صالح بن سعيد الحمداني

في مقالين سابقين كتبتُ عن الطلاق والخُلع من واقع المجتمع والحياة، واليوم أُعرِّج بشكلٍ مختصر على موضوع أعتبره جزءًا وركنًا مهمًا من نفس الموضوعين السابقين، لعلنا نسلّط الضوء عليه ونفتح باب الحديث، وإن كان هناك من سبقنا لذلك، إلّا أن لكلٍ منّا وجهة نظره الخاصة، اختلافنا أو اتفاقنا لا يُفسد ذلك من الودّ قضية.


نُعرّج اليوم، لعلنا نضع حرفًا أو كلمةً تكون مفتاح خيرٍ ونور أملٍ يجد طريقه ويلامس القلوب، حيث إننا نجد بأنّ قضايا المرأة في المجتمعات العربية لا تزال مثار جدلٍ واسع، ولا سيّما حين يتعلق الأمر بتجاربها بعد الطلاق أو الترمّل، فحالات الطلاق والترمّل لا تُعدّ مجرد وقائع اجتماعية عابرة؛ بل هي تجارب إنسانية ذات أبعادٍ متعددة، قصة فيها ما يعصر القلب ويتخللها الألم والاختبار، كما تحتوي في ذات الوقت على إمكاناتٍ للنمو وإعادة البناء.
غير أن المعضلة الأساسية تكمن في الكيفية التي يتعامل بها المجتمع مع المرأة في هاتين الحالتين، سواء من حيث النظرة أو من حيث الواجبات المفترضة تجاهها.
فالنظرة المجتمعية الموروثة التي تُشكِّل للمطلقة والأرملة أحد أبرز التحديات التي تؤثر سلبًا على قدرتهنّ على الاندماج وإعادة التوازن لحياتهنّ؛ فالمطلقة غالبًا ما تُوصم بالفشل أو بالتقصير، وتُحمّل مسؤولية تفكك العلاقة الزوجية بصرف النظر عن ظروف الطلاق وأسبابه، وكأنّ المجتمع يُملي عليها أن تتحمّل أعباءً وظروفًا تفوق طاقتها، حفاظًا على الصورة الاجتماعية التقليدية.
في المقابل، تُعامَل الأرملة بوصفها ضحية تستحق الشفقة، إلا أن ذلك لا ينعكس في دعمٍ فعليّ؛ بل غالبًا ما يُفرض عليها حزنٌ اجتماعيٌّ طويل الأمد، وكأنّ حقّها في حياةٍ جديدة قد انتُزع منها بحكم العُرف.
ولو نظرنا إلى التمييز والعزلة الاجتماعية، فالممارسات الاجتماعية تُظهر أن المرأة المطلقة أو الأرملة تتعرض غالبًا للعزلة الاجتماعية، سواء على مستوى العلاقات الشخصية أو التفاعلات المهنية، صديقاتها المتزوجات قد يبتعدن عنها بدافع الحذر أو الغيرة، وبعض الأسر تتعامل معها وكأنها عنصر تهديد لاستقرارها الأسري، أما في بيئة العمل فقد تواجه نظرة دونية أو تساؤلات غير مهنية بشأن وضعها الاجتماعي، مما يضيف عبئًا نفسيًا على تجربتها المهنية.
في كثير من الأحيان، تعيش المرأة المطلقة أو الأرملة تحت وطأة تدخلات الأهل والمجتمع في أدق تفاصيل حياتها، حتى في أبسط القرارات مثل تربية أبنائها، تجد نفسها محرومة من الراحة والسكينة، وكأنها بحاجة دائمة إلى وصاية، فقط لأنها فقدت الزوج، سواء بالطلاق أو بالوفاة، وكأن البعض ينظر لها نظرة نقص، متجاهلًا أنها قد تكون أكثر وعيًا وخبرة بالحياة من كثيرين حولها.
هذه الوصاية المفروضة عليها ليست بالضرورة لحمايتها، بقدر ما هي انعكاس لعادات اجتماعية تفرض التحكم في مسار حياتها، دون تقديرٍ لقدرتها على إدارة شؤونها وأبنائها بحكمةٍ واقتدار، وهذا لدى البعض رغم تطور الفكر والوعي في وقتنا الحاضر.
ولو طرحنا سؤالًا: هل هناك حاجة إلى الدعم المؤسسي والمجتمعي؟ نجد الإجابة: نعم، من منظور إنساني وقانوني، تحتاج لذلك، فإنَّ المطلقة والأرملة تتمتعان بكامل الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية، وعليه فإن من الواجب على مؤسسات الدولة والمجتمع المدني تطوير برامج شاملة لتمكين هذه الفئة، تشمل الرعاية النفسية والتأهيل المهني والدعم الاقتصادي، ولا ينبغي أن يكون التعامل معهنّ من منطلق الشفقة، بل من منطلق الاعتراف بكرامتهنّ الإنسانية، واستحقاقهنّ لفرصٍ متكافئة.
وللأسرة والإعلام دورٌ إيجابي في إعادة التوازن؛ حيث تؤدي الأسرة دورًا جوهريًا في إعادة بناء شخصية المرأة بعد فقدان شريكها، فالاحتواء والدعم النفسي والتوقف عن إلقاء اللوم عوامل أساسية في عملية التعافي، وفي المقابل يُلقى على وسائل الإعلام دورٌ محوري في إعادة تشكيل الصورة النمطية، من خلال تقديم نماذج إيجابية لنساء ناجحات تجاوزن التحديات بعد الطلاق أو الترمّل، بعيدًا عن الصور السطحية التي تُكرّس الألم أو التمرّد كسماتٍ حصرية لهنّ.
وتأسيسًا لما سبق، نجد التمكين الاقتصادي كركيزةٍ أساسية، فلا شكّ أن الاستقلال المالي يشكل أداة جوهرية في حماية كرامة المرأة، ويمنحها القدرة على اتخاذ قرارات حرة ومستقلة، وقد أثبتت تجارب العديد من النساء اللواتي بدأن مشاريعهنّ الخاصة أو التحقن بوظائف نوعية، أن التمكين الاقتصادي ليس ترفًا؛ بل ضرورة لحياةٍ كريمة ومتوازنة.
ونلخّص ذلك ونقول: لا تحتاج المرأة المطلقة أو الأرملة إلى شفقة، بقدر ما تحتاج إلى فهم ووعيٍ عميق بطبيعة تجربتها الإنسانية، إنّ التغيير في النظرة المجتمعية لا يتحقق إلا بإرادة جماعية تُقرّ بأن الكرامة الإنسانية لا تُنتقص بحكم الوضع الاجتماعي؛ بل تتعزّز بالاحترام والإنصاف والتمكين. ولعلنا جميعًا عاجلًا أم آجلًا نحتاج إلى مجتمعٍ يتّسم بالرحمة والعقلانية، لا بالتحامل والوصم.

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قيادي بـ«مستقبل وطن»: توجيهات الرئيس السيسي بإتاحة المعلومات للإعلام خطوة لترسيخ الشفافية وتعزيز الثقة المجتمعية

أشاد هاني عبد السميع، أمين مساعد حزب «مستقبل وطن» بمحافظة البحر الأحمر، بتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن أهمية إتاحة البيانات والمعلومات للإعلام، مؤكدًا أن هذا القرار يعكس إيمان القيادة السياسية بدور الإعلام الوطني المسؤول كشريك أساسي في عملية البناء والتنمية، ودوره المحوري في مواجهة الشائعات والأخبار المضللة.

أحمد موسى: الرئيس السيسي حريص على أن يكون الإعلام الموجود هو الأفضلمن أهم ركائز الأمن القومي.. حزب الوعي يشيد بتوجيهات الرئيس السيسي لتطوير الإعلامعميد كلية الإعلام السابق: توجيهات الرئيس السيسي تضع أسسا لتطوير الإعلام وحماية حقوق الصحفيينرئيس «الوطنية للصحافة»: الرئيس السيسى دعا للاعتماد على الكوادر الشبابية المؤهلة

وأوضح "عبد السميع"، في بيان اليوم الأحد، أن توفير المعلومات الدقيقة والصحيحة من مصادرها الرسمية هو الأساس الذي يقوم عليه الإعلام المهني القادر على توعية الرأي العام، مشيرًا إلى أن غياب المعلومة يفتح الباب أمام انتشار المعلومات المغلوطة التي قد تستغلها بعض الجهات المغرضة للإضرار باستقرار الدولة وبث البلبلة بين المواطنين.

وأضاف أمين مساعد حزب «مستقبل وطن» بمحافظة البحر الأحمر أن القرار يعزز مبدأ الشفافية الذي تتبناه الدولة المصرية في مختلف القطاعات، ويعكس حرص الرئيس السيسي على تمكين الإعلام من أداء رسالته التنويرية والتثقيفية، بما يساهم في بناء وعي حقيقي لدى المواطنين يقوم على الحقائق لا على الإشاعات أو التخمينات.

ولفت القيادي بحزب «مستقبل وطن» إلى أن هذه الخطوة ستسهم في دعم الصحافة والإعلام بشكل عام، من خلال إمداد الصحفيين والمراسلين بالمعلومات الموثقة التي تتيح لهم إنتاج محتوى مهني وموضوعي، بعيدًا عن المصادر غير المعلومة أو الاجتهادات الشخصية، وهو ما يرفع من جودة المنتج الإعلامي ويزيد من مصداقيته أمام الجمهور.

وأشار إلى أن إتاحة البيانات ليست فقط مطلبًا إعلاميًا، بل هي ضرورة تنموية، لأن المواطن الذي يمتلك المعلومات الصحيحة يصبح أكثر وعيًا وقدرة على المشاركة الإيجابية في قضايا مجتمعه، وهو ما يتسق مع رؤية الدولة لبناء الإنسان المصري وتعزيز الانتماء الوطني.

وأكد أن حزب «مستقبل وطن» يدعم كل المبادرات والقرارات التي تهدف إلى تمكين الإعلام من أداء دوره بحرية ومسؤولية، مع الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية التي تحفظ للمجتمع أمنه واستقراره، مشددًا على أن الإعلام الحر والمسؤول هو أحد أهم ركائز الدولة الحديثة.

ودعا هاني عبد السميع جميع الجهات والمؤسسات الحكومية إلى التفاعل الإيجابي مع توجيهات الرئيس، والتعاون الكامل مع وسائل الإعلام في توفير البيانات الدقيقة والحديثة، بما يضمن تدفق المعلومات من مصادرها الرسمية بشكل سريع وشفاف، ويغلق الطريق أمام محاولات تزييف الحقائق أو استغلال غياب المعلومة في تحقيق أغراض شخصية أو سياسية ضيقة.

واختتم: هذه التوجيهات تمثل نقلة نوعية في العلاقة بين الإعلام والمؤسسات الرسمية، وتفتح آفاقًا جديدة لتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع، بما يخدم مسيرة التنمية والاستقرار التي تشهدها مصر في ظل القيادة الحكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسي.

طباعة شارك هاني عبد السميع مستقبل وطن محافظة البحر الأحمر الرئيس عبد الفتاح السيسي إتاحة البيانات والمعلومات للإعلام

مقالات مشابهة

  • هل يقع الطلاق وقت الغضب في غياب الزوجة؟.. الإفتاء تجيب
  • وزارة إدارة الأزمات المجتمعية وجودة الحياة
  • 500 جنيه شهريا معاش للمطلقات.. الخطوات والأوراق المطلوبة
  • لماذا تزيد عدة الأرملة عن عدة المطلقة؟.. 4 أسباب لا يعرفها كثيرون
  • فيديوهات تسيء للقيم المجتمعية.. تفاصيل القبض على البلوجر حسناء شعبان
  • قيادي بـ«مستقبل وطن»: توجيهات الرئيس السيسي بإتاحة المعلومات للإعلام خطوة لترسيخ الشفافية وتعزيز الثقة المجتمعية
  • مشاريع مبتكرة تتنافس على جائزة أورنج لمشاريع التنمية المجتمعية وفرصة التأهل للنسخة العالمية
  • الطلاق.. عَرض طبيعي أم ظاهرة؟
  • وحدة التدخلات تدشن توزيع كمية من الاسمنت لدعم المبادرات المجتمعية في ملحان بالمحويت
  • مقال في فورين أفيرز: دمار غزة وصل مرحلة الجريمة المطلقة