مصدرو الصين يتجهون إلى مصر| فرصة تاريخية للاقتصاد.. وإجمالي الاستثمارات يصل لـ8 مليارات دولار
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
وسط التصعيدات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، لم يعد البحث عن حلول بديلة رفاهية أمام المصدرين الصينيين، بل أصبح ضرورة اقتصادية ووجودية. وعندما فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية خانقة على الواردات الصينية، وُضعت مئات الشركات في موقف لا تُحسد عليه. وبينما كانت بعض المصانع تغلق أبوابها أو تقلّص نشاطها، اختارت شركات أخرى التفكير خارج الصندوق، ومن بين هذه الشركات كانت “بيفا” إحدى كبرى شركات تصنيع الأقلام والقرطاسية في الصين.
لكن "بيفا" لم تبحث فقط عن طريق بديل لتجاوز العاصفة، بل وجدت في مصر بوابة جديدة نحو المستقبل، ليس فقط هرباً من التعريفات الأمريكية، بل كجزء من تحول استراتيجي في خريطة التجارة العالمية.
ضربة تجارية تهز "بيفا"شركة "بيفا"، التي تعتمد على السوق الأمريكية في ما يقرب من 40% من إجمالي مبيعاتها السنوية، وجدت نفسها مجبرة على إلغاء عدد من صفقاتها التجارية في أبريل، بعد أن رفع ترامب الرسوم الجمركية إلى مستويات غير مسبوقة. وبلغ حجم مبيعات الشركة في الولايات المتحدة نحو 60 مليون دولار سنويًا، وهو رقم يضع مئات الوظائف على المحك.
ورغم الجهود التي بذلها مؤسس الشركة، وهو رجل تجاوز الستين من عمره، في البحث عن أسواق بديلة من بينها مصر، فإن المهمة لم تكن سهلة. فكما يقول ابنه ونائب رئيس الشركة، تشيو بو جينغ، فإن "انعدام الوضوح حول الرسوم الجمركية جعلنا وشركاءنا الأمريكيين نتردد في زيادة الشحنات".
لماذا لم تكن جنوب شرق آسيا كافية؟على الرغم من اعتماد "بيفا" على قواعد إنتاج في فيتنام كحل سريع، فإنها أدركت أن جنوب شرق آسيا لم تعد كافية لتجاوز الأزمة. فحتى فيتنام لم تسلم من قبضة الرسوم الأمريكية، حيث فُرضت عليها رسوم بنسبة 46%. لذا، بدأت "بيفا" بالتفكير في خيارات أكثر جرأة.. وهنا دخلت مصر على الخط.
عندما سُئل نائب رئيس "بيفا" عن سبب اختيار مصر، كانت إجابته بسيطة وعميقة في آن: "لأنها تُعاني من عجز تجاري مع الولايات المتحدة، وبالتالي من غير المرجح أن تُفرض عليها رسوم إضافية". وأضاف أن معدل الرسوم المفروضة على السلع المصرية لم يتجاوز 10%، مقارنة بـ 145% على نظيراتها الصينية.
لكن الأسباب لم تقتصر على الجوانب التجارية فقط. إذ أشار تشيو إلى أن مصنعاً في مصر قد لا يخدم السوق الأمريكية فقط، بل قد يُستخدم كبوابة إلى أوروبا وأفريقيا، ما يفتح آفاقاً جديدة للشركة.
خطوة نحو التصنيع داخل الولايات المتحدةفي خطوة تعكس مرونة في التفكير، أعلن تشيو عن اجتماع مرتقب مع شركاء أمريكيين لمناقشة إمكانية إنشاء خطوط إنتاج داخل الولايات المتحدة نفسها. رغم أن تنفيذ هذا المشروع لا يزال بعيدًا، فإن مجرد التفكير فيه يعكس إدراكًا جديدًا لدى الشركات الصينية.
وسلط الدكتور رمضان معن، أستاذ الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال، الضوء على ما يمكن اعتباره "فرصة تاريخية" للاقتصاد المصري.
استراتيجية ذكية واستثمار ضخم
يرى الدكتور معن أن قيام بعض المُصنّعين والمُصدّرين الصينيين بنقل مصانعهم إلى مصر ليس مجرد تحرك مؤقت لتفادي الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة، بل هو خطوة استراتيجية ذات أبعاد طويلة الأمد. فقد بلغ عدد الشركات الصينية العاملة في مصر حتى الآن نحو 2066 شركة، بإجمالي استثمارات وصلت إلى 8 مليارات دولار، وهو رقم مرشح للزيادة مع استمرار تدفق الاستثمارات.
مصر كمركز صناعي إقليمي
وأكد الدكتور معن أن مصر تمتلك فرصة لتعزيز مكانتها كمركز صناعي إقليمي بفضل موقعها الفريد الذي يربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. ويضيف أن جذب المصانع الصينية إلى الأراضي المصرية لا يعني فقط دخول رؤوس أموال جديدة، بل أيضاً تدفق عملات أجنبية، وتعزيز قدرات البلاد في التصنيع، مما ينعكس إيجاباً على الميزان التجاري والاقتصاد المحلي.
فرص عمل ونقل تكنولوجيا
من أبرز النتائج المتوقعة لهذا التوسع الصناعي الصيني في مصر هو توفير آلاف فرص العمل، خاصة في المجالات الصناعية التي تحتاج إلى عمالة مدربة. ويشير الدكتور معن إلى أن وجود شركات صناعية كبرى في مصر سيساهم كذلك في نقل تكنولوجيا متطورة وخبرات إدارية وفنية إلى العمالة المحلية، ما يُسهم في تطوير رأس المال البشري المصري.
دعم للجنيه وزيادة الاحتياطي النقدي
ومن زاوية اقتصادية أعمق، يلفت الدكتور معن إلى أن زيادة الصادرات الناتجة عن هذه المصانع ستعني طلبًا أكبر على الجنيه المصري، لتحويل عائدات التصدير، مما يعزز من قيمته أمام العملات الأجنبية. كما أن تدفق الاستثمارات الأجنبية يُسهم في رفع احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، وهو عامل مهم في دعم استقرار الجنيه والاقتصاد بشكل عام.
في هذا السياق، بحث نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، وزير الصناعة والنقل، مع مجموعة "ديلي" الصينية خطتها لإنشاء مجمع صناعي متكامل بالمنطقة الصناعية في مدينة العاشر من رمضان.
يهدف المشروع إلى إنتاج مجموعة واسعة من الأدوات المكتبية والمدرسية، وماكينات الطباعة، والمعدات الرياضية، والعِدد اليدوية والكهربائية، بالإضافة إلى الأثاث المكتبي. وتعتزم المجموعة تنفيذ المجمع على مساحة 160 ألف متر مربع، باستثمارات تُقدّر بنحو 200 مليون دولار، ما سيوفر حوالي 2200 فرصة عمل جديدة. ويأتي هذا المشروع على غرار مصانع "ديلي" المنتشرة في الصين وعدد من الدول، والتي تنتج أكثر من 12 ألف منتج، مما يعكس مكانة المجموعة كإحدى أبرز العلامات التجارية الصينية في هذا المجال.
في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية، تأتي الفرص أحيانًا متنكرة في شكل تحديات. ونقل المصانع الصينية إلى مصر هو أحد هذه الفرص التي يجب اغتنامها بحكمة وإدارة فعالة. فالأمر لا يقتصر على مجرد استثمار أجنبي، بل هو تحول استراتيجي يمكن أن يصنع فارقًا حقيقيًا في مستقبل الاقتصاد المصري إذا تمت إدارته برؤية وطنية طويلة المدى.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دونالد ترامب الصين مصر التعريفات الأمريكية الولايات المتحدة الولایات المتحدة الدکتور معن فی مصر
إقرأ أيضاً:
الشركات الأمريكية الصغيرة تواجه خسائر سنوية 202 مليار دولار بسبب رسوم ترامب
تواجه الشركات الأمريكية الصغيرة التي شكلت مصدرًا لأكثر من نصف فرص العمل الجديدة في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة صعوبات متزايدة في الامتثال للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتعامل مع الضغوط المالية الناتجة عن ارتفاع تكاليف الواردات.
وجاءت الرسوم التي فُرضت الأسبوع الماضي، وتراوحت نسبها بين 10% و50% على أساس كل دولة على حدة، كضربة مزدوجة لهذه الشركات، إذ اقترنت بزيادة المتطلبات الإدارية من قبل هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، ورفع قيمة الضمانات الجمركية التي يجب على الشركات شراؤها من مزوّدي التأمين لضمان تحصيل الحكومة لإيرادات الرسوم والضرائب وأي غرامات محتملة، بحسب وكالة «بلومبرج» الأمريكية.
وعلى عكس الشركات الكبرى التي تملك موارد داخلية للتعامل مع هذه التغييرات الإدارية والتكاليف، تجد الشركات الصغيرة صعوبة في الامتثال والتخطيط في ظل النظام الجديد.
وقالت إيرين ويليامسون، نائبة رئيس قسم التخليص الجمركي الأمريكي في شركة «جيو ديس» الفرنسية للخدمات اللوجستية، إن هذه الشركات غالبًا لا تمتلك فرق امتثال داخلية أو بنية تحتية تمكنها من تحليل التأثير ووضع خطط للتكيف.
ووفق تقديرات غرفة التجارة الأمريكية، يبلغ عدد المستوردين الصغار في البلاد، أي الشركات التي يقل عدد موظفيها عن 500 موظف، نحو 236 ألف شركة، بلغت قيمة وارداتها في 2023 أكثر من 868 مليار دولار، وتقدّر الغرفة أن الرسوم التي فرضها ترامب في 7 أغسطس ستكلف هذه الشركات مجتمعة 202 مليار دولار سنويًا، أي ما يعادل نحو 856 ألف دولار لكل شركة.
وأشار محللو بنك «جولدمان ساكس» الأمريكي إلى أن الشركات الصغيرة تحملت حتى يونيو أكثر من نصف تكلفة الرسوم الجمركية، بينما تكفّل المصدرون الأجانب والمستهلكون الأمريكيون بالباقي، متوقعين أن ترتفع حصة المستهلكين إلى 67% في الأشهر المقبلة مع تراجع العبء عن المستوردين.
وفي الوقت نفسه، حذّر الاتحاد الأمريكي لتجارة التجزئة من أن العديد من رواد الأعمال لن يتمكنوا من الصمود أمام خطة ترامب لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي عبر الحواجز الجمركية، مشيرًا إلى أن «الشركات الصغيرة على وجه الخصوص تكافح من أجل البقاء».
ويتوقع تقرير «جلوبال بورت تراكر» للشحن الدولي، الصادر عن الاتحاد بالتعاون مع «هاكيت أسوشيتس»، انخفاضًا حادًا في واردات الولايات المتحدة بدءًا من سبتمبر بعد مكاسب النصف الأول من العام، نتيجة النهج المتقلب للإدارة الأمريكية بين فرض الرسوم وإيقافها.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي، إن الشركات الأمريكية «تم تهميشها بشكل غير عادل عن الأسواق الخارجية لعقود بسبب اتفاقيات تجارة حرة أحادية الجانب»، مشيرًا إلى أن ترامب استخدم الرسوم «لإعادة كتابة قواعد التجارة العالمية وضمان وصول أكثر عدلًا لصادرات الولايات المتحدة إلى دول يبلغ إجمالي اقتصادها 32 تريليون دولار وتضم 1.2 مليار نسمة».
لكن الأمين العام لغرفة التجارة الدولية، جون دنتون، حذّر من أن المسألة لا تتعلق فقط بارتفاع الرسوم، بل أيضًا بـ«الاضطراب التشغيلي وحالة عدم اليقين التي قد تخلقها الإجراءات الجديدة»، مؤكدًا أن حتى الشركات متعددة الجنسيات تواجه صعوبة في تحديد التعريفة التي ستُطبق على الشحنات وسط شبكة معقدة من التدابير وقلة الوضوح حول آليات التنفيذ، داعيًا الإدارة الأمريكية إلى تقديم "إرشادات أوضح" خصوصًا لضمان عدم إلحاق الضرر بالشركات الصغيرة بسبب البيروقراطية.
اقرأ أيضاًالبنك الأهلي يرفع حدود الإيداع لبطاقات الخصم المباشر عبر ماكينات الصراف الآلي لـ 100 ألف جنيه يوميا
تمويل 3 ملايين جنيه.. تفاصيل القرض الشخصي من البنك الأهلي للموظفين
تمويل حتى 10 ملايين جنيه.. تفاصيل قرض السيارة في بنك قناة السويس