آن أوان العقوبات على إسرائيل مثل جنوب افريقيا زمن الفصل العنصري
تاريخ النشر: 28th, May 2025 GMT
علّها تكون ضربة البداية: مفوّض الرياضة بالاتحاد الأوروبي يلمّح إلى ضرورة استبعاد إسرائيل من المنافسات بسبب حرب غزة ويدين الوضع الإنساني الكارثي في غزة.
لم يعد هناك من مجال للحديث عن ضرورة استبعاد السياسة من الرياضة، خاصة وأن لدينا سوابق فيما يتعلّق بتعامل العالم مع دولة جنوب إفريقيا حين كانت سياستها الرسمية المعتمدة من 1948 إلى 1990 هي الفصل العنصري بين البيض الذين توافدوا عليها والسود أصحاب الأرض الأصليين.
لقد كان عام 1986 عام العقوبات الكبرى على جنوب إفريقيا بعد سنوات من التنكيل بالسود وسقوط آلاف القتلى منهم، وبعد تردد طويل من قبل الدول الغربية الكبرى التي كانت تحتفظ بعلاقات متميّزة مع نظام الفصل العنصري رغم التناقض الصارخ في القيم والسياسات. كانت وقتها الولايات المتحدة على رأس تلك الدول، وكذلك المملكة المتحدة وألمانيا الغربية وفرنسا، مما جعل «السوق الأوروبية المشتركة»، قبل قيام الاتحاد الأوروبي، تمثل لوحدها ما بين 60 إلى 75في المئة من الاستثمارات الأجنبية في جنوب إفريقيا.
كان الغرب عموما هو رافعة جنوب إفريقيا رغم فداحة ما كانت تمارسه من سياسات، تماما كما هي الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا لسنوات مع إسرائيل، وإن كان التململ من الوحشية الإسرائيلية بدأ يتسرّب تدريجيا إلى معظم هذه الدول الأوروبية. أما الولايات المتحدة فقد ظل حكامها كما هم دائما رغم كل الوحشية في غزة التي بلغت حدا لا يطاق حتى غدا القتل هناك، ليس فقط «هواية»، على رأي رئيس الحزب الديمقراطي الإسرائيلي يائير غولان، وإنما تسلية لأناس معقّدين ومرضى مغرورين.
ومثلما كان عام 1986 عام المنعرج في التعامل الدولي مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا فإن الأمل ما زال معقودا، ولو نسبيا، على أن يكون عامنا الحالي هو عام بداية مثل هذا المنعرج مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
بداية من ذلك العام تراكمت العقوبات على جنوب إفريقيا فقد استبعدت من الألعاب الأولمبية ومن المباريات الدولية بما فيها لعبة «الرغبي» صاحبة مئات الآلاف من العشاق في صفوف «الأفريكانز البيض» عماد الحزب الحاكم العنصري. لم تصل الأمور مع إسرائيل بعد إلى هذا المستوى ولكن ذلك لا يقلل من قيمة ما شهدته مباريات أقيمت في إسكتلندا وإسبانيا وتشيلي وتركيا وإيطاليا وإندونيسيا وبلجيكا وغيرها، من رفع للافتات متضامنة مع الفلسطينيين وبعضها يحمل رسالة «أشهر بطاقة حمراء في وجه إسرائيل».
في مقال نشره قبل ثلاث سنوات كريس ماغريل مراسل صحيفة «الغارديان» البريطانية في إسرائيل من عام 2002 إلى عام 2006، وعمل كذلك في جوهانسبورغ منذ 1990، قارن بين نظامي الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي فخلص إلى نقاط تشابه رهيبة.
استعرض ما جرى من مقاطعة رياضية، وموسيقية كذلك، فذكّر مثلا بمنع اتحاد الموسيقيين البريطاني، الفنانين من جنوب أفريقيا من الظهور في «بي بي سي» وكيف أن المقاطعة الثقافية منعت معظم الفنانين البريطانيين من المشاركة بمناسبات في جنوب أفريقيا. هنا ما زالت الأمور مع إسرائيل محتشمة جدا ومحدودة بدليل مشاركة إسرائيل في مسابقة «الأوروفيزيون» الأخيرة في فرنسا.
استعرض الكاتب الذي عاين التجربتين عن كثب كيف ضغط الأوروبيون العاديون على متاجرهم للتوقف عن بيع المنتجات المنتجة في جنوب إفريقيا، وكيف أجبر مثلا الطلاب البريطانيون بنك «باركليز» على إغلاق فروعه في جنوب إفريقيا. على هذا المستوى، بدأت بعض المؤشرات المشجعة تأخذ طريقها تدريجيا، سواء على الصعيد الجماعي في الاتحاد الأوروبي الذي لم يعد الحديث داخله عن تعليق أو إلغاء اتفاقية الشراكة التجارية من المحرّمات أو على صعيد كل دولة حيث تتفاوت جرأة القرارات من دولة إلى أخرى.
علّقت إسبانيا مبيعات الأسلحة إلى الحكومة الإسرائيلية وذهبت دولة مثل أيرلندا إلى العمل على تشريع يحظر التجارة مع شركاتها ردا على جرائمها في غزة أو التهديد بإجراءات لم تحدّد بعد على غرار ما قاله وزير الخارجية الهولندي من أن ما يحدث في غزة فظيع ولا يمكن تجاهله.
بعض الدول الإسلامية لم تر ضرورة لوقف مبادلاتها التجارية مع دولة الاحتلال وبعضها من أكثر مزوّديه بما يحتاجه،
يفترض أن تكون الأولوية حاليا لوقف مبيعات الأسلحة، على الأقل، لأن بائعها شريك كامل في الجريمة ولكن إسرائيل لن ترتدع عن غيّها في كل الأحوال ما لم تشعر بأن سياساتها العدوانية ضد الفلسطينيين، وبهذه الوحشية سيكون لها ثمن باهظ ليس فقط من سمعتها الدولية، وهو ما حصل فعلا اليوم لأنها بنظر أكثر دول العالم ورأيها العام دولة بلطجية فوق القانون الدولي، وإنما أيضا من اقتصادها وماليتها التي ستتضرر إلى أن تصل الأمور إلى ما حد لا يطاق.
المؤلم هنا أن بعض الدول الإسلامية لم تر ضرورة لوقف مبادلاتها التجارية مع دولة الاحتلال وبعضها من أكثر مزوّديه بما يحتاجه، أما الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية معها فلم تر ضرورة حتى لخطوة رمزية محدودة مثل دعوة سفيرها للاحتجاج أو دعوة سفرائها هناك إلى العودة!!
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال العدوانية غزة الاحتلال حظر الأسلحة العدوان مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی جنوب إفریقیا الفصل العنصری دولة الاحتلال مع دولة فی غزة
إقرأ أيضاً:
أوانُ تعديلِ الهرمِ المقلوب
ما من أمةٍ، عبر التاريخ البشري، إلا ومرَّت بالعديد من الامتحانات القاسية التي تضعها على مفترقٍ للطرق ذي شعبتين. تقود شعبةٌ من هاتين الشعبتين إلى الهاوية، في حين تقود الأخرى إلى النجاة، ثم الصعود إلى ذُرَى الازدهار والمجد. والآن، نعيش، نحن السودانيين، هذه اللحظة الفارقة، واقفين عند هذا المفترق، في حالة من الالتباس والهرج والمرج لم يسبق أن مررنا بها منذ ما يزيد عن القرن وربع القرن. فقد لفت قطاعًا معتبرًا، منا شمل حتى بعضًا من المدركين، سحب الضباب والالتباس. فلم يعودوا قادرين على تحديد أي الشعبتين نسلك، وربما لم يعد بعضٌ آخر من هؤلاء غير مهتم أصلاً أيهما نسلك. وسط هذه الحالة من الالتباس وانبهام السبل، نجد أن الأغلبية غير المدركة، ذات النشاط الجم والصوت العالي، تدفع، وبقوة، نحو اختيار الشعبة المفضية إلى الهاوية. لقد سمَّم الإخوان المسلمون اللغة ما أتاح للصيغ المضللة والشعارات المشحونة أن تخلق عِثْيَرًا وقتامًا لا تخترقه سوى البصائر القوية. لقد سمموا العقول بإغراقها في التفاهات، كما تلاعبوا بقواعد المنطق، حتى أصبح الحق باطلاً والباطل حقَّا في نظر كثيرين. وهذه من أسوأ المراحل التي تمر بها الأمم. وقد حدث ذلك كثيرًا في التاريخ.
يد الإخوان المسلمين السامَّة
لقد نجح الإخوان المسلمون في فترة حكمهم التي امتدت لستة وثلاثين عاما، في استخدام مناهج التعليم والمساجد والأقنية الإعلامية لنشر الجهل والخرافة والتعصب الديني، وبنفس القدر نشروا الغثاثة والتفاهة. وكلا هذين الفعلين حين يبلغا درجة التأثير الشامل يقودان إلى اضمحلال الدولة وسوقها إلى حتفها بظلفها. إذ ههنا يصبح الجمهور العريض هو الفاعل الذي يحفر قبره بنفسه. ما كشفته هذه الحرب اللعينة القذرة أن نور العقل قد انطفأ وأن الوازع الديني وسط قطاعٍ عريضٍ من مواطنينا قد ضمُر. لقد كشفت هذه الحرب الوحش الكاسر الذي ظل رابضًا في دواخلنا، وهو مختبئ تحت مسوح اللباس العصري والتمظهر الكاذب بالوداعة والمسالمة وبالتأدب المصطنع. أخرجت هذه الحرب البنادق والمدى وأخرجت منا معهما اللغة الجارحة التي كانت مكبوتةً فاندفعت مجتاحة التلول والسهول، كما سيل العرم. انهارت فينا مسحة التمدين الكاذبة ووقفنا عريانين أمام حالتنا الأصلية التي كانت مخبأةً تحت غطاءٍ سميكٍ من الزيف. فما أن انطلقت الرصاصة الأولى ودخلت عاصمتنا ولأول مرة منذ الثورة المهدية ما يسمى حرب المدن، انكشف الغطاء وانفضح الزيف وانهارت الدعاوى. ويا طالما حذرنا من حرب المدن، لكن من يسمع؟ انطبقت النزعات البدائية من عقالها؛ من عرقيةٍ وقبليةٍ ومن تعصبٍ دينيٍّ أعمى وأضحى التعقُّل والحكمة ومكارم الأخلاق، التي طالما أضفيناها كذبًا على أنفسنا، مجرد سرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء. ومن سوء حظنا، أن سوءاتنا التي كانت فيما مضى مستترةً، بسبب انحصارها داخل فضائنا السوداني المنعزل أصلاً، جعلها شيوع امتلاك الهاتف الجوال وتعدد تطبيقات وسائط التواصل الاجتماعي، فضيحة شاملة مرئيةً ومسموعةً لدى كافة سكان الكوكب. فأصبح من يعيشون منا في مختلف المهاجر خجلين منكسرين يرون الاستغراب في عيون مضيفيهم من الشعوب الأخرى، الذين يترفعون عن الإفصاح لنا عما يرون من فضائحنا، حتى لا يهيلون الملح على جرحنا النازف. إلى جانب ذلك، فقد سلطت علينا السماء ـــــ وللسماء حكمتها الخفية في كل ما تفعل ـــــ حكامًا جهلةً، منذوري الحظ من الوازع الديني والأخلاقي، ومن الثقافة العامة، بل ومن الغيرة على بلدهم وعلى سمعة مواطنيهم. حكامٌ، يمكن للمرء أن يصنفهم، وهو مرتاح البال، في خانة المرضى. حكامٌ فرضوا علينا أنفسهم بقوة السلاح، ليمارسوا نهمهم غير المحدود لاكتناز المال وهوسهم بإحراز السلطة واحتكارها، حتى لو أقيم كرسيُّها على كومةٍ من رماد البلاد والعباد.
نعيش الآن فضيحةً شاملة
كل ذلك مجتمعًا، جعلنا منا معرضًا فضائحيًا مفتوحًا للجميع، يمتد العرض فيه طيلة ساعات الليل والنهار. معرض مفتوح للفضائح الفكرية والأخلاقية، لا تفتر له همةٌ ولا تنقضي عجائبه. فنحن نعيش الآن في أتون فضيحةٍ مجلجلةٍ معروضةٍ على الجميع. فضحيةٌ عكست بجلاءٍ لا مزيد عليه، أننا أمة بربرية همجية. أمة بلا علم ولا ثقافة ولا أخلاق، لا تعكس بنيتها المهلهلة أي قدرٍ من الاتساق. لقد رآنا العالم عبر وسائط التواصل الاجتماعي ونحن نعرض في زهوٍ وابتهاج مشاهد مروعة شملت قطع رؤوس الناس وبقر بطونهم وجذب أمعائهم ونزع أجنة الحوامل من النساء من أرحامهن، وقتل النساء والأطفال وإذلال الشيوخ. كما شملت إمطار مجاميع المدنيين العزل بالرصاص وهم موثيقي الأيدي وملقون على الأرض على وجوههم. وفي الجانب الآخر من الصورة، والناس في تشرُّد وجوعٍ ومرضٍ وغربةٍ وانسدادٍ لأفق الأمل في حياة طبيعية، ينخرط قطاعٌ آخرٌ منا، ليل نهار، عارضًا عبر وسائط التواصل الاجتماعي حفلات "القونات" في دول اللجوء، وهن في أبهى زينتهن، يغنِّين ويتراقصن أمام الآلاف الذين احتشدوا لحضور تلك الحفلات الكبيرة وهم وقوف لساعات. عمومًا، لقد أضحت وسائط التواصل الاجتماعي، التي هي نافذتنا على العالم واقعةً في أيدي من هم أسوأنا أخلاقًا، وأقلنا علمًا، وأضحلنا فكرًا، وأبذأنا عبارة. بل، إن هذا يكاد أن يصبح الآن شيئًا طبيعيا,
عودة الهرم إلى وضعه الصحيح
تعبر هذه الأحوال البئيسة التي نمر بها عن انطفاء نور العقل، وجفاف منابع الحكمة. وهي أحوال يفاقمها إيثار العلماء والحكماء الصمت والفرجة على ما يجري. وغالبًا ما تقف وراء مثل هذه الأحوال فتراتٌ متطاولةٌ من الطغيان، التي يكون الطغاة قد عملوا فيها على تجهيل العامة بتغييب العقول وإزكاء النعرات البدائية. فنحن الآن وسط ما يسمى الهرج والمرج، مصحوبًا بغوغائيةٍ فالتة يصبح إسماع صوت العقل فيها أمرًا بالغ الصعوبة. هذا ما عمل الإخوان المسلمون من أجله منذ سطوهم على السلطة. لقد ضللوا العامة باسم الدين وبذروا بذور الشقاق بين المجموعات السكانية المختلفة بإذكاء نزعات الكراهية الدينية والعرقية والقبلية. بل لقد أزكوا روح الشقاق حتى بين العشائر في القبيلة الواحدة في استخدامٍ بالغ الخبث والقذارة لمقولة "فَرِّقْ تَسُدْ". فسنوات حكمهم للسودان، التي بلغت حتى الآن ستة وثلاثين عامًا، قلبت هرم المجتمع السوداني، فأصبح عاليُه سافلَه، وسافلُه عاليَه. انزوى العلماء والحكماء وآثرت غالبيتهم الصمت، ولفت الحيرة من هم أقل من هؤلاء علمًا وبصيرةً وحكمة، وأعمى الغرض كثيرًا ممن لهم قدرٌ من نور العقل والحكمة. كما أفقروا الأغنياء الفضلاء وأغنوا الفقراء المتزلفين الأراذل. وهكذا انهارت البنى الطبيعة للمجتمع وتراجعت القيم وذهب الاحترام وخبت قناديل الثقافة وطفحت على السطح أصوات الدهماء المتزلفون الذين استثمر فيهم الطغيان الإخواني. فأصبح هؤلاء الجهلاء هم الأعلون، وأصبح الحكماء والعلماء وأهل الفكر والثقافة هم الأدنون. ونحن الآن في انتظار موعود الله الذي به ينقلب الهرم ليجلس في وضعه الصحيح، فيصبح عاليُه الذي يجلس عليه الطغاة وغثاؤهم، سافله. ويصبح سافله، الذي جرى حبس أهل الأخلاق ونور العقل والحكمة فيه، عاليَه. فلقد قال، جلَّ مِنْ قائل: "فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ".
elnourh@gmail.com