ثمن الانفصال: من باكستان إلى السودان… ماذا فعل الهوس الديني بالأوطان؟
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
بقلم: م. جعفر منصورحمد المجذوب
في لحظات التحول الكبرى، بعض القرارات المصيرية تكون نتاجاً للهوس الأيديولوجي، خاصة حين يرتدي الدين عباءة السياسة. من هذه الزاوية، يمكن فهم انفصال باكستان عن الهند عام 1947، ثم لاحقاً انفصال بنغلاديش، وأخيراً فى انفصال جنوب السودان، كقرارات تغذّت على هوس ديني مثّله محمد إقبال ومحمد على جناح في الهند، والإخوان المسلمون في السودان.
باكستان... حين تتأسس الدولة على حلم ديني متطرف:
قاد محمد علي جناح انفصال المسلمين عن الهند بتأثير من أطروحات محمد إقبال التي بشّرت بأمة إسلامية منفصلة عن الهندوس.
وفى المقابل فرح اخوان السودان بانفصال الجنوب وذلك لقيام شريعة كاملة مكملة فى الشمال كما كانوا يدعون.
لكن ما الذي جنته باكستان ومسلموا الهند من هذا الانفصال؟
تحوّل المسلمون في الهند إلى أقلية تعانى من فترة إلى أخرى من تطرف بعض الجماعات، بينما دخلت باكستان دوامة من الصراعات العسكرية والانقلابات.
ظهرت تنظيمات متطرفة مثل طالبان والقاعدة، وتحوّلت الدولة إلى ساحة مفتوحة للتشدد.
انتهى المطاف بانقسام باكستان نفسها، وقيام بنغلاديش، ما أضعف الموقف الإسلامي الذي كان يُراد له أن يكون "موحداً".
قضية كشمير بقيت جرحاً مفتوحاً وساحة للصراع إلى اليوم.
السودان... تكرار التجربة باسم الدين:
في السودان، تبنّى الإخوان المسلمون مشروع "التمكين" بعد انقلاب 1989، وتمت عسكرة الدولة باسم الشريعة.
لكن مواطنى الجنوب، الذي لم يكن رافضاً للوحدة، شعروا بالإقصاء والتهميش.
الدكتور جون قرنق، زعيم الحركة الشعبية، نادى بسودان موحّد مدني ديمقراطي، لا مشروع انفصالي.
بعد اغتياله، سقط الأمل في التغيير من الداخل، وحدث الانفصال في 2011.
النتائج:
لا الجنوب استقر، ولا الشمال عرف السلام.
تعطلت التنمية وفقد السودان معظم موارده النفطية والبشرية والطبيعية.
ماذا لو لم يحدث الانفصال؟
لبقبت الهند دولة موحدة، وصارت قوة عظمى ديمقراطية
المسلمون فى الهند بقوا كقوة بشريةذات أغلبية كبيرة لها تأثيرها فى الحكم.
لا وجود لمشكلة كشمير
لا وجود للتطرف فى ظل دولة (الهند) من أعرق الديمقراطيات فى العالم .
ولو بقي السودان موحداً، لكان أقوى في تنوعه، وأغنى بثرواته، وأكثر قابلية للاستقرار.
الدرس السياسي:
المشكلة لم تكن في الدين، بل في الهوس الديني حين يتحول إلى أيديولوجيا تستبعد الآخر.
المجتمعات لا تُبنى على الهوس الديني والنعزلة، بل على قاعدة المواطنة، والاحتكام للدستور، والتداول السلمي للسلطة.
للاسف يذكر محمد اقبال ومحمد على جناح كابطال تاريخيين ولا يستبعد فى المستقبل أن يدون مثل زعماء القاعدة وداعش والإخوان و يُحتفى بهم كأبطال دينيين وتاريخيين مع انهم من مهّد الطريق للانقسام والخراب.
gaafar.hamad@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هومي بهابها أبو البرنامج النووي
عالم فيزيائي هندي، ولد عام 1909، وتوفي عام 1966. أسس معهد "تاتا للأبحاث الأساسية" و"مركز أبحاث الطاقة الذرية" في ترومباي، وكان أول رئيس للجنة الطاقة الذرية الهندية عام 1948، ولقب بألقاب عدة منها "أبو البرنامج النووي الهندي" و"أبو الفيزياء النووية في الهند" و"الفيزيائي الهندي الرائد".
المولد والنشأةولد بهابها يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 1909 بمدينة بومباي (مومباي) الواقعة على الساحل الغربي للهند. ونشأ في كنف عائلة أرستقراطية غنية ذات أصول فارسية.
كان والده جهانغير هرمجسي بهابها محاميا معروفا وبارزا في مومباي آنذاك، أما والدته مهرابي فرامجي بانداي فهي حفيدة السير دينشاو مانكجي بيتيت، وهو أحد أبرز رجال الأعمال المحسنين في الهند في القرن الـ19.
حرص والده على تعزيز اهتمامه بالقراءة والعلوم، فأنشأ له مكتبة منزلية خاصة، وشجعه على دراسة الرياضيات والفيزياء وكان له دور محوري في توجيه اهتمامه نحو العلوم.
وزرعت فيه والدته حب الموسيقى والفن، إذ امتلكت مجموعة من الأسطوانات الموسيقية الغربية الكلاسيكية لبيتهوفن وهايدن وشوبرت، وشجعته على الرسم والتصوير.
تأثر بهابها بعمه دورابجي تاتا الذي كان يرأس "مجموعة تاتا الصناعية"، وكان يقضي ساعات طويلة في اللعب بمجموعة "ميكانو" لبناء نماذج فيزيائية خاصة به.
الدراسة والتكوين العلميتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة الكاتدرائية وجون كونون إحدى أرقى المدارس في مومباي الهندية، وفي سن الـ15 بدأ دراسة وفهم مبادئ النظرية النسبية العامة التي وضعها ألبرت آينشتاين عام 1915 وهي من أعقد النظريات في الفيزياء الحديثة.
وعند بلوغه سن الـ18 أرسله والده إلى جامعة كامبردج البريطانية رغبة منه في أن يصبح مهندسا، فحصل على البكالوريوس بدرجة الشرف في الهندسة الميكانيكية من كلية غونفيل وكايوس عام 1930.
وبعد تخرجه أرسل بهابها رسالة إلى عائلته معبرا فيها عن رفضه الاستمرار في مجال الهندسة، وطلب منهم تمويل دراسته في الفيزياء، فوافقوا شرط أن يحقق نتائج ممتازة.
وانضم عقب ذلك لقسم الفيزياء النظرية بشكل رسمي تحت إشراف العالم رالف فوار، والتقى بعلماء آخرين مثل بول ديراك ولفغانغ باولي ونييلز بور وأنريكو فيرمي.
إعلانكما شارك في امتحان "تريبوس" في الرياضيات عام 1932 وفاز بمنحة روز بول للسفر، مما ساعده في الذهاب إلى ألمانيا للعمل ثم إيطاليا، كما ظفر بـ"منحة إسحاق نيوتن" الدراسية عام 1934.
وفي 1935 حصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء النظرية، وركز في أطروحته على فيزياء الجسيمات عالية الطاقة، خاصة تلك المتعلقة بالإشعاع الكوني وتفاعلات الإلكترونات والبوزيترونات ونتج عنها ما يعرف "بتبعثر بهابها".
كما تناول الإشعاع الكهرومغناطيسي الناتج عن الجسيمات المشحونة في الحقول الكهرومغناطيسية.
عاد الفيزيائي الهندي إلى بلاده مع اندلاع الحرب العالمية الثانية في الأول من سبتمبر/أيلول 1939، مما صعّب رجوعه إلى أوروبا، فانضم إلى المعهد الهندي للعلوم في بنغالور وهناك بدأ يخطط لحلمه الكبير.
وكتب بهابها رسالة إلى جواهر لال نهرو الذي كان في طريقه لقيادة الحكومة الهندية عام 1944، وطلب منه تأسيس برنامج نووي مستقل، مؤكدا ضرورة الاستثمار في الأبحاث النووية.
استجاب نهرو لطلبه وقدم له دعما سياسيا وماديا، مما ساعد بهابها في تأسيس معهد تاتا للأبحاث الأساسية في الأول من يونيو/حزيران 1945، كما حرص على تصميم المعهد بأسلوب معماري حديث يتماشى مع الطراز الدولي.
تضمن المعهد أقساما عدة، منها الفيزياء النووية وفيزياء الجسيمات والجيوفيزياء وفيزياء الحالة الصلبة والفيزياء الكيميائية، ثم توسع في وقت لاحق وشمل البيولوجيا الجزيئية وعلم الفلك الراديوي.
وبعد استقلال الهند عن الاستعمار البريطاني في أغسطس/آب 1947، تولى بهابها رئاسة لجنة الطاقة الذرية المكونة من 3 أعضاء، هم الفيزيائي ميغناث ساها والسير كريشنان وشانتي سواروب باتناغار.
وفي 1954 أسس مركز الطاقة الذرية في ترومباي بالهند، وركز أثناء أبحاثه النووية على الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية وعمل إلى جانب علماء ومهندسين على تطوير إنتاج الطاقة النووية بشكل مستقل.
ووضعوا خطة على 3 مراحل، أولا مفاعلات تعمل باليورانيوم لإنتاج البلوتونيوم، ثانيا استخدام البلوتونيوم لتحويل الثوريوم إلى يورانيوم-233، وأخيرا تطوير مفاعلات نووية تعتمد على اليورانيوم-233 والثوريوم، وأشرفوا على إنتاج أول مفاعل نووي هندي "أبسارا" في الرابع من أغسطس/آب 1956.
تعاون دوليتعاون بهابها مع منظمات عالمية، من ضمنها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعلماء مثل نيلز بور وأوتو هان، كما أسهم في تبادل المعرفة وتطوير تقنيات نووية جديدة.
وحوّل اهتمامه إلى تصميم مفاعل يعمل بالماء الثقيل الذي يستخدم كمادة لإبطاء سرعة النيوترونات الناتجة عن الانشطار النووي دون امتصاصها مثلما يفعل الماء العادي وأحيانا كمادة مبردة.
ويسمح هذا باستخدام اليورانيوم الطبيعي غير المخصب كوقود، مما يجعل تشغيل المفاعل أرخص وأسهل بالنسبة للدول التي لا تملك قدرات تخصيب اليورانيوم.
ولتحقيق ذلك ذهب إلى كندا حيث التقى بصديقه لويس من أيام جامعة كامبردج، واتفقا على شراكة هندية-كندية بحكم امتلاك كندا مفاعلات ضمن برنامجها للطاقة الذرية، وأنتج ما يسمى مفاعل "سيروس" في العاشر من يوليو/تموز 1960.
إعلان الجوائز والأوسمةحصل هومي جهانغير بهابها على عدد من الجوائز والأوسمة الوطنية والدولية التي تكرم إنجازاته العلمية وإسهاماته في تطوير البحث النووي في الهند ومن بينها:
عضوية الجمعية الملكية البريطانية 1941، وهي واحدة من أرفع الهيئات العالمية، ونالها تقديرا لإنجازاته في فيزياء الجسيمات، لاسيما في دراسات الأشعة الكونية وتفاعلات البوزيترون. ميدالية آدامز من جامعة كامبردج البريطانية 1942، ومنحت له تكريما لتفوقه في قسم الرياضيات والفيزياء النظرية. وسام بادما بهوشان 1954 وهو ثالث أرفع وسام مدني في الهند، منح له تقديرا لمشاركاته في تحسين منظومة العلوم والتكنولوجيا وتطوير البرنامج النووي الهندي. كما منحته جامعات هندية عدة دكتوراه فخرية مثل جامعة دلهي وجامعة بنغالور تقديرا لإسهاماته في تأسيس نواة البحث العلمي المعاصر في الهند. الوفاةتوفي بهابها في 24 يناير/كانون الثاني 1966، إثر حادث تحطم طائرة فوق جبال الألب الفرنسية، أثناء توجهه إلى العاصمة النمساوية فيينا لحضور اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن عمر ناهز 56 عاما.
وتكريما لمسيرته الحافلة خلدت الهند إرثه وأطلقت اسمه على "مركز أبحاث الطاقة الذرية في ترومباي ليصبح "مركز بهابها لأبحاث الطاقة الذرية"، كما أصدرت طابعا بريديا يحمل صورته.
ونصبت له تماثيل في مؤسسات عالمية عديدة مثل معهد تاتا للأبحاث الأساسية.