[email protected]

منذ عقود طويلة دأبت الحركة الإسلامية في السودان على الاستثمار في الحروب، وزرع الفتن وتأجيج الانقسامات وتغذية العنف في المجتمعات السودانية، لتشكيل واقع يتناسب مع مشروعها السلطوي، وما نشهده اليوم من حرب ودمار وخراب ليس سوى تتويج لمسيرة طويلة من العبث بالدولة والمجتمع، تسعى من خلالها الحركة الاسلامية إلى إعادة إنتاج النظام القديم، وتصفية أي أمل في إقامة دولة ديمقراطية تعبر عن تطلعات السودانيين في الحرية والسلام والعدالة والمواطنة المتساوية.



منذ سقوط نظامهم في أبريل 2019، لم يخفي قادة الإسلاميين نواياهم؛ فقد عبرت تصريحاتهم وتهديداتهم قبل اندلاع حرب 15 أبريل 2023، عن غضبهم ضد التغير الذي افضى الى اسقاطهم، ورفضهم الصريح لأي تسوية سياسية تخرجهم، وعلى رأسها الاتفاق الإطاري، الذي تعهدوا بإفشاله وتغيير موازين القوى وفرض واقع جديد لا مكان فيه لمن لا يحمل السلاح، وتلك التصريحات لم تكن مجرد جعجعة، بل تمهيد ممنهج لحرب خططوا لها منذ ان اسقطهم الشعب، وبدأت تتجلى عبر تحركات مريبة واجتماعات سرية وتجمعات للتعبئة، والخروج في مظاهرات، خاصة ما يسمى بـ"الزحف الأخضر"، وهي مظاهرات كانت تهدف الى تقويض الحكومة الانتقالية التي كان يقودها الدكتور عبد الله حمدوك، وكان بعض قيادات الإسلاميين حتى قبل أيام قليلة من اشتعال الحرب، يدعوا المواطنين علنا إلى إجلاء أسرهم من الخرطوم.

في خضم هذه الحرب، أصبح حضور الإسلاميين أكثر وضوحاً وصخباً من أي وقت مضى، حيث يظهر مقاتلوهم في تسجيلات مرئية متزامنة مع كل تقدم للجيش، يرفعون شعارات الحركة الإسلامية، ويهددون معارضيهم من قوى الثورة، وكل من يجرؤ على الدعوة والمطالبة بوقف الحرب من القوى السياسية والمدنية، وهذه المواقف تتسق تماماً مع تصريحات قادة الجيش أنفسهم، ففي لحظة فارقة أعلن ياسر العطا، نائب القائد العام للجيش، والمشرف الرئيسي لـ"كتائب البراء"، امام احد الحشود العسكرية قال بفخر؛ "نحن فلول وإسلاميون وكتائب براء"، أما قائد الجيش البرهان، في اخر تصرح له قبل أيام من بورتسودان، صرح قائلاً؛ "لا مجد للساتك بعد اليوم، المجد فقط للبندقية"، وقائد الجيش يدرك مغذى تصريحه الذي يشير بوضوح الى ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بنظام الإسلاميين في ابريل 2019، حيث اعتاد المتظاهرون خلال الحراك الثوري على حرق اللساتك في الشوارع العامة لمنع قوات الامن من التقدم والوصول اليهم وقمعهم، ومن خلال تصريحه يريد البرهان القضاء على رمزية "الساتك" أحد أشهر رموز ثورة الشعب السوداني المجيدة في ديسمبر، ويعد تمهيداً لطمس الذاكرة الثورية وتبرير عسكرة الدولة مجدداً.

لقد تحولت الحرب إلى أداة إسلامية بامتياز للعودة إلى المشهد من بوابة ما يسمى بـ"محاربة التمرد، واستعادة الكرامة الوطنية"، بينما في الواقع، ان الإسلاميين يريدون تصفية الثورة واحتكار السلطة، ولعل الأخطر من ذلك هو سيطرتهم الفعلية على قرار الجيش، وتحكمهم بمسار المعارك من خلال كوادرهم المنتشرة في جميع مناطق سيطرة الجيش، وإجهاضهم لكافة المبادرات الساعية إلى إيقاف الحرب.
هذه الحرب من منظور الحركة الإسلامية، ليست مجرد نزاع مسلح، بل أداة استراتيجية تنفيذية تمثل الوسيلة النهائية لإزاحة خصومهم السياسيين، وتصفية قوى الثورة التي ازاحتهم من الحكم، تفكيك الدولة وتدمير المدن، وتمزيق النسيج الاجتماعي، ومن ثم إعادة هندسة الدولة تحت ما يسمى بـ"حرب الكرامة" ومحاربة التمرد، بما يخدم سلطتهم وامتيازاتهم وبناء واقع يتيح لهم العودة إلى الحكم والسيطرة الكاملة من جديد، ومن خلال اختراق مؤسسات الدولة، وبناء شبكات اقتصادية موازية وتشكيل تحالفات داخل الجيش، أعادت الحركة الإسلامية تموضعها بذكاء خبيث، واستخدمت خطاباً مزدوجاً؛ وطنياً/دينياً للرأي العام، وسرياً/تمكينياً في الكواليس، وما يجري على الأرض اليوم من تعيينات وتعيينات مضادة، وعودة رموز النظام السابق لمواقع القرار، هو دليل صارخ على هذا المشروع، وكأن الثورة لم تكن وكأن دماء الشهداء لم تسفك، وما الحرب الحالية إلا مسرح لتصفية الحسابات مع رموز الثورة والناشطين، وإعادة السيطرة على مفاصل الدولة عبر بوابة الجيش، ولان الحركة الإسلامية لا تؤمن بالمراجعة أو المحاسبة أو الديمقراطية، لذلك تعتبر الدولة غنيمة ومجتمعها "رعية" يجب إخضاعها للسمع والطاعة باسم الدين.

أخطر ما في هذا المشروع، فهو محاولته تزييف الوعي، وشيطنة كل من يطالب بالسلام أو الحكم المدني أو العدالة، ويصور كخائن أو عميل أو "داعم للتمرد"، وهذا الخطاب الذي تشربه إعلام الإسلاميين منذ انقلاب 1989، تم أعاد إنتاجه اليوم بوسائل أكثر فتكاً، ويبرر للبطش والقمع ويحرض على العنف والكراهية الدينية والسياسية والعرقية، وهذا كله في سياق عملية غسل الادمغة، وشيطنة الثورة وتزييف الارادة.
ولكنه، رغم المذابح والنزوح والدمار لم تنكسر إرادة السودانيين، فصوت الثورة لا يزال يتردد في الهتافات، وفي مبادرات لجان المقاومة وفي نضال السودانيين داخل الوطن وخارجه، وهذه الحرب رغم فظاعتها، الا انها كشفت الجوهر الحقيقي لهذا المشروع الإقصائي، وأسقطت أقنعته الزائفة ووضعت المجتمع الدولي والعالم أمام مسؤولياتهم، ووضعت قوى الثورة أمام لحظة فارقة لإعادة التنظيم والتماسك والصمود.

آن الأوان للعالم أن يسمع الحقيقة كاملة؛ هو ان السودان لا يخوض حرباً أهلية طبيعية، بل يواجه مشروعاً انقلابياً مؤدلجاً، يسعى لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، لتمكين منظومة دمرت البلاد لثلاثة عقود، وعادت اليوم لتكمل ما بدأته تحت راية الخداع الديني والاصطفاف العسكري.

إن المعركة الحالية هي معركة وجودية بين مشروعين؛ مشروع يسعى لإعادة السودان إلى عصور الظلام والاستبداد باسم الدين، ومشروع شعبي حر يسعى لبناء دولة الحرية والسلام والعدالة والمواطنة والكرامة، وإن انتصار المشروع الأخير هو أمل جميع بنات وابناء الشعب السوداني، وواجبنا اليوم هو التمسك به، وفضح تحالفات هذه الحرب، والمطالبة بحماية المدنيين ومحاسبة مجرمي الحرب من جميع الاطراف المشاركة فيها، وإعادة بناء الحركة الجماهيرية على أسس جديدة، تستفيد من التجارب الماضية وتتمسك بالمبادئ الوطنية، وتستعد للمرحلة القادمة، رغم أن الطريق ليس سهلاً ولكن النصر فيه حتمي.

المجد للساتك .. والمجد للثورة .. والخلود للشهداء .. ولا صوت يعلو فوق صوت الشعب.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة من خلال

إقرأ أيضاً:

الرابطة المارونية لمناسبة عيد الجيش: لتكريس حصرية السلاح بيد الدولة

صدر عن الرابطة المارونية برئاسة المهندس مارون الحلو، بيان، لفت الى ان "الأول من آب، عيد الجيش اللبناني، يحل في وقت تشتد فيه حاجة لبنان اليوم إلى مؤسسته العسكرية وقواه الأمنية، لتكريس حصرية السلاح بيد الدولة، وترسيخ سيادتها على كل أراضيها، بما يمنح اللبنانيين الطمأنينة على حاضرهم ومستقبلهم".
 
أضاف :"وأمام التحديات الكبيرة الراهنة، تؤكد الرابطة ضرورة تضامن اللبنانيين مع جيشهم، كما تدعو المجتمع الدولي، الحريص على استقرار لبنان وسيادته، إلى الاستمرار في توفير الدعم اللازم للجيش اللبناني من تمويل وعتاد، كي يتمكن من أداء المهام الملقاة على عاتقه، وذلك التزاما بالقرار الدولي 1701، وتماشيا مع خطاب القسم لفخامة الرئيس العماد جوزاف عون والبيان الوزاري للحكومة".
 
ورأت "الرابطة المارونية"، "أن المرحلة الراهنة تحتم على الجميع الركون الى الدولة التي وحدها تحمي الجميع، لتستعيد عافيتها وانطلاقتها وحضورها المميز في محيطها والعالم". مواضيع ذات صلة الجناح العسكري لـ"حزب الله" يؤخر"حصرية السلاح بيد الدولة Lebanon 24 الجناح العسكري لـ"حزب الله" يؤخر"حصرية السلاح بيد الدولة 30/07/2025 13:59:41 30/07/2025 13:59:41 Lebanon 24 Lebanon 24 النائب فراس حمدان لـmtv: حصرية السلاح يجب أن تكون بيد الدولة اللبنانيّة ويجب أن نثق بالدولة Lebanon 24 النائب فراس حمدان لـmtv: حصرية السلاح يجب أن تكون بيد الدولة اللبنانيّة ويجب أن نثق بالدولة 30/07/2025 13:59:41 30/07/2025 13:59:41 Lebanon 24 Lebanon 24 شحادة: حصرية السلاح بيد الدولة Lebanon 24 شحادة: حصرية السلاح بيد الدولة 30/07/2025 13:59:41 30/07/2025 13:59:41 Lebanon 24 Lebanon 24 عون: حصرية السلاح بيد الدولة لم تعد شعاراً بل عنصراً أساسياً لمعادلة الردع الجديدة Lebanon 24 عون: حصرية السلاح بيد الدولة لم تعد شعاراً بل عنصراً أساسياً لمعادلة الردع الجديدة 30/07/2025 13:59:41 30/07/2025 13:59:41 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً بخاري من عكار : المستقبل جميل للبنان بإذن الله Lebanon 24 بخاري من عكار : المستقبل جميل للبنان بإذن الله 13:55 | 2025-07-30 30/07/2025 01:55:38 Lebanon 24 Lebanon 24 لا كهرباء في مركز الضمان في جونية Lebanon 24 لا كهرباء في مركز الضمان في جونية 13:49 | 2025-07-30 30/07/2025 01:49:09 Lebanon 24 Lebanon 24 ناصر الدين دشن وشقير وحدة غسيل الكلى بعد إعادة تأهيلها في مستشفى رفيق الحريري Lebanon 24 ناصر الدين دشن وشقير وحدة غسيل الكلى بعد إعادة تأهيلها في مستشفى رفيق الحريري 13:44 | 2025-07-30 30/07/2025 01:44:05 Lebanon 24 Lebanon 24 جبور: مبروك لمتعاقدي وزارة الإعلام إقرار قانون ضمهم لنظام التقاعد Lebanon 24 جبور: مبروك لمتعاقدي وزارة الإعلام إقرار قانون ضمهم لنظام التقاعد 13:40 | 2025-07-30 30/07/2025 01:40:24 Lebanon 24 Lebanon 24 "قل لا للعنف": الجيش صمّام الأمان في وجه الانقسام والفوضى Lebanon 24 "قل لا للعنف": الجيش صمّام الأمان في وجه الانقسام والفوضى 13:36 | 2025-07-30 30/07/2025 01:36:31 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة وضعه خطير جدّاً... نقل فنان معروف إلى العناية المركّزة بعد تدهور حالته الصحيّة Lebanon 24 وضعه خطير جدّاً... نقل فنان معروف إلى العناية المركّزة بعد تدهور حالته الصحيّة 15:10 | 2025-07-29 29/07/2025 03:10:55 Lebanon 24 Lebanon 24 غرق... فنان شهير يخسر حياته خلال السباحة Lebanon 24 غرق... فنان شهير يخسر حياته خلال السباحة 16:07 | 2025-07-29 29/07/2025 04:07:28 Lebanon 24 Lebanon 24 True story Lebanon 24 True story 16:00 | 2025-07-29 29/07/2025 04:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 ما بين سطور تغريدة براك.. هل رفضت واشنطن الرد اللبناني؟ Lebanon 24 ما بين سطور تغريدة براك.. هل رفضت واشنطن الرد اللبناني؟ 17:00 | 2025-07-29 29/07/2025 05:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 في منطقة السهيلة... حادثة مروعة حصلت بسبب موقف سيارة Lebanon 24 في منطقة السهيلة... حادثة مروعة حصلت بسبب موقف سيارة 16:46 | 2025-07-29 29/07/2025 04:46:54 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 13:55 | 2025-07-30 بخاري من عكار : المستقبل جميل للبنان بإذن الله 13:49 | 2025-07-30 لا كهرباء في مركز الضمان في جونية 13:44 | 2025-07-30 ناصر الدين دشن وشقير وحدة غسيل الكلى بعد إعادة تأهيلها في مستشفى رفيق الحريري 13:40 | 2025-07-30 جبور: مبروك لمتعاقدي وزارة الإعلام إقرار قانون ضمهم لنظام التقاعد 13:36 | 2025-07-30 "قل لا للعنف": الجيش صمّام الأمان في وجه الانقسام والفوضى 13:34 | 2025-07-30 المفتي قبلان: حذارِ من وضع الحكومة في وجه ناسها وشعبها فيديو انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) Lebanon 24 انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) 09:31 | 2025-07-30 30/07/2025 13:59:41 Lebanon 24 Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) 08:32 | 2025-07-30 30/07/2025 13:59:41 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! 19:35 | 2025-07-29 30/07/2025 13:59:41 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • كتاب يعيد قراءة سقوط الدولة الأموية وصعود العباسيين
  • ثورات الموالي ونزعات العرب.. إعادة قراءة في سقوط الدولة الأموية وصعود العباسيين
  • انهيار دفاعات كييف.. روسيا تُسقط مدينة استراتيجية وتقترب من مفاصل الحرب!
  • من نقد التاريخ إلى نقد اللاهوت.. صادق جلال العظم وتفكيك العقل الديني
  • نواب بالبرلمان: مشروعات الطاقة المتجددة خطوة استراتيجية لتحقيق أمن الطاقة وتقليل الأعباء الاقتصادية
  • من الدعوة إلى الدولة: قراءة هادئة في مسار الحركة الإسلامية في اليمن.
  • إيران تكشف أسرار حرب الـ12 يوماً.. تدمير مراكز إسرائيلية استراتيجية وخسائر فادحة
  • الرابطة المارونية لمناسبة عيد الجيش: لتكريس حصرية السلاح بيد الدولة
  • حزب الكتائب يدعو الدولة إلى دعم الجيش
  • سموتريتش يتراجع عن انسحابه من الحكومة: "ندفع عملية استراتيجية جيدة"