الشرع في باريس.. فرنسا تقود المبادرة الدبلوماسية بدعم سوريا الجديدة
تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT
باريس- يستضيف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الأربعاء، نظيره السوري أحمد الشرع في أول زيارة له إلى أوروبا منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفق ما أعلنه قصر الإليزيه أمس.
ومن المقرر أن يناقش ماكرون مع الشرع عدة قضايا، من أهمها رفع العقوبات ومكافحة الإرهاب واستقرار المنطقة والوضع في لبنان.
كما تتجلى أهمية هذا اللقاء في محاولة فرنسا قيادة المبادرة الدبلوماسية لدعم سوريا الجديدة ولعب دور محوري في منطقة الشرق الأوسط.
بوابة أوروبايعتبر مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أن العلاقات التاريخية بين باريس ودمشق كانت المحرك الأساسي لاختيار فرنسا دعوة واستقبال الرئيس السوري لتكون البلد الأول الذي يزوره. وأضاف في حديث للجزيرة نت أن الزيارة ستمثل خطوة مهمة للشرع، وستكون بوابة إلى المجتمع الدولي الأوسع.
وتابع عبد الغني "بما أن فرنسا تُعد من الدول الديمقراطية العريقة، فإن استقبالها للرئيس السوري سيعني أن عددا كبيرا من الدول الأوروبية ستدور في فلكها هي وألمانيا البلدين اللذين يقودان الاتحاد الأوروبي" متوقعا أن هذه الدول ستقوم بالخطوة نفسها في المستقبل.
إعلانومن جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بباريس زياد ماجد أن الشرع يبحث عن تواصل دولي مع الغرب ليقدم نفسه كرئيس جديد لسوريا، بعد حصوله على الشرعية العربية من خلال دعوته إلى القمة العربية واجتماعات مختلفة مع القادة العرب.
وأضاف ماجد -في تصريحه للجزيرة نت- أن أهمية الزيارة تكمن في اعتبار باريس المدخل الأساسي نظرا لدورها السابق في مواجهة نظام الأسد ومحاولتها قيادة الاتحاد الأوروبي سياسيا في منطقة الشرق المتوسط، فضلا عن علاقاتها العديدة مع لبنان والعراق ودول الخليج.
وفي الوقت الذي كانت فيه فرنسا مركزة على مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط، يبدو أنها تتخذ اليوم منعطفا جيوسياسيا مختلفا، وقد برز ذلك بشكل واضح في اعترافها المحتمل بدولة فلسطين وزيارة ماكرون الأخيرة إلى مصر.
دعم سورياوكان الرئيس الفرنسي قد دعا الشرع لزيارة باريس بداية فبراير/شباط الماضي. وفي نهاية مارس/آذار الماضي، جعل دعوته مشروطة بتشكيل حكومة سورية شاملة "لكل مكونات المجتمع المدني" وبالضمانات المتعلقة بأمن البلاد، معتبرا أن مناقشاته الأولى مع الشرع بهذا الصدد كانت "إيجابية تماما".
وخلال الاجتماع، سيؤكد ماكرون دعم بلاده لبناء "سوريا حرة ومستقرة وذات سيادة تحترم جميع مكونات المجتمع السوري" وفقا لبيان الرئاسة الفرنسية أمس.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية زياد ماجد أن المسائل الاقتصادية والحيوية بالنسبة لسوريا ولنظام الشرع، مثل إعادة الإعمار ورفع بعض العقوبات وتشجيع الاستثمارات، تُعد من أهم أهداف زيارته لفرنسا.
وغير مستبعد إثارة الرئيس الفرنسي مع الشرع ملف حقوق الإنسان و"التوترات الطائفية" أكد ماجد على رغبة باريس في التعاون الاقتصادي ولعب دور قيادي في الشرق الأدنى -خاصة في سوريا ولبنان- في ظل الغياب الأميركي.
وأضاف أن القمة التي جمعت ماكرون مع نظيره اللبناني جوزيف عون في باريس في مارس/آذار الماضي، والتي جرى خلالها الاتصال بالشرع والمسؤولين القبارصة واليونانيين، تؤكد الاهتمام الفرنسي بهذه المنطقة حيث تتوفر الاحتمالات لإبرام عقود اقتصادية بفضل الموانئ الإستراتيجية لفرنسا وارتباط الساحل ببلد مثل العراق.
إعلانوفي سياق متصل، يرى عبد الغني أن باريس تشعر بضرورة أن تلعب الدور مجددا في دمشق لأن المنطقة داخل نطاق اهتماماتها، فضلا عن أهمية وارتباط سوريا بضمان استقرار لبنان.
تحديات ومصالحومن المتوقع أن تسلط هذه الزيارة الضوء على التحديات الخارجية التي تواجهها سوريا، خاصة الغارات الإسرائيلية المتكررة التي تهدد سيادة واستقرار البلاد، وفقا لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وبينما دعت إسرائيل إلى بقاء سوريا معزولة ولامركزية، صعّدت هجماتها العسكرية في جميع أنحاء البلاد ودخلت قواتها البرية إلى منطقة جنوب غربها، منذ نجاح فصائل المعارضة السورية في الإطاحة بنظام الأسد.
وبالتالي، يعتبر ماجد أن الأمور لا تزال معقدة في ظل المشاكل الداخلية والعقوبات الأميركية وحالة الانتظار لما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة، بسبب استمرار حرب الإبادة في قطاع غزة والغارات الإسرائيلية على لبنان واستباحة إسرائيل للجنوب السوري.
ويرى عبد الغني أن فرنسا تحتاج إلى استعادة نفوذها الذي فقدته في سوريا من خلال قطعها العلاقات مع بشار الأسد. وبقيادتها القاطرة الأوروبية باتجاه سوريا في ظل الفراغ والتردد الأميركي، تتقدم باريس بهذه الخطوة ليكون لها دور التأثير السياسي على السلطات في دمشق والعملية الانتقالية كلها، من خلال دعم النواحي الاقتصادية والسياسية، وفق المتحدث نفسه.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
سوريا الجديدة تقرع أبواب الغرب.. هل تنجح استراتيجية الشرع؟
انخرطت دمشق على مدى الأشهر الماضية في حراك دبلوماسي مكثف بهدف مد جسور التواصل مع المجتمع الدولي من جديد، مركزة على تقديم سوريا جديدة غنية بالفرص إلى الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وهو ما تجسد في زيارة الرئيس أحمد الشرع الأولى إلى أوروبا.
وتحمل دمشق، التي تعاني من إرث الأسد المخلوع من العقوبات الدولية، معها إلى الغرب عددا من الفرص من بينها سوريا صديقة في الشرق الأوسط ومجالا استثماريا واعدا في بلد يحتاج لإعادة الإعمار وإنعاش اقتصاده المنهك، حسب مراقبين تحدثوا لـ"عربي21".
على وقع ذلك، أجرى الشرع رفقة وفد رسمي زيارته الأولى إلى القارة الأوروبية من خلال البوابة الفرنسية، التي شرعت أبوابها أمام حاكم دمشق الجديد.
والتقى الشرع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون وأجرى الزعيمان مؤتمرا صحفيا في قصر الإليزيه، شدد فيه الرئيس السوري على ضرورة رفع العقوبات الغربية عن بلاده بعدما زالت مسبباتها بزوال نظام الأسد.
كما لوح الشرع بما قدمته الثورة السورية إلى الغرب من خلال الإطاحة بنظام الأسد الذي حول البلاد على مدى عقد ونصف من الزمان إلى بؤرة لتصدير الأزمات، قائلا "أنقذنا المنطقة بأسرها من إرهاب محتم كان يجثم على صدور السوريين وعلى صدور المنطقة، وأثر الإرهاب الذي كان يمارسه النظام في سوريا كان يصل إلى أوروبا".
من جهته، بدا ماكرون الذي وقف إلى جانب الشرع في المؤتمر الصحفي على وفاق مع الطرح السوري بشأن ضرورة التعاون الغربي مع سوريا الجديدة من خلال رفع العقوبات.
وأوضح الرئيس الفرنسي أن بلاده ستعمل على رفع تدريجي لعقوبات الاتحاد الأوروبي عن سوريا، موضحة أن باريس ستضغط أيضا على الولايات المتحدة لاتباع هذا المسار كذلك.
ويرى مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، أن زيارة الشرع إلى فرنسا "مهمة في السياق الذي تعيشه سوريا، ليس فقط لكونها أول زيارة إلى دولة غربية بعد سقوط النظام السابق، بل كخطوة رمزية واستراتيجية خلال مرحلة انتقالية حساسة".
ويوضح العبد الله في حديثه لـ"عربي21"، أن "القيادة الجديدة تتحمل مسؤولية إعادة بناء علاقات سوريا الدولية، ورأب العزلة والتشرذم العميقين اللذين أفرزتهما سنوات الحرب والاستبداد والتهميش".
وبحسب الباحث، فإن هذه الزيارة "حملت ثقلا سياسيا ورمزيا قويا"، ودلت على "رغبة واضحة، لا سيما من أوروبا، في الانخراط مع الواقع الجديد في دمشق، وإتاحة الفرصة للقيادة الانتقالية لإظهار جديتها في بناء مسار سياسي تعددي وشامل ومنفتح، مشروط بإصلاحات حقيقية واستعادة الثقة الداخلية والخارجية".
وكانت زيارة الشرع الأولى إلى أوروبا نتيجة سلسلة من التواصلات الحثيثة التي قادتها دمشق، حيث استقبل قصر الشعب بالعاصمة السورية العديد من الوفود الغربية رفيعة المستوى منذ سقوط نظام الأسد أواخر العام الماضي.
كما اضطلع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بمهمة جسر الفجوات مع الغرب عبر سلسلة من الجولات المكوكية التي حطت عبرها رحاله في دول فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
ومنذ سقوط الأسد، بدا أن دمشق تسعى إلى رسم خارطة تحالفات وعلاقات دولية مغايرة لما كان عليه الوضع على عهد النظام المخلوع الذي اتخذ من دول معادية للغرب مثل روسيا وإيران حلفاء رئيسيين له.
وقد بدأ الشرع من خلال الزيارة الفرنسية بقطف ثمار جهود إدارته الدبلوماسية الرامية إلى تقديمه كزعيم جديد لسوريا، حسب الباحث السياسي محمود علوش.
وأوضح علوش في حديثه مع "عربي21"، أن الزيارة إلى باريس كشفت عن "اندفاعة فرنسية قوية في التعامل مع الرئيس الشرع، خاصة وأن فرنسا دولة صانعة قرار داخل الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن موقفها سيكون مؤثرًا في صياغة السياسة الأوروبية تجاه سوريا".
وشدد على أن "هناك هامشا واسعا من الدبلوماسية أمام الرئيس الشرع للتفاعل مع المجتمع الدولي"، لافتا إلى أن دمشق "تدرك الحاجة إلى إقامة علاقات جيدة مع الدول الغربية، ليس فقط من أجل تجاوز معضلة العقوبات، بل أيضا لمعالجة التحديات الكبرى، وعلى رأسها التحدي الإسرائيلي".
هوية جيوسياسية جديدة
يعمل الشرع على مد جسور التواصل مع الولايات المتحدة بشكل رئيسي من أجل تمهيد الطريق أمام رفع العقوبات المفروضة على دمشق، كما يأمل أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى لجم جماح الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، والتي بلغت ذروتها قبل أيام باستهداف محيط القصر الرئاسي.
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلا عن مصادرها، عن سعي الرئيس السوري إلى لقاء نظيره الأمريكي دونالد ترامب خلال جولة الأخير المرتقبة إلى المنطقة، من أجل مشاركة رؤيته لإعادة الإعمار على غرار خطة مارشال.
وأوضحت الصحيفة أن خطة الشرع تضمن تفوق الشركات الغربية والأمريكية على نظرائها في الصين، كما لفتت إلى أن الشرع أبدى استعدادا لإبرام اتفاقات تسمح للشركات الأمريكية بإجراء عمليات تجارية في مجالي النفط والغاز.
ويرى علوش أن الإدارة السورية الجديدة تدرك أهمية انخراط الغرب في إعادة إعمار سوريا، مبينا أن سوريا الجديدة ليست جديدة فقط داخليًا، بل على مستوى الهوية الجيوسياسية كذلك.
وبحسب الباحث، فإن الرئيس الشرع يسعى إلى تذكير الغرب بأن التحول الحاصل في البلاد يشكل فرصة كبرى، وأن سوريا يمكن أن تصبح حليفا وصديقا للولايات المتحدة والغرب في الشرق الأوسط.
من جهته، يرى العبد الله كذلك أن القيادة الانتقالية "تبدو عازمة على تبني سياسة خارجية مختلفة عن سياسة سوريا ما قبل عام 2024، ويشمل ذلك تقليل الاعتماد على التحالفات الجيوسياسية الضيقة، وفتح قنوات متنوعة للتواصل مع الجهات الفاعلة الرئيسية، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة".
وكانت تقارير أشارت إلى أن سياسية إدارة ترامب تجاه سوريا لا تزال قيد المعالجة، بينما تسعى العديد من دول المنطقة من بينها تركيا والسعودية إلى الضغط على واشنطن من أجل معالجة ملف العقوبات الضاغط على دمشق.
وقبل أيام، كشفت وكالة رويترز عن سماح واشنطن للدوحة بتمويل رواتب القطاع العام في سوريا، بما يمنح دمشق القدرة المالية لدعم مساعيها الرامية لإعادة بناء الدولة.
ونقلت الوكالة عن ثلاثة مصادر أن التمويل القطري سيسمح بزيادة الرواتب تدريجيا بنسبة تصل إلى أربع مئة بالمئة، في حين أوضح مصدر سوري أن المبادرة القطرية تشمل الموظفين المدنيين فقط دون وزارتي الداخلية والدفاع.
ويرجح علوش أن تقدم الولايات المتحدة في المرحلة القادمة مزيدا من المبادرات المحدودة على غرار مبادرة التمويل القطري، بما يسمح للشركاء العرب بتمويل مشاريع استثمارية داخل سوريا، مشددا على أن "كل ما يتعلق بإعادة الإعمار مرهون بالعقوبات الأمريكية".
ويبين العبد الله بدوره أن دمشق الجديدة "تقدم نفسها كشريك محتمل في جهود إعادة الإعمار، مُشيرة إلى نواياها في الانفتاح الاقتصادي وتنفيذ إصلاحات تدريجية في هيكل السوق ومناخ الاستثمار - تحت إشراف دولي لضمان الشفافية".
التحدي الإسرائيلي
تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي من جهتها التصعيد ضد سوريا منذ سقوط نظام الأسد، وهو ما يضع دمشق تحت تحديات ضاغطة في المرحلة الانتقالية.
وبعد أيام من بلوغ التصعيد الإسرائيلي ذروته عبر استهداف محيط القصر الرئاسي بدمشق، كشف الشرع خلال زيارته باريس عن إجراء بلاده مباحثات غير مباشرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وقال الرئيس السوري إن المباحثات مع إسرائيل تهدف إلى "تهدئة الأوضاع وعدم فقدان السيطرة"، مشددا على أن "تصرفات إسرائيل عشوائية، وعليها التوقف عن التدخل في الشأن السوري".
وكانت مصادر رويترز كشفت أن الإمارات فتحت قناة اتصال بين الجانبين تقتصر فقط على القضايا الأمنية وملفات مكافحة الإرهاب، نافية أن تكون المسائل العسكرية أو الأنشطة الإسرائيلية في سوريا ضمن نطاق النقاش الحالي.
ويرى علوش أن "الهدف الأساسي من هذه القنوات هو التعامل مع التهديد الخطير الذي تمثله إسرائيل في هذه المرحلة"، معتبرا أن هذا التواصل "يعزز من هوامش الدبلوماسية لإنتاج حلول لهذا التحدي، وقد يمهّد لاحقا لسياق سوري-إسرائيلي أوسع".
وأشار الباحث إلى أن "العلاقة غير المضطربة مع إسرائيل تعد بوابة لعلاقات جيدة بين دمشق والغرب، وهذا ما يدركه الرئيس الشرع جيدا".
بينما يرى العبد الله أن الاتصال غير المباشر مع الاحتلال الإسرائيلي يأتي "في إطار تحول براغماتي يقر بالديناميكيات الإقليمية المعقدة"، لافتا إلى أن “التوصل إلى اتفاق رسمي يبدو بعيد المنال".
لكن حتى الاتصالات الأولية بين الجانبين تشير إلى استعداد جديد لتجاوز الأعمال العدائية المتجذرة والسعي إلى تفاهمات أوسع نطاقا تخدم مصالح سوريا الإقليمية والأمنية، حسب العبد الله.