بقلم: م. جعفر منصورحمد المجذوب


في لحظات التحول الكبرى، بعض القرارات المصيرية تكون نتاجاً للهوس الأيديولوجي، خاصة حين يرتدي الدين عباءة السياسة. من هذه الزاوية، يمكن فهم انفصال باكستان عن الهند عام 1947، ثم لاحقاً انفصال بنغلاديش، وأخيراً فى انفصال جنوب السودان، كقرارات تغذّت على هوس ديني مثّله محمد إقبال ومحمد على جناح في الهند، والإخوان المسلمون في السودان.


باكستان... حين تتأسس الدولة على حلم ديني متطرف:
قاد محمد علي جناح انفصال المسلمين عن الهند بتأثير من أطروحات محمد إقبال التي بشّرت بأمة إسلامية منفصلة عن الهندوس.
وفى المقابل فرح اخوان السودان بانفصال الجنوب وذلك لقيام شريعة كاملة مكملة فى الشمال كما كانوا يدعون.
لكن ما الذي جنته باكستان ومسلموا الهند من هذا الانفصال؟
تحوّل المسلمون في الهند إلى أقلية تعانى من فترة إلى أخرى من تطرف بعض الجماعات، بينما دخلت باكستان دوامة من الصراعات العسكرية والانقلابات.
ظهرت تنظيمات متطرفة مثل طالبان والقاعدة، وتحوّلت الدولة إلى ساحة مفتوحة للتشدد.
انتهى المطاف بانقسام باكستان نفسها، وقيام بنغلاديش، ما أضعف الموقف الإسلامي الذي كان يُراد له أن يكون "موحداً".
قضية كشمير بقيت جرحاً مفتوحاً وساحة للصراع إلى اليوم.
السودان... تكرار التجربة باسم الدين:
في السودان، تبنّى الإخوان المسلمون مشروع "التمكين" بعد انقلاب 1989، وتمت عسكرة الدولة باسم الشريعة.
لكن مواطنى الجنوب، الذي لم يكن رافضاً للوحدة، شعروا بالإقصاء والتهميش.
الدكتور جون قرنق، زعيم الحركة الشعبية، نادى بسودان موحّد مدني ديمقراطي، لا مشروع انفصالي.
بعد اغتياله، سقط الأمل في التغيير من الداخل، وحدث الانفصال في 2011.
النتائج:
لا الجنوب استقر، ولا الشمال عرف السلام.
تعطلت التنمية وفقد السودان معظم موارده النفطية والبشرية والطبيعية.
ماذا لو لم يحدث الانفصال؟
لبقبت الهند دولة موحدة، وصارت قوة عظمى ديمقراطية
المسلمون فى الهند بقوا كقوة بشريةذات أغلبية كبيرة لها تأثيرها فى الحكم.
لا وجود لمشكلة كشمير
لا وجود للتطرف فى ظل دولة (الهند) من أعرق الديمقراطيات فى العالم .
ولو بقي السودان موحداً، لكان أقوى في تنوعه، وأغنى بثرواته، وأكثر قابلية للاستقرار.
الدرس السياسي:
المشكلة لم تكن في الدين، بل في الهوس الديني حين يتحول إلى أيديولوجيا تستبعد الآخر.
المجتمعات لا تُبنى على الهوس الديني والنعزلة، بل على قاعدة المواطنة، والاحتكام للدستور، والتداول السلمي للسلطة.
للاسف يذكر محمد اقبال ومحمد على جناح كابطال تاريخيين ولا يستبعد فى المستقبل أن يدون مثل زعماء القاعدة وداعش والإخوان و يُحتفى بهم كأبطال دينيين وتاريخيين مع انهم من مهّد الطريق للانقسام والخراب.


gaafar.hamad@gmail.com


 

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مستودعات الموت … من علي الكيماوي إلي البرهان الكيماوي !!

musahak@icloud.com


مستودعات الموت ...من علي الكيماوي إلي البرهان الكيماوي !!
لم يكن علي حسن المجيد والذي عرف ب( علي ال كيماوي ) آخر أبطال الخزي والعار في ذاكرة الحروب والاستبداد في خارطة الوطن العربي .فلقد عرف بذلك لاستخدامه للأسلحة الكيماوية ضد أكراد شمال العراق في العام 2007والتي راح ضحيتها مئات الألوف من أبناء الشعب العراقي الكرد وغيرهم ثم أعدم لاحقاً إمام العدل العراقي في 25يناير 2010 بعد سقوط نظام صدام حسين وبعد أن ألقت عليه القبض القوات الامريكية في أغسطس 2007.
و وفق ذلك الوجدان الشعري العربي (خلف كل قيصر يموت يولد قيصر جديد ) فقد ولد في بلاد السودان ذلك المستبد (الحالم ) عبد الفتاح البرهان الذي إنقلب علي الديمقراطية الوليدة في إكتوبر 2021 ثم عاد ليشعل حرباً كارثية لم تزل فصولها جارية في 15 إبريل عام 2023.
التفكيك البنيوي لخطاب حرب قائد الجيش البرهان ومؤسساته قد تفضحه رائحة غاز الكلور والفوسجين والخردل الذي يفوح من أدبيات تلك الحرب ، وزارة الخارجية السودانية أصدرت أول بياناً حربياً بعد إندلاع الحرب وهي تتوعد عدوها ب (الاستسلام أو الفناء ) إما خطابات البرهان فلم تغادر ذلك الوعيد (ما عندنا ليهم حاجة إما يستسلمو أو حننتهي منهم كلهم ) ،( ولا يكملونا او كملناهم )ثم هو الذي يبتدع في حربه ذلك التعريف (سنقضي علي حواضنهم )وفق ذلك الخلط الاجتماعي الذي لايبقي ولا يذر .
هذا غير إشارات الإبادة التي تصدر من مساعديه،(ياسر العطا ) علي سبيل المثال و غير ذلك الطفح الخطابي علي صفحات الميديا من جنود وإرهابيين وجماعات مسلوبة العقول في خضم تلك الحرب التي إخذت ( الفناء) للخصم شعاراً لها .
إذن فإن خيار استخدام العنصر الكيميائي ليس حالة نظرية لجماعات الهوس الديني أو ذلك الجيش المؤدلج الذي يقوده عبد الفتاح البرهان .
ولعل مستودع البراء بن مالك في كلية التربية بام درمان والذي تحول إلي ترسانة لقنبلة (الفقراء) أي غاز الخردل والذي لعب دوراً رئيسياً في حرب المدن في الأسبوع الثاني من شهر مايو عام 2025 ،
والذي تحاول مؤسسات البرهان تصوير عواقبه التي تجتاح المواطنين بإنه (كوليرا) حيث يقضي مئات من الناس نحبهم جراء استنشاق تلك الغازات الوخيمة ،ففي حين أن حكومة البرهان ظلت وعلي مدي أعوام تنكر كل الإشارات للأوبئة من كوليرا او حمي الضنك وخلافه فها هي تغض مضاجع العالم بالعويل إن موجة من جائحة الكوليرا تجتاح مدينة أمدرمان وذلك في غضون المعارك الاخيرة التي شهدتها مدينة ام درمان .
لم تكن علاقات السودان العسكرية ونظام بشار الأسد في التزويد بالسلاح خافية علي أحد ، فقبل رحيل الأسد بثمان وأربعين ساعة ، رصدت اجهزة الملاحة الجوية طائرة سورية انطلقت من مطار دمشق الي مطار الخرطوم وهي من طراز يوشن روسية الصنع مسجلة تحت المعرف YK-ATAفي تمام الساعة 02:58 و حطت في مطار بورتسودان فجر الجمعة 6 ديسمبر 2025 وقضت ثمان ساعات لتفرغ حمولتها من الأسلحة (السرية ) ثم تغادر الي جهة ما .في عالم لم تعد فيه أسرار الفضاء بذلك الغموض الذي يتصوره نظام بورتسودان .
وفق ذلك التطور الدرامي فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات علي السودان في يوم الخميس 22مايو 2025 وفق اتهام باستخدام الجيش السوداني لاسلحة كيميائية في الحرب الأهلية الجارية الان ،وبما ان السودان قد وقع علي قانون الرقابة علي الأسلحة الكيمائية والبيولوجية لعام 1991
والتي تعرف إختصاراً ب (CBW) ،فليس له مجالاًللمناورة كما ظل يفعل ويراوغ مع اتفاقية روما الجنائية ، يعني ذلك أن يشرع ابوابه للجان التقصي الدولية والرضوخ لنتائجها وتلك نقلة في حرب البرهان التي يخالها بمنأي من عيون العالم .
وهكذا يأخذ البرهان الدولة السودانية الي مغارة العزلة والعقوبات التي إنفك منها السودان بجهود خرافية عقب انتفاضة ديسمبر وبجهد حكومته الانتقالية التي اطاح بها بانقلابه المشؤوم في اكتوبر 2021 ثم لاحقاً في حربه الكارثية في ابريل 2023.
ليس مستغرباً ردة فعل الحكومة السودانية تجاه تلك العقوبات والتي وصفها وزير إعلام البرهان خالد الأعيسر وهو يشرع قبضة يده تجاهها بانها ابتزاز سياسي وبذلك التبسيط الفج للازمة القائمة وهو يصورها بانها استهداف للجيش السوداني في حرب الكرامة !
وهكذا يدخل السودان في نفق العقوبات الكيميائ الخانق والذي غادرته سوريا هذا الأسبوع .


محمد موسى حريكة

 

مقالات مشابهة

  • مستودعات الموت … من علي الكيماوي إلي البرهان الكيماوي !!
  • باكستان تمدد إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية حتى 24 يونيو المقبل
  • لماذا تحذّر باكستان الهند من استخدام المياه سلاحا ضدها؟
  • باكستان تصف تصريحات رئيس وزراء الهند خلال أحد خطاباته بأنها “استفزازية وغير مسؤولة ومضللة للرأي العام”
  • باكستان ترد على تصريحات مودي: "استفزازية وغير مسؤولة"
  • رئيس وزراء باكستان: المملكة موقع محايد ومناسب للحوار مع الهند .. فيديو
  • تصعيد هندي جديد ضد باكستان
  • الهند: لن تحصل باكستان على مياه أنهار نتمتع بحقوق استخدامها
  • تضليل بالذكاء الاصطناعي.. الانتصارات الزائفة في حرب باكستان والهند