كيان الأسدي
تمضي القيادة اليمنية الثابتة بخطى استراتيجية مدروسة، متنقلة من مرحلة إلى أخرى بمهارة عملياتية مدهشة، أذهلت الحليف وأرعبت العدو. من الحظر البحري الذي شلّ حركة الملاحة “الإسرائيلية” وأخرجها من المياه المحظورة، إلى تحدي الأسطول الأمريكي ذاته، وكسر صورة “الهيبة” التي طالما تغنت بها واشنطن عن بحريتها العظمى.
وها هي صنعاء اليوم ترفع سقف المعادلة. بصاروخ واحد فقط أصاب مطار اللد (بن غوريون)، تقوّضت حسابات واشنطن قبل تل أبيب، واهتزت أروقة القرار الغربي أمام جرأة يمنية خارقة. المطار الذي يُعدّ من أكثر المواقع تحصينًا في الكيان، تحيط به أربع طبقات دفاعية متقدمة تشمل منظومات “ثاد”، و”باتريوت”، و”حيتس”، وغيرها من الأنظمة الأمريكية و”الإسرائيلية”، لم تتمكن جميعها من التصدي لصاروخ يمني انطلق من مسافة تقارب الألفي كيلومتر.
وقد كشفت نتائج تحقيق أولي أجراه سلاح الجو الإسرائيلي أن منظومة “ثاد” الأمريكية، والتي تُعتبر ذروة ما توصلت إليه واشنطن في أنظمة الدفاع الصاروخي، قد أخفقت في اعتراض الصاروخ اليمني. هذا الإخفاق التقني يُعدّ ضربة مباشرة لسمعة الصناعة العسكرية الأمريكية، ويعيد رسم مشهد الردع في المنطقة.
القرار اليمني الذي دخل حيّز التنفيذ يُعدّ خطوة متقدمة في عملية الإسناد الاستراتيجي لمحور المقاومة، وقد أُعِدَّ له مسبقًا بعناية فائقة. نحن أمام مرحلة جديدة ستتّسم بالاستهداف المتكرر، وربما باستخدام صنوف مختلفة من الأسلحة، ما يشي بتصعيد متدرج ومدروس من قبل صنعاء لا يعبأ بالتحذيرات ولا يخشى التبعات.
ارتبك نتنياهو وهرول إلى التصريح، موجهاً إصبع الاتهام إلى طهران، وكأنه يستجدي واشنطن أن تضرب إيران، لأن اليمن لا يمكن لردعها أن يتحقق دون استهداف الجمهورية الإسلامية.
هذا الهلع الإسرائيلي لم ينبع فقط من الصاروخ، بل من عمى استخباري مزمن تجاه اليمن، بسبب اعتماد تل أبيب على السعودية التي فشلت طيلة سنوات في كسر إرادة هذا البلد. لم تكن الرياض سوى أداة للتدمير، لا لبناء بنك أهداف فعّال يمكن أن تستثمره “إسرائيل” اليوم في معركتها.
وفي محاولة لامتصاص الصدمة، نقلت قناة “كان 15” العبرية أن المستوى السياسي في “الكيان” أصدر تعليماته للجيش بوضع خطط هجومية جديدة ضد أهداف تابعة لأنصار الله في اليمن. لكن هذه التهديدات تصطدم بعجز استخباري ميداني وغياب بنك أهداف واقعي، ما يجعل أي رد محتمل أقرب إلى الاستعراض منه إلى الفعل المؤثر.
إن القدرات العسكرية اليمنية لم تُستورد من الخارج، بل تشكلت وصقلت وسط أتون الحرب مع التحالف السعودي، وقد تم ضرب معظم الأهداف المتاحة سابقًا، ما يجعل العدو الصهيوأمريكي مكشوفًا، فاقدًا للرؤية، عاجزًا عن تقدير حجم التهديد أو التعامل معه.
أما الحظر الجوي المقبل، ومع الضربات المتتالية على مطار بن غوريون، فسيضرب شرياناً حيوياً يمس ملايين المستوطنين، نظراً لما يمثله المطار من عصب حيوي يرتبط بحياة السكان وعجلة الحكومة. حينها، ستواجه شركات الطيران الأجنبية معضلة الأمن والتأمين، ما يدفعها نحو تعليق الرحلات، فتتحقق العزلة التي ستقض مضجع كيان العدو.
الخلاصة، كما قال نتنياهو في مطلع المعركة: “المعركة وجودية، إما نحن أو هم”. وها هو يعاني من فشل القضاء على “التهديد القريب” في غزة، بينما يقف مشدوهاً أمام “التهديد البعيد” الذي يواصل ضرباته من صنعاء، غير آبه بالمسافات ولا الحسابات.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
ماذا قالت أمريكا أمام مجلس الأمن عن شحنة السلاح (750 طن) المضبوطة في اليمن؟ ولماذا جددت مطالبتها بإنهاء مهمة بعثة ''أونمها''؟
جددت الولايات المتحدة، مطالبتها بإنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة في اليمن، مؤكدة أن زمن البعثة قد انتهى.
وقالت دوروثي شيا، القائمة بأعمال المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة لمجلس الأمن، أمس الثلاثاء، إن واشنطن تتطلع إلى مراجعة الأمين العام للأمم المتحدة قبل 28 نوفمبر.
وشددت على ضرورة أن تركز المراجعة على تبسيط عمليات المنظمة وتحسين تخصيص الموارد، وإعادة تشكيل أنشطتها الميدانية.
وكان مجلس الأمن الدولي صوّت على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (UNMHA) لمدة ستة أشهر ونصف، تنتهي في 28 يناير 2026، بعد مناقشات شهدت سجالًا بين ممثلي بعض الدول الأعضاء، في ظل مطالب من بعض الأطراف بإنهاء مهمة البعثة التي اعتُبرت شكلية ولم تحقق أهدافها الرئيسية، والانتقادات المتزايدة لأداء البعثة واتهامات بالفشل والانحياز، والتي كان من المفترض أن تنتهي ولايتها في 14 يوليو الماضي.
وأشارت شيا إلى أن مطالبة الحوثيين بإلغاء آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM)، تؤكد فعالية هذه الآلية في وقف تهريب الأسلحة إلى الجماعة، لا سيما بعد أن بدأت عمليات تفتيش فعلية بنسبة 100% لجميع البضائع المنقولة في الحاويات، وجددت الدعوة إلى دعم تمويلها لتتمكن من القيام بمهامها الحيوية.
وجددت المسؤولة الأميركية، تحذيراتها من استمرار الدعم الإيراني لجماعة الحوثيين وتمكينهم من زعزعة الاستقرار في اليمن وتهديد الأمن البحري الإقليمي.
وأضافت،"إن تحدي إيران للقرارات الأممية واستمرارها في دعم الحوثيين مكّنهم من تصعيد التوترات الإقليمية، وتشكيل تهديداً للشعب اليمني وحرية الملاحة في البحر الأحمر".
وأكدت شيا أن مواصلة الحوثيين هجماتهم ضد السفن التجارية "يُظهر بوضوح تأثيرهم المزعزع للاستقرار في المنطقة وتدخلهم في حرية الملاحة، كما يثبت مسؤوليتهم المباشرة عن التهديدات الاقتصادية والبيئية والأمنية لليمن والمنطقة".
وفيما أشادت بقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في ضبط ما لا يقل عن 750 طناً من الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى الحوثيين، حثت الأمم المتحدة على تسهيل قيام فريق الخبراء المعني باليمن بتفتيش تلك الشحنة في أقرب وقت ممكن لمعرفة مصدرها.
وأكدت شيا أن ممارسات الحوثيين في الداخل وفي البحر تهدد سلامة الشعب اليمني، حيث "أدت الهجمات إلى زيادة صعوبة إيصال السلع الأساسية والمساعدات الإنسانية إلى اليمن ودول أخرى في المنطقة"، مضيفة أنهم "قاموا بحملات ابتزاز لمستوردي السلع الأساسية، وداهموا مستودعات المساعدات للاستيلاء على الأصول، ويواصلون احتجاز اليمنيين، بمن فيهم موظفو الأمم المتحدة والدبلوماسيون، لبث الخوف وقمع المعارضة وتعزيز قبضتهم على السلطة".
وطالبت الدبلوماسية الأميركية، جماعة الحوثيين بالإفراج الفوري عن 11 من أفراد طاقم سفينة "إترنيتي سي" المحتجزين لديها بشكل غير قانوني، إضافة إلى إطلاق سراح جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والدبلوماسيين الذين لا تزال الجماعة تحتجزهم منذ أكثر من عام.