زيارة البرهان إلى مصر: محاولة لالتقاط أنفاس السياسة وسط ركام الحرب
تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT
في أغسطس 2023، قام الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، بأول زيارة خارجية له منذ اندلاع الصراع العسكري في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في أبريل من نفس العام. اختيار مصر كأول محطة خارجية يحمل دلالات استراتيجية عميقة تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي، وتعكس حسابات معقدة ترتبط بالسعي إلى تثبيت الشرعية وإعادة هندسة المشهد السياسي المأزوم.
رمزية الزيارة وموقع مصر الإقليمي
أن تكون مصر هي الوجهة الأولى للبرهان بعد اشتعال الحرب يعكس إدراكه لمركزية القاهرة في معادلة الاستقرار الإقليمي. فمصر والسودان يرتبطان بروابط تاريخية وجغرافية حيوية، أبرزها نهر النيل والحدود المشتركة، فضلًا عن امتدادات المصالح الأمنية والاقتصادية. كما أن لمصر موقعًا مؤثرًا في الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، مما يمنحها قدرة على توظيف نفوذها في الساحة الدولية لدعم حلفائها.
زيارة البرهان جاءت في لحظة حرجة حيث كانت الحرب الداخلية قد أحدثت شروخًا واسعة في بنية الدولة السودانية، وأنتجت أزمة إنسانية خانقة، مما جعل الحاجة إلى دعم إقليمي ودولي أكثر إلحاحًا. في هذا السياق، لم تكن الزيارة مجرد تواصل دبلوماسي بل محاولة لترميم شرعية مهترئة ومواجهة عزلة متزايدة.
الترويج للانتقال الديمقراطي: خطاب أم تحول؟
أكد البرهان خلال لقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي التزامه بالانتقال إلى الحكم المدني، في محاولة واضحة لإعادة تصدير خطاب "التزام الجيش بالديمقراطية"، الذي لطالما قوضته الممارسات الفعلية منذ انقلاب 2021. هذه التصريحات، رغم أهميتها الشكلية، قوبلت بشكوك واسعة من أطراف محلية ودولية، نظرًا للسجل الحافل من المراوغة السياسية وإقصاء المدنيين.
مصر بدورها تبنت خطابًا داعمًا لوقف إطلاق النار والحوار السياسي، لكنها حافظت على توازن حساس بين الترويج للوساطة وبين الدفاع الضمني عن حليفها التاريخي: الجيش السوداني. هذا الموقف المزدوج يثير تساؤلات حول مدى حياد مصر كوسيط، خاصة في ظل التقارير التي تشير إلى دعمها النسبي للقوات المسلحة في مقابل ميل أطراف خليجية، مثل الإمارات، لدعم قوات الدعم السريع.
تعقيدات الصراع الداخلي وحدود الوساطة
الحرب في السودان ليست مجرد صراع بين جيشين، بل هي معقدة بطبيعتها، تتداخل فيها الحسابات القبلية، والصراعات على الموارد الاقتصادية، والتدخلات الإقليمية المتباينة. هذه الطبيعة المركبة تقلل من فعالية أي وساطة تقليدية، وتجعل الدور المصري، مهما كان نابعًا من نوايا حسنة أو مصالح استراتيجية، قاصرًا عن تحقيق اختراق حقيقي دون تنسيق أوسع مع قوى إقليمية ودولية.
كما أن شرعية البرهان تظل موضع جدل داخلي، إذ يعتبره كثيرون شريكًا رئيسيًا في إجهاض الثورة السودانية التي أطاحت بنظام البشير، مما يجعل خطابه عن "الانتقال الديمقراطي" خاليًا من الثقة الشعبية.
التحدي الإنساني الغائب
من النقاط اللافتة غياب أي طرح عملي خلال الزيارة لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة، حيث يعاني أكثر من 25 مليون سوداني من آثار الحرب. لم تُطرح مبادرات لإنشاء ممرات إنسانية آمنة أو ضمان وصول الإغاثة الدولية، وهو قصور فادح بالنظر إلى حجم الكارثة. مما يعزز الانطباع بأن الزيارة كانت تستهدف في المقام الأول إعادة ترتيب الأوراق السياسية أكثر من معالجة التداعيات المباشرة على الأرض.
رهانات المستقبل بين الفرص والمخاطر
تشكل زيارة البرهان إلى مصر فرصة لفتح نافذة تفاوضية جديدة إذا ما اقترنت بجهد إقليمي جماعي وضغوط دولية تفرض مسارًا حقيقيًا نحو الحل السياسي الشامل. غير أن غياب آليات تنفيذية واضحة لوقف إطلاق النار، واستمرار الانقسامات الداخلية والإقليمية، يهدد بأن تبقى الزيارة مجرد تحرك تكتيكي في لعبة النفوذ الإقليمي، دون تأثير ملموس على إنهاء الحرب أو تخفيف معاناة المدنيين.
المطلوب اليوم ليس الاكتفاء بخطابات عمومية عن "السلام والديمقراطية"، بل تحركات عملية تشمل وقف الأعمال العدائية، إشراك القوى المدنية الحقيقية في التفاوض، وفرض ضمانات دولية تحول دون تجدد الحرب. بخلاف ذلك، سيظل الصراع في السودان مرآة لصراعات إقليمية ودولية أوسع، يدفع ثمنها الشعب السوداني وحده.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
المركزي: قضايا السياسة النقدية وسويفت وإصدار العملة الوطنية من اختصاصات المركزي حصراً
دمشق-سانا
أكد مصرف سوريا المركزي أن قضايا السياسة النقدية، ونظام التحويلات المالية الدولية(SWIFT)، وعمليات إصدار العملة الوطنية هي من اختصاصات المصرف المركزي حصراً، وهي تُدار وفقاً لمعايير مهنية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة والاستقرار الاقتصادي والمالي.
وأوضح المركزي في بيان على قناته على التلغرام أنه يحرص على التواصل الدائم والشفاف مع المواطنين، ويضع في أولوياته تعزيز الفهم العام للسياسات والإجراءات النقدية، مع الالتزام بتقديم المعلومات من مصادرها الرسمية والمعتمدة.
ودعا المركزي الجميع إلى التحقق من صحة المعلومات المتداولة في هذا السياق، وعدم الانجرار وراء الشائعات أو التحليلات غير المبنية على أسس دقيقة، ومتابعة الموقع الإلكتروني الرسمي للمصرف ومنصاته المعتمدة لمواكبة آخر البيانات والتوضيحات.
تابعوا أخبار سانا على