الموضة البطيئة.. كيف تستفيد من الحرب التجارية بين أميركا والصين؟
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
في خضم الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصين، برز قطاع غير متوقع ليكون مستفيدا محتملا، وهو "الموضة البطيئة".
ورغم تعليق ترامب التعريفات الجمركية الشاملة -التي فرضها في الثاني من أبريل/نيسان الجاري- لمدة 90 يوما بالنسبة إلى أغلب دول العالم، فإنه رفعها على الصين لتصل إلى 125%.
إجراء ترامب أدى إلى اهتزاز الأسواق وكبّد شركات "الأزياء السريعة" خسائر، خاصة مع اعتمادها بشكل كبير على البضائع القادمة من الصين. في المقابل، اتجهت الأنظار إلى نمط استهلاك أكثر استدامة وهو "الموضة البطيئة" الذي كان ينظر إليه طويلا على أنه بديل هامشي.
الموضة البطيئة أم السريعة؟يعود مصطلح "الموضة البطيئة" إلى عام 2007 حين صاغته الباحثة البريطانية كيت فليتشر من "مركز الموضة المستدامة"، مستلهمة إياه من حركة "الطعام البطيء". وتدعو هذه الحركة إلى إبطاء وتيرة الإنتاج والاستهلاك في صناعة الأزياء، وتشجيع المستهلكين على اقتناء ملابس ذات جودة أعلى، حيث تركز هذه الحركة على التصميم والإبداع والاستهلاك المدروس، وتصمم الملابس وتصنعها باستخدام مواد عالية الجودة ومستدامة وطويلة الأمد، ويقتصر الإنتاج على تلبية الطلب، كما يعد التأثير البيئي والاجتماعي من أهم أولوياتها.
إعلانوحسب تقرير على موقع "غود أون يو" تعارض الموضة البطيئة نموذج الموضة السريعة، الذي ظهر قبل 30 عاما، وانخفضت فيه أسعار الملابس وتسارعت دورات الموضة، حيث تقوم الموضة السريعة على دورات إنتاج مكثفة وتصاميم رخيصة تنتج بكميات ضخمة، غالبا في مصانع منخفضة التكلفة. إذ إن ملايين المستهلكين حول العالم، خصوصا من أبناء الجيل زد، يشترون من منافذ مثل "شي إن" (Shein) و"تيمو" (Temu) و"تيك توك شوب" (TikTok Shop) التي تقدم سلعا بأسعار منخفضة، لكن عمرها الافتراضي قصير، مما يؤدي إلى تراكم نفايات ضخمة وتأثير بيئي سلبي.
قبل الثورة الصناعية، كانت الملابس تصنع محليا وغالبا يدويا، وكان الناس يشترون ملابس متينة تدوم لسنوات أو يصنعونها بأنفسهم باستخدام الموارد المتاحة، وكانت تعبّر عن المكانة الاجتماعية والثقافة المحلية. بدأت الموضة البطيئة تحيي بعض هذه العادات القديمة من جديد، فهي تشجع المستهلكين على التفكير قبل الشراء، والتسوق من خزائنهم أو إصلاح الملابس القديمة بدلا من شراء الجديد. وعند الاحتياج لشراء ملابس جديدة، تدعو لاختيار عدد أقل من القطع ذات جودة عالية، مصنوعة بطرق مستدامة. كما تشجع المستهلكين على عدم التعامل مع الملابس كأنها شيء يمكن التخلص منه بسهولة، بل عليهم إصلاحها أو إعادة تدويرها للحد من التلوث وهدر الموارد.
الموضة البطيئة تتميز بعدة خصائص: الاعتماد على مواد طبيعية وأقمشة صديقة للبيئة مثل الكتان والقطن العضوي. تصنيع الملابس محليا أو حسب الطلب، مما يعني أن الإنتاج يكون على نطاق صغير لتقليل النفايات. إطلاق مجموعات محدودة من التصاميم، والتركيز على الجودة بدل الكمية. تسويق المنتجات في متاجر صغيرة أو عبر منصات إعادة البيع. رفض فلسفة "الاستخدام السريع والرمي" التي تعتمدها الموضة السريعة.في خطوة أثارت جدلا واسعا، وقع الرئيس الأميركي، في الثاني من أبريل/نيسان الجاري، أمرا تنفيذيا بإلغاء ما يعرف بـ"الإعفاء الضئيل"، وهو نظام جمركي كان يعفي الطرود الصغيرة (أقل من 800 دولار) الواردة من الصين وهونغ كونغ من الضرائب والجمارك. هذا النظام استفادت منه بشكل كبير شركات الأزياء السريعة، مثل "شي إن" وتيمو، لشحن ملايين الطرود يوميا إلى الولايات المتحدة بدون ضرائب.
إعلانوبإلغاء هذا الإعفاء، أضيفت رسوم جمركية جديدة بنسبة 34% على السلع المستوردة من الصين، إلى جانب رسوم سابقة بلغت 20%، مما رفع التكاليف بشكل كبير على العلامات التي تعتمد على الإنتاج الرخيص والسريع.
ويعد الإعفاء الضئيل، الذي حظيت به الموضة السريعة، العقبة الكبرى أمام شركات إعادة بيع الأزياء البطيئة، مع تفضيل المستهلكين أسعار الأزياء السريعة وسهولة الحصول عليها.
في السياق، نقلت مجلة "غلوسي" المتخصصة في صناعة الموضة، عن الرئيس التنفيذي لشركة "غوود ويل" (Goodwill) للسلع المستعملة مات كانيس، قوله "إن أكبر شيء مشترك بيننا (شركات إعادة البيع) هو أننا نرى الموضة السريعة -وهي بشكل عام سلع منخفضة السعر ومنخفضة الجودة ولها تأثير سلبي على البيئة- منافِسةً لنا".
لكن يبدو أن الأمر انقلب مع حرب ترامب التجارية، ومنحهم ميزة على حساب منافسيهم. جاء في تقرير لمجلة تايم الأميركية أن علامات الموضة البطيئة، خصوصا تلك العاملة في مجال إعادة البيع، خرجت مستفيدة من رسوم ترامب الجمركية، فشركات مثل "ثريد أب" (ThredUp) و"ذا ريل ريل" (The RealReal) و"غود ويل"، التي تبيع ملابس مستعملة من داخل السوق الأميركي، لا تعتمد على سلاسل الإمداد العالمية وبالتالي لا تتأثر برسوم الاستيراد.
وقال جيمس راينهارت، الرئيس التنفيذي لشركة "ثريد أب"، في تقرير مجلة تايم إن إنهاء الإعفاء "تحقيق طال انتظاره لتكافؤ الفرص"، مضيفا أن "الثغرة منحت ميزة غير عادلة لتجار التجزئة في الموضة السريعة، وساهمت في إغراق السوق بمنتجات منخفضة الجودة وقصيرة الأجل".
لم تعد الموضة البطيئة مجرد نمط بديل، بل أصبحت، مؤخرا، خيارا أكثر منطقية في ظل الأزمات البيئية والاقتصادية. ومع استمرار الحرب التجارية، قد تتحول من حركة محدودة إلى تيار سائد يضع الجودة والاستدامة قبل السعر.
إعلانتنصح مجلة "هاوس فون إيدن" للموضة والتصميم وأسلوب الحياة المستدام، بعدد من الخطوات لتبني "الموضة البطيئة" وجعلها أسلوب حياة، منها:
اختيار علامات تجارية مستدامة تنتج كميات محدودة وتستخدم مواد صديقة للبيئة. قراءة الملصقات للتأكد من مصدر المواد ومدى شفافيتها. اختيار الأقمشة الطبيعية مثل القطن العضوي. البحث عن الشهادات مثل "جي أو تي إس" (GOTS) على المنتج لضمان استدامة الأقمشة. استخدام الجلد الصناعي الخالي من البلاستيك كبديل للجلد الطبيعي. الانتباه لمكان التصنيع كونه قد يدل على ظروف العمل والإنتاج، مثل الصناعة في بلد ذي أجور منخفضة تعطي مؤشرا على الموضة السريعة. الاستثمار في الجودة بدل الكمية. شراء ملابس مستعملة من المتاجر أو المنصات الإلكترونية. استئجار الملابس للمناسبات الخاصة بدل شرائها. المشاركة في تبادل الملابس مع الأصدقاء أو في فعاليات مخصصة.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
ما وراء خطة نتنياهو بشأن احتلال غزة التي لا ترضي أحدًا؟
أكد تحليل لشبكة "سي إن إن " أنه بعد مرور ما يقارب العامين على اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، صوّت المجلس الوزاري الأمني المصغر على خطة توسع عسكري جديدة تستهدف السيطرة على مدينة غزة.
وأضاف التحليل أن "المبادرة، التي جاءت بدفع مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تكشف على نحو واضح عن أبعاد سياسية داخلية أكثر مما تعكس استراتيجية عسكرية محكمة الإعداد".
وقال إنه "رغم التحذيرات الشديدة من القيادة العسكرية الإسرائيلية والمخاوف المعلنة من تفاقم الأزمة الإنسانية وتعريض حياة نحو خمسين رهينة إسرائيلياً ما زالوا في غزة للخطر، أصر نتنياهو على المضي بالخطة قدماً. يأتي هذا التوجه في وقت يشهد فيه الدعم الدولي لإسرائيل تراجعاً ملحوظاً، إلى جانب انخفاض التأييد الشعبي الداخلي لاستمرار الحرب"، على حد وصفه.
ونقل عن مراقبين قولهم إن "لهذه الخطوة فائدة خفية لنتنياهو، إذ تمنحه مساحة زمنية إضافية لتعزيز فرص بقائه السياسي، خاصة مع اعتماده على دعم شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، وهو ما يعني عملياً إطالة أمد الحرب. فقد لعب وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش دوراً أساسياً في تعطيل أي تقدم بمفاوضات وقف إطلاق النار، مهددين بإسقاط الحكومة إذا توقفت العمليات العسكرية".
ومع ذلك، لم تصل خطة نتنياهو للسيطرة على مدينة غزة إلى مستوى طموحات شركائه، إذ يطالب بن غفير وسموتريتش باحتلال كامل للقطاع كخطوة أولى لإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية فيه، وصولاً إلى ضمه نهائياً. حتى أن الخطة لم تواكب ما روج له نتنياهو نفسه قبل الاجتماع، حيث صرح في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" بأن إسرائيل تعتزم السيطرة على كامل قطاع غزة، ما أعطى انطباعاً بحسمه قرار الاحتلال الكامل.
وأوضح التقرير أن "نتنياهو تبنى نهجاً تدريجياً، يبدأ بمدينة غزة فقط، متجنباً السيطرة على مخيمات أخرى قريبة يُعتقد أن بعض الرهائن الإسرائيليين محتجزون فيها. وحدد موعداً فضفاضاً لبدء العملية بعد شهرين، تاركاً الباب مفتوحاً أمام جهود دبلوماسية محتملة لإحياء صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وربما إلغاء العملية".
وذكر أن "هذا الموقف أثار غضب شركائه اليمينيين الذين اعتبروا الخطة غير كافية. وقال مصدر مقرب من سموتريت:ش إن الاقتراح الذي قاده نتنياهو ووافق عليه مجلس الوزراء يبدو جيداً على الورق، لكنه في الواقع مجرد تكرار لما جرى من قبل، قرار بلا معنى، ولا أخلاقي، ولا يخدم المشروع الصهيوني".
وقال إن "التحفظات لم تأتِ من الجناح السياسي فقط، بل من المؤسسة العسكرية أيضاً. ففي اجتماع ماراثوني استمر عشر ساعات، عرض رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، معارضة الجيش الحاسمة لإعادة احتلال غزة، محذراً من أن أي عملية جديدة ستعرض حياة الرهائن والجنود للخطر، وستحوّل غزة إلى "فخ" يفاقم استنزاف الجيش المنهك بفعل القتال المستمر، كما سيزيد من عمق المأساة الإنسانية للفلسطينيين".
وبيّن أن "هذه المخاوف العسكرية تتسق مع توجهات الرأي العام، إذ تظهر استطلاعات متكررة أن غالبية الإسرائيليين تؤيد إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار يعيد الرهائن وينهي الحرب. لكن قرارات نتنياهو تبدو منفصلة عن توصيات الجيش وإرادة الجمهور، بل مدفوعة، وفق محللين ومعارضين سياسيين، باعتبارات البقاء السياسي الضيقة".
وأضاف "دولياً، تضع خطة السيطرة على غزة إسرائيل في عزلة متزايدة. فحتى مع الدعم الواسع الذي حصلت عليه من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال الحرب، فإن تفاقم أزمة الجوع والمجاعة في القطاع أضعف شرعية العمليات الإسرائيلية. وقد كانت التداعيات سريعة، إذ أعلنت ألمانيا، الحليف الاستراتيجي الأهم بعد الولايات المتحدة، تعليق بعض صادراتها العسكرية إلى إسرائيل، فاتحة الباب أمام دول أوروبية أخرى لخفض مستوى العلاقات".
وأشار إلى أنه "في نهاية المطاف، يمضي نتنياهو بخطة لا تحظى برضا أحد: لا شركاء إسرائيل الدوليون، ولا قيادتها العسكرية، ولا الجمهور الذي يطالب بإنهاء الحرب، ولا حتى حلفاؤه المتشددون الذين يرون أنها غير كافية".
وأوضح أن "الجمهور الوحيد الذي تخدمه هذه الخطة – كما يصفه منتقدوه – هو نتنياهو نفسه، إذ تمنحه مزيداً من الوقت لتجنب الخيار الحاسم بين وقف إطلاق نار قد ينقذ الرهائن، أو تصعيد عسكري واسع يُرضي ائتلافه. وبذلك، فإن الخطوة تمثل أكثر من مجرد مناورة عسكرية؛ إنها استمرار لأسلوب نتنياهو الكلاسيكي في إطالة أمد الحرب، على حساب سكان غزة والرهائن الإسرائيليين، من أجل هدف واحد: بقاؤه السياسي".