الاستبداد الشبكي وزمن الصمت العربي
تاريخ النشر: 20th, May 2025 GMT
هل جربت أن تستخدم حساباتك على منصات التواصل الاجتماعي لكي تعبر عن رأي معارض لزيارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة إلى ثلاث عواصم خليجية والاستثمارات التريليونية التي حصل عليها من الأموال العربية، أو لكي تدين أو تستنكر استمرار الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة منذ ما يقارب العامين، دون موقف عربي واضح منها؟
الإجابة المتوقعة لهذا السؤال أن أغلبنا لم يجرب أن يفعل ذلك لسببين، الأول لأننا نعلم أن أي رأي مخالف للمصالح والرؤية الصهيونية العالمية سيتم حظر نشره في منصات التواصل الاجتماعي، وربما تعليق الحساب أو حذفه، والثاني لأننا نعلم أيضا أن أي نقد ولو موضوعي لدولة عربية في هذه الملفات الشائكة قد يمنعك مستقبلا من دخول هذه الدولة، فضلا عن إطلاق جحافل الذباب الإلكتروني عليك.
واقع الأمر أنه منذ اندلاع ما سمي وقتها بـ «ثورات الربيع العربي» قبل أكثر من عقد من الزمن، شهدت حرية التعبير في العالم العربي تحولات هيكلية غير مسبوقة بفعل الثورة الرقمية، التي أعادت تشكيل المشهد الإعلامي، وفتحت المجال أمام صحافة المواطن، والتعبئة الشعبية، وحرية التعبير. ومع صعود شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، اكتسب المواطن العربي أدوات لم يكن يحلم بها يومًا، ليصبح هو نفسه صانعًا للخبر، وفاعلًا ومشاركا في تشكيل الرأي العام.
المفارقة التي لا تخلو من تناقض تتمثل في أنه كما منحت المنصات الإعلامية والاتصالية الرقمية الجديدة حرية التعبير آفاقا جديدة، فإنها في الوقت ذاته دفعت الأنظمة السياسية إلى تطوير أدوات رقابة جديدة، أقل وضوحا وأقل صخبًا، ولكن أكثر فاعلية وتأثيرا من أساليب الرقابة التقليدية التي حافظت على استخدامها سنوات طويلة ترجع إلى بدايات ظهور وسائل الإعلام فيها. إنها «الرقابة الناعمة»، التي لا تُمارس بالمنع المباشر أو إغلاق الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية والمواقع والمنصات الإلكترونية غير المرضي عنها، بل بطرق غير مباشرة وغير ظاهرة للعيان، مثل التلاعب بالخوارزميات، والتحكم في وصول المحتوى إلى الجمهور، والضغط الاقتصادي على منصات الإعلام المستقلة، وممارسة الرقابة الآلية على حسابات الأفراد الشخصية.
في البداية، فوجئت الحكومات العربية بقوة التأثير التي أتاحها الفضاء الرقمي للنشطاء والصحفيين المستقلين، وعدم قدرتها على ملاحقة كل كلمة ينشرها الناس على المنصات الرقمية، ومن هنا اتجهت إلى تبني استراتيجية جديدة تقوم على التحول من أساليب الحظر والمطاردة التقليدية، إلى التركيز على بناء منظومة كاملة لإدارة المشهد الرقمي، تتحول فيها عملية الرقابة من مجرد «حراسة البوابات الرقمية» لمنع نشر ما لا ترضى عنه الحكومة من معلومات وآراء، إلى تأسيس بنية متكاملة توظف التكنولوجيا، والقوانين، والجيوش الإلكترونية، للتأثير في السرديات وتوجيه النقاش العام في الأحداث والقضايا المختلفة.
توظف هذه الرقابة الجديدة أساليب متعددة، أبرزها التلاعب بالخوارزميات لإخفاء المحتوى الحساس أو تقليل انتشاره، وحظر الناشطين المؤثرين، وسحب الإعلانات من المنصات غير المنسجمة مع الخط الرسمي، بالإضافة إلى القوانين السيبرانية التي تجرّم «نشر الأخبار الكاذبة» بعبارات فضفاضة، والجيوش الإلكترونية التي تهاجم الصحفيين وتشوّه المعارضين، وتخلق حالة من الدعم الشعبي الزائف للحكومات.
إنها باختصار رقابة بلا رقابة. فبعيدا عن أدوات المنع التقليدية، تقوم الرقابة الناعمة على مفهوم «التأثير غير المباشر». لا أحد يمنعك صراحة من النشر، لكنك تدرك أن الحديث في موضوعات معينة سيؤدي إلى تقليص مشاهدة ملصقاتك أو تغريداتك، أو خسارة مصدر دخلك، أو ربما استدعائك للتحقيق. وهكذا تُنتج الرقابة الناعمة ما يمكن تسميته بـ «الرقابة الذاتية الطوعية»، حيث يتحول الصحفي أو صانع المحتوى أو حتى المستخدم العادي إلى رقيب على نفسه. وعلى هذا أصبحت «الرقابة الناعمة» الشكل الأكثر انتشارًا وتأثيرا في إدارة الإعلام الرقمي في العالم العربي، وهي الرقابة التي تفسر ظاهرة تجنب أعداد كبيرة من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي تناول الموضوعات السياسية أو الحقوقية الوطنية والإقليمية وربما العالمية تجنبًا للعواقب الرقمية أو الواقعية.
على هذا النهج طور المنظرون في مجال الإعلام السياسي نظريات ونماذج جديدة تفسر لنا هذه الظاهرة الجديدة، ظاهرة الرقابة الناعمة» التي يجب أن نركز عليها عندما نتناول بالشرح والتحليل أنماط الرقابة الجديدة على الإعلام الرقمي. من أبرز هذه النماذج «نموذج الدعاية» الذي وضعه المفكران الأمريكيان إدوارد هيرمان ونعوم تشومسكي، والذي يفسر كيف تخدم وسائل الإعلام مصالح النخب، من خلال خمس أدوات: الملكية، والإعلانات، وانتقاء المصادر، والعقوبات، والأيديولوجيات المبررة للقمع (مثل مكافحة الإرهاب). وفي السياق العربي، باتت الحكومات تمتلك أو تتحكم في وسائل الإعلام والمنصات المؤثرة، وتستخدم شعار «مكافحة الإرهاب» كمسوغ دائم لتقييد وصول المحتوى المعارض إلى الجمهور. وحتى الصحافة الرقمية المستقلة، باتت تعتمد على الإعلانات التي تتحكم بها الدولة أو الشركات الكبرى المرتبطة بها، مما يجعل استقلالها هشًّا للغاية.
ولعل من أبرز المفاهيم النظرية المرتبطة بالرقابة الناعمة، مفهوم «الاستبداد الشبكي»، الذي يشرح كيف تستخدم الحكومات في غالبية دول العالم الحرية التي يتيحها الفضاء الرقمي ضد حرية الأفراد في التعبير عن آرائهم. هذا المفهوم الذي طوّرته الباحثة «ريبيكا ماكينون»، يصف بدقة الأنظمة السياسية التي تسمح بهامش من التعبير على المنصات الرقمية، لكنها تسيطر في الوقت نفسه على الفضاء الرقمي بالكامل عبر المراقبة والسياسات الخوارزمية والتحكم بالمحتوى. ومن خلال هذا الاستبداد الجديد لم تعد هناك حاجة لحجب المواقع أو إغلاق الصحف، بل يكفي إحداث تعديل بسيط في خوارزميات المنصات، أو توجيه حملة تشويه رقمية منظمة ضد شخص أو جماعة، أو إصدار قرار من هيئة إعلامية بحظر الوصول إلى منصات محددة، لقتل أي صوت مستقل دون ضجيج. قد يبدو المشهد الإعلامي في العالم العربي أكثر تنوعا من أي وقت مضى، لكن ما يجري خلف الكواليس من رقابة ناعمة يثير القلق. فحرية التعبير لا تُقاس فقط بما يُقال، بل أيضا بما لا يُقال خوفا من العواقب.
وفي زمن تتحكم فيه الخوارزميات بمصير التعبير الحر عن الرأي، وتدير فيه الدول حرب سرديات خفية، تصبح الرقابة الناعمة أخطر من الرقابة الصريحة. الرقابة الناعمة التي تشارك فيها شركات التقنية العالمية العملاقة تقتل الكلمة لا بالسجن والتهديد فقط، بل بالتجاهل أيضا، ومن خلالها يمكن إغلاق المنصة لا بقرار حكومي، بل بتجفيف تفاعل الجمهور عليها. ولعل أكبر تحد أمام الإعلام الحر اليوم، هو أن ينجو من قبضة هذه «الرقابة الخفية»، ويعيد تعريف الحرية في زمن الصمت الرقمي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی
إقرأ أيضاً:
قامات وقيادات فكرية في «قمة الإعلام العربي 2025»
دبي (الاتحاد)
برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وتوجيهات سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي، رئيس مجلس دبي للإعلام، تنطلق قمة الإعلام العربي 2025 في 26 مايو الجاري، وتستمر على مدار 3 أيام متضمنة «المنتدى الإعلامي العربي للشباب» و«منتدى الإعلام العربي» و«قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب».
تستقطب «قمة الإعلام العربي 2025» جمعاً من كبار الشخصيات وأهم الرموز السياسية والقامات الفكرية والثقافية ورؤساء تحرير أهم الصحف في العالم العربي وأبرز الكُتّاب والقيادات والوجوه الإعلامية في الحدث الأكبر من نوعه عربياً. وتحظى القمة بمشاركة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ودولة رئيس مجلس الوزراء اللبناني، نواف سلام، كما تحظى القمة وخلال يومها الثالث بمشاركة سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، حيث ستلقي سموها الكلمة الرئيسية لقمة رواد التواصل الاجتماعي العرب، وتدور حول موضوع «دور الإعلام في عصر الخوارزميّات». ويشمل ثاني أيام «قمة الإعلام العربي» وفي جلسة رئيسية تتخلل فعاليات «منتدى الإعلام العربي»، حواراً مهماً مع معالي أسعد الشيباني، وزير خارجية الجمهورية العربية السورية. ويشارك معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة في جلسة حوارية رئيسية يلقي خلالها الضوء على كيفية التوظيف الإيجابي والفعال لمنصات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد كوسيلة تخدم في دعم الرسالة السياسية والأهداف الاستراتيجية. وزراء الإعلام.
وأفردت القمة جلسة نقاشية رئيسية لوزراء الإعلام العرب ضمن أجندتها المكثفة لهذه الدورة، حيث يشارك في النقاش معالي عبدالرحمن المطيري، وزير الإعلام والثقافة في دولة الكويت، ومعالي د. رمزان النعيمي، وزير الإعلام في مملكة البحرين، ومعالي بول مرقص، وزير الإعلام في الجمهورية اللبنانية، ومعالي أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام في جمهورية مصر العربية، ومن دولة الإمارات معالي عبدالله آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام، لاستشراف مستقبل الإعلام الرسمي وآفاق تكامله مع الإعلام الخاص في بناء رسالة إعلامية عربية مؤثرة.
كما تستضيف القمة معالي د. غسان سلامة، وزير الثقافة في الجمهورية اللبنانية، لإلقاء الضوء حول آفاق الاستقرار المنشود في المنطقة، وكيفية الوصول إليها، ودور الإعلام في دعم هذا الطموح المشروع. كذلك، يشارك في قمة الإعلام العربي 2025، نخبة من أهم الوجوه الإعلامية في المنطقة والعالم، ومن أبرزهم الإعلامي البريطاني الشهير بيرس مورغان، المعروف بأسلوبه المتميز في إدارة الحوار مع كبار الشخصيات حول العالم. فرصة نموذجية.
وقالت منى غانم المرّي، نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبي للإعلام، رئيسة نادي دبي للصحافة، رئيسة اللجنة التنظيمية للقمة: «تأتي استضافة قمة الإعلام العربي في وقت تشهد فيه المنطقة والعالم تطورات متسارعة على مختلف المستويات الجيوسياسية والاقتصادية وكذلك التقنية، إذ يمثل هذا اللقاء السنوي فرصة نموذجية لاستعراض أبعاد تلك التطورات وعلاقاتها بالإعلام، ومدى تأثيره في توجيه دفتها والتعامل مع تداعياتها، بأسلوب يخدم المتلقّي ويعزز وعيه بمختلف أبعاد تلك الموضوعات والقضايا». وأوضحت قائلة: «القمة فرصة لحوار شامل يرسم خريطة واضحة لعلاقة الإعلام بقطاعات رئيسية تؤثر في حياة الإنسان العربي..».
ثلاث فعاليات
تهدف هذه الدورة من قمة الإعلام العربي، في ثلاثة أيام من النقاشات والحوارات الملهمة من خلال ثلاث فعاليات رئيسة إلى الوقوف على أبعاد المشهد الإعلامي الراهن وعلاقته بالمجتمعات العربية تأثيراً وتأثراً، واستشراف متطلبات تعزيز الدور الإعلام في دعم الطموح العربي لمستقبل أفضل تنعم فيه شعوب المنطقة بمزيد من فرص الاستقرار والتقدم في ظل تنمية شاملة مستدامة. كما تشهد القمة تكريم المبدعين في المجال الإعلامي.
فرصة مثالية
يُذكر أن «قمة الإعلام العربي» قد استضافت على مدار دوراتها المتعاقبة من خلال «منتدى الإعلام العربي» كوكبة من كبار المسؤولين في العالم العربي من رؤساء مجالس الوزراء والوزراء، حيث مثل اللقاء فرصة مثالية للقاء بين هذه النخبة السياسية والفكرية والقائمين على العمل الإعلامي في عالمنا العربي.