واشنطن تايمز: طلب مثير للجدل أطاح بالاتفاق بين سوريا وإسرائيل
تاريخ النشر: 11th, October 2025 GMT
قالت صحيفة واشنطن تايمز إن المحادثات بين سوريا وإسرائيل والتي شهدت تقدما كبيرا نحو التوصل إلى اتفاق يشار إليه إعلاميا باسم "خارطة طريق السويداء"، تعثرت في لحظاتها الأخيرة بسبب خلافات داخلية لدى الطرفين، وبالأخص بسبب طلب إسرائيلي مثير للجدل.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم فون كوكاين- أن الاتفاق الذي أنجزت ملامحه الرئيسية بعد جولات متعددة من المفاوضات بوساطة أميركية، يتضمن عدة بنود أساسية أبرزها إنشاء منطقة عازلة جنوبي سوريا، والعودة إلى حدود اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، وتوفير حماية موسعة للطائفة الدرزية في المنطقة.
وكان من المتوقع -حسب الصحيفة- أن يعلن الرئيس السوري أحمد الشرع رسميا عن إبرام الاتفاق خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، لكن مطالبة إسرائيل بفتح "ممر إنساني" إلى محافظة السويداء التي تقطنها غالبية درزية، أدت إلى انهيار جهود إعلان الاتفاق.
ورأت الصحيفة أن هذا الطلب الإسرائيلي يرتبط بمخاوف داخلية تتعلق بالطائفة الدرزية التي يتجاوز عددها 100 ألف مواطن داخل إسرائيل، إذ يعتقد مراقبون أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لإرضاء هؤلاء المواطنين من خلال التأكيد على التزامها بحماية الدروز في سوريا، في ظل الصراع الداخلي المستمر هناك.
لكن خبراء إستراتيجيين حذروا من أن الممر الإنساني المقترح غير عملي من الناحية الأمنية لأنه يجب أن يمر عبر محافظة درعا، وهي منطقة ذات أغلبية سنية، مما يجعل القوافل معرضة لهجمات محتملة من جماعات معادية.
ويرى الباحث أحمد الشراوي أن هذا الطلب يأتي من باب "المناورة السياسية الداخلية" أكثر مما هو خيار واقعي على الأرض، خاصة أن إسرائيل تؤكد التزامها بحماية الدروز السوريين، وبالفعل تدخلت عسكريا لصالحهم عندما اندلعت اشتباكات بين القوات الحكومية السورية وقبائل بدوية ومليشيات درزية في السويداء.
الكرة في ملعب إسرائيلورغم أن حكومة الشرع أظهرت رغبة واضحة في إبرام الاتفاق، فإن ماضي الشرع كقيادي في جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة يثير مخاوف جدية لدى إسرائيل، التي تشكك في تخلي الشرع عن خلفيته الجهادية، كما تقول الصحيفة الأميركية.
إعلانأما على الجانب السوري فقد تغير المشهد السياسي الشعبي في البلاد بعد سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وبعد أن كانت إيران العدو الأكبر في نظر السوريين، فإن التحركات الإسرائيلية الأخيرة في غزة واستمرار احتلالها للجولان عمقت الكراهية الشعبية تجاه تل أبيب، بحسب استطلاعات حديثة.
مع ذلك، تشير التقارير إلى أن الحكومة السورية تتخذ نهجا براغماتيا، وتبدو مستعدة للمضي قدما في الاتفاق بغض النظر عن الرأي العام الداخلي، في سبيل تحقيق الاستقرار السياسي وإعادة رسم موقع سوريا الإقليمي.
ويؤكد تشارلز ليستر، مدير مبادرة سوريا في معهد الشرق الأوسط، أن سوريا وافقت بالفعل على الاتفاق، وقامت بتقديم تنازلات كبيرة كانت ستعتبر في السابق مرفوضة شعبيا.
لكن رغم هذا التقدم، لا تزال مسألة الاعتراف الرسمي بإسرائيل بعيدة المنال، إذ صرح الشرع لمسؤولين أميركيين أن سوريا تختلف عن الدول العربية التي وقعت على "اتفاقيات أبراهام"، بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراض سورية في الجولان.
في النهاية، يرى مراقبون أن الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي، فإما أن تختار إسرائيل المسار الدبلوماسي وتوقع الاتفاق، وإما أن تستمر في سياسة إضعاف سوريا والحفاظ على حالة الانقسام والفوضى فيها، رغم أن ضغط الإدارة الأميركية لاتخاذ الخيار الأول، حسب ليستر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات ترجمات
إقرأ أيضاً:
لماذا أطلقت واشنطن خلية لإعادة محتجزي تنظيم الدولة من سوريا؟
الحسكة- في الوقت الذي يسلّم فيه الجيش الأميركي معظم مهامه في بغداد إلى القوات العراقية، توقف سحب قواته من سوريا لعدة أشهر، تزامنا مع تحركات أميركية لتشكيل خلية جديدة تعنى بملف إعادة رعايا تنظيم الدولة الإسلامية، في خطوة رآها باحثون جزءا من إعادة تموضع أوسع في المنطقة برمتها.
ووجّه قائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر نداء للدول لتسريع إعادة رعاياها المحتجزين من المخيمات، معلنا تأسيس "خلية مشتركة" لتنسيق عمليات الإعادة بعد زيارته الميدانية لمخيم الهول شمال شرقي سوريا، وسط تحذيرات من استغلال التنظيم لأوضاع النساء والأطفال لإعادة بناء شبكاته.
ويرى باحثون أن الخطوة تحمل بُعدا سياسيا أيضا، إذ تسعى إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى إعادة ترتيب العلاقة بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، تمهيدا لتسوية أوسع في الملف السوري.
مخاوفويُقدّر عدد مقاتلي التنظيم في سن التجنيد بنحو 9 آلاف، إلى جانب أكثر من 21 ألف فرد من عائلاتهم، موزعين على 26 مركز احتجاز ومخيما، أبرزها الهول وروج، اللذان يُنظر إليهما كبؤرتين خصبتين لعودة فكر التنظيم.
وأكد كوبر، خلال مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن "إعادة الفئات الهشة قبل أن تتعرض للتطرف هي ضربة حاسمة ضد قدرة تنظيم الدولة على إعادة تشكيل نفسه"، مشيدا بجهود بغداد التي أعادت أكثر من 80% من رعاياها.
ورغم أن العراق أعاد أكثر من 17 ألف مواطن من المخيمات، بينهم 9 آلاف منذ مطلع العام الجاري، فإن دولا أوروبية وعربية لا تزال ترفض استقبال رعاياها، رغم تحذيرات البنتاغون من تحوّل المخيمات إلى "حاضنات للجيل القادم من التنظيم".
وترى الكاتبة والباحثة في السياسات الأميركية تجاه الشرق الأوسط هديل عويس، من واشنطن، أن تردد الدول الغربية في استعادة رعاياها يعود إلى المخاوف الأمنية والسياسية الداخلية، مشيرة إلى أن الإدارة الأميركية تحاول ممارسة ضغط غير مباشر عبر الأمم المتحدة من دون أن تتحمل هي عبء الملف الإنساني.
إعلانوعلى مدى أعوام، وجهت الإدارة الذاتية في سوريا دعوات متكررة إلى الدول لاستعادة مواطنيها المحتجزين في المخيمات، لكنها لم تتلق سوى استجابات محدودة، غالبا من دول آسيوية أو عربية.
وتضيف عويس في حديثها للجزيرة نت أن "الدول الأوروبية تحديدا ترفض استقبال هذه العائلات بسبب تعقيدات قانونية ودبلوماسية، فضلا عن كلفة إعادة الدمج والمتابعة القضائية، فكل حالة إعادة تتطلب إجراءات أمنية دقيقة، وهي عملية مكلفة سياسيا وماليا".
وتوضح الباحثة أن هذا الملف مثار جدل داخلي بين اليمين واليسار الأوروبي، لذلك تفضل الحكومات تأجيل اتخاذ القرار، ما يترك آلاف النساء والأطفال في وضع هش مستمر.
أكدنا اليوم خلال ترؤوسنا جلسة الإدماج في المؤتمر الدولي رفيع المستوى بشأن مخيم الهول السوري المنعقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن العراق نجح في خوض تجربة إنسانية معقدة لإعادة تأهيل ودمج العائدين من مخيمات شمال شرق سوريا ولا سيما مخيم الهول، عبر مركز… pic.twitter.com/wx12eREowS
— ايفان جابرو Evan Gabro (@EvanGabro) September 26, 2025
أداة سياسيةوتدرك الولايات المتحدة أن أي انسحاب غير محسوب من شرق الفرات سيحوّل المخيمات إلى "قنبلة مؤجلة"، فمخيم الهول لم يعد مجرد مأوى للنازحين، بل منطقة خارجة عن السيطرة تشهد حوادث قتل وتهريب مستمرة.
وتسعى الخلية الجديدة إلى نقل المسؤولية تدريجيا نحو الإدارات المحلية وقوات الأمن الداخلي في شمال شرقي سوريا، في محاولة لتخفيف العبء الدولي من دون تفجير الوضع الإنساني، لكن خلف هذا التحرك، يختبئ صراع داخل أروقة القرار الأميركي حول مستقبل الوجود في سوريا.
فوزارة الدفاع ترى أن إبقاء شراكتها مع "قسد" ضروري لردع عودة التنظيم، بينما تميل الخارجية إلى اختبار مسارات تواصل غير مباشرة مع دمشق تفتح الباب لتسوية أوسع، أما البيت الأبيض فيوازن بين هذين الموقفين، متأثرا بضغوط داخلية تطالب بإنهاء "الحروب الأبدية" بدون أن يبدو الانسحاب هزيمة سياسية.
وفي المقابل، تنظر أنقرة بعين القلق إلى أي خطوة أميركية تعزز موقع "قسد" شرقي الفرات، معتبرة ذلك تهديدا مباشرا لأمنها القومي، كما تراقب دمشق بحذر إعادة التموضع الأميركي، إذ تخشى أن يؤدي إلى تكريس واقع إداري منفصل في الشمال الشرقي، رغم التواصل المحدود مؤخرا بين الطرفين عبر وسطاء روس.
ووفقا للباحثة عويس، يعكس التحرك الأميركي الأخير إعادة تقييم للعلاقة مع الحلفاء المحليين بعد تراجع الدعم الدولي لهم، معتبرة أن سوريا دخلت مرحلة ما بعد الحرب، إذ تحاول كل قوة تثبيت مكاسبها قبل انطلاق المفاوضات السياسية الجدية.
وترى أن الملف الإنساني أصبح أداة سياسية بيد الولايات المتحدة، وأن المؤسسة العسكرية تميل للاستمرار في دعم "قسد" بينما يدفع فريق ترامب وعلى رأسه توم باراك نحو بناء علاقة مباشرة مع دمشق لإعادة مركزية الدولة السورية، وأن واشنطن تنظر إلى ملف إعادة المقاتلين كقضية أمنية أكثر من كونها إنسانية، ووسيلة ضغط لتسوية الملف السوري من منظور جديد.
مسار مزدوجوتوضح الباحثة عويس أن الانسحاب الجاري من العراق نتيجة اتفاق سابق يتيح بقاء القوات الأميركية في إقليم كردستان العراق حتى عام 2026 لدعم العمليات في سوريا، ما يفتح تساؤلات حول استمرار الوجود العسكري الأميركي بعد ذلك. وتشير إلى أن الإدارة الأميركية تبحث عن مخرج قانوني يسمح ببقاء قواتها في الإقليم، ما يبرر استمرار وجودها شرقي سوريا أيضا.
إعلانبينما يرى وائل علوان الباحث في مركز جسور للدراسات الإستراتيجية أن التحركات الأميركية الحالية تسعى لتحقيق هدفين متوازيين هما حماية خطوط الإمداد بين العراق وسوريا، و"ضمان عدم توسع النفوذ الإيراني" بعد الانسحاب من بغداد.
ويضيف أن الولايات المتحدة تعتبر إنهاء المخيمات خطوة رئيسية لتفكيك البيئة الحاضنة للإرهاب، وإطلاق مرحلة استقرار تمتد من لبنان وسوريا إلى العراق.
ويؤكد أن التحرك الأميركي عبر الأمم المتحدة لا يهدف إلى تدويل الملف بقدر ما هو استثمار للمنصة الأممية لضمان النفوذ وبقاء واشنطن كضامن للاستقرار.
من جانبه، يقول الباحث في العلاقات الدولية محمد منير إن مهمة كوبر تبدو اليوم أشبه بمسار مزدوج، وتتمثل بإنهاء مهمة مكافحة الإرهاب من جهة، وضمان ألا يتحول الفراغ الأمني في سوريا والعراق إلى "ساحة نفوذ لإيران" أو روسيا من جهة أخرى.
وبرأيه، فإن "خلية الإعادة المشتركة" ليست مجرد أداة إنسانية، بل خطوة أولى لإعادة هندسة النفوذ الأميركي في شرق سوريا تمهيدا لتسوية سياسية محتملة، مع إعادة التموضع ببطء لضمان مصالحها بأدوات أقل كلفة.
وبينما تسعى واشنطن لإغلاق ملف مخيم الهول وإعادة آلاف الرعايا الأجانب، يبقى الغموض يلف مستقبل وجودها العسكري في شمال شرقي سوريا بعد عام 2026، وسط استمرار الحاجة لضمان استقرار المناطق المحررة من تنظيم الدولة، وتهيئة بيئة سياسية وأمنية تقلل خطر العودة المحتملة للتنظيم.