استدعى تعثّر الاتفاق الذي وقّعه الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مظلوم عبدي، في العاشر من مارس/ آذار الماضي، تدخّلًا أميركيًا مباشرًا، تجسّد في سعي مبعوث الرئيس الأميركي توم باراك لوضع خريطة طريق فعلية لتطبيق الاتفاق خلال اجتماعه مع الرئيس الشرع، ومع مظلوم عبدي في العاصمة دمشق في التاسع من يوليو/ تموز الجاري، لكنه أُصيب بخيبة أمل بعد أن انفضّت المفاوضات بين الحكومة السورية والوفد الكردي دون التوصّل إلى وضع آلية محدّدة لتنفيذ الاتفاق، وذلك في ظل تباعد مواقف الطرفين.

وبالتالي، فإنه على الرغم من أن عبدي أعلن في نهاية مايو/ أيار الماضي التزام "قسد" بما جرى الاتفاق عليه مع الحكومة السورية، والعمل على تطبيقه من خلال اللجان المشتركة التي شُكّلت بينهما، فإن واقع الحال يكشف أن خلافات كثيرة ما تزال تقف حائلًا دون تطبيق جميع بنود الاتفاق، وخاصّة تلك المتعلقة بمصير قوات "قسد" التي ما تزال تسيطر على مناطق شاسعة وغنية بالثروات في شمال شرقي سوريا.

إضافةً إلى أن "الإدارة الذاتية" في تلك المناطق وجّهت انتقادات للإدارة السورية على خلفية الإعلان الدستوري المؤقّت، وانتقدت كذلك تشكيل الحكومة الانتقالية بحجّة أنها لا تعكس التنوّع الإثني في سوريا.

الموقف الحكومي

يشكّل فشل هذه الجولة من المفاوضات علامة فارقة في طريق تنفيذ الاتفاق بين الشرع وعبدي، ويلقي ظلالًا غامضة بشأن مصيره، كونه يتعلّق بسيادة الحكومة السورية، وبمستقبل وحدة التراب السوري ومؤسسات الدولة الجديدة.

يرتكز موقف الحكومة السورية على عدّة نقاط أساسية، لخّصها البيان الذي أصدرته بعد انتهاء الاجتماع مع وفد "قسد"، وتتضمّن:

1- تعتبر الحكومة السورية أن المكوّن الكردي كان، ولا يزال، جزءًا أصيلًا من النسيج السوري المتنوّع، وتشدّد على أن حقوق جميع السوريين، بمختلف انتماءاتهم، تُصان وتُحترم ضمن مؤسسات الدولة، وليس خارجها.

إعلان

2- الترحيب بأي مسار مع "قسد" من شأنه تعزيز وحدة وسلامة أراضي البلاد، انطلاقًا من التمسك الثابت بمبدأ: "سوريا واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة".

3- الرفض القاطع لأي شكل من أشكال التقسيم أو الفدرلة.

4- الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية الجامعة لكل أبناء الوطن، وترحّب الحكومة بانضمام المقاتلين السوريين من "قسد" إلى صفوفه، ضمن الأطر الدستورية والقانونية المعتمدة.

5- على الرغم من تفهّمها للتحدّيات التي تواجه بعض الأطراف في "قسد"، فإنها تحذّر من أن أي تأخير في تنفيذ الاتفاقات الموقّعة لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يعقّد المشهد، ويعيق جهود إعادة الأمن والاستقرار إلى جميع المناطق السورية.

موقف قسد

لم تتغير مواقف قيادات "قسد" الرامية إلى الحفاظ على ما تعتبره مكاسب تحقّقت خلال السنوات الماضية، وجعلت منها قوة لا يُستهان بها في الوضع السوري الجديد، وتتلخّص مطالبهم بما يلي:

1- الحفاظ على هيكليتها العسكرية الخاصة، والانضمام إلى الجيش السوري كقوة مستقلة تحت اسم "قوات سوريا الديمقراطية"، مع انتشار عسكري ضمن تشكيلات منفصلة في الرقة ودير الزور والحسكة.

2- تكريس نظام حكم لامركزي يمنح "الإدارة الذاتية" سلطات إدارية وأمنية واسعة في شمال شرقي سوريا، مع احتفاظها بالسيطرة المحلية على تلك المناطق، حيث تعتبر القوى السياسية الكردية أن الأكراد عانوا عقودًا من التهميش والإقصاء، وأن السلطة الجديدة تسعى إلى تكريس مركزية القرار وإقصاء مكوّنات رئيسة من إدارة المرحلة الانتقالية.

3- الاعتراف بالمناطق الكردية كوحدة سياسية وإدارية واحدة وموحدة داخل سوريا اتحادية، وفق ما ورد في الوثيقة التي اعتمدتها القوى السياسية الكردية في مؤتمر القامشلي الذي عُقد أواخر أبريل/ نيسان الماضي. إضافةً إلى تحصين هذا الاعتراف مع مطالب أخرى في الدستور السوري المقبل.

4- تمديد الفترة الزمنية المحدّدة مسبقًا لتنفيذ الاتفاق، والتي تنتهي مع نهاية العام الجاري، لأن "قسد" بحاجة إلى مزيد من الوقت لتنفيذ الاتفاق.

الموقف الأميركي

قوبلت المطالب الكردية برفض قاطع من الحكومة السورية، لذلك انتهت المفاوضات دون أي تقدّم يُذكر. ولعل النقطة الوحيدة التي جرى الاتفاق عليها هي مواصلة اللجان المشتركة التي شُكّلت من الجانبين عقد اجتماعات قريبة بهدف تنفيذ اتفاق العاشر من مارس/ آذار.

اللافت هو تقارب الموقف الأميركي مع موقف الحكومة السورية، حيث إن المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، اعتبر أن أمام "قسد" طريقًا واحدًا هو الطريق إلى دمشق.

والأهم هو تأكيده أن "الفدرالية لا تعمل في سوريا"، وأن الحكومة السورية أبدت حماسًا غير مسبوق لضمّ "قسد" إلى مؤسساتها ضمن مبدأ: "دولة واحدة، أمة واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة"، لكن "قسد" بطيئة في الاستجابة والتفاوض والمضي قدمًا في هذا المسار.

يتّسق كلام باراك مع التحوّل الكبير الذي تشهده السياسة الأميركية تجاه سوريا، ويهدف إلى توجّه لإعادة رسم أولويات الولايات المتحدة وموازين القوى في شمال شرقي سوريا، وتوجّه جديد في مقاربة الوجود الأميركي هناك.

إعلان

انعكس هذا التحوّل في انخفاض ميزانية التمويل الأميركي، التي تناقصت سنويًا لتصل إلى أقل من 130 مليون دولار، في حين أنها بلغت 500 مليون دولار في عام 2018، وذلك بعد أن فقدت "قسد" أهميتها القتالية في مكافحة تنظيم الدولة بعد عام 2019.

وانحصرت أهميتها في منع عودة ظهور التنظيم، وحراسة سجون عناصره، ومخيمات عائلاتهم في شمال شرقي سوريا.

وفي هذا السياق، جاءت تصريحات الرئيس دونالد ترامب الداعية إلى تولّي الحكومة السورية مسؤولية مراكز احتجاز عناصر تنظيم الدولة، التي تلتقي مع اتفاق العاشر من مارس/ آذار الماضي، الذي ينص على بسط الحكومة السورية سلطتها على منطقة شمال وشرق سوريا، وتولّيها مهمة حراسة سجون عناصر تنظيم الدولة، ومخيمات عائلاتهم، ويفضي إلى اندماج "قسد" في الجيش السوري الجديد، وعدم استمرارها في هيكلها الحالي.

مصير "قسد"

تلميح الحكومة السورية إلى تفهّمها للتحدّيات التي تواجه بعض الأطراف في "قسد"، يشير إلى وجود خلافات بين الأطراف السياسية التي توجّه "قسد"، حيث إن بعضها يميل إلى الاندماج في الجسم السوري الجديد، وبعضها الآخر ما يزال يرفض ذلك، ويضع مطالب تعجيزية.

وتعكس هذه الخلافات حقيقة أن "قسد" تتحكم في قيادتها قوى سياسية كردية، وبالتحديد "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي"، وذلك عبر ذراعه العسكري "وحدات حماية الشعب"، التي تمثّل الثقل الرئيسي فيها.

لذلك يحاول هذا الحزب ربط مصيره بمستقبل القضية الكردية في سوريا، حيث تُصرّ قياداته على طرح مطلب "اللامركزية السياسية"، وهو ما يحاول المبعوث الأميركي باراك إزاحته عن طاولة التفاوض، فيما تتعامل الحكومة السورية مع "قسد" بعيدًا عن هذا الحزب وأجندته.

غير أن تحوّل السياسة الأميركية في سوريا، وميلها نحو دعم الاستقرار فيها، يجعل الإدارة الأميركية تقترب أكثر نحو حسم مصير "قسد"، ومعها "الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا"، خاصة بعد سعيها إلى إنهاء التواجد العسكري الأميركي فيها، والذي بدأ بتقليص عدد الجنود الأميركيين إلى أقل من ألف جندي، وذلك في ظل إمكانية أن تنضم سوريا إلى التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة، وربما التوصّل إلى اتفاق مع الحكومة السورية يقضي بموافقتها على تواجد هؤلاء الجنود في "قاعدة التنف".

إضافة إلى التوافق الأميركي التركي حول ضرورة دمج عناصر "قسد" في الجيش السوري، ضمن تسوية تضمن تفكيك ما تعتبره تركيا التهديد الكردي لها، مقابل تراجعها عن تدخّلاتها العسكرية في الشمال السوري، مما يقدّم معطى إضافيًا على تبدّل المواقف الدولية والإقليمية حيال سوريا.

إذًا، ينبغي على قيادات "قسد" أن تعي طبيعة المتغيّرات في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة تحوّلات السياسة الأميركية في سوريا، وأنها لم تكن شريكًا إستراتيجيًا للولايات المتحدة في سوريا.

والأجدى لها الانخراط في الجسم السوري الجديد، لأن الرهانات على المشاريع الانفصالية، وعلى دعم قوى الخارج، أثبتت فشلها في أمكنة كثيرة في العالم.

ولعل التغيّرات الكبيرة التي جرت في تركيا مؤخرًا، بإعلان "حزب العمال الكردستاني" التركي حلّ نفسه وتسليم السلاح استجابةً لدعوة زعيمه التاريخي عبدالله أوجلان، تقدّم درسًا يمكنها الاستفادة منه عبر الاندماج بالجسم السوري الجديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات فی شمال شرقی سوریا الحکومة السوریة السوری الجدید الجیش السوری تنظیم الدولة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

شكوك إسرائيلية في مستقبل الاتفاق المتوقع مع سوريا

تتزايد التقديرات الإسرائيلية حول حدوث اختراق وشيك في العلاقات مع سوريا، وسط شكوك في مستقبل الاتفاق المتوقع وشكله ومدى صموده بالنظر إلى اعتبارات عديدة.

مايكل هراري، السفير الإسرائيلي الأسبق، والدبلوماسي المرموق في وزارة الخارجية، أكد أن "الظروف الحالية في مستقبل العلاقات الاسرائيلية السورية معقدة للغاية، وتتطلب التفكير فيما هو ممكن وضروري، مع تجنب التحركات المتساقطة التي قد تضر الطريق، لأن النظام السوري الجديد لا يسيطر بشكل فعال على مساحة الدولة بأكملها، رغم ما يوضحه من براغماتية لافتة، لكنه سيظل مضطرًا إلى الإبقاء على الأيديولوجية الإسلامية، ومدى قدرتها على أداء ما هو مطلوب منه".


وأضاف في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" أن "العلاقة المستقبلية مع سوريا تستدعي فحص تأثيراتها على مشاركة اللاعبين الخارجيين في تركيا وإسرائيل، وهنا يكمن التحدي الحقيقي أمام دمشق، التي تتطلب عملية إعادة تأهيل ضخمة، مع العلم أن ما يصل النظام السوري الجديد من دعم على صعيد المجتمع الدولي يعني منحه مزيدا من الأسلحة المفتوحة ذات الطابع الدبلوماسي والاقتصادي".

وأوضح أن "رحيل إيران عن سوريا، يُنظر إليها كمصلحة تحظى بإجماع عالمي، حتى أن الرئيس دونالد ترامب انتهج سلوكا غير تقليدي حين مدّ يده للرئيس السوري أحمد الشرع، وعانقه، مما قد يفسح المجال للحديث في كيفية الترويج لمثل هذا الاتفاق المتوقع مع دولة الاحتلال، وهنا تجد الدولة السورية نفسها في موضع يحظر عليها أن تفوت الفرصة، لكنها من ناحية أخرى تدرك أنه من المهم عدم القفز مرتفعًا جدًا وبعيدًا".


وأشار إلى أنه "في بداية الحرب الأهلية في سوريا، نشأ سؤال في تل أبيب حول ما إذا كانت تُفضّل حكم الأسد الموصوف بأنه الشيطان المألوف، أو بدائل المعارضة، لكنها اختارت تجنّب الدعم النشط للأخيرة، وقد أدى هذا القرار إلى تفضيل سوريا الضعيفة، التي تفتقر إلى القيادة الفعالة".

وأضاف أن "قضية أخرى تتعلق بصورة الشرع، وتتعلق بالشكوك المحيطة بشخصيته، وهي شكوك تبدو مفهومة، لكنها تتطلب قرارًا فيما إذا كان سيدفعه ذلك بأن يحظى بالدعم الواسع الذي يفوز به في الساحة الدولية، والعمل على تعزيز حكمه بطريقة تخدم مصالح بلاده أو جيرانها، بمن فيهم إسرائيل، وهل السعي لتحقيق إنجاز طموح كاتفاق على السلام بدون الجولان هو مصلحة إسرائيلية، أو قد يعرّضه للصعوبات، وهنا ستحصل بعض الأسئلة المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي إلى خط الحدود".

مقالات مشابهة

  • شكوك إسرائيلية في مستقبل الاتفاق المتوقع مع سوريا
  • من يعطل اتفاق دمشق وقسد وما احتمالية انهياره؟ محللون يجيبون
  • فرق الدفاع المدني السوري تواصل عمليات إخماد الحرائق بالقرب من مدينة كسب على الحدود السورية التركية
  • الحكومة السورية ترفض أي شكل من أشكال التقسيم أو الفدرلة
  • المبعوث الأميركي لسوريا يلتقي الشرع وينتقد بطء استجابة قسد للمفاوضات
  • الحكومة السورية المؤقتة ترحب بأي مبادرة لـقسد تعزز الوحدة والسلامة
  • الحكومة السورية ترحب بأي مسار مع قوات سوريا الديمقراطية من شأنه تعزيز وحدة وسلامة أراضي البلاد
  • السفير باراك: الحكومة السورية أبدت حماساً لا يصدّق لضمّ قوات سوريا الديمقراطية إلى مؤسساتها
  • المبعوث الأميركي لـقسد: سوريا دولة واحدة والمفاوضات تؤدي لدمشق