الجبير يربط أمن البحر الأحمر باستقرار اليمن.. محاولة لإعادة إنتاج الرواية ’’الصهيونية-الأمريكية’’ أم تهرب سعودي من استحقاقات السلام؟
تاريخ النشر: 17th, May 2025 GMT
يمانيون / تحليل
تصريحات وزير الشؤون الخارجية للملكة العربية السعودية عادل الجبير في القمة العربية التي انطلقت أعمالها اليوم السبت 19 ذو القعدة 1446هـ الموافق 17 مايو 2025م في العاصمة العراقية بغداد، والتي ربط فيها أمن الممرات الملاحية في البحر الأحمر بتحقيق الاستقرار في اليمن، تأتي في توقيت حساس من عمر الحرب والصراع الإقليمي التي يديرها النظام الأمريكي.
من الناحية الدبلوماسية، يبدو تصريح الجبير وكأنه دعوة للسلام، إذ يربط الأمن البحري بالاستقرار السياسي. لكن في الواقع، فإن هذا الطرح يحمل نبرة مشروطة، تضع عبء تحقيق الأمن على طرف واحد – هو اليمن – بينما تتجاهل العدوان الصهيوني على غزة الذي يمثل السبب الحقيقي في الموقف اليمني، خصوصا وأن هذه القضية -العدوان على غزة- غابة تماما من خطابات قيادات المثلث الخليجي “السعودية وقطر والإمارات”.
اللافت أن الشرط الذي أشار إليه الجبير ونصه: “لا أمن في البحر الأحمر دون إنهاء تهديدات الحوثيين”، يتقاطع بشكل مباشر مع الرواية التي تبنّتها كل من إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا في الفترة الأخيرة، خاصة خلال عملياتهم العسكرية ضد اليمن بذريعة حماية الملاحة.
هذا التماهي في الخارجية السعودية يعكس ما يمكن اعتباره محاولة سعودية لإعادة تدوير الموقف الصهيوأمريكي بغطاء عربي، في ظل تراجع الحضور الأمريكي المباشر بعد الفشل العسكري والسياسي.
الفشل في تحقيق “ردع بحري” ضد اليمن، والاضطرار الأميركي إلى الدخول في مفاوضات وقف إطلاق النار، كشف حدود القوة للولايات المتحدة وبريطانيا في هذا الملف، وأعطى اليمن موقعًا تفاوضيًا أقوى.
هنا، يُفهم من تصريح الجبير كمحاولة لإعادة تموضع السعودية في هذا الملف، عبر نقل الضغوط من واشنطن إلى العواصم العربية، ومحاولة تصوير الأزمة كأزمة “استقرار يمني” بدلاً من كونها نتيجة تدخل و”عدوان خارجي”.
وبدل أن تبادر السعودية بدور واضح للتعامل مع السبب الرئيسي للحصار المفروض على السفن الإسرائيلية بشكل مباشر، يفتح الجبير بابًا جديدًا من الشروط. هذا ليس طرحًا لحل، بقدر ما هو تعليق للمسار السياسي على مشجب الأمن البحري، وكأن الرياض تقول: “لن يتحقق السلام قبل أن يتحقق أمننا البحري”، بينما الأصح دبلوماسيًا هو: “لن يتحقق الأمن البحري دون سلام حقيقي وشامل”.
تحمل تصريحات الجبير رسالة ضغط سياسية موجهة لليمن، مفادها أن الانخراط في المفاوضات المستقبلية سيكون مشروطًا بمحددات أمنية إقليمية، وليس فقط بمطالب داخلية يمنية.. وهذا يعزز قناعة أن السعودية لم تحسم بعد خيار التحول من طرف في الحرب إلى طرف في السلام، كما أنها تشير إلى أن الرياض تسعى لخلق غطاء سياسي جديد للتماهي مع شروط العدو الصهيوني أمريكي، ولو على حساب غزة والفظائع التي ترتكب بحق الالاف من النساء والأطفال.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
محاولة لفهم ما يحدث في اليمن
ما يحدث اليوم في جنوب الوطن مقلق وغامض، ربما كان هناك غباء مفرط من قبل بعض القوى وذكاء مفرط من بعض القوى الأخرى، في التعاطي مع التطورات في الجنوب، فالانتقالي الذي بات يسيطر على الجغرافيا في الجنوب ينصب خيام الاعتصام للمطالبة بفك الارتباط مع الشمال في حين أصبح هو الحاكم الوحيد في الجنوب، وهو المسيطر، وهو من يملك القرار بعد مغادرة الحكومة ورئيس مجلس القيادة إلى الرياض، حتى بات الجو خاليا له كي يبيض ويفرخ كما يشاء لكنه ينصب الخيام ويطالب من نفسه الانفصال وإعلان دولة الجنوب العربي، وهذا أمر يجعل المرء في حيرة من أمره، كما أن الأمر يوحي أن الانتقالي لا يملك قراره وإنما هو أداة تتحرك بقرار وتخمد بقرار، وتتمدد بقرار وتنكمش بقرار، ومثل هذا الارتهان والخضوع المذل لن يجعل الانتقالي حاكما ولا قادرا على إعلان دولة الجنوب العربي، كما ينشدها في خطابه الإعلامي .
اشتغلت بعض القوى السياسية والثقافية في الجنوب على فكرة المزايدة بالوحدة قبل عام 2011م وظلت هذه الفكرة ثابتة في تصوراتهم الذهنية ولم تبرح خيالهم إلى اللحظة التي أصبحوا فيها يملكون قرار تحديد المصير بعد أن عملوا على تصفية الجنوب من كل ما هو شمالي وكانت آخر بطولاتهم إخراج طفلة يتيمة تنتمي إلى الشمال من كوخ متهالك ونهب محتويات ذلك الكوخ وتركها تبكي وتندب حظها في العراء دون رأفة أو شفقة من تلك القلوب التي ملأها الحقد، وهو مشهد مبك ومحزن تداولته شبكات التواصل الاجتماعي، وبرغم كل ذلك السقوط القيمي والأخلاقي وجدوا أنفسهم عاجزين عن إعلان دولتهم بل خرجوا في الساحات للمطالبة من الفاعلين الدوليين إعلان دولة الجنوب، فالعجز عن إعلان دولة الجنوب يضع سؤالا جوهريا: ثم ماذا بعد ؟ ولماذا الهروب إلى التصريحات النارية في تحرير الشمال؟ طالما، أنت لم تحرر نفسك ولا تملك قرارا، عد لنقسك وأبدأ بتحريرها قبل أن تحرر من يبسطون نفوذهم على أرضهم ووقفوا أمام التحالف الدولي وقوى الشر العالمي، وأثبتوا للعالم حريتهم وقدرتهم على مناهضة رغبات الشر ورغبة الخضوع .
لو أراد الشمال الخضوع لقوى الشر العالمي كان اليوم حاكما مطلقا على اليمن من شماله إلى جنوبه، فهو يملك الرؤية ومواهب القيادة، ويحسن صناعة الحيوات، وفرض سلطان الدولة على ربوع اليمن، لكن حركة الدور والتسليم التي حدثت في حضرموت والمهرة ربما أغرت قادة الانتقالي وهما بالقدرة التي هم لا يملكونها في الواقع، فكانت تصريحاتهم هروبا من استحقاق تاريخي يشعرون بعجزهم هن مواجهته في قابل الأيام .
أشد أنواع الهوان حين يفصح الواقع عن حقيقة مرة تقول لك بوضوح : لست سوى أجير وعميل تقتات من بيع شعبك ووطنك مقابل دراهم معدودات، وأنك عبد في سوق نخاسة السياسة الإقليمية والدولية، ولو كنت تحمل مشروعا ناهضا لوطنك وشعبك لكان ولاؤك لليمن، أما أن تنجر إلى مشروع بريطانيا القديم والذي يتجدد فيك اليوم وأقصد فكرة الجنوب العربي، فلن يكون مصير المشروع إلا ذات المصير الذي وجده في النصف الثاني من القرن العشرين وهو التلاشي والزوال، فالتاريخ حين يبدأ حركته بمأساة لن تكون نهايته سوى مهزلة وهي المهزلة التي نشهد تفاصيلها في حركة الواقع في المحافظات الجنوبية .
كرأي شخصي لا يمثل أحدا سواي، لست ضد الانفصال إذا كان خيارا جامعا لكل أبناء المحافظات الجنوبية وربما يشاركني هذا الموقف الكثير من النخب لكن الثابت من خلال حركة الواقع أن المطالبة بالانفصال لا تمثل سوى أقلية منتفعة في مثلث جغرافي هو على غير توافق تاريخي مع بقية الجغرافيا الوطنية في الجنوب، هذا المثلث نفسه سيكون وحدويا حتى النخاع إذا تجففت روافده المالية ومنافعه التي تتدفق من الخارج، لأنه سيجد نفسه وحيدا خارج سرب الوطن وهو عاجز أن يكون بنفسه لكونه وعبر التاريخ لا يتحقق وجوده إلا بغيره .
ما حدث في سوالف الأيام لن يعدو عن كونه حركة تفكيك للنسيج الاجتماعي والوطني وإن كان البعض يرى أنه حركة تموضع جديدة في الخارطة السياسية، وإعادة ترتيب خارطة الصراع بما يتسق مع مصالح التحالف ودول الشر العالمي لا بما يتسق ومصالح اليمن، فالتموضع الجديد يترك ظلالاً قاتما على المستقبل، وترك وسوف يترك ندوبا في النسيج الاجتماعي والوطني، فتعدد الولاءات والتشرذم والتفرق وتنمية الصراع البيني، والتباعد بين الثقافات، والتوحش والغابية, والتفسخ القيمي، والسلوكيات ذات البعد الجهوي والمناطقي لن يكون في مصلحة الوطن الواحد المستقر في المستقبل .
ما يزرعه اليوم فرقاء العمل السياسي في اليمن سوف تجنيه الأجيال القادمة لأنهم سوف يرثون وطنا مقسما ومشرذما وبائسا، فالهوية الكلية حين يتم تجزئتها تصبح وبالا في المستقبل على الاستقرار والنهضة والبناء، فالمأساة التاريخية بين اليمن الأسفل، واليمن الأعلى، وبين الجبلي والتهامي، وبين القعيطي والكثيري، وبين الطغمة والزمرة، ما زالت تستيقظ مع كل حالة مماثلة كي تنتهي بمهزلة، ومعالجة تلك الفروق من المستحيلات طالما وهي تتجدد في الوجدان العام مع كل حركة للتاريخ .
لا أخشى على اليمن من العدو الخارجي لأنه عصي عليه والتاريخ تحدث عن ذلك والواقع اليوم على ذات النسق، لكننا نخشى عليه من أبنائه الذين جرهم شنآنهم إلى تمزيقه .