشعبي المؤيد لفلسطين منذ أكتوبر 2023 وحتى اليوم. بحسب الاستطلاعات الأمريكية مؤخرًا، هناك تنامي في مشاعر معاداة اليهود، وهي كذلك في الغرب الأوروبي.
ومن العوامل التي يذكرها السيد القائد للأمة على أنها فرصة للعرب والمسلمين للأخذ بها والبناء عليها، ومنها في إطار الصحوة ومناهضة المشروع الصهيوني، أن “بعض الأنظمة الأوروبية والأمريكية اللاتينية أعلنت عن مواقف متقدمة نسبياً متضامنة مع فلسطين”,
و يمكن إدراك أن هذا الموقف العالمي هو الأكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني والأقرب لإنصاف القضية الفلسطينية من أية مرحلة أخرى”.. لهذا يستغرب السيد القائد كيف لا يستثمر قادة هذه الأمة هذا العامل المهم، فيما الرأي العام العالمي مهيأ أكثر من أي وقت مضى للوقوف مع الشعب الفلسطيني، كيف لا يُستثمر هذا من أجل مشروع إنقاذ الأمة وبناء مشروعها الحضاري؟
إن التخاذل الحاصل في واقع الأمة، والذي سببه قادتها أولاً ونخبها ثانياً، لن يدوم طويلاً، فتاريخ الأمة يقول لنا إن هذه الأمة سرعان ما تنفض ضعافها من قادة وزعامات، ثم تستعيد موقعها، وهذا التوقيت في سياق الأحداث وتطوراتها لن يطول، بل سيجبرون عليه وإن كلفها كثيراً من التضحيات.
المسيرة : إبراهيم العنسي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: السید القائد
إقرأ أيضاً:
خطاب الملك أمام البرلمان الأوروبي: مرافعة دولة في وجه انحلال العالم
صراحة نيوز- النائب الكابتن زهير محمد الخشمان
حين يفقد العالم أدوات التمييز بين الجريمة والموقف، ويصبح الحق وجهة نظر، وتُستبدل القيم بالمصالح، لا يعود الحديث عن حياد أو توازن، بل عن عطبٍ عميق في النظام الدولي ذاته. في هذه اللحظة، وفي قلب أوروبا، وقف جلالة الملك عبدالله الثاني، لا ليجامل ولا ليهادن، بل ليواجه. لم يكن خطابه أمام البرلمان الأوروبي مجاملة دبلوماسية، بل مواجهة صريحة مع ما وصفه جلالته بأنه “فقدان للبوصلة الأخلاقية” في نظام عالمي بات يتعايش مع المجازر كما يتعايش مع مؤشرات الأسواق. هذا ليس خطابًا تقليديًا لدولة صغيرة تُطالب بالتضامن، بل مرافعة استثنائية لقائدٍ يُعلن من موقعه أن انهيار القيم ليس أزمة خطاب، بل تهديد مباشر لبقاء العالم الذي نعرفه.
في لحظة انكشاف عجز المجتمع الدولي عن مواجهة آلة القتل في غزة، لم يتردد جلالة الملك في تسمية الأشياء بمسمياتها، وتوصيف حالة الانحطاط الأخلاقي الذي تشهده المنظومة الدولية. استدعى جلالته تسلسل الانهيارات التي عصفت بالعالم خلال السنوات الأخيرة، من جائحة كورونا إلى الحرب في أوكرانيا، ومن فوضى المعلومات المضللة إلى المجازر المفتوحة في غزة، وصولًا إلى التصعيد الإقليمي مع إيران. لكنه لم يتوقف عند حدود السرد، بل قفز إلى قلب المعادلة، ليقول إن هذا التراكم لم يُنتج فقط اضطرابًا سياسيًا، بل أزمة في القيم ذاتها. لقد أصبح العالم، كما قال جلالته، بلا بوصلة، حيث تتبدل الحقيقة كل ساعة، وتتآكل القواعد، ويزدهر التطرف تحت غطاء العجز الدولي.
وفي مشهد غير مسبوق في صدقه ومباشرته، وضع الملك الجميع أمام سؤال أخلاقي مُحرج: كيف أصبح ما كان يُعتبر وحشيًا قبل عشرين شهرًا أمرًا اعتياديًا بالكاد يُذكر؟ كيف أصبحت المجازر في غزة، واستهداف الأطفال، وتجويع السكان، وقصف المستشفيات، تفاصيل هامشية في نشرات الأخبار؟ لم يكن هذا تساؤلًا بل اتهامًا، لا لمجرم واحد، بل لمنظومة دولية كاملة قررت أن تتواطأ بالصمت، أو بالإنكار، أو بالتبرير. لقد قالها الملك بوضوح: ما يجري في غزة ليس مأساة محلية، بل فضيحة أخلاقية عالمية، واختبارٌ فشلت فيه الإنسانية مجتمعة.
لكن الخطاب لم يكتفِ بإدانة الواقع، بل قدم صياغة بديلة للقيادة السياسية الحديثة، حين أعاد جلالته تعريف مفاهيم الأمن والاستقرار والشرعية. قالها صراحة: السلام الحقيقي لا يُبنى على الخوف، والأمن لا يُصنع بالترسانات، بل بالقيم المشتركة. هذه ليست مثالية، بل استراتيجية سياسية تُعيد الاعتبار لمعنى الدولة، ومعنى النظام العالمي، بعد أن كادت تختطفه القوة الغاشمة والمصالح العارية. هذا النوع من الخطاب لا يصدر عن دولة تبحث عن التموضع، بل عن دولة تعرف موقعها، وتدرك وزنها، وتُدافع عن المعنى لا عن الدور فقط.
ومن هذه الرؤية العميقة، كانت عودة الملك إلى قضية القدس، لا من زاوية الانتماء الديني فقط، بل من منظور السيادة والشرعية القانونية والسياسية. حين تحدث جلالته عن الوصاية الهاشمية، لم يُقدّمها بوصفها إرثًا هاشميًا وحسب، بل تعهّدًا قانونيًا وأخلاقيًا مرتبطًا بالعهدة العمرية وباتفاقيات جنيف، وبحماية هوية مدينة تتعرض للطمس الممنهج. لقد كانت هذه الفقرة من الخطاب إعادة تثبيت علني لدور الأردن كحامٍ للقدس، لا بوصفه طرفًا في نزاع، بل بصفته دولة تحمل تكليفًا تاريخيًا لا تُفرّط به مهما تخلّى الآخرون.
ثم عاد الملك ليُواجه العالم، لا فقط بوصف الواقع، بل بتحديه: إن لم يتحرك العالم لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن كل حديث عن القيم والقانون الدولي يصبح محض هراء. وإذا استمرت الجرافات الإسرائيلية بهدم المنازل والبساتين، فإنها لا تهدم الحجر فقط، بل تهدم “الحدود الأخلاقية” ذاتها، وتُعيد تعريف الإنسانية بعبارات لا تشبه العدالة ولا تمتّ لها بصلة.
في الخاتمة، رسم جلالته ملامح الخيار الاستراتيجي المتاح: إمّا أن نُعيد بناء العالم على أساس القانون والتعاون والمبادئ، أو أن نواصل الانحدار نحو نظام دولي بلا مرجعية، وبلا كوابح، وبلا مستقبل. ولم يكن حديثه عن “شراكة الأردن مع أوروبا” عرضًا للمساعدة، بل إعلانًا عن موقع سياسي لأردنٍ لا يزال يرفض أن يكون شاهد زور على سقوط المعنى، ولا يزال يؤمن أن القيادة في هذا العصر تبدأ بامتلاك الشجاعة لقول ما لا يجرؤ الآخرون على قوله.
هكذا، جاء خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في البرلمان الأوروبي مختلفًا عن كل ما قيل في تلك القاعة من قبل. لم يكن خطاب مناسبة، بل موقف دولة. لم يكن دعوة للسلام فقط، بل مواجهة صريحة مع نظام دولي بدأ يتعفن أخلاقيًا. وفي زمن تمتلئ فيه القاعات بالخطب، قلّما تجد قائدًا يملأ الفراغ بمعنى. الملك فعلها. باسم الأردن… وباسم الضمير الإنساني.