أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس السبت على نحو مفاجئ في منشور عبر منصته تروث سوشيال بأن الهند وباكستان اتفقتا على وقف إطلاق نار "شامل وفوري" وهو الأمر الذي أكده الجانبان، وذلك بعد 4 أيام من قصف مدفعي وصاروخي متبادل أودى بحياة 60 شخصا من الجانبين مما أثار مخاوف من وصول الأمور إلى حرب شاملة بين القوتين النوويتين.

لكن بعد أقل من 24 ساعة على إعلان اهذا الاتفاق تبادلت الدولتان الجارتان الاتهامات بانتهاك وقف إطلاق النار، الذي يبدو أنه هش للغاية، فهل يصمد وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان؟

نحاول في هذه المادة الشارحة توضيح أبرز ما يتعلق بهذا الأتفاق:

كيف تم التوصل إلى هذا الاتفاق؟ من الذي بادر؟

تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، الذي أُعلن عنه يوم السبت 10 مايو 2025، من خلال مزيج من الاتصالات العسكرية المباشرة والوساطة الدولية الهامة.

ووفقا لما جرى فقد بادر المدير العام للعمليات العسكرية الباكستانية بإجراء مكالمة هاتفية مع نظيره الهندي بعد ظهر يوم السبت. وخلال هذه المحادثة الحاسمة، اتفق القائدان العسكريان على الوقف الكامل لجميع عمليات إطلاق النار والأعمال العسكرية برا وجوا وبحرا، اعتبارا من الساعة الخامسة مساء بتوقيت الهند القياسي من ذلك اليوم.

إعلان

في حين أن المكالمة المباشرة من المدير العام للعمليات العسكرية الباكستانية كانت بمثابة المحفز الفوري، فقد صرح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأن الاتفاق جاء بعد مفاوضات مكثفة أجراها هو وجيه دي فانس نائب الرئيس مع رئيسي الوزراء الهندي ناريندرا مودي والباكستاني شهباز شريف ومسؤولين كبار آخرين لتهدئة الوضع المتدهور بسرعة.

هل تضغط واشنطن على باكستان والهند للالتزام بالاتفاق؟

تشارك واشنطن بنشاط في تشجيع كل من الهند وباكستان على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار والذي جاء بعد 4 أيام من المناوشات العسكرية المكثفة التي أثارت مخاوف عالمية، وقد لعبت الولايات المتحدة دورًا هاما في التوسط في الهدنة كما أسلفنا.

وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة حثت على خفض التصعيد، حيث أشار البعض إلى أن واشنطن "أمرت عمليا" باكستان باستخدام الخط الساخن العسكري لتهدئة التوترات بعد رصد رسائل إنذار قصوى تتعلق بالأصول الاستراتيجية الباكستانية.

علاوة على ذلك، ذكرت تقارير بأن الولايات المتحدة ربطت الإفراج المؤقت عن قرض من صندوق النقد الدولي لباكستان بقبولها الفوري لوقف إطلاق النار.

ونظرا لهشاشة الوضع والتقارير عن انتهاكات أولية من كلا الجانبين بعد وقت قصير من الإعلان، فمن المرجح جدا أن تواصل واشنطن جهودها الدبلوماسية للضغط على البلدين للحفاظ على وقف إطلاق النار ومنع المزيد من التصعيد، وتشجيع الحوار حول قضايا أوسع نطاقا.

هل قبلت الهند بهذا الاتفاق خشية الهزيمة بعد إسقاط عدد من طائراتها؟

في حين وردت تقارير، لا سيما من مصادر باكستانية، بتكبد الهند خسائر في الطائرات خلال الاشتباكات العسكرية الأخيرة، لا يوجد دليل قاطع يشير إلى أن قبول الهند اتفاق وقف إطلاق النار يعود إلى خشيتها من الهزيمة نتيجة هذه الخسائر المفترضة.

كما أن الهند لم لم تؤكد رسميا خسائر الطائرات هذه، بل سلطت الضوء على عملياتها العسكرية، بما في ذلك "عملية سيندور"، باعتبارها إجراءات انتقامية ناجحة ضد البنية التحتية للإرهاب والقدرات العسكرية الباكستانية.

إعلان

ومن المرجح أن قبول الهند باتفاق وقف إطلاق النار جاء نتيجة عدة عوامل تشمل الرغبة في تهدئة وضع خطير ينذر بصراع أوسع بين دولتين نوويتين، إلى جانب جهود وساطة دولية كبيرة (لا سيما من جانب الولايات المتحدة)، وربما تقييما من نيودلهي بأن أهدافها الانتقامية المباشرة للهجوم الإرهابي السابق في باهالغام قد تحققت بشكل كاف.

ما مصلحة واشنطن في هذا الاتفاق؟

من خلال وقف إطلاق النار فإن الولايات المتحدة تساهم في منع نشوب صراع أوسع نطاقا، قد يكون نوويا، في جنوب آسيا، وبالتالي تجنب عواقب إنسانية واقتصادية وبيئية كارثية، وهو ما يعد مكسبا أمنيا عالميا كبيرا.

إلى جانب ذلك فإن مساهمة الولايات المتحدة الواضحة في تحقيق هذه الاتافق يسمح لها بتعزيز صورتها كجهة دبلوماسية فاعلة حاسمة قادرة على التدخل بفعالية في الأزمات الدولية المعقدة.

أضف إلى ذلك أن وقف إطلاق النار بين دولتين نوويتين يسهم في الاستقرار الإقليمي، وهذا الأمر بحد ذاته مصلحة استراتيجية رئيسية للولايات المتحدة.

كما أن هدوء جنوب آسيا يُتيح لواشنطن السعي بشكل أفضل لتحقيق أهدافها الجيوسياسية الأوسع، خاصة وأن الولايات المتحدة تعتبر الهند لاعبا رئيسيا في استراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وثقلا موازنا للنفوذ الصيني المتنامي. ومن شأن نشوب حرب بين الهند وباكستان أن يُعقّد هذه الشراكة ويُشتّت تركيز الهند ومواردها.

هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان؟

يواجه اتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان مستقبلا غامضا، إذ تعتمد متانته على عدة عوامل حاسمة، حيث يُظهر التاريخ أن اتفاقات وقف إطلاق النار بين الجارتين النوويتين غالبًا ما كانت هشة.

وقد أشارت التقارير الصادرة مساء السبت، بعد ساعات فقط من الاتفاق، إلى انتهاكات مزعومة من كلا الجانبين، بما في ذلك نيران المدفعية ورصد طائرات بدون طيار، مما يُسلط الضوء على التحديات المُلحة.

إعلان

وفي حين أعلن كل من المسؤولين الهنود والباكستانيين علنًا التزامهم بوقف إطلاق النار، إلا أن انعدام الثقة المتجذر وتعقيد القضايا الأساسية، لا سيما ما يتعلق بكشمير والإرهاب العابر للحدود، لا يزالان يُشكلان عقبات كبيرة. كما أن الخطاب القوي الذي سبق وقف إطلاق النار والتفسيرات المُختلفة لنطاق الاتفاق، وخاصةً فيما يتعلق بالمحادثات المُستقبلية، يُمكن أن يُسهم أيضًا في هشاشته.

لكن من المُرجح أن تُواصل الجهات الدولية الفاعلة، وخاصة الولايات المتحدة، التي لعبت دورا رئيسيًا في الوساطة، ممارسة الضغط الدبلوماسي من أجل صمود وقف إطلاق النار.

وبينما يسود شعور بالارتياح والأمل في تحقيق السلام بين المدنيين في المناطق الحدودية، لا يزال الخبراء حذرين، إذ يعتبرون الهدنة "حلاً مؤقتًا" لعلاقة جريحة للغاية، مع بقاء احتمال اندلاع اشتباكات مستقبلية مرتفعا إذا لم تُعالج القضايا الجوهرية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات وقف إطلاق النار بین الهند وباکستان اتفاق وقف إطلاق النار الولایات المتحدة من الم

إقرأ أيضاً:

هدنة بعد حرب الـ12 يوما.. سلام مؤقت أم فاصل تصعيد؟

عندما أرسل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قاذفات قنابل لضرب مواقع نووية إيرانية مطلع الأسبوع، كان يراهن على أنه يستطيع مساعدة إسرائيل حليفة بلاده في شل برنامج طهران النووي مع عدم الإخلال بتعهده منذ فترة طويلة بتجنب التورط في حرب طويلة الأمد.

وبعد أيام قليلة فحسب، يوحي إعلان ترامب المفاجئ، الإثنين، بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران بأنه ربما يكون قد أعاد حكام طهران إلى طاولة المفاوضات.

لكن لا تزال هناك قائمة طويلة من التساؤلات الكبيرة التي لم تتم الإجابة عنها، منها ما إذا كان أي وقف لإطلاق النار يمكن أن يسري بالفعل ويصمد بين خصمين لدودين تحول صراع "الظل" بينهما الذي استمر لسنوات إلى حرب جوية تبادلا فيها خلال الاثنى عشر يوما الماضية الغارات الجوية.

ولا يزال من غير المعروف أيضا الشروط التي اتفق عليها الطرفان وغير مذكورة في منشور ترامب الحماسي على وسائل التواصل الاجتماعي الذي أعلن فيه "وقف إطلاق النار الكامل والشامل" الوشيك، وما إذا كانت الولايات المتحدة وإيران ستعيدان إحياء المحادثات النووية الفاشلة، ومصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب الذي يعتقد عدد من الخبراء أنه ربما نجا من حملة القصف التي شنتها الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقال جوناثان بانيكوف نائب مسؤول المخابرات الوطنية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط سابقا "حقق الإسرائيليون الكثير من أهدافهم... وإيران تبحث عن مخرج... تأمل الولايات المتحدة أن تكون هذه بداية النهاية. يكمن التحدي في وجود استراتيجية لما سيأتي لاحقا".

ولا تزال هناك تساؤلات أيضا بشأن ما تم الاتفاق عليه بالفعل، حتى في الوقت الذي عزز فيه إعلان ترامب الآمال في نهاية الصراع الذي أثار مخاوف من اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقا.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه رصد صواريخ أطلقت من إيران باتجاه إسرائيل في الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء.

وأفادت هيئة الإسعاف الإسرائيلية بسقوط قتلى في قصف صاروخي على مبنى في بئر السبع.

وبعد ذلك بوقت قصير، قال ترامب إن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران "دخل حيز التنفيذ الآن" وحث البلدين على عدم انتهاكه.

وبينما أكد مسؤول إيراني في وقت سابق أن طهران قبلت وقف إطلاق النار، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إنه لن يكون هناك وقف للأعمال القتالية ما لم توقف إسرائيل هجماتها.

لكن ذلك لم يمنع ترامب والموالين له من الاحتفاء بما يعتبرونه إنجازا كبيرا لنهج السياسة الخارجية الذي يسمونه "السلام من خلال القوة".

رد إيران المحسوب

جاء إعلان ترامب بعد ساعات فقط من إطلاق إيران صواريخ على قاعدة جوية أميركية في قطر لم تسفر عن وقوع إصابات، وذلك ردا على إسقاط الولايات المتحدة قنابل خارقة للتحصينات زنة 30 ألف رطل على منشآت نووية إيرانية تحت الأرض مطلع الأسبوع.

وقالت مصادر مطلعة إن مسؤولي إدارة ترامب اعتبروا أن رد إيران كان محسوبا لتجنب زيادة التصعيد مع الولايات المتحدة.

ودعا ترامب إلى إجراء محادثات مع إسرائيل وإيران.

وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إن إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار طالما لا تشن إيران هجمات جديدة.

وذكر المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن إيران أشارت إلى أنها لن تشن ضربات أخرى.

وأضاف المسؤول أن ترامب تحدث مباشرة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكان نائب الرئيس الأميركي جيه.دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف على اتصال مباشر وغير مباشر مع إيران.

وقال المسؤول في البيت الأبيض إن إيران أبدت أيضا تقبلها لوقف إطلاق النار لأنها في "حالة ضعف شديد".

وعاش الإيرانيون أياما شهدوا فيها قصفا إسرائيليا لمواقع نووية وعسكرية بالإضافة إلى استهداف كبار العلماء النوويين والقادة الأمنيين بعمليات قتل.

وتحدث ترامب علنا أيضا في الأيام القليلة الماضية عن احتمالات "تغيير النظام" في إيران.

مقامرة ترامب الكبرى

ويمثل قرار ترامب غير المسبوق قصف مواقع نووية إيرانية خطوة طالما تعهد بتجنبها، وهي التدخل عسكريا في حرب خارجية كبرى.

ولم يراهن ترامب، في أكبر وربما أخطر تحرك في سياسته الخارجية منذ بدء ولايته الرئاسية، على قدرته على إخراج الموقع النووي الإيراني الرئيسي في فوردو من الخدمة فحسب، بل أيضا ألا يجتذب سوى رد محسوب ضد الولايات المتحدة.

وإذا استطاع ترامب نزع فتيل الصراع الإسرائيلي الإيراني، فقد يتمكن من تهدئة عاصفة انتقادات الديمقراطيين في الكونجرس وتهدئة الجناح المناهض للتدخل في قاعدته الجمهورية التي ترفع شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددا" بشأن القصف الذي خالف تعهداته الانتخابية.

كما سيسمح له ذلك بإعادة التركيز على أولويات السياسة مثل ترحيل المهاجرين غير المسجلين وشن حرب رسوم جمركية ضد الشركاء التجاريين.

لكن ترامب ومساعديه لن يتمكنوا من تجاهل الشأن الإيراني والتساؤلات العالقة التي يطرحها.

وتساءل دنيس روس وهو مفاوض سابق لشؤون الشرق الأوسط في إدارات جمهورية وديمقراطية "هل يصمد وقف إطلاق النار؟... نعم، يحتاجه الإيرانيون، والإسرائيليون هاجموا بشكل كبير قائمة الأهداف" التي وضعها الجيش الإسرائيلي.

لكن لا تزال العقبات قائمة، إذ يقول روس "ضعفت إيران بشكل كبير، لكن ما هو مستقبل برامجها النووية والصاروخية الباليستية؟ ماذا سيحدث لمخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب؟ ستكون هناك حاجة للمفاوضات، ولن يكون حل هذه المسائل سهلا".

مقالات مشابهة

  • من الفائز بالحرب الإسرائيلية الإيرانية؟
  • ترامب يبلغ نتنياهو: الولايات المتحدة انتهت من استخدام القوة العسكرية ضد إيران
  • البخيتي: وقف إطلاق النار مع واشنطن لا يُبيح لها العدوان على غزة أو الصمت اليمني تجاهه
  • السيسي يؤكد لبزشكيان أهمية تثبيت وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
  • المستشار الألماني: حان الوقت لوقف إطلاق النار في غزة
  • الحوثيون: عملياتنا العسكرية ضد إسرائيل مستمرة رغم وقف الحرب مع إيران
  • بعد وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل| الولايات المتحدة تُمسك بخيوط التهدئة.. وخبير يعلق
  • العالم يتفاعل مع وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال.. هدنة هشة أم بداية انفراجة؟
  • هدنة بعد حرب الـ12 يوما.. سلام مؤقت أم فاصل تصعيد؟
  • بغداد.. هجوم بمسيّرة مجهولة على قاعدة (التاجي) العسكرية