مقدمة

هذه خاطرة عنى لي أن أتأملها علني امسك بخيطها الاول.. ومادفعني لذلك هو سوال كيف كان الأصدقاء والأدباء يتواصلون قبل ظهور الهواتف ووسائل الاتصال الحديثة؟ وكيف عبّروا عن مشاعرهم، وناقشوا أفكارهم، ووطّدوا علاقاتهم؟ الإجابة تكمن في “رسائل الإخوانيات”، ذلك النوع الأدبي الذي لم يكن مجرد وسيلة للتواصل، بل وثيقة أدبية تحفظ لنا روح العصور التي كُتبت فيها.


رسائل الإخوانيات هي أحد ألوان النثر العربي الذي ازدهر عبر القرون، حيث كتبها الأدباء والعلماء والأصدقاء ليعبروا عن مشاعر الود والتقدير، ويشاركوا أفكارهم وتجاربهم. كانت هذه الرسائل تحمل طابعًا شخصيًا، لكنها في الوقت ذاته زاخرة بالجمال الأدبي، ما يجعلها كنزًا تراثيًا يعكس الحياة الاجتماعية والثقافية للعصور المختلفة.

لمحة تاريخية: ازدهار الرسائل الإخوانية:
ظهرت رسائل الإخوانيات منذ العصور الإسلامية المبكرة، لكنها بلغت ذروتها في العصر العباسي، حيث كانت الكتابة الأدبية والمراسلات جزءًا لا يتجزأ من الحياة الثقافية. فقد برع الأدباء والفقهاء في صياغة الرسائل بأسلوب يجمع بين البلاغة والتودد والمجاملة الرقيقة، وأحيانًا الفكاهة والنقد اللاذع.

ومن أشهر من كتب في هذا الفن:
أبو حيان التوحيدي (ت. 1023م) – اشتهر بأسلوبه العميق الذي يعكس العلاقات الفكرية والإنسانية في عصره.
بديع الزمان الهمذاني (ت. 1008م) – كتب رسائل إخوانية بأسلوبه المميز، كما برع في المقامات.
أبو بكر الخوارزمي (ت. 993م) – تميزت رسائله بالبلاغة والذكاء الأدبي.
الصاحب بن عباد (ت. 995م) – كتب العديد من الرسائل التي تكشف عن روح عصره وأدبه.
الجاحظ (ت. 868م) – لم تخلُ رسائله من السخرية الذكية والفكاهة الراقية.
الصابي (ت. 994م) – كان من كبار كتاب الرسائل الإخوانية والمراسلات الرسمية
خصائص رسائل الإخوانيات

اللغة الأدبية الراقية: كتبت بأسلوب بليغ يعكس فصاحة الكاتب وثقافته.
التعبير عن المشاعر الصادقة: حملت مشاعر الود، الحنين، الشكر، أو حتى العتاب برقة.
التطرق إلى موضوعات فكرية وأدبية: ناقشت أحيانًا قضايا فلسفية وعلمية، ما يجعلها مصدرًا معرفيًا مهمًا.
الجمع بين الطابع الشخصي والأسلوب الرسمي: رغم كونها شخصية، إلا أن العديد منها صيغ بلمسة أدبية راقية.
استخدام السجع والمحسنات البديعية: زينت الرسائل بأسلوب فني جعلها أقرب إلى القطع الأدبية.
رسائل الإخوانيات في السودان:
لم يكن السودان بمعزل عن هذا التقليد الأدبي، فقد اشتهر عدد من علمائه وأدبائه بتبادل الرسائل التي تعكس روح المجتمع السوداني وأخلاقياته. فمن رسائل الفقهاء التي ناقشت قضايا الدين والعلم، إلى رسائل الأدباء التي تفيض بالمشاعر الراقية، نجد أن فن الإخوانيات قد ترك أثره في التراث السوداني. وقد استمتعت برسائل محمد المهدي المجذوب مع صديقه الديبلوماسي وشيخ العرب علي أبوسن بما فيها من طرائف وملح

في الأجزاء القادمة من هذه السلسلة، سنستعرض نماذج بارزة من رسائل الإخوانيات في السودان، ونتأمل كيف عكست هذه المراسلات طبيعة العلاقات الاجتماعية والفكرية في البلاد.
ختامًا
على الرغم من تغير وسائل الاتصال، فإن روح الإخوانيات لا تزال موجودة في بعض المراسلات الأدبية الحديثة. فهل يمكننا استلهام هذا الفن اليوم لإحياء أسلوب الكتابة الراقية في.. هذا ماعنى لنا ان نكتبه عن الرسائل الإخوانية ولنعتبره مجرد مقدمة وقد نواصل البحث فيه ان كان هناك ما ينفع..

 

عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة

osmanyousif1@icloud.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

القارئ والتأويل.. كتاب جديد يتأمّل عالم عبد الفتاح كيليطو الأدبي

الرباط "العُمانية": يقدّم الكاتب والناقد صدّوق نور الدين في كتابه الجديد "القارئ والتأويل" قراءة معمقة لعالم عبد الفتاح كيليطو الأدبي، كاشفًا عن أبعاد جمالية وفكرية تتقاطع فيها التجربة النقدية بالخصوصية الإبداعية لهذا الكاتب المغربي المعروف.

ويستهل المؤلف كتابه بمقدّمة بعنوان "من أجل هموم مشتركة"، يسترجع فيها مشهدًا شخصيًّا جمعه بكيليطو عام 1988، متأمّلًا تفاصيل اللحظة بكثافة سردية وشاعرية توحي بطبيعة العلاقة التي تجمع القارئ بالنصّ والمبدع بمرآته الداخلية.

ويشتمل الكتاب على عدد من المحاور الرئيسة، منها: "نحو نقد أدبي جديد.. بين عبد الكبير الخطيبي وعبد الفتاح كيليطو"، و"صورة ابن رشد في الأدب"، و"شعرية الاستطراد"، و"كيليطو والكتابة الروائية"، بالإضافة إلى تأملات نقدية تربط كيليطو بأعلام مثل خورخي لويس بورخيس ومصطفى لطفي المنفلوطي.

ويرى المؤلف أن كيليطو القارئ والمفكر يتميّز بموسوعية لافتة في الأدبين العربي والعالمي، تتجلّى في كتاباته النقدية القائمة على التحليل والتأويل، مضيفًا أن سؤال الأدب الحديث لا يغيب عن مشروعه الفكري، رغم هيمنة الأدب الكلاسيكي على اهتماماته.

ويؤكد على أن خصوصية الأدب المغربي الحديث، وتأخر ظهوره، تفرض على الدارسين مقاربة نقدية واعية تُوازن بين التأصيل والمقارنة، وهي مسارات برع كيليطو في استكشافها بلغة تتوسل بالعمق دون أن تفارق البساطة.

ويمثل هذا الكتاب إسهامًا نوعيًّا في الحقل النقدي المغربي والعربي، ويعزز من الحوار المستمر حول موقع الأدب في الثقافة الحديثة وعلاقة القارئ بالنص عبر تجربة أحد أبرز المفكرين في المشهد الثقافي المغاربي.

مقالات مشابهة

  • مطبخ الرواية.. رحلة أدبية عبر عوالم الطعام بين التراث العربي والحداثة الغربية
  • الاردن .. (الاقتصاد الرقمي) تحذر من رسائل احتيالية
  • “الاقتصاد الرقمي” تحذر من رسائل احتيال مشبوهة
  • القارئ والتأويل.. كتاب جديد يتأمّل عالم عبد الفتاح كيليطو الأدبي
  • روائي سوري يفوز بالمركز الأول بجائزة ناجي نعمان الأدبية الدولية
  • المستعرب الإسباني خوسيه بويرتا: غرناطة مركز التراث الأندلسي وبوابة الإبداع العربي في أوروبا
  • تهنئة عيد الأضحى 2025 مكتوبة.. أجمل الرسائل والعبارات للأهل والأصدقاء
  • مناقشة المجموعة القصصية "منفى الآليات المتعطلة" ضمن الأنشطة الأدبية للثقافة بالقليوبية
  • فراشات ولكن من نوع آخر
  • إحسان عباس و«معرفة» التراث العربي