الضربات اليمنية تُربك مطار اللّد “بن غوريون” وتُعطّل حركة الشحن في قلب الكيان
تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT
يمانيون | خاص
شهد مطار ما يُسمى “بن غوريون” الدولي في كيان الاحتلال الصهيوني خلال شهر أبريل 2025 انخفاضًا حادًا في حركة الشحن الجوي، في نتيجة مباشرة للعمليات اليمنية الجوية التي استهدفت البنية التحتية للمطار وأربكت المجال الجوي للكيان. فقد سجل المطار تراجعًا بنسبة 12% في حجم البضائع المشحونة مقارنة بشهر مارس من العام نفسه، وهو ما يعادل خسارة 4129 وحدة شحن مرتبطة بركاب أو بشحن مباشر، ليصل إجمالي ما تم نقله عبر المطار إلى نحو 30,800 وحدة فقط، في مؤشر واضح على التأثير العميق والمتزايد للعمليات اليمنية على أحد أكثر المرافق حساسية في الكيان.
هذا التراجع لم يكن مجرد انعكاس لهجمات موضعية، بل نتيجة تراكمية لضربات عسكرية محسوبة نفذتها القوات المسلحة اليمنية ضمن استراتيجية الضغط الجوي والبحري الشامل على كيان الاحتلال الصهيوني، والتي بدأت تأخذ بعدًا دوليًا، خصوصًا مع تزايد قلق الشركات الأوروبية من التورط في شحنات قد تُعتبر دعمًا مباشراً لكيان يمارس الإبادة الجماعية في غزة. وتُظهر البيانات الرسمية أن دولًا أوروبية بارزة باتت تعيد النظر في علاقاتها التجارية والجوية مع الكيان، فقد انخفضت الصادرات الجوية من النرويج بنسبة 89.32%، ومن اليونان بنسبة 56.71%، ومن جمهورية التشيك بنسبة 50%، بينما تراجعت إيطاليا بنسبة 27% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
وتُظهر هذه الأرقام أن الحظر الجوي الذي أعلنت عنه القوات المسلحة اليمنية بات واقعًا مطبقًا على الأرض، ليس فقط بفعل الصواريخ والمسيّرات التي استهدفت محيط المطار والمنشآت الحساسة، بل بسبب القلق الأوروبي المتزايد من التعرض لردود يمنية على خلفية دعم الكيان. وقد أكد مصدر رسمي في وزارة الدفاع اليونانية أن العمليات اليمنية تركّز على شركات الشحن الجوي المتورطة في تزويد الاحتلال بالأسلحة والذخائر، وعلى رأسها شركة “سيلك واي إيرلاين” التي سُجل تراجع في نشاطها بنسبة 19.85% خلال الفترة الأخيرة.
وتشير تقارير استخباراتية مسرّبة إلى أن هذه الشركة متورطة في شحنات غير قانونية من الأسلحة والمواد المتفجرة إلى كيان الاحتلال عبر مسارات تمر بإيرلندا ودول أوروبية أخرى، ضمن ثغرات في أنظمة الطيران المدني، ما جعلها هدفًا مشروعًا ومباشرًا لعمليات الردع اليمنية. وبحسب الوثائق ذاتها، فإن قيمة ما نقلته الشركة من أسلحة ومعدات يتجاوز مليار دولار، ما يعكس حجم التورط الأوروبي في إمداد الاحتلال بالوسائل الفتاكة، ويبرر تصعيد صنعاء العسكري ضد هذه الشركات.
وقد أكدت القوات المسلحة اليمنية أن الحظر الجوي المفروض على مطار بن غوريون سيبقى ساريًا ما دام العدوان على غزة مستمرًا، مشيرة إلى أن غالبية شركات الطيران قد التزمت فعليًا بالتوجيهات اليمنية، ما أدى إلى شلل واسع في العمليات الجوية، وتقييد كبير في حركة الشحن الجوي، انعكست آثاره على سلاسل التوريد المرتبطة بالقطاعين التجاري والعسكري.
الضربة اليمنية لم تقتصر على الجانب العسكري المباشر، بل شكلت تحولًا استراتيجيًا في قواعد الاشتباك الإقليمي، وأربكت المنظومة الأمنية والاقتصادية الصهيونية، وأثارت مخاوف حقيقية في أوروبا من استمرار التعاون اللوجستي مع كيان محاصر جويًا وبحريًا. فاستمرار اليمن في استهداف المرافق الحيوية للكيان أربك الحسابات الغربية وأجبر عواصم كبرى على إعادة تقييم جدوى المغامرة في فتح خطوط تجارية أو عسكرية مع كيان لم يعد قادرًا على ضمان أمن مطاراته أو منشآته الحيوية.
إن الضربات اليمنية التي طالت مطار بن غوريون ليست مجرد عمليات عسكرية، بل رسائل استراتيجية تؤكد أن عصر تفوّق الكيان الصهيوني الجوي قد ولى، وأن الساحة لم تعد مقصورة على طيران الاحتلال أو حلفائه الأمريكيين والبريطانيين. ومع تصاعد عمليات الردع اليمني، يبدو أن الكيان الصهيوني يتجه نحو مزيد من العزلة الجوية والتجارية، بينما تتزايد الكلفة الاقتصادية لحربه العدوانية على غزة، وتتعاظم آثارها على شبكاته الحيوية، في وقت لا يملك فيه حلفاؤه سوى التراجع أمام تصميم صنعاء على فرض معادلة جديدة: لا أمن ولا اقتصاد للعدو ما دامت غزة تُقصف، وما دام الحصار جاثمًا على شعبها.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: بن غوریون
إقرأ أيضاً:
الكيان الصهيوني وتاريخ النازية
كلما ذُكرت النازية، يقفز إلى الذهن جملة من الكوارث الإنسانية التي خلّفتها الحربان العالميتان الأولى والثانية، وكيف تسبب الزعيم النازي الألماني هتلر في إشعال الحروب في أوروبا وأفريقيا وآسيا. وخسرت البشرية أكثر من خمسين مليون إنسان، معظمهم من المدنيين، ودُمّرت عشرات المدن في أوروبا تحديدًا.
ولعل الكيان الصهيوني لا يزال يتغنى بالمذبحة التي تعرّض لها اليهود على أيدي النازية، ويفترض من الضحية أن تستوعب الدرس، وأن تكون لحظة تأمل. وبعد عقود من انتهاء الحرب العالمية الثانية، يقوم الكيان الإسرائيلي بتكرار المأساة من جديد في حق الشعب الفلسطيني منذ قيام الكيان الإسرائيلي غير الشرعي في الخامس عشر من مايو 1948، بواسطة العصابات الصهيونية، وأيضًا بتواطؤ بريطاني -وهي سلطة الانتداب- وتخاذل عربي، وعدم تنسيق من القيادة العربية الموحدة وجيوشها التي دخلت الحرب دون تخطيط، وفي ظل خلافات كبيرة واختراقات تحدثت عنها الوثائق التاريخية لحرب فلسطين عام 1948.
ومنذ نكبة فلسطين وتشرد ملايين من الشعب الفلسطيني في الشتات، وبقاء الآخر تحت سلطة الاحتلال، وخلال أكثر من سبعة عقود، مارس الاحتلال الإسرائيلي أبشع صور الانتهاكات الإنسانية: من قتل المدنيين، وتشريد السكان، وهدم آلاف المنازل، واعتقال آلاف الفلسطينيين، ومارس أبشع وأشنع الأعمال الإرهابية. ووقفت المنظمات الحقوقية والمدنية عاجزة عن ردع هذا الإجرام النازي الحديث، كما عجزت الأمم المتحدة عن أن تطبق قرارات الشرعية الدولية، مما جعل دور المنظمة الدولية غير فعّال، وأصبحت الثقة معدومة في مقدرتها على تطبيق القانون الدولي الإنساني على سلطات الاحتلال.
ولعل العامل الأهم الذي أدّى دورًا محوريًّا في تمادي سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 حتى الآن، هو الموقف الأمريكي المنحاز مع الكيان الصهيوني، وبشكل علني، من خلال الدعم العسكري والاقتصادي والاستخباراتي بشكل كبير. ولعل هذا التوجه الأمريكي جعل الأمم المتحدة الأمريكية عاجزة عن أداء الدور الذي أكّد عليه الميثاق منذ عام 1945. كما أن السلطات الإسرائيلية تمادت في سلوكها الإجرامي، ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني، ولكن ضد الشعوب العربية المحيطة بالكيان، خاصة لبنان وسوريا ومصر والأردن، خلال الحروب المتعددة، ولا تزال الأراضي العربية في جنوب لبنان وهضبة الجولان، علاوة على الأراضي الفلسطينية، محتلة.
عودة إلى علاقة التاريخ بالنازية؛ حيث شهدت الحرب الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، منذ السابع من أكتوبر 2023، مفارقات كبيرة على صعيد الحروب الحديثة. فقد شكّل يوم السابع من أكتوبر هزيمة إستراتيجية مدوية للكيان الصهيوني، باعتراف قيادات الكيان. وبدلًا من المواجهة العسكرية بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، دخلت إسرائيل في موجة من الجرائم الإنسانية، التي تحولت إلى إبادة جماعية، من خلال تقارير الأمم المتحدة، وقرار محكمة الجنايات الدولية، ومحكمة العدل الدولية، ومن خلال التغطية الإعلامية التي لم يسبق لها مثيل، بفضل التقنية والهاتف الذكي، مما جعل شعوب العالم تشاهد تلك الإبادة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي وقيادته، مما خلق شعورًا بالصدمة، وخرجت ملايين من الشعوب تندد بتلك الجرائم البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية في العصر الحديث.
لقد أعادت مظاهر الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي -ولا يزال- في قطاع غزة وعموم فلسطين، مشهد جرائم النازية في الحرب العالمية الثانية. ورغم وقوع اليهود ضحايا تلك الحرب المدمرة، فإن الكيان الصهيوني يكرر نفس المأساة الإنسانية ضد المدنيين من الشعب الفلسطيني. وسوف يتذكر العالم بعد عقود أن ذكرى جرائم النازية تكررت مرتين: مرة في أوروبا من خلال أحداث الحرب العالمية الثانية، ومرة أخرى في فلسطين المحتلة من قبل الكيان الصهيوني.
ويبدو لي أن النظام الدولي الحالي قد سقط أخلاقيًّا وقانونيًّا وإنسانيًّا. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهي القطب الأوحد، المسؤولة الأولى عن تمادي الكيان الإسرائيلي، وفشلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، منذ تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، في قيادة العالم نحو السلام الشامل والعادل. وكانت القضية الفلسطينية هي إحدى ضحايا الانحياز الأمريكي تجاه المحتل الإسرائيلي، رغم أن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول العربية كبيرة، وتفوق مصالحها الاقتصادية مع الكيان الصهيوني. ولكنها عقدة التاريخ، والهيمنة الصهيونية على مقدرات القرار السياسي في واشنطن، من خلال جماعات الضغط، وفي مقدمتها منظمة «إيباك» التي تعد ذراع الكيان الصهيوني داخل المؤسسات الفيدرالية الأمريكية، خاصة الكونجرس والبيت الأبيض ووزارة الخارجية.
إن العالم يشهد مذابح يومية في قطاع غزة، حيث عشرات الآلاف من الأبرياء من المدنيين، من الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى، ودُمّر القطاع الصحي، وأصبحت المجاعة تهدد أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة الذي يعد مدمَّرًا من قبل جيش الاحتلال.
القمة العربية الأخيرة في بغداد تكرّس العجز العربي، من خلال بيانات أصبحت لا قيمة لها في ظل العجز والتشتت العربي، ووجود المشاريع الاستراتيجية المشبوهة التي تخدم مصالح ضيقة.
إن النازية الصهيونية أصبحت واضحة المعالم، في ظل حكومة نتنياهو المتطرفة، التي أشعلت الحروب والصراعات في المنطقة، وهي لا تريد أن تتوقف عن الحرب الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني. ومن هنا، فإن العالم مطالب بوقف الجريمة والإبادة الجماعية، وإنقاذ الأرواح من النازية الجديدة التي يمارسها نتنياهو، المطلوب اعتقاله دوليًّا بموجب مذكرة الاعتقال الصادرة من محكمة الجنايات الدولية.
كما أن المقاومة اليمنية تؤدي دورًا محوريًّا في خلخلة الموقف الإسرائيلي، وتجعل الكيان الصهيوني في حالة مرتبكة، من خلال إطلاق الصواريخ على مطار اللد بشكل متواصل. ويُعدّ موقف صنعاء إيجابيًّا ومساندًا بشكل قوي للمقاومة الفلسطينية. وإذا حدث وقف لإطلاق النار -وهو المرجح وسط الضغوط الدولية- فإن جماعة أنصار الله اليمنية تكون قد أدّت دورًا كبيرًا فيما يخص الضغط على حكومة نتنياهو المتطرفة.