علّها تكون ضربة البداية: مفوّض الرياضة بالاتحاد الأوروبي يلمّح إلى ضرورة استبعاد إسرائيل من المنافسات بسبب حرب غزة ويدين الوضع الإنساني الكارثي في غزة.

لم يعد هناك من مجال للحديث عن ضرورة استبعاد السياسة من الرياضة، خاصة وأن لدينا سوابق فيما يتعلّق بتعامل العالم مع دولة جنوب إفريقيا حين كانت سياستها الرسمية المعتمدة من 1948 إلى 1990 هي الفصل العنصري بين البيض الذين توافدوا عليها والسود أصحاب الأرض الأصليين.



لقد كان عام 1986 عام العقوبات الكبرى على جنوب إفريقيا بعد سنوات من التنكيل بالسود وسقوط آلاف القتلى منهم، وبعد تردد طويل من قبل الدول الغربية الكبرى التي كانت تحتفظ بعلاقات متميّزة مع نظام الفصل العنصري رغم التناقض الصارخ في القيم والسياسات. كانت وقتها الولايات المتحدة على رأس تلك الدول، وكذلك المملكة المتحدة وألمانيا الغربية وفرنسا، مما جعل «السوق الأوروبية المشتركة»، قبل قيام الاتحاد الأوروبي، تمثل لوحدها ما بين 60 إلى 75في المئة من الاستثمارات الأجنبية في جنوب إفريقيا.

كان الغرب عموما هو رافعة جنوب إفريقيا رغم فداحة ما كانت تمارسه من سياسات، تماما كما هي الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا لسنوات مع إسرائيل، وإن كان التململ من الوحشية الإسرائيلية بدأ يتسرّب تدريجيا إلى معظم هذه الدول الأوروبية. أما الولايات المتحدة فقد ظل حكامها كما هم دائما رغم كل الوحشية في غزة التي بلغت حدا لا يطاق حتى غدا القتل هناك، ليس فقط «هواية»، على رأي رئيس الحزب الديمقراطي الإسرائيلي يائير غولان، وإنما تسلية لأناس معقّدين ومرضى مغرورين.

ومثلما كان عام 1986 عام المنعرج في التعامل الدولي مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا فإن الأمل ما زال معقودا، ولو نسبيا، على أن يكون عامنا الحالي هو عام بداية مثل هذا المنعرج مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

بداية من ذلك العام تراكمت العقوبات على جنوب إفريقيا فقد استبعدت من الألعاب الأولمبية ومن المباريات الدولية بما فيها لعبة «الرغبي» صاحبة مئات الآلاف من العشاق في صفوف «الأفريكانز البيض» عماد الحزب الحاكم العنصري. لم تصل الأمور مع إسرائيل بعد إلى هذا المستوى ولكن ذلك لا يقلل من قيمة ما شهدته مباريات أقيمت في إسكتلندا وإسبانيا وتشيلي وتركيا وإيطاليا وإندونيسيا وبلجيكا وغيرها، من رفع للافتات متضامنة مع الفلسطينيين وبعضها يحمل رسالة «أشهر بطاقة حمراء في وجه إسرائيل».

في مقال نشره قبل ثلاث سنوات كريس ماغريل مراسل صحيفة «الغارديان» البريطانية في إسرائيل من عام 2002 إلى عام 2006، وعمل كذلك في جوهانسبورغ منذ 1990، قارن بين نظامي الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي فخلص إلى نقاط تشابه رهيبة.

استعرض ما جرى من مقاطعة رياضية، وموسيقية كذلك، فذكّر مثلا بمنع اتحاد الموسيقيين البريطاني، الفنانين من جنوب أفريقيا من الظهور في «بي بي سي» وكيف أن المقاطعة الثقافية منعت معظم الفنانين البريطانيين من المشاركة بمناسبات في جنوب أفريقيا. هنا ما زالت الأمور مع إسرائيل محتشمة جدا ومحدودة بدليل مشاركة إسرائيل في مسابقة «الأوروفيزيون» الأخيرة في فرنسا.

استعرض الكاتب الذي عاين التجربتين عن كثب كيف ضغط الأوروبيون العاديون على متاجرهم للتوقف عن بيع المنتجات المنتجة في جنوب إفريقيا، وكيف أجبر مثلا الطلاب البريطانيون بنك «باركليز» على إغلاق فروعه في جنوب إفريقيا. على هذا المستوى، بدأت بعض المؤشرات المشجعة تأخذ طريقها تدريجيا، سواء على الصعيد الجماعي في الاتحاد الأوروبي الذي لم يعد الحديث داخله عن تعليق أو إلغاء اتفاقية الشراكة التجارية من المحرّمات أو على صعيد كل دولة حيث تتفاوت جرأة القرارات من دولة إلى أخرى.

علّقت إسبانيا مبيعات الأسلحة إلى الحكومة الإسرائيلية وذهبت دولة مثل أيرلندا إلى العمل على تشريع يحظر التجارة مع شركاتها ردا على جرائمها في غزة أو التهديد بإجراءات لم تحدّد بعد على غرار ما قاله وزير الخارجية الهولندي من أن ما يحدث في غزة فظيع ولا يمكن تجاهله.
بعض الدول الإسلامية لم تر ضرورة لوقف مبادلاتها التجارية مع دولة الاحتلال وبعضها من أكثر مزوّديه بما يحتاجه،
يفترض أن تكون الأولوية حاليا لوقف مبيعات الأسلحة، على الأقل، لأن بائعها شريك كامل في الجريمة ولكن إسرائيل لن ترتدع عن غيّها في كل الأحوال ما لم تشعر بأن سياساتها العدوانية ضد الفلسطينيين، وبهذه الوحشية سيكون لها ثمن باهظ ليس فقط من سمعتها الدولية، وهو ما حصل فعلا اليوم لأنها بنظر أكثر دول العالم ورأيها العام دولة بلطجية فوق القانون الدولي، وإنما أيضا من اقتصادها وماليتها التي ستتضرر إلى أن تصل الأمور إلى ما حد لا يطاق.

المؤلم هنا أن بعض الدول الإسلامية لم تر ضرورة لوقف مبادلاتها التجارية مع دولة الاحتلال وبعضها من أكثر مزوّديه بما يحتاجه، أما الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية معها فلم تر ضرورة حتى لخطوة رمزية محدودة مثل دعوة سفيرها للاحتجاج أو دعوة سفرائها هناك إلى العودة!!

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال العدوانية غزة الاحتلال حظر الأسلحة العدوان مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی جنوب إفریقیا الفصل العنصری دولة الاحتلال مع دولة فی غزة

إقرأ أيضاً:

ترامب يؤكد عدم حضوره القمة المقبلة لمجموعة الـ20 في جنوب إفريقيا

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه لا ينوي السفر إلى جنوب إفريقيا لحضور قمة دول مجموعة العشرين.

وقال ترامب في البيت الأبيض خلال لقائه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: "لن أسافر إلى جنوب إفريقيا لحضور قمة مجموعة العشرين".

وكان ترامب قد انتقد جنوب إفريقيا مرارا في السابق. ففي مايو الماضي، خلال محادثته مع رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا في البيت الأبيض، حاول ترامب عرض مقاطع فيديو زعم أنها تثبت حدوث عنف ضد المزارعين البيض في الجمهورية الإفريقية، واصفا ما يحدث بالإبادة الجماعية.

من جهته، تجاهل رامافوزا معظم التسجيلات، نافيا الادعاءات بأن جنوب إفريقيا تنتهج سياسة حكومية تهدف إلى انتهاك حقوق المزارعين البيض. ولاحقا، أعرب رامافوزا عن تقييم إيجابي للقاء.

وفي وقت لاحق، وقع ترامب مرسوما بتعليق المساعدات عن جنوب إفريقيا، وأعلن أن الولايات المتحدة ستوفر للمزارعين الراغبين في مغادرة جنوب إفريقيا لأسباب أمنية "مسارا سريعا للحصول على الجنسية". وقد انتقدت وزارة الخارجية الجنوب إفريقية مخطط واشنطن لإعادة توطين الجنوب إفريقيين البيض في الولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • عشية قمة العشرين.. ماكرون يصل إلى جنوب إفريقيا لبحث التعاون الاقتصادي وملفات إقليمية
  • لأول مرة وسط غياب ترامب.. قمة العشرين تصل إفريقيا
  • لارتكابهم أعمال عنف في الضفة الغربية.. سنغافورة تفرض عقوبات على 4 إسرائيليين
  • ميناء الإسكندرية يستقبل وفدا برلمانيا من جنوب إفريقيا لتعزيز التعاون البحري
  • الإصلاح من القاعدة أم من القمة ؟
  • جنوب إفريقيا ترفض طلب واشنطن عدم إصدار إعلان لقمة مجموعة العشرين
  • وزارة الاقتصاد تبحث الشراكة الاقتصادية مع مكتب الأمم المتحدة لشمال إفريقيا
  • ترامب يؤكد عدم حضوره القمة المقبلة لمجموعة الـ20 في جنوب إفريقيا
  • هذا وقت الدبلوماسية.. النمسا تبحث عن حل وسط بشأن مشاركة إسرائيل في يوروفيجين 2026
  • ليبيا تشارك بأعمال «اللجنة الاقتصادية لشمال إفريقيا» لتعزيز الابتكار والموارد المحلية