بين فوضى السلاح وتيه العقل السياسي
تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT
يعيش السودان مرحلة من أكثر مراحله تعقيدًا في تاريخه الحديث، حيث تتداخل خيبات الماضي مع انسداد الأفق الحاضر، وتتضاعف معاناة الناس اليومية أمام عجز النخب السياسية عن تقديم بديل واقعي. السؤال اليوم لم يعد "من يحكم السودان؟" بل "كيف نخرجه من هذه العتمة المتواصلة؟".
منذ انقلاب الفريق إبراهيم عبود في 1958، مرورًا بنميري والبشير، وحتى انقلاب البرهان في 2021، ظل الجيش يتدخل في السياسة تحت شعارات مختلفة، لكن النتيجة دائمًا واحدة: تعطيل المسار المدني، وتآكل مؤسسات الدولة.
غير أن المشكلة لا تكمن في العسكر وحدهم؛ فالقوى المدنية بدورها أظهرت هشاشة واضحة، وانقسامات عميقة، وغياب مشروع وطني متماسك. بعد ثورة ديسمبر المجيدة، تضاءلت آمال الناس بسبب صراعات النخب، وتعطيل العدالة الانتقالية، والضعف التنفيذي الذي مهّد لانقلاب جديد.
وتزداد الصورة قتامة حين نضيف إلى المعادلة الدور الذي لعبه الإسلاميون منذ 1989، حيث بنوا نظامًا شموليًا قائمًا على التمكين وتفكيك مؤسسات الدولة. وحتى بعد سقوطهم، ظل تأثيرهم ممتدًا في شكل تحالفات خفية ومقاومة لأي تحوّل ديمقراطي، ما عمّق أزمة الانتقال
أما التفكير السائد داخل المؤسسة العسكرية، فقد تشكّل على مدار عقود في بيئة ترى نفسها وصية على الدولة، لا خادمة لها. العقل العسكري في السودان اعتاد النظر إلى المدنيين كمصدر للفوضى، وإلى نفسه كضامن وحيد للاستقرار، مما جعله يرفض التنازل عن السلطة الحقيقية حتى في ظل أنظمة انتقالية. هذا النمط من التفكير يعكس تراكماً تاريخيًا من التداخل بين النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية، وهو ما يفسّر إصرار الجيش على البقاء في المشهد وعدم قبوله الخضوع الكامل للسلطة المدنية.
ويبدو أن أحد أخطر مظاهر الأزمة هو تغلغل "الأنا السياسية" داخل العقل القيادي في السودان، حيث باتت المصالح الذاتية والأجندات الحزبية تتقدّم على المصلحة الوطنية. هذا النوع من التفكير تغذّيه ثقافة تقوم على الشخصنة والولاء الضيق، وتكريس الزعامة الفردية على حساب المؤسسات. كما أن ضعف التربية الديمقراطية، وانعدام آليات المحاسبة، وفشل النخب في بناء دولة قانون ومواطنة، كلها عوامل ساهمت في تعميق هذا النهج الأناني.
لكن، رغم هذا الواقع المعقد، فإن باب الأمل لم يُغلق. يمكن للعقلين العسكري والمدني أن يلتقيا في منتصف الطريق إذا توفرت الإرادة الحقيقية، وتقدم كل طرف بتنازلات شجاعة. المطلوب إعادة تعريف دور الجيش بوضوح، وجعل مهامه الأمنية تحت مظلة مدنية دستورية. كما أن القوى المدنية مطالبة ببناء كتلة سياسية موحدة ذات برامج واضحة وقيادات مؤهلة، قادرة على نيل ثقة الشارع أولًا ثم المؤسسة العسكرية ثانيًا. يجب تجاوز منطق المحاصصة، والانخراط في تسوية تضمن تفكيك النفوذ السياسي والاقتصادي للمؤسسة العسكرية تدريجيًا، ومن جهة أخرى، لا بد من إصلاح الحياة الحزبية، وتوسيع قاعدة المشاركة، وفتح حوار وطني واسع يشمل الجميع بلا إقصاء.
السودان لن يخرج من عتمته الحالية إلا إذا ارتفع الجميع فوق جراحهم وطموحاتهم الخاصة، وقدموا مصلحة الوطن على كل ما عداها. النور ممكن، لكنه لن يأتي إلا بالاعتراف، والتنازل، والتفكير خارج الصندوق.
بقلم: محمد الأمين حامد
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
رقم صعب.. الصيادلة تحذر من فوضى الخريجين وارتفاع الأعداد
أكد الدكتور محفوظ رمزي، عضو مجلس نقابة صيادلة القاهرة، أن المادة الأولى من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم (127) لسنة 1955 تنص على أنه (لا يجوز لأحد مزاولة المهنة، إلا إذا كان مقيدا بسجل الصيادلة بوزارة الصحة ومقيدا بجدول نقابة صيادلة مصر)، مشيرا إلى أن القانون يحدد بدقة ما يعد مزاولة للمهنة، مثل تجهيز أو تركيب أو تجزئة أي دواء أو عقار أو نبات طبي أو مادة صيدلية تستعمل للوقاية أو العلاج سواء للإنسان أو الحيوان.
وشدد رمزي - خلال تصريحات له - على ضرورة أن يكون هناك تعريف واضح وصريح للتوصيف الوظيفي لكل مؤسسة تعليمية أو تدريبية في المجال، سواء كانت كلية أو معهدا أو مدرسة، حتى يكون الخريج ملما بوضعه الوظيفي والمهني طبقا لأحكام القانون المنظم للمهنة.
وأشار إلى أن أعداد الصيادلة في مصر تتزايد بشكل لافت، ما يستدعي إعادة النظر في سياسات القبول بكليات الصيدلة، وتقليل الأعداد للحفاظ على جودة الخريج المصري الذي يتمتع بمكانة عالمية مرموقة، خاصة في أوروبا وأمريكا، مؤكدا أن خفض الأعداد لن يضر باقتصاديات الكليات، إذ يمكن تعويض ذلك بزيادة نسبة المصروفات بما يحقق نفس العائد المالي، مع توقع زيادة الإقبال إذا شعر الطالب وأسرته بقيمة الصيدلي وتوافر فرص العمل له.
وكشف عضو مجلس نقابة صيادلة القاهرة، عن الأرقام التي توضح حجم الفجوة، مضيفا: يبلغ عدد سكان مصر نحو 108 ملايين نسمة، مقابل 330 ألف صيدلي، أي بمعدل 32 صيدليا لكل 10 آلاف نسمة، وهي النسبة الأعلى عالميا، وفي المقابل، يبلغ عدد الصيادلة في الولايات المتحدة نحو 330 ألفا لعدد سكان يقارب 330 مليون نسمة (10 صيادلة لكل 10 آلاف نسمة)،
وتابع: في كندا يوجد 47 ألف صيدلي، فيما يبلع عدد السكان 43 مليون نسمة ( أي 9 صيادلة لكل 10 آلاف نسمة)، وفي أستراليا 39 ألف صيدلي مقابل 28 مليون نسمة (أي 7 صيادلة لكل 10 آلاف نسمة)، بينما في ألمانيا هناك 68 ألف صيدلي لحوالي 85 مليون نسمة (أي 12 صيدليا لكل 10 آلاف نسمة).
ولفت رمزي في ختام تصريحاته إلى أن التجارب الدولية الناجحة في هذا الشأن ترتكز على ضوابط محددة للممارسة المهنية وتعريف وظيفي دقيق، مع مراعاة التوزيع الجغرافي وأبعاد الديموغرافيا السكانية، وكذلك عوامل مثل السياحة العلاجية وأعداد الوافدين، التي تسهم في زيادة الطلب على خدمات الصيدلة وتدر دخلا كبيرا للاقتصاد.