ألقى الدكتور أسامة هاشم الحديدي، مدير عام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية خطبة الجمعة أمس ، من المركز الإسلامي بلندن، تناول فيها عددًا من القضايا الكبرى التي ترتبط بتعزيز القيم، وتحقيق التماسك المجتمعي، والتكامل الإنساني، في ضوء التعاليم الإسلامية السمحة، بحضور نخبة كبيرة من علماء المسلمين ومسؤلي المؤسسات الدينية في الشرق والغرب.

واستهل الحديدي خطبته، بالتأكيد على أن الإسلام ليس شعائر منعزلة عن واقع الإنسان، بل هو بناء تعبدي وقيمي وأخلاقي شامل يُعد أساسًا لتحقيق الاستخلاف والعمران الحضاري في الأرض، مشددًا على أن الأسرة هي لبنة بناء الإنسان الأولى وفق تعاليم الإسلام الشاملة، ومتى صلحت صلح المجتمع، وأن القرآن والسنة وضعا قواعد متينة لصيانة الأسرة وحمايتها.

وأكد أن تحقيق العبادة الحقيقية لا يكون إلا من خلال قيم تحكم السلوك وتضبط المعاملات، وأن الشريعة الإسلامية لا تنفصل عن الحياة، بل تتكامل مع الواقع في ضوء مقاصد سامية، على رأسها العدل، والرحمة، والكرامة، والعمران.

وتطرق الحديدي، إلى أهمية التكامل الإنساني والتعارف بين الشعوب، معتبرًا أن الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] تشكل خطابًا عامًّا موجّهًا إلى البشرية جمعاء، وترسم أفقًا واسعًا للتواصل بين الحضارات، والتفاهم بين الثقافات، مضيفًا أن التفاضل الحقيقي إنما يكون بالتقوى والعمل الصالح، لا بالجنس أو العرق أو اللون.

وتابع: إن التمكين في الأرض وعد إلهي لا يتحقق إلا بالجمع بين الإيمان والعمل الصالح، كما جاء في قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]، مشيرًا إلى أن أصل التمكين نابع من العبادة الخالصة، والعمل الجاد المستند للقيم.

وفي سياق متصل، أوضح أن الإسلام لا يفصل بين الأخوة الدينية والأخوة الإنسانية، بل يجمع بينهما في تناغم فريد، وأن "وثيقة المدينة" التي أسسها سيدنا رسول الله في المدينة المنورة كانت أنموذجًا واقعيًّا متقدمًا للتعايش المشترك بين مختلف الأديان والأعراق داخل وطن واحد، وضمَّنها بنودًا حضارية تكفل الحقوق، وتعامل الجميع كأمة واحدة إلا من ظلم وغدر.

وعن الوحدة الإسلامية، أكد الدكتور الحديدي أنها ليست شعارًا سياسيًّا، بل أصل شرعي، ومبدأ قيمي، يجب أن يُبنى على العلم والتواصل والرحمة، مستدلًا بقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، مشيرًا إلى أن الفرقة والتمزق لا يخدمان إلا أعداء الأمة.

واختتم مدير عام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية خطبته بالتأكيد على أن "الوحدة العلمائية" بين علماء المسلمين من شتى البقاع، هي أساس الوصول إلى وحدة الأمة، وأن اجتماع العلماء اليوم في لندن لمناقشة قضايا الأسرة والتماسك المجتمعي في أجواء تسودها المحبة والتآخي، هو تجسيد عملي لمبدأ الوحدة العلمائية التي يسعى لها الأزهر الشريف عبر بعثاته وبرامجه العالمية.

بعد صلاة الجمعة، دار نقاش مثمر وحوار مفتوح بين الدكتور أسامة الحديدي وعدد من المصلين، الذين حرصوا على طرح تساؤلاتهم حول موضوع الخطبة وغيره من الموضوعات والقضايا التي تهم المسلمين في أوروبا عمومًا وبريطانيا خصوصًا، في أجواء تسودها المحبة والاحترام، وقد أبدى كثير من الحضور ثناءً عطرًا على جهود الأزهر الشريف في نشر الفكر الوسطي، وتصحيح المفاهيم، وتعزيز التواصل الحضاري، مؤكدين أن دور علماء الأزهر في المجتمعات الغربية ترك أثرًا إيجابيًّا كبيرًا في نفوس المسلمين، وعزز ثقتهم بهويتهم الدينية والثقافية.

وتأتي هذه الخطبة ضمن سلسلة أنشطة الأزهر الشريف في مختلف البلدان؛ اضطلاعا بأدواره العالمية، والتي تهدف إلى تعزيز الخطاب الديني المعتدل، ونشر القيم الإسلامية الأصيلة، وترسيخ التعايش السلمي بين أفراد المجتمعات.

طباعة شارك أسامة هاشم الحديدي الأزهر خطبة الجمعة المركز الإسلامي بلندن الإسلام صلاة الجمعة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الأزهر خطبة الجمعة المركز الإسلامي بلندن الإسلام صلاة الجمعة

إقرأ أيضاً:

محافظ المنيا ينعى فقيد الأمة الإسلامية الدكتور أحمد عمر هاشم بكلمات مؤثرة

نعى اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، فقيد الوطن والأمة الإسلامية، العالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء، الذي وافته المنية بعد رحلة عامرة بالعلم والعطاء وخدمة الدين والوطن.

وأعرب المحافظ، عن خالص تعازيه ومواساته، مؤكدًا أن الفقيد كان قامة علمية وواحدًا من أبرز رموز الأزهر الشريف الذين أفنوا حياتهم في نشر صحيح الدين والدعوة إلى الاعتدال والوسطية، فترك أثرًا طيبًا في قلوب محبيه وتلامذته في مصر والعالم العربي، سائلًا المولى عزّ وجلّ أن يتغمّده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جنّاته، ويلهم أسرته وطلابه ومحبيه الصبر والسلوان.

محافظ المنيا يهنئ الدكتور خالد العناني لفوزه بمنصب مدير عام منظمة اليونسكواعتماد اللائحة الداخلية لليسانس الآداب بنظام الساعات المعتمدة جامعة المنيانائب محافظ المنيا: نصر أكتوبر رمز للعزة وتجسيد حقيقي لإرادة الشعب المصري

ونشرت الصفحة الرسمية للدكتور احمد عمر هاشم علي موقع التواصل الاجتماعى نعيا قالت فيه : "ننعي إلى العالم العربي والإسلامي وأحبائه وتلاميذه، وفاة فقيدنا الحبيب الإمام الشريف الدكتور أحمد عمر هاشم.. نسأل الله أن يبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وأن يجعل الجنة مثواه وأن يلهمنا وإياكم الصبر والاحتساب.

طباعة شارك المنيا محافظ المنيا الدكتور أحمد عمر هاشم الأزهر

مقالات مشابهة

  • البحوث الإسلامية يعلن فتح باب التقدم لمسابقة الإيفاد في اللغات للإناث
  • البحوث الإسلامية يعلن فَتْح باب التقدُّم إلى المسابقة العامَّة للإيفاد في اللُّغات 2025/2026م
  • مجلس حكماء المسلمين ينعى العالم الراحل الدكتور أحمد عمر هاشم
  • البحوث الإسلامية ينعى الدكتور أحمد عمر هاشم: فقدنا عالمًا حارسًا للسنة النبوية
  • محافظ المنيا ينعى فقيد الأمة الإسلامية الدكتور أحمد عمر هاشم بكلمات مؤثرة
  • لميس الحديدي عن فوز العناني بمنصب مدير اليونسكو: نصر جديد لمصر
  • لميس الحديدي: فوز خالد العناني بمنصب مدير اليونسكو نصر جديد لمصر الحضارة والثقافة
  • مجلس حكماء المسلمين يهنّئ العناني بمناسبة انتخابه مديرًا عامًا لمنظمة اليونسكو
  • مزاعم ترامب حول الشريعة تغذي حربا ثقافية عالمية آخذة في الاتساع
  • “الشؤون الإسلامية” توجه بتخصيص خطبة الجمعة المقبلة عن الجشع والمبالغة في رفع الإيجارات