عبر شطيرة ذرية.. الصين تفتح أبواب عصر ما بعد الغرافين
تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT
على مدار العقدين الماضيين، شكّل اكتشاف الغرافين نقطة تحول تاريخية في علوم المواد، إذ انفتح من خلالها باب جديد لعالم المواد الثنائية الأبعاد.
يتمتع الغرافين بخصائص مذهلة، مثل التوصيل الكهربائي العالي والصلابة الفائقة، إلا أنه ليس معدنا بالمعنى الكيميائي أو الفيزيائي الدقيق، بل هو شكل من الكربون تتراص فيه الذرات في صورة طبقة واحدة فقط من ذرات الكربون (ومن هنا جاء لقب "ثنائي البعد")، أي أنه مادة غير معدنية تنتمي إلى فئة أشباه الموصلات أو المواد النانوية ذات السلوك الخاص.
ورغم تحقيق إنجازات لافتة في هذا المجال، فإن تحديا واحدا ظل يؤرق العلماء، كيف يمكن إنتاج معادن ثنائية الأبعاد مستقرة، دون أن تنهار أو تتأكسد أو تتفتت؟
الإجابة جاءت مؤخرا من الصين، وتحديدا من معهد الفيزياء التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، حيث كشف فريق بحثي في دراسة حديثة منشورة في دورية "نيتشر" عن طريقة مبتكرة أطلقوا عليها اسم "عصر فان دير فالز". هذه التقنية قد تكون المفتاح لفتح آفاق جديدة في تصميم الأجهزة الكمومية والإلكترونية والبصرية المتقدمة.
يقول أحمد قاسم، الباحث في قسم الكيمياء بجامعة فرجينيا كومنولث الأميركية، وغير المشارك في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "على مدار العقدين الماضيين، توسعت عائلة المواد الثنائية الأبعاد بسرعة، لتشمل مئات المواد الثنائية الأبعاد المتاحة تجريبيا، وما يقرب من 2000 مادة متوقعة نظريا. ومع ذلك، كان إنشاء المعادن الثنائية الأبعاد صعبا للغاية."
لطالما كانت محاولة صناعة معدن على هيئة طبقة واحدة من الذرات، فيما يعرف بالتسطيح، أمرا أقرب للخيال. كي تتخيل السُمك المطلوب، عليك قطع ورقة الطباعة العادية إلى مليون شريحة عرضية متساوية، أو واحدا على 200 ألف من قُطر شعرة الإنسان.
إعلانبخلاف الغرافين وغيره من المواد الثنائية الأبعاد ذات الطبقات الضعيفة الترابط الكيميائي، فإن المعادن مثل البزموث أو القصدير أو الرصاص ترتبط ذراتها بروابط قوية في جميع الاتجاهات.
يقول قاسم: "تخيل روابط الغرافين كقطع ليغو ذرية، حيث تتراص طبقاتها بدقة ويمكن فصلها بسهولة. أما المعادن مثل البزموث أو القصدير، فهي ليست من نوع فان دير فالس. هذا يجعل عزل طبقة معدنية واحدة شبه مستحيل، فهي تتجعد أو تتأكسد فورا دون أي حماية".
ابتكر الفريق الصيني طريقة تبدو بسيطة في ظاهرها، ولكنها مذهلة في دقتها العلمية. وصفها قاسم بصناعة "أرق قطعة جبن مشوي في العالم"، إذ يُذاب المعدن النقي ليصبح سائلا، ثم يُضغط بين لوحين من مادة معينة ذات خصائص مذهلة، تشبه "التفلون الذري" في نعومتها وانعدام لزوجتها، فتمنع المعدن من الالتصاق أو التفاعل مع الهواء. بذلك تحصل على "شطيرة ذرية" من المعدن أرق من فقاعة الصابون، وأمتن من الفولاذ، وجاهزة لتشغيل تكنولوجيا الغد.
يضيف قاسم: "هذه المعادن فائقة الرقة وتنهار فجأة، وتصدأ في الهواء، أو تتكسر إلى رقائق صغيرة عديمة الفائدة. لذلك تُضغط قطرة المعدن السائل بين اللوحين بقوة هائلة تبلغ حوالي 140 ميغا باسكال، أي ما يعادل فيلا يقف على طابع بريد، مما يضغط المعدن إلى طبقة بسمك 3 إلى 6 ذرات فقط.
وكما هو الحال في تجميد الجليد ببطء لتجنب التشققات، يُبرّد المعدن لساعات"، هذا يسمح للذرات بالترتيب في صفيحة بلورية واحدة خالية من العيوب.
الدرع الذرينجح الفريق في إنتاج معادن ثنائية الأبعاد من عدة عناصر، من بينها البزموث والقصدير والرصاص والإنديوم والغاليوم، بسُمك يتراوح بين 5 إلى 9 أنغستروم.
ولأن المعادن النانوية شديدة الحساسية، أي تتفاعل مع الهواء، وقد تؤدي أي اهتزازات حرارية طفيفة إلى تدمير بنيتها الذرية، يظهر دور الطبقتين الحاميتين أو اللوحين الفريدين من نوعهما، حيث يعملان كدرع فائقة تحافظ على استقرار المعدن.
إعلانيشرح قاسم: "دروع تلك المادة ليست مُصممة للضغط فحسب، بل تبقى ملتصقة بالمعدن إلى الأبد، كغلاف ذري يُحافظ على استقرار المعدن، حتى بعد سنوات، ويجعله يتحرك بحرية دون أي تداخل من البيئة".
كما تتميز التقنية الصينية بأنها تتيح الوصول إلى الخواص الفيزيائية الجوهرية للمعادن، مثل التوصيل الكهربائي المحسّن، والتأثيرات الكمومية الجديدة. كما أن هذه التكنولوجيا لا تُنتج فقط معادن ثنائية الأبعاد، بل يمكنها أيضا إنتاج سبائك معدنية أو مركبات غير بلورية، وبتحكم ذري مذهل في السُمك، أي يمكن إنتاج مواد بطبقة واحدة أو طبقتين أو 3 طبقات.
يضيف قاسم: "هذه المعادن الثنائية الأبعاد ليست رقيقة فحسب، بل إنها أفضل من نسخها الضخمة. إذ يُوصل البزموث الكهرباء بشكل أفضل بـ10 مرات كطبقة واحدة. كما تُظهر سلوكيات كمومية غريبة قد تُحدث ثورة في أجهزة الاستشعار والحوسبة الكمومية.
والأفضل من ذلك كله، أن هذه الطريقة تُناسب معادن متعددة مثل الغاليوم والقصدير والرصاص، مما يفتح الباب أمام شاشات قابلة للطي غير قابلة للكسر، ومحفزات الهيدروجين الأخضر، أو حتى طلاءات تمنع صدأ الأقمار الاصطناعية في الفضاء".
ولضمان استفادة المجتمع على نطاق واسع من المعادن الثنائية الأبعاد، يجب على الباحثين وصانعي السياسات إعطاء الأولوية للتعاون المفتوح، إلا أن مخاطر مثل النفايات الإلكترونية السامة تتطلب حلولا استباقية مثل تصميم مواد قابلة لإعادة التدوير.
يختتم قاسم: "من خلال الموازنة بين الأمور السابقة، يمكن للمعادن الثنائية الأبعاد أن تُسهم في تحقيق تقدم مستدام إذا اختارت البشرية المصلحة العامة على الربح".
وكما كانت شرارة الغرافين بداية لثورة مذهلة، قد تكون هذه "الشطيرة الذرية" هي المفتاح الذي يفتح أبوابا لم نتوقعها في عالم العلم والتكنولوجيا.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
استعرض آفاق التعاون مع البلدين.. ولي العهد يبحث مع رئيسي المالديف وموريتانيا العلاقات الثنائية
البلاد – منى
التقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في الديوان الملكي بقصر منى أمس (السبت)، فخامة الرئيس الدكتور محمد معز رئيس جمهورية المالديف.
وجرى خلال اللقاء تبادل التهنئة بعيد الأضحى المبارك، واستعراض أوجه العلاقات وآفاق التعاون بين البلدين.
كما التقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في الديوان الملكي بقصر منى أمس، فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
وجرى خلال اللقاء تبادل التهنئة بحلول عيد الأضحى المبارك، إضافة إلى بحث مجمل العلاقات الثنائية، وسبل تعزيزها في مختلف المجالات.
حضر اللقاءين صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة، وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن تركي بن فيصل بن عبدالعزيز وزير الرياضة، وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني، وصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع، وصاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية.
فيما حضر من الجانب المالديفي وزير الخارجية الدكتور عبدالله خليل، ووزير المالية والتخطيط موسى زمير، ووزير الشؤون الإسلامية الدكتور محمد شهيم علي سعيد، ووزير الرياضة واللياقة والترفيه عبدالله رافع، ووزير الدولة بوزارة الخارجية رئيس المراسم محمد شهدي. وحضر من الجانب الموريتاني مدير ديوان رئيس الجمهورية السيد الناي ولد اشروقه، والمستشار الخاص لرئيس الجمهورية السيد أحمد اباه الملقب أحميده، والسفير لدى المملكة المختار داهي.