#سواليف

” #القاتل_الأكاديمي: كيف تُغتال #الجامعات من الداخل؟”

بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة

في كتابه الشهير “اعترافات قاتل اقتصادي”، يكشف جون بيركنز كيف خُدعَت عشرات الدول النامية بوعود النمو والازدهار، ليتم دفعها إلى الهاوية عبر أدوات ظاهرها التنمية وباطنها السيطرة والاستعباد. واليوم، لا نبالغ إذا قلنا إن هناك نسخة محلية من هذا “القاتل”، لكنها لا ترتدي ربطة عنق البنك الدولي، بل عباءة التعليم العالي، وتجلس على كرسي رئيس الجامعة.

إنها نسخة قاتلة صامتة: القاتل الأكاديمي.

مقالات ذات صلة صرخة موظفي الجامعات الأردنية: هل من إنصاف؟ 2025/05/04

القاتل الأكاديمي لا يدمر الجامعات بجرافات، بل بقرارات. لا يحمل سلاحًا، بل يحمل ختمًا إداريًا، يوقع به قرارات ظاهرها التطوير، وباطنها تفكيك مؤسساتنا التعليمية. هذا النموذج من رؤساء الجامعات لا يُعين لكفاءته الأكاديمية، بل لقدرته على تنفيذ أجندات غير معلنة، قد يكون هدفها ترويض المؤسسة الجامعية، أو إفراغها من مضمونها التنويري، وتحويلها إلى إدارة بيروقراطية فاقدة للروح والرسالة.

يبدأ القاتل الأكاديمي مهمته بالتدريج: أولًا، بإقصاء الكفاءات وتهميش العقول الحرة التي تشكل خطرًا على مشروعه السلطوي. ثانيًا، بفرض برامج موازية تتغذى على جيوب المواطنين دون حساب لجودتها، فيتحول التعليم إلى سلعة، والمعلّم إلى بائع ساعات تدريسية، والجامعة إلى مؤسسة ربحية بلا بوصلة فكرية. ومع الوقت، تصبح الألقاب الأكاديمية أدوات للتفاخر الفارغ بدل أن تكون رموزًا للبحث والنقد والإبداع.

ثم تأتي المرحلة الأخطر: تفكيك البحث العلمي. في ظل إدارة القاتل الأكاديمي، يتحول البحث إلى مجرد “نقاط” للترقية، وتنعدم الاستراتيجية الوطنية الداعمة للإبداع. تُلغى مشاريع الباحثين، تُقصى الدراسات الجادة، وتُرفع ميزانيات المؤتمرات الشكلية، فقط لإيهام الخارج بأن “الجامعة بخير”. وهكذا، تُدفن إمكانيات التطوير الحقيقي تحت ركام الشكليات.

ولا يقف الأمر عند حد الإهمال العلمي، بل يمتد إلى قمع الحريات الأكاديمية. يتم تضييق الخناق على الحوارات، وتُفرغ المجالس الجامعية من أدوارها، ويُمارس الترهيب الإداري ضد كل من يجرؤ على رفع صوته بالنقد أو الاعتراض. يصبح الحرم الجامعي مجرد فضاء للصمت والخوف واللامبالاة، بدلاً من أن يكون منارة للنقاش الحر وصناعة الوعي.

القاتل الأكاديمي يشبه القاتل الاقتصادي في هدفه النهائي: تدمير مستقبل الدول من الداخل. فكما أن بيركنز أغرق الدول بالديون لتفقد سيادتها، يغرق القاتل الأكاديمي الجامعة في العجز والتراجع حتى تفقد استقلالها ورسالتها. والنتيجة واحدة: أجيال مشوشة، تعليم بلا مضمون، ومجتمعات بلا أدوات للنهوض.

الاعتراف بالمشكلة هو بداية الحل. وكما تجرأ بيركنز وكشف جرائم مؤسسته، فعلى كل من يعمل في الحقل الأكاديمي أن يرفض الصمت، وأن يكشف الفساد والتدمير الممنهج الذي تتعرض له جامعاتنا. فمستقبل الأوطان لا يُصنع إلا في قاعات الدرس، ومصير الشعوب يبدأ من حماية حريّة التفكير، ونزاهة المعرفة، واستقلال المؤسسة التعليمية.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف الجامعات

إقرأ أيضاً:

أكاديميون وطلاب: قرار عدن بعدم اعتماد وثائق الجامعات الخاضعة لصنعاء “قرار سياسي يهدد مستقبل الآلاف”

الجديد برس| خاص| أثار قرار حكومة عدن الموالية للتحالف، القاضي بعدم اعتماد أي وثائق أو شهادات صادرة عن الجامعات الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، إلا بعد تمريرها واعتمادها من وزارة التعليم العالي في عدن، موجة انتقادات واسعة في الأوساط الأكاديمية والطلابية اليمنية. وأعرب أكاديميون وطلاب يمنيون عن رفضهم لهذا القرار، معتبرين أنه يحمل خلفيات سياسية بحتة، ويستهدف الطلاب الذين أفنوا سنوات من أعمارهم في سبيل التحصيل العلمي، ليجدوا مستقبلهم مرتهناً لصراعات لا علاقة لهم بها. وأكد عدد من الأكاديميين أن هذا القرار يعد خطوة خطيرة تمس جوهر العملية التعليمية، وتجعل من الشهادات العلمية أداة للضغط السياسي، مؤكدين أن المتضرر الأول والأخير هم الشباب الذين يحلمون بمستقبل أكاديمي ومهني مستقر. وفي السياق ذاته، وصف ناشطون القرار بأنه حلقة جديدة من “القرارات الانتهازية” التي تتخذها حكومة عدن، والتي قالوا إنها “أغرقت المحافظات الجنوبية في الفوضى والفساد”. وأشارت مصادر طلابية إلى أن هذا الإجراء سيفتح الباب أمام ممارسات ابتزاز ممنهجة تمارسها شبكات فساد، تغذيها أطراف خارجية، هدفها تقويض ما تبقى من مؤسسات الدولة وخنق المواطن اليمني بالمزيد من العراقيل والجبايات غير القانونية. ودعا المنتقدون حكومة عدن إلى التراجع عن القرار، واحترام حق الطلاب في الاعتراف بشهاداتهم دون قيد أو شرط سياسي، مؤكدين أن التعليم يجب أن يظل فوق التجاذبات، بعيداً عن أي صراع سياسي.

مقالات مشابهة

  • “التعليم” تُطلق “منصة قبول” الوطنية لتوحيد إجراءات القبول في الجامعات والجهات التعليمية
  • قفزة نوعية في تصنيفات 2025 الدولية.. الجامعات المصرية تتصدر المشهد الأكاديمي إقليميا وإفريقيا
  • تآكل مجتمع الصهيونية “اللقيط” من الداخل.. أرقامٌ ومؤشرات
  • وفد من جامعة السلطان قابوس يزور روسيا لتعزيز التعاون الأكاديمي
  • الجامعة المختلطة إثمها أكبر من نفعها
  • وزير التعليم العالي يبحث مع وفد الجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا ‏سياسة ‏الاستيعاب الطلابي واللامركزية في الجامعات الخاصة
  • وزير التعليم يزور جامعة الأمير سطام ويطّلع على منجزاتها الأكاديمية والبحثية
  • القاتل الصّامت
  • أكاديميون وطلاب: قرار عدن بعدم اعتماد وثائق الجامعات الخاضعة لصنعاء “قرار سياسي يهدد مستقبل الآلاف”
  • تواصل عرض ومناقشة التقارير السنوية للجامعات والكليات اليمنية