وادي نيلم في كشمير.. جنة حولتها الهند لجحيم
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
كشمير– على امتداد الطريق الوعرة التي تربط مظفر آباد، عاصمة كشمير الباكستانية، بوادي نيلم الملاصق لخط السيطرة الفاصل بين كشمير الهندية والباكستانية، تنكشف أمام الزائر لوحة طبيعية تخطف الأنفاس.
جبال خضراء تحتضن الطريق، وشلالات تنحدر برشاقة من السفوح، إذ يشق نهر نيلم طريقه بين التلال بصوت هادر يروي حكاية خالدة من الجمال والعراقة.
لكن خلف هذه الصورة البديعة، ثمة واقع آخر لا تُظهره الصور ولا تُعبّر عنه المناظر الطبيعية، واقع إنساني صعب يعيشه الأهالي بصمت، بعيدا عن عدسات المصورين وأعين المسؤولين.
يصف عارف محمود (زائر من إسلام آباد) لموفد الجزيرة نت، انطباعه عن المنطقة قائلا "وادي نيلم قطعة من الجنة على الأرض. الطبيعة هنا ساحرة، الهواء نقي، وكل زاوية تصلح لأن تكون لوحة فنية".
ما يُخفيه الجمال هنا هو بنية تحتية متهالكة، ومنازل بالكاد تصلح للسكن، وطرقات تتآكل تحت وقع الزمن والإهمال. السكان، الذين يعيشون على بعد أمتار من أحد أكثر خطوط التماس توترا في جنوب آسيا، يكافحون لتأمين أبسط مقومات الحياة اليومية، محملين استمرار استهدافهم من قبل الهند عدم استقرار وصعوبة الحياة التي يكابدونها.
يقول شفيق عباسي، أحد سكان قرية قريبة من خط السيطرة، "في كل شتاء نخشى أن تهطل الأمطار بغزارة، لأن ذلك يعني انهيارات وانقطاع طرق. منازل عدة لا تصمد أمام الطقس القاسي. نعيش بقلق دائم".
إعلانوعزا في حديثه للجزيرة نت عدم الاهتمام بتطوير البنية التحتية وتحسين مستوى المباني والمساكن إلى استمرار عدم الاستقرار في المنطقة حيث كل عام أو عامين تحدث مواجهات على جانبي خط السيطرة بين الهند وباكستان.
تتسم الطرق في المنطقة بالضيق والتشقق، وبعضها غير ممهد، مما يجعل التنقل خطرا حقيقيا، خاصة خلال موسم الأمطار أو عند وقوع الانهيارات الجبلية. ويقول عباسي "حين يمرض أحد أطفالنا، قد يستغرق الوصول إلى أقرب مركز صحي ساعات".
تعتمد غالبية سكان المنطقة على الزراعة وتربية المواشي كمصدر دخل رئيسي، إضافة إلى حياكة الصوف وصناعة الشالات الكشميرية المشهورة إلى جانب بعض الموارد التي تحقق من زيارات السياح ومعظمهم من داخل باكستان.
في الأسواق المحلية، البضائع محدودة، والأسعار مرتفعة، مما يعكس ضعف القوة الشرائية.
المدارس تعاني في مبان قديمة وصغيرة من نقص شديد في الكوادر والتجهيزات. وتقول مريم بيغم، معلمة في مدرسة ابتدائية، "نعمل من دون كتب كافية أو مواد تعليمية. كثير من الطلاب يتركون المدرسة ليساعدوا أهلهم في الزراعة أو العمل. التعليم هنا ترف لا يمكن للجميع الاستمرار فيه".
السكان يشتكون من ضعف للخدمات في مجالات التعليم، والصحة، والمواصلات. ويقول عبد الرؤوف جان أحد سكان المنطقة: "بسبب قربنا من خط السيطرة (الذي يشهد عادة اقتتالا)، فإن منطقتنا تصنف كمنطقة عسكرية وإنها عرضة لأي قصف أو هجوم، فالتنمية متوقفة منذ عقود".
المواجهة بين الهند وباكستان
ومما زاد من قتامة المشهد في كشمير مؤخرا، احتدام المواجهات بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان وخاصة على امتداد خط السيطرة الذي يقسم كشمير.
فقد أدّت المواجهات المسلحة المتقطعة إلى قتلى وجرحى إلى جانب إلحاق دمار ببيوت ومحال ومدارس في الجزء الباكستاني من كشمير، كما اضطر المئات للنزوح من القرى الحدودية، بعد أن أصبحت مساكنهم عرضة مباشرة للقصف.
إعلانولم تتوقف تداعيات هذا التوتر عند الجانب الأمني، بل تجاوزته لتطول الحياة اليومية للسكان، إذ تسبب في شلل مؤقت للأنشطة الزراعية والتجارية، خصوصا في المناطق القريبة من نقاط الاشتباك.
ورغم هذه المعاناة، يستقبل أهالي كشمير الزوار بوجه بشوش وكرم كبير. وبالعودة إلى عارف محمود، قال: "الناس هنا يخبئون أوجاعهم خلف ابتسامات".
يُجمع الأهالي على أن غياب الأمن والاستقرار بسبب النزاع مع الهند، إضافة إلى ضعف البنية التحتية المتحصلة من ذلك، من أبرز أسباب ضعف السياحة، رغم الإمكانيات الطبيعية الهائلة التي منحها الله لوادي نيلم تحديدا ولكشمير بشكل عام.
يقول عبد الرؤوف: "لو فُتحت كشمير على العالم، لكانت من أهم الوجهات السياحية. لكننا نعيش في عزلة مفروضة بسبب الصراع المتواصل بين الجارتين اللدودتين".
وخلال الأعوام الـ12 الماضية شهدت كشمير الباكستانية العديد من الاعتداءات الهندية، من أبرزها:
في مايو/أيار 2025، شنت الهند هجمات صاروخية على مناطق مدنية في كشمير الباكستانية، مما أسفر عن قتلى وإصابات، كما استهدفت منازل ومساجد. في يونيو/حزيران 2023، تعرض قطاع ساتوال بمنطقة بونش في كشمير الباكستانية لإطلاق نار من قبل القوات الهندية أدى لقتلى وجرحى، واعتُبر أول خرق للهدنة الموقعة في فبراير/شباط 2021. خلال عامي 2020 و2021، شهدت المنطقة تصعيدا على خط السيطرة، حيث أفادت السلطات الباكستانية بمقتل 28 مدنيًا وإصابة 233 آخرين نتيجة القصف الهندي، في حين أفادت الهند بمقتل 6 مدنيين و9 جنود من جانبها. في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، قُتل 3 مدنيين وأصيب 3 آخرون في كشمير الباكستانية نتيجة قصف هندي استهدف منازل في قطاع باتال. في عام 2013 وقعت سلسلة من الاشتباكات المسلحة بين القوات الهندية والباكستانية على خط المراقبة، مما أسفر عن مقتل 12 جنديًا هنديًا و9 جنود باكستانيين، بالإضافة إلى مقتل نحو 14 مدنيا باكستانيا، ومدني هندي واحد.وتعليقا على الموضوع قال الخبير السياسي الكشميري خالد محمود خان إن السبب في ضعف الخدمات في وادي نيلم وكشمير، يعود إلى أن المنطقة مهددة بخطر الحرب والاستهداف من قبل الهند.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت بين خان أن هذه المنطقة جديرة بأن تكون من أفضل المناطق في العالم جذبا للسياحة لكن الأوضاع السياسية وعدم الاستقرار حالت دون جذب الكثير من السياح خاصة القادمين من الخارج لكونها منطقة عسكرية ومهددة بالحرب في أي وقت.
وعادة ما تتهم الحكومة المحلية في كشمير الباكستانية والحكومة الفدرالية الباكستانية الهند بالوقوف وراء عدم استقرار كشمير وبالتالي عدم التمكين من تطويرها والنهوض بها لتكون قبلة للسياحة العالمية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی کشمیر الباکستانیة خط السیطرة
إقرأ أيضاً:
هومي بهابها أبو البرنامج النووي
عالم فيزيائي هندي، ولد عام 1909، وتوفي عام 1966. أسس معهد "تاتا للأبحاث الأساسية" و"مركز أبحاث الطاقة الذرية" في ترومباي، وكان أول رئيس للجنة الطاقة الذرية الهندية عام 1948، ولقب بألقاب عدة منها "أبو البرنامج النووي الهندي" و"أبو الفيزياء النووية في الهند" و"الفيزيائي الهندي الرائد".
المولد والنشأةولد بهابها يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 1909 بمدينة بومباي (مومباي) الواقعة على الساحل الغربي للهند. ونشأ في كنف عائلة أرستقراطية غنية ذات أصول فارسية.
كان والده جهانغير هرمجسي بهابها محاميا معروفا وبارزا في مومباي آنذاك، أما والدته مهرابي فرامجي بانداي فهي حفيدة السير دينشاو مانكجي بيتيت، وهو أحد أبرز رجال الأعمال المحسنين في الهند في القرن الـ19.
حرص والده على تعزيز اهتمامه بالقراءة والعلوم، فأنشأ له مكتبة منزلية خاصة، وشجعه على دراسة الرياضيات والفيزياء وكان له دور محوري في توجيه اهتمامه نحو العلوم.
وزرعت فيه والدته حب الموسيقى والفن، إذ امتلكت مجموعة من الأسطوانات الموسيقية الغربية الكلاسيكية لبيتهوفن وهايدن وشوبرت، وشجعته على الرسم والتصوير.
تأثر بهابها بعمه دورابجي تاتا الذي كان يرأس "مجموعة تاتا الصناعية"، وكان يقضي ساعات طويلة في اللعب بمجموعة "ميكانو" لبناء نماذج فيزيائية خاصة به.
الدراسة والتكوين العلميتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة الكاتدرائية وجون كونون إحدى أرقى المدارس في مومباي الهندية، وفي سن الـ15 بدأ دراسة وفهم مبادئ النظرية النسبية العامة التي وضعها ألبرت آينشتاين عام 1915 وهي من أعقد النظريات في الفيزياء الحديثة.
وعند بلوغه سن الـ18 أرسله والده إلى جامعة كامبردج البريطانية رغبة منه في أن يصبح مهندسا، فحصل على البكالوريوس بدرجة الشرف في الهندسة الميكانيكية من كلية غونفيل وكايوس عام 1930.
وبعد تخرجه أرسل بهابها رسالة إلى عائلته معبرا فيها عن رفضه الاستمرار في مجال الهندسة، وطلب منهم تمويل دراسته في الفيزياء، فوافقوا شرط أن يحقق نتائج ممتازة.
وانضم عقب ذلك لقسم الفيزياء النظرية بشكل رسمي تحت إشراف العالم رالف فوار، والتقى بعلماء آخرين مثل بول ديراك ولفغانغ باولي ونييلز بور وأنريكو فيرمي.
إعلانكما شارك في امتحان "تريبوس" في الرياضيات عام 1932 وفاز بمنحة روز بول للسفر، مما ساعده في الذهاب إلى ألمانيا للعمل ثم إيطاليا، كما ظفر بـ"منحة إسحاق نيوتن" الدراسية عام 1934.
وفي 1935 حصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء النظرية، وركز في أطروحته على فيزياء الجسيمات عالية الطاقة، خاصة تلك المتعلقة بالإشعاع الكوني وتفاعلات الإلكترونات والبوزيترونات ونتج عنها ما يعرف "بتبعثر بهابها".
كما تناول الإشعاع الكهرومغناطيسي الناتج عن الجسيمات المشحونة في الحقول الكهرومغناطيسية.
عاد الفيزيائي الهندي إلى بلاده مع اندلاع الحرب العالمية الثانية في الأول من سبتمبر/أيلول 1939، مما صعّب رجوعه إلى أوروبا، فانضم إلى المعهد الهندي للعلوم في بنغالور وهناك بدأ يخطط لحلمه الكبير.
وكتب بهابها رسالة إلى جواهر لال نهرو الذي كان في طريقه لقيادة الحكومة الهندية عام 1944، وطلب منه تأسيس برنامج نووي مستقل، مؤكدا ضرورة الاستثمار في الأبحاث النووية.
استجاب نهرو لطلبه وقدم له دعما سياسيا وماديا، مما ساعد بهابها في تأسيس معهد تاتا للأبحاث الأساسية في الأول من يونيو/حزيران 1945، كما حرص على تصميم المعهد بأسلوب معماري حديث يتماشى مع الطراز الدولي.
تضمن المعهد أقساما عدة، منها الفيزياء النووية وفيزياء الجسيمات والجيوفيزياء وفيزياء الحالة الصلبة والفيزياء الكيميائية، ثم توسع في وقت لاحق وشمل البيولوجيا الجزيئية وعلم الفلك الراديوي.
وبعد استقلال الهند عن الاستعمار البريطاني في أغسطس/آب 1947، تولى بهابها رئاسة لجنة الطاقة الذرية المكونة من 3 أعضاء، هم الفيزيائي ميغناث ساها والسير كريشنان وشانتي سواروب باتناغار.
وفي 1954 أسس مركز الطاقة الذرية في ترومباي بالهند، وركز أثناء أبحاثه النووية على الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية وعمل إلى جانب علماء ومهندسين على تطوير إنتاج الطاقة النووية بشكل مستقل.
ووضعوا خطة على 3 مراحل، أولا مفاعلات تعمل باليورانيوم لإنتاج البلوتونيوم، ثانيا استخدام البلوتونيوم لتحويل الثوريوم إلى يورانيوم-233، وأخيرا تطوير مفاعلات نووية تعتمد على اليورانيوم-233 والثوريوم، وأشرفوا على إنتاج أول مفاعل نووي هندي "أبسارا" في الرابع من أغسطس/آب 1956.
تعاون دوليتعاون بهابها مع منظمات عالمية، من ضمنها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعلماء مثل نيلز بور وأوتو هان، كما أسهم في تبادل المعرفة وتطوير تقنيات نووية جديدة.
وحوّل اهتمامه إلى تصميم مفاعل يعمل بالماء الثقيل الذي يستخدم كمادة لإبطاء سرعة النيوترونات الناتجة عن الانشطار النووي دون امتصاصها مثلما يفعل الماء العادي وأحيانا كمادة مبردة.
ويسمح هذا باستخدام اليورانيوم الطبيعي غير المخصب كوقود، مما يجعل تشغيل المفاعل أرخص وأسهل بالنسبة للدول التي لا تملك قدرات تخصيب اليورانيوم.
ولتحقيق ذلك ذهب إلى كندا حيث التقى بصديقه لويس من أيام جامعة كامبردج، واتفقا على شراكة هندية-كندية بحكم امتلاك كندا مفاعلات ضمن برنامجها للطاقة الذرية، وأنتج ما يسمى مفاعل "سيروس" في العاشر من يوليو/تموز 1960.
إعلان الجوائز والأوسمةحصل هومي جهانغير بهابها على عدد من الجوائز والأوسمة الوطنية والدولية التي تكرم إنجازاته العلمية وإسهاماته في تطوير البحث النووي في الهند ومن بينها:
عضوية الجمعية الملكية البريطانية 1941، وهي واحدة من أرفع الهيئات العالمية، ونالها تقديرا لإنجازاته في فيزياء الجسيمات، لاسيما في دراسات الأشعة الكونية وتفاعلات البوزيترون. ميدالية آدامز من جامعة كامبردج البريطانية 1942، ومنحت له تكريما لتفوقه في قسم الرياضيات والفيزياء النظرية. وسام بادما بهوشان 1954 وهو ثالث أرفع وسام مدني في الهند، منح له تقديرا لمشاركاته في تحسين منظومة العلوم والتكنولوجيا وتطوير البرنامج النووي الهندي. كما منحته جامعات هندية عدة دكتوراه فخرية مثل جامعة دلهي وجامعة بنغالور تقديرا لإسهاماته في تأسيس نواة البحث العلمي المعاصر في الهند. الوفاةتوفي بهابها في 24 يناير/كانون الثاني 1966، إثر حادث تحطم طائرة فوق جبال الألب الفرنسية، أثناء توجهه إلى العاصمة النمساوية فيينا لحضور اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن عمر ناهز 56 عاما.
وتكريما لمسيرته الحافلة خلدت الهند إرثه وأطلقت اسمه على "مركز أبحاث الطاقة الذرية في ترومباي ليصبح "مركز بهابها لأبحاث الطاقة الذرية"، كما أصدرت طابعا بريديا يحمل صورته.
ونصبت له تماثيل في مؤسسات عالمية عديدة مثل معهد تاتا للأبحاث الأساسية.