د. ثروت إمبابي يكتب: التحول الأخضر في الزراعة المصرية.. دور الطاقة المتجددة لتحقيق الاستدامة
تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT
في ظل التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه مصر، لا سيما في قطاع الزراعة، برزت الطاقة المتجددة كأحد الحلول الواعدة لتحقيق التنمية المستدامة. إن اعتماد مصادر الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية والرياح في العمليات الزراعية لم يعد رفاهية، بل ضرورة ملحّة لمواجهة ندرة المياه، وارتفاع تكلفة الوقود، وتغير المناخ.
ومن واقع اهتمامي الشخصي بالقضايا البيئية، أرى أن دمج الطاقة المتجددة في الزراعة يمثل نقطة تحول استراتيجية نحو مستقبل زراعي أكثر أمنًا وكفاءة واستدامة. يعاني القطاع الزراعي في مصر من عدة مشكلات مزمنة، أبرزها ندرة المياه نتيجة الاعتماد شبه الكامل على نهر النيل، وارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب أسعار الوقود المستخدمة في تشغيل ماكينات الري والنقل، إضافة إلى ضعف البنية التحتية التكنولوجية، وتأثيرات التغير المناخي التي تهدد الإنتاجية الزراعية وتُخلّ بتوازن النظم البيئية.
ومن هنا، تأتي أهمية البحث عن حلول بديلة وفعالة. تتمتع مصر بإمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، خصوصًا الطاقة الشمسية التي توفر أكثر من 3,000 ساعة سطوع شمسي سنويًا، والطاقة الريحية في مناطق مثل خليج السويس وسيوة، إلى جانب إمكانية الاستفادة من الكتلة الحيوية عبر تحويل المخلفات الزراعية إلى مصادر طاقة. إن إدخال هذه التقنيات في العمليات الزراعية يمكن أن يُحدث تحولًا نوعيًا؛ إذ يمكن استخدام أنظمة الري بالطاقة الشمسية لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتشغيل البيوت المحمية بالطاقة النظيفة، فضلًا عن توليد الكهرباء من المخلفات الزراعية وتخزين المنتجات الزراعية في وحدات تبريد تعمل بالطاقة المتجددة، وهو ما يسهم في تقليل الفاقد وتحسين جودة المنتجات.
ومن التجارب التي أتابعها باهتمام، هناك مشروع تركيب أنظمة ري تعمل بالطاقة الشمسية في بعض قرى الصعيد، بتمويل مشترك بين الدولة وبعض المنظمات الدولية، وقد ساهم في تقليل استهلاك الديزل، وزيادة ساعات تشغيل المضخات دون الحاجة إلى وقود خارجي. هذا النوع من المشروعات لا يوفر فقط الطاقة، بل يمنح المزارع الصغير شعورًا بالاستقلالية ويقلل من اعتماده على دعم حكومي دائم. كذلك، فإن الطاقة المتجددة تسهم في تمكين المرأة الريفية، حيث إن وجود مصدر طاقة موثوق ومستدام داخل المزارع والمنازل الريفية يساعد في تحسين جودة الحياة، وتمكين النساء من الدخول في مشاريع صغيرة مثل إنتاج الأغذية المصنعة أو إدارة وحدات تبريد وحفظ المنتجات، ما يفتح آفاقًا اقتصادية جديدة في المجتمعات الزراعية.
ومن الجوانب التي لا يمكن إغفالها كذلك، أن استخدام الطاقة المتجددة في الزراعة يحد بشكل كبير من الأثر البيئي السلبي الناجم عن الاعتماد على الوقود الأحفوري. فالمحركات التي تعمل بالديزل تطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة، مما يسهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. أما التحول إلى الطاقة الشمسية والرياح، فهو يقلل من البصمة الكربونية للأنشطة الزراعية، ويحافظ على نقاء الهواء والتربة والمياه.
وهذا أمر بالغ الأهمية، خاصة في المناطق الزراعية التي تعتمد على مصادر المياه الجوفية والسطحية، إذ أن تقليل التلوث يعني الحفاظ على جودة الموارد الطبيعية وضمان استدامتها للاستخدام البشري والزراعي على حد سواء. ومن ناحية أخرى، فإن إدخال الطاقة المتجددة في الزراعة له أثر اقتصادي مباشر على المزارع الصغير.
فخفض تكلفة تشغيل المضخات ووحدات التبريد والتخزين ينعكس على خفض تكلفة الإنتاج، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية في الأسواق المحلية والدولية. كما أن التخلص من تقلبات أسعار الوقود يعني استقرارًا أكبر في ميزانية المزارع، ما يشجعه على الاستثمار والتوسع، ويقلل من مخاطر الديون والاعتماد على التمويل الخارجي. ومن وجهة نظري، لا يكفي الحديث عن الطاقة المتجددة كحل تقني فحسب، بل يجب أن يكون هناك إرادة سياسية قوية واستثمار طويل الأمد في البنية التحتية، إلى جانب رفع وعي المزارعين بأهمية الطاقة النظيفة. إنني أؤمن بأن مستقبل الزراعة في مصر سيكون مرهونًا بمدى قدرتنا على استيعاب هذا التحول الأخضر، لا بوصفه خيارًا بيئيًا فحسب، بل كحل اقتصادي استراتيجي يحافظ على الأمن الغذائي ويخلق فرص عمل جديدة في الريف.
كما أرى ضرورة أن تتكامل الجهود بين وزارات الزراعة والكهرباء والبيئة والتعليم، لتنشئة جيل جديد من المزارعين على أسس المعرفة التكنولوجية والاستدامة.
وفي ضوء ما سبق، يتضح أن للطاقة المتجددة دورًا محوريًا في إنقاذ الزراعة المصرية من التحديات المتفاقمة التي تواجهها. ومع أن الطريق لا يزال طويلاً، فإن الخطوات الأولى قد بدأت، وما علينا إلا أن نسرّع هذا المسار برؤية واضحة وتعاون جاد بين الدولة والمجتمع والمزارعين أنفسهم. إن الزراعة المستدامة ليست حلمًا بعيدًا، بل مشروعًا واقعيًا يبدأ من ألواح شمسية في حقل صغير، وينتهي بمنظومة زراعية حديثة تضمن الأمن الغذائي للأجيال القادمة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الزراعة الطاقة التنمية المستدامة الطاقة المتجددة الطاقة الشمسیة فی الزراعة
إقرأ أيضاً:
فوز "العمانية لنقل الكهرباء" بجائزتين في "قيادة الطاقة النظيفة"
مسقط- الرؤية
فازت الشركة العُمانية لنقل الكهرباء بجائزتين مرموقتين ضمن حفل جوائز عُمان لقيادة الطاقة النظيفة 2025، إذ يأتي هذا التتويج تقديرًا لجهود الشركة في تعزيز كفاءة الأنظمة وتطوير بنية تحتية للطاقة الحيوية والمرنة تستجيب للنمو المتسارع والاتجاهات الوطنية والعالمية نحو الطاقة المتجددة.
وتُعد جوائز عُمان لقيادة الطاقة النظيفة من المبادرات الوطنية البارزة التي تسلّط الضوء على التميز والابتكار والإسهامات المؤثرة في قطاع الطاقة النظيفة، إذ تستهدف تكريم المؤسسات والأفراد الذين يسهمون في دعم الحلول المستدامة وتطوير تقنيات الطاقة المتجددة والشبكات الذكية والممارسات البيئية. كما تؤكد هذه المبادرة التزام السلطنة بتمكين بيئة طاقة متطورة ومرنة تتوافق مع التوجهات المستقبلية ورؤية "عُمان 2040".
وحصدت الشركة العُمانية لنقل الكهرباء جائزة شركة العام في مجال الطاقة الشمسية (فئة الهيكلة) ضمن جوائز التميّز في الأعمال، تقديرًا لصدارتها في الحصول على شهادة اعتماد أنظمة الإدارة المتكاملة، كونها أول مؤسسة عُمانية ومن بين الأوائل في المنطقة تحقق هذا الاعتماد، كما فازت الشركة بجائزة أفضل ابتكار للتكنولوجيا الذكية لعام 2025 ضمن جوائز التميّز في التكنولوجيا والابتكار، عن مشروع تطوير أدوات التنبؤ بمصادر الطاقة المتجددة الذي يجسد تبني الشركة للتقنيات الحديثة والذكاء الصناعي في دعم جاهزية الشبكة وتحسين كفاءتها.
وقال المهندس هشام بن عبدالله الريامي، الرئيس التنفيذي للشركة (بالوكالة)، إن هذا الإنجاز يمثل محطة مهمة تعكس الجهود المبذولة لتعزيز الأداء وإبراز دور الشركة في قيادة التحول في قطاع الطاقة، مضيفا: ""نحن فخورون بالفوز في فئتين أساسيتين ضمن جوائز عُمان لقيادة الطاقة النظيفة 2025، وهو تأكيدٌ لالتزام الشركة العُمانية لنقل الكهرباء بالابتكار والتميز التشغيلي ودعم أهداف التحول في الطاقة نحو مستقبل أكثر اخضرارًا واستدامة، كما يعكس هذا الإنجاز تفاني فرق العمل التي تعمل وفق أعلى المعايير وتتبنى أحدث التقنيات لتحقيق تغيير إيجابي في قطاع الطاقة. وسيمثل هذا الفوز حافزًا لمواصلة تعزيز جاهزية الشبكة وتحقيق طموحات عُمان المستقبلية."
وتعكس هذه الجوائز حرص الشركة على الارتقاء بمستوى جودة وكفاءة الأعمال، وتعزيز مرونة الشبكة الوطنية، وبناء منظومة طاقة ذكية قادرة على مواكبة متطلبات الحاضر والتوسع المستقبلي، وفق أعلى المعايير المعتمدة عالميًا.