«سنة القطط السمان» استبصار الواقع في مرايا زمن ما قبل النفط
تاريخ النشر: 28th, May 2025 GMT
تتجلى الكثير من الملامح الاجتماعية والثقافية للمجتمع الكويتي في ثلاثينيات القرن الماضي عبر فصول رواية «سنة القطط السمان» للكاتب الكويتي عبدالوهاب الحمادي، الصادرة عن دار الشروق في القاهرة؛ لكن تلك الملامح تتداعى من دون شروح مباشرة أو تفاصيل خطابية، أو حتى غنائية، بل تتكون الصورة العامة من المشاهد والأحداث التي تتتابع بين سرد يتولى بطل العمل (مساعد) جانبا منه؛ مخاطبًا نفسه بضمير المخاطب (أنت)، وجانب يتم سرده من قبل الراوي بضمير الغائب، لسرد الأحداث التي قد لا يكون (مساعد) حاضرا فيها، وهو ما يبرز الجانب الأسلوبي الذي ابتغى الحمادي إضافته للسرد من بداية النص.
تتخذ الرواية موضوعها المركزي من واقعة تذكرها بعض المدونات التاريخية تعود لعام 1937، بطلها صاحب مطعم هندي اعتاد تقديم لحم القطط لزبائنه بوصفها أغناما؛ لكن الحمادي يغتنم هذه الواقعة ليجعل منها مظلة لجوانب من الواقع الاجتماعي للمجتمع الكويتي في تلك الفترة.
مساعد شاب طموح ورث عن أبيه العمل مع ثري استخدمه ككاتب للحسابات، وهي المهنة التي أجادها بوصفه متعلما وقارئا يسير في الطرقات وهو يحمل بين يديه معجما للغة الإنجليزية، أما صديق طفولته الذي يعمل معلما فلم تتوفر له الفرص التي توفرت لمساعد لكي يثري، أو على الأقل يحقق ثروة تناسب تطلعاته، إذ بالإضافة لعمله كان قد شارك صاحب المطعم الهندي في السر في محاولة لتوسيع أفق الثراء المنتظر، خصوصا أنه كان ينتظر مولودا تترقبه زوجته سعاد كأمل وخلاص، خصوصا أنها فقدت كل أفراد عائلتها في كارثة طبيعية لحقت بالبلاد قبل فترة وجيزة تسببت في هدم البيوت على رؤوس ساكنيها، ولم يبق لها من أمل إلا في زوجها والمولود المرتقب.
تحضر كويت الثلاثينيات، أو كويت داخل السور؛ من خلال وصف الأزقة المتربة أو الموحلة، والطرقات والمقهى والسوق والمآذن المتقاربة بشكل لافت جدا في منطقة السوق المركزي، داخل السور، إضافة إلى الميناء والبحر، وصولا لبيت يعيش فيه هندي يساعد صاحب المطعم المقصود ويلعب دورا مركزيا في مرحلة من المراحل في النص.
ويعتمد الحمادي على بعض الإشارات المقتضبة التي تمنح دلالات تاريخية أو اجتماعية من دون المباشرة، وبينها على سبيل المثال وصف الكويت بأنه بلد يفتقد للون الأخضر على عكس البحرين وفقا لما عرفه مساعد من المعتمد البريطاني في حوار مقتضب يجري في موقع متأخر من النص؛ فهذه واحدة من بين الإشارات التي أود اقتناصها للفت الانتباه إلى الرتوش التي يطعم بها النص ليمنح القارئ صورة أكبر للواقع الذي يعبر عنه.
يحتاج النص لقراءة منتبهة لأن السرد يتنقل بين ضمير المخاطب والغائب، ويتراوح أحيانا بينهما وبين استخدام لافت للمونولوج الداخلي، بحيث يقوم بوصف الشخصيات وأفكارها في الوقت نفسه؛ إذ يصف حركتهم وخواطرهم من خلال تيار الوعي، فثمة مشهد مثلا يجمع بين المُلا فالح البطانة، الذي يقدم في النص نموذجا لتيار يظهر التشدد بينما لا يتوانى عن اغتنام الفرص والفوائد متى أتيحت له، وحين يصلي بهم كإمام يسمع القارئ ما يجول في خاطره خلال الصلاة، ومن خلفه يدور مونولوج داخلي آخر يدور في ذهن مساعد، ويوازيه مونولوج ثالث يدور في ذهن صديقه خليفة، من دون أن يفقد السرد الحس الساخر في الوصف.
ولعل اختيار واقعة القطط السمان له مدلولات اجتماعية وسياسية مختلفة، وهذا ما يمنح النص مبررا فنيا للعودة إلى جانب من التاريخ، ليس لمجرد استعادته كحالة «نوستالجيا»، أو لطرافة الموقف أو الحدث، بل لرمزية الأحداث في دلالاتها الاجتماعية والسياسية التي قد تتماثل أو تتشابه مع وقائع سنة القطط السمان، لكنها تتماثل أيضا مع غيرها أو من أحداث شبيهة في فترات زمنية أخرى.
والنص، سنة القطط السمان، في جانب منه يبدو كما لو أنه وثيقة أدبية تاريخية تثير انتباه القارئ لبعض مما قد لا يبدو شائعا أو معروفا؛ فخلال السرد سيجد القارئ إشارات للسيارات، وسوف تستخدم كوسيلة لكشف تناقضات تجار الدين، لكني أقصد هنا أن الصورة الشائعة أن الكويت لم تنتشر بها السيارات في تلك الفترة، فصحيح أنها كانت مقصورة على طبقة بعينها في تلك الفترة، لكن الصورة النمطية تتمثل في التنقل مشيا أو بواسطة وسائل الانتقال البدائية.
تبرز الأحداث أيضا دور المقاهي الرئيس في المجتمع الكويتي آنذاك بوصفه الملتقى الطبيعي واليومي، بل بوصفه ربما المساحة التي تجسد جانبا يوميا من حياة أهل الكويت، ليس فقط كمكان للقاء اليومي، بل وربما للصفقات التجارية والاتفاقات وربما حتى لمناقشة شؤون ذات طابع اجتماعي، بالإضافة إلى اعتبارها ملتقى للنقاش وتبادل الأفكار، وخصوصا من خلال الإشارة إلى مقهى المثقفين «ابن زنان»، وهو مقهى معروف تاريخيا بأنه مقهى يرتاده المتعلمون والقراء ومن لهم حظ من السفر، وبينهم الشاعر صقر شبيب أحد رموز الاستنارة والثقافة في تلك الفترة، ويتناول السرد بعضا من قصائده أيضا.
هذه القوة المستنيرة على قلة عددها تواجه تيارا يدعو لقيم متخلفة ترفض أي مظهر للحداثة بما في ذلك حتى وسائل العلاج الطبي التي يوفرها المشفى الأمريكاني، وتردد خرافات من مثل أن النيل في مصر يبدأ من الجنة، وشيطنة كل مظاهر التقنية الحديثة، وغير ذلك من أفراد التيار الذي يمثله المُلا المتشدد، فالح البطانة، الذي يجمع بين دوره كإمام وحافظ للقيم الرجعية، جانبا يكشف عن الجشع والتناقضات، كما يكشف السرد أيضا الكيفية التي يرى بها الاستعمار الأجنبي المنطقة وأهل الكويت وطبيعة العلاقة المتبادلة بين الطرفين.
ولعل هذه القضية بين أبرز ما تثيره الرواية بشكل فني، ومن دون مباشرة أيضا، بل من خلال تتبع السلوكيات وردود أفعال أبطال العمل.
بشكل شخصي، لفت انتباهي خفوت وجود المرأة في النص، وحتى سعاد، زوجة مساعد، لا صوت لها في النص إلا إذا مر ذكرها في ذهن مساعد، ولولا المونولوج القصير المكثف الذي جاء في منتصف الرواية تقريبا، وقد لا يزيد عن صفحتين تقريبا، والذي حرر صوت الزوجة من الإقصاء، ثم مونولوج الأم من بعده مباشرة، وقد يكون في هاتين الإشارتين إضاءة ضمنية إلى دور المرأة وأثره حتى لو بدا أنه في الخلفية، لكنه يشير بكل ما فيه إلى أن المرأة حتى لو كان صوتها مستترا، فإن أثرها في الواقع كبير، وليس أدلّ على ذلك من كافة مفارقات حياة زوجة مساعد، وأثرها على حياتهما، أما بقية أجواء النص، فتعبر عن مجتمع قوامُه التجار، والحكام، ورجال الدين المتشددون، ومرتادو المقاهي، والباحثون عن الرزق من سكان الكويت، والصراع بين السلطة والثروة.
ولعلنا سوف نجد عدة تلميحات أو تفسيرات اجتماعية في النص تبرر هذا الإقصاء؛ أخذا في الاعتبار أن الحقبة التي تتناولها الرواية ممثلة في عام 1937 حين كانت فرص العمل والتعليم البسيط المتاح آنذاك مقصورة على الرجال بطبيعة الحال، وأيضا لأن المرأة في تلك الفترة وفق ما عبرت عنه سعاد: «حبيسة هذه الجدران الطينية»، لكن هذا الحبس في الوقت نفسه، على ما يبدو، نوع من ملاذ يمنح المرأة دورها المركزي داخل جدرانه وعلى مستوى العائلة.
استوقفتني الكثير من العبارات ذات الطابع الكويتي، والتي يأتي مصدرها من مرادفات اللهجة الشفاهية، لكن الحمادي كان حريصا على تأكيد وجودها كأنها ختم يؤكد الهُوية الكويتية للنص، مع الإصرار على عدم وضع هوامش شارحة لتلك المفردات والرهان على أن القارئ سيفهمها من السياق العام.
وهذا ما يؤكد انطباعي بأنها في تقديري رواية كويتية بامتياز، ليس فقط لتلك المفردات، بل لأنها تقدم المجتمع الكويتي بشكل مشهدي، أي بدون تعسف، وبدون عاطفية أو غنائية، إذ يكتفي الحمادي، بتطعيم الكلمة في عمق البلاغة الفصيحة للسرد.
تأتي هذه الرواية إضافة جديدة لتجربة الحمادي السردية، خصوصا أنها هنا تؤكد انفتاحه على إيجاد أساليب سردية جديدة ومختلفة، لكنها أيضا، بالنسبة لي على الأقل، ترسخ انطباعا عاما عن ظاهرة كويتية؛ إذ كثيرا ما لفت انتباهي حجم التنوع والثراء الثقافي والاجتماعي للمجتمع الكويتي رغم صغر حجمه، وهو انطباع رسخته رواية «سنة القطط السمان»، بالرغم من أنها تتناول فترة تسبق ظهور النفط، وأظنها إضافة مهمة للسرد الكويتي والعربي.
إبراهيم فرغلي كاتب وروائي مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی تلک الفترة من خلال فی النص من دون
إقرأ أيضاً:
بعد موافقة النواب.. ننشر النص الكامل لمشروع قانون تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف
كتب- نشأت علي:
وافق مجلس النواب، خلال جلسته العامة، اليوم برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، على مواد مشروع قانون تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي المقدم من الحكومة، وذلك بشكل نهائي.
وكان الدكتور محمد عطية الفيومي، رئيس لجنة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة، استعرض تقرير اللجنة، بشأن مشروع القانون، مؤكدا أن مشروع قانون تنظيم مياه الشرب والصرف الصحي، إطار تشريعي شامل يهدف إلى تطوير هذا القطاع الحيوي، وتعزيز كفاءته، وضمان استدامة خدماته، بما يتوافق مع التحديات المتزايدة التي تواجهها مصر في مجال إدارة الموارد المائية.
وأشار إلى أن الدستور الحالي في مادته رقم (٤٤) نص على أن تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها، وعدم إهدار مياهه أو تلويثها، كما تلتزم الدولة بحماية مياهها الجوفية، واتخاذ الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن المائي ودعم البحث العلمي في هذا المجال.
وأوضح رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، أن المادة رقم (۷۹) من الدستور نص على أن لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكاف، وماء نظيف.
وقال: أصبح لزامًا على المشرع أن يقوم بتحديث البنية التشريعية المنظمة لقطاع المياه والصرف الصحي، والتي تعاني من تشتت القوانين واللوائح القديمة التي لم تعد قادرة على مواكبة المتطلبات المعاصرة.
وأوضح أنه من خلال هذا القانون، تسعى الدولة إلى توحيد الجهود بين الجهات المعنية، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، وضمان حوكمة رشيدة لهذا المرفق الحيوي.
ويستند مشروع القانون إلى رؤية استراتيجية تهدف إلى تحسين جودة خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، وترشيد الاستهلاك، وحماية حقوق المستهلكين، وتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة هذا القطاع.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
قانون تنظيم مرفق مياه الشرب المستشار حنفي جبالي رئيس لجنة الإسكان إدارة الموارد المائيةتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
بعد موافقة النواب.. ننشر النص الكامل لمشروع قانون تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك