جولة ترامب في الخليج.. شراكات أكثر قوة تعزز الأمن الإقليمي
تاريخ النشر: 20th, May 2025 GMT
يقوم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بجولة في منطقة الخليج العربي، تشمل المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، خلال الفترة من 13 إلى 16 مايو 2025، حسبما أفادت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت. وهذه أول جولة رسمية خارجية يقوم بها الرئيس ترامب منذ تسلمه السلطة في يناير 2025، علماً بأنه قام بزيارة بروتوكولية إلى الفاتيكان لحضور مراسم جنازة البابا فرنسيس.
1- تأكيد قوة علاقات الشراكة الاستراتيجية الأمريكية الخليجية: لا شك في أن اختيار الرئيس ترامب منطقة الخليج العربي لتكون أولى وجهاته الخارجية، يعكس الإدراك الأمريكي لأهمية وخصوصية العلاقات الخليجية الأمريكية. والحقيقة أن هذا الإدراك ليس جديداً؛ بل يمتد بجذوره إلى أربعينيات القرن الماضي، وأسس لعلاقات التحالف الاستراتيجي بين الجانبين، والذي بدأ باتفاق كوينسي الشهير، الذي عُقد في 14 فبراير 1945 بين الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، وفرانكلين روزفلت، الرئيس الأمريكي آنذاك، على متن الطراد الأمريكي “يو إس إس كوينسي”. ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت الولايات المتحدة الضامن الرئيسي لأمن المنطقة؛ حيث قادت العديد من التحالفات لمواجهة التهديدات التي تعرضت لها، ومنها تأسيس الرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريغان، تحالفاً لحماية السفن خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، وكذلك قيادة بوش الأب تحالفاً دولياً لتحرير دولة الكويت عام 1991. وفي هذه المحطات وغيرها، أكدت الولايات المتحدة ودول الخليج العربية أهمية وقوة علاقات التحالف الاستراتيجي بين الطرفين؛ ومن ثم فإن اختيار ترامب للمنطقة لتكون محطته الأولى يؤكد مجدداً هذه الحقيقة.
ولا توجد اختلافات كبيرة بين الجمهوريين والديمقراطيين في هذا الموقف، فقبل فترة قليلة من عودة ترامب إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية، أعلنت إدارة بايدن الديمقراطية، في سبتمبر 2024، دولة الإمارات “شريكاً دفاعياً رئيسياً” للولايات المتحدة، وذلك عقب محادثات أجراها بايدن مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، خلال زيارة سموه للولايات المتحدة. ويُتيح هذا التصنيف تعزيز التعاون العسكري الوثيق بين البلدين من خلال التدريبات المشتركة والمناورات وغيرها من الجهود المشتركة. ولم تمنح واشنطن هذا التصنيف من قبل سوى للهند.
2- أهمية البُعد الاقتصادي في التحالف الأمريكي الخليجي: لا خلاف على أن البُعد الاقتصادي يُشكل أولوية قصوى لترامب، الذي يسعى إلى إبرام صفقات واستثمارات بمئات المليارات، وأعلن هو نفسه أن هذه الجولة ستتضمن الكثير من الصفقات التجارية الضخمة التي ستدعم الاقتصاد الأمريكي. وقد سبقت الزيارة بالفعل تعهدات خليجية بصفقات واستثمارات ضخمة، حيث وعد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بتعزيز استثمارات المملكة والعلاقات التجارية مع الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار. كما تعهدت دولة الإمارات باستثمار نحو 1.4 تريليون دولار (ما يعادل 5.1 تريليون درهم) في الولايات المتحدة خلال عشر سنوات، وذلك خلال زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني، للولايات المتحدة واجتماعه بالرئيس ترامب، وفقاً لما أعلنه البيت الأبيض.
وبشكل عام، تُشكل العلاقات الاقتصادية القوية بين الجانبين الأمريكي والخليجي، الأساس الصلب الذي تُبنى عليه الشراكة الاستراتيجية بينهما. ووفقاً للبيانات التي أعلنها معالي الأستاذ جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن التجارة بين الجانبين تقارب 180 مليار دولار عام 2023، مع التأكيد أن الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة عميقة ومتنوعة، كما أن الشركات الأمريكية تتوسع في أسواق الخليج، والعلاقات الاقتصادية بين الجانبين ديناميكية ومتنامية. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي الخليجي نحو 2.1 تريليون دولار عام 2023، وتشير التقديرات إلى أنه قد يصل إلى ستة تريليونات دولار بحلول عام 2050، كما تدير دول مجلس التعاون الخليجي صناديق ثروة سيادية بقيمة أكثر من 3.2 تريليون دولار؛ أي نحو ثُلث إجمالي الأصول السيادية في العالم. في حين بلغ مجموع الأصول الاحتياطية لدى دول الخليج 804.1 مليار دولار بنهاية النصف الأول من عام 2024.
والشراكة الاقتصادية القوية بين الجانبين لم تعُد تبنى فقط على تأمين مصادر النفط والغاز، والتي كان لمنطقة الخليج دور حاسم في تأمين استقرار أسواق الطاقة العالمية منها لعقود طويلة؛ فهذه الشراكة توسعت في الفترة الأخيرة لتتعدى معادلة “النفط مقابل الأمن”؛ حيث أصبحت شراكة متكاملة في جميع المجالات، بما في ذلك مجالات الطاقة النظيفة، والذكاء الاصطناعي، والاقتصادات الرقمية، واستكشاف الفضاء؛ وهي مجالات تتفوق فيها الولايات المتحدة بشكل واضح، وتجذب رؤوس الأموال الخليجية التي تبحث عن فرص للاستثمارات في الاقتصادات القائمة على المعرفة باعتبارها بوابة الازدهار في المستقبل. وتُمثل الشراكة الاستراتيجية بين شركتي “جي 42″ (G42) الإماراتية، و”مايكروسوفت” الأمريكية، في مجال الذكاء الاصطناعي؛ نموذجاً لهذا التحول البنّاء في العلاقات الاقتصادية بين الطرفين من التبادل السلعي إلى تبادل المعرفة.
3- تأكيد أهمية دول الخليج العربي في معادلة الأمن الإقليمي والعالمي: تُعول واشنطن كثيراً على دول الخليج العربي في تحقيق الأمن الإقليمي، من سوريا إلى لبنان وغزة واليمن والسودان والكثير من الأزمات المتفجرة في منطقة الشرق الأوسط. وبالفعل فرضت دول الخليج نفسها باعتبارها الضامن للأمن الإقليمي، حيث نجحت في الحد من تفجر العديد من الأزمات.
وتتجه الأنظار خلال زيارة ترامب إلى ما يمكن أن تُسفر عنه من حلول لبعض أزمات المنطقة، وفي مقدمتها الحرب على قطاع غزة، حيث يُعلق كثيرون آمالاً على هذه الزيارة، على أمل أن تُسهم في كسر الجمود السياسي ووقف هذه الحرب، خاصةً بعد أن أكدت السعودية مراراً أن أي تقدم في مسار العلاقات مع إسرائيل مرهون بإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. وفي ظل إصرار ترامب على مواصلة مسار تدشين العلاقات الخليجية الإسرائيلية ضمن اتفاقيات إبراهيم، ودفع السعودية إلى الانضمام لهذا المسار؛ فإن احتمالات التوصل إلى تفاهمات تفضي إلى حلول عادلة للقضية الفلسطينية، وإيقاف الحرب على غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، تظل كبيرة كإحدى نتائج هذه الزيارة المهمة.
وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فإن دول المنطقة، ولا سيّما السعودية وسلطنة عُمان ودولة الإمارات، تقوم بدور مهم وحاسم كوسيط غير مباشر في المحادثات الجارية بين واشنطن وطهران، لأنها لا ترغب في اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران ستضر بالاستقرار الإقليمي؛ ولذلك تقوم هذه الدول بدور نشط وإيجابي في تسهيل المفاوضات بين الجانبين الأمريكي والإيراني.
وعلى المستوى العالمي، عززت دول الخليج العربية أهميتها في استراتيجية واشنطن العالمية بعد تنامي دورها كوسيط في النزاعات والأزمات العالمية الكبرى، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، حيث استضافت السعودية اجتماعات عدة بين الوفود الأمريكية والروسية والأوكرانية، وعززت دورها كوسيط بين واشنطن وموسكو، وبين الولايات المتحدة وأوكرانيا؛ بفضل سياستها المحايدة. وفي الإطار ذاته، قامت دولة الإمارات بنحو 15 عملية وساطة ناجحة لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، ووصل العدد الإجمالي للأسرى الذين تم تبادلهم بين البلدين في هذه الوساطات إلى 4181 أسيراً. وأعربت كل من موسكو وكييف عن شكرهما لدولة الإمارات على جهودها في تسهيل عمليات تبادل الأسرى؛ مما يعكس تقديرهما لدور الإمارات كوسيط موثوق به.
4- نتائج متوقعة لتعزيز الشراكة المستقبلية: تشير العديد من المؤشرات إلى إمكانية أن تخرج زيارة ترامب لكل من السعودية وقطر والإمارات، بنتائج ترسخ قوة الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، ومنها على المستوى السياسي/ الاستراتيجي؛ حيث يُتوقع أن تشمل مزيداً من الصفقات العسكرية التي تعزز قدرة هذه الدول على ضمان الأمن الإقليمي، فضلاً عن الخروج بنتائج تُسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي ووقف بعض الصراعات في المنطقة. وكذلك على المستوى الاقتصادي، حيث يُتوقع أن تتعمق علاقات الشراكة الاقتصادية، لتشمل قطاعات على رأسها الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتطورة.
ومن المؤشرات المهمة في هذا السياق، ما تم تداوله إعلامياً حول اعتزام الرئيس ترامب اعتماد تسمية “الخليج العربي” أو “خليج العرب” بدلاً من “الخليج الفارسي” داخل الولايات المتحدة، وإصدار أمر تنفيذي بذلك. وعلى الرغم من أن ترامب نفسه كان قد استخدم بالفعل اسم “الخليج العربي” للمنطقة عام 2017 خلال ولايته الأولى، إضافة إلى أن الجيش الأمريكي يُطلق على المنطقة منذ سنوات طويلة اسم “الخليج العربي” في تصريحاته وخرائطه المنشورة؛ فإن هذه الخطوة الرسمية من ترامب قد تعني الكثير بالنسبة لدول الخليج العربية.
خلاصة القول، ستُمثل زيارة الرئيس ترامب لكل من السعودية وقطر ودولة الإمارات، تأكيداً لقوة الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين الأمريكي والخليجي، ويُتوقع أن ترسم ملامح جديدة من التعاون بين الطرفين شعارها تحقيق الاستقرار الإقليمي وترسيخ شراكات المستقبل الاقتصادية والاستراتيجية. ومثلما كانت زيارة ترامب لمنطقة الخليج في ولايته الأولى عنصراً مهماً في تعزيز علاقات التعاون بين الجانبين؛ ستكون هذه الزيارة في مستهل الولاية الرئاسية الثانية لترامب مفتاح الانطلاق نحو المستقبل بعلاقات شراكة أوثق وأكثر قوة.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
«تريندز»: جولة ترامب الخليجية.. عصر جديد من الدبلوماسية الاقتصادية
أصدر مركز تريندز للبحوث والاستشارات دراسة جديدة باللغة الإنجليزية بعنوان «فن الإدارة الاقتصادية والدبلوماسية التكنولوجية: جولة ترامب الخليجية في 2025»، تناولت الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج في مايو 2025، وذلك بعد خمسة أشهر فقط من عودته إلى البيت الأبيض.
وسلطت الدراسة، التي أعدها الباحث عبدالله الخاجة، الضوء على الجولة التي شملت كلاً من دولة الإمارات والسعودية وقطر، ووصفتها بأنها «تحول نوعي في السياسة الخارجية الأمريكية»، حيث ركزت على الشراكات الاستثمارية الثنائية، والدفاع المشترك، والتعاون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، بدلاً من التركيز التقليدي على التحالفات الأمنية وحدها.
وذكرت الدراسة أنه في دولة الإمارات، تم الكشف عن مشروع لبناء أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة، بقدرة 5 غيغاواط، ضمن شراكة بين مجموعة G42 الإماراتية وشركات تكنولوجيا أميركية. كما تم الإعلان عن إطلاق شراكة تسريع ثنائية بين البلدين في مجالات الذكاء الاصطناعي والبنى التحتية الرقمية.
وأضافت الدراسة، أنه في السعودية أعلن ترامب عن التوصل إلى اتفاقيات استثمارية بقيمة 600 مليار دولار، شملت أكبر صفقة دفاعية في التاريخ بقيمة 142 مليار دولار، إضافة إلى اتفاقيات ضخمة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية مع شركات عالمية، مثلNvidia وAmazon وAMD. كما أُعلن عن نية رفع بعض العقوبات عن سوريا، في خطوة اعتبرها مراقبون بداية لإعادة التموضع الأمريكي في المنطقة.
أما في قطر، فقد تم التوقيع على صفقات بقيمة 1.2 تريليون دولار، تضمنت اتفاقاً بارزاً بين الخطوط الجوية القطرية وشركة Boeing، إلى جانب شراكة في الحوسبة الكمية بين شركة Quantinuum الأمريكية ومجموعة الربان القطرية.
وأكدت الدراسة أن جولة ترامب عكست تحوّلاً في دور الولايات المتحدة من «راعٍ أمني» إلى «شريك اقتصادي وتقني»، في ظل إعادة صياغة العلاقات مع الخليج ضمن رؤية تقوم على الاعتماد المتبادل والاستثمار في مستقبل الصناعات الرقمية.
وخلصت الدراسة إلى أن هذه الجولة شكلت بداية لعصر جديد من الدبلوماسية الاقتصادية القائمة على الابتكار، وأن دول الخليج باتت تلعب دوراً محورياً في بلورة مستقبل التكنولوجيا العالمي، في تحالف وثيق مع الولايات المتحدة.