بقلم : الحقوقية أنوار داود الخفاجي ..

في بلد يفتقر إلى قاعدة صناعية حقيقية، ويعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاته الأساسية، يعيش التاجر العراقي في وضع صعب بين مطرقة الضرائب والروتين وسندان تردي البنية التحتية وغياب الرؤية الاقتصادية الواضحة. ورغم أهمية دوره في تحريك عجلة الاقتصاد، لا يزال صوته غير مسموع في دوائر صنع القرار.


يُعد القطاع التجاري ركيزة أساسية في الاقتصاد العراقي، خاصة مع ضعف الزراعة والصناعة، إذ يلعب التاجر دور الوسيط بين السوق المحلي والأسواق الخارجية، وبين الدولة والمواطن. لكن هذا الدور أصبح مهدداً اليوم في ظل مشكلات متفاقمة وتحديات متراكمة.

أبرز ما يطالب به التجار هو الوضوح في القرارات الاقتصادية. فالتغييرات المفاجئة في التعليمات الضريبية والجمركية تؤثر سلباً على استقرار السوق. التجار يريدون بيئة اقتصادية مستقرة وقوانين قابلة للتنبؤ يمكنهم التخطيط على أساسها.
كما يشكون من البيروقراطية الجمركية، حيث تستهلك الإجراءات المعقدة في المنافذ الحدودية وقتًا وجهدًا، وتفتح المجال للفساد والابتزاز. كذلك، تُعد صعوبة الوصول إلى الدولار بالسعر الرسمي مشكلة مركزية، تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد وتقلّب الأسعار.
و من المطالب المهمة أيضًا حماية السوق المحلي من الإغراق. فغياب الرقابة يسمح بدخول سلع رديئة تضر بالتاجر الملتزم والمستهلك معًا، وتُربك السوق لصالح فوضى الأسعار والجودة.

تتجسد معاناة التاجر العراقي اليوم في عدة محاور رئيسية:
• تذبذب سعر صرف الدولار وتأثيره المباشر على الأسعار والاستيراد.
• الضرائب والجبايات المرهقة دون مقابل في الخدمات أو البنى التحتية.
• انعدام الدعم الحكومي للتجارة، سواء عبر القروض أو الحماية القانونية.
• ضعف الرقابة على المنافذ الحدودية، ما يسمح بدخول سلع مقلّدة أو غير مفحوصة.

تكمن الحلول المقترحة في خطوات عملية يمكن أن تُحدث فرقًا إذا ما توفرت الإرادة السياسية منها:
• إصلاح النظام الجمركي وأتمتته لتقليل الفساد وتسريع الإجراءات.
• توفير الدولار بشفافية للتجار، خاصة الصغار، للحد من الاحتكار.
• وضع سياسة استيراد وطنية تحمي السوق وتنظم دخول السلع.
• إشراك التجار الحقيقيين في غرف التجارة والقرار الاقتصادي.
• تقديم حوافز ضريبية للتجار الملتزمين بالنظام والفواتير الرسمية.

ختاما التاجر العراقي ليس عدوًا للدولة، بل شريك أساس في نهضة الاقتصاد الوطني. لكن استمرار تجاهل مطالبه سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية. حان الوقت لتنتقل الحكومة من دور الجابي إلى دور الشريك، وتعيد التوازن إلى سوق أنهكته الفوضى والتهميش.

انوار داود الخفاجي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

سوريا الجديدة: بين عدالة الاقتصاد ووعي السيادة

في منعطفٍ تاريخي حاسم، تقف سوريا الجديدة أمام تحدٍّ يتجاوز إعادة الإعمار إلى إعادة ابتكار الدولة ذاتها. هذه ليست مجرد مرحلة ما بعد الثورة، بل لحظة تأسيس لمشروع وطني مختلف، يستمد شرعيته من جراحه، ويصوغ مستقبله على ضوء نقد جذري لما كان.

وفي قلب هذا التأسيس، تبرز قضيتان محوريتان تشكّلان نواته الصلبة:

أولاهما، الحاجة إلى اقتصاد عادل، ليس بوصفه مطلبا تنمويا فحسب، بل كآلية لإعادة لُحمة المجتمع وصياغة هوية وطنية جامعة.

وثانيهما، ضرورة إعادة تعريف الأمن القومي في مواجهة التهديد الإسرائيلي، لا كخطر عسكري آني، بل كعامل تفكيك استراتيجي متواصل لكيان الدولة ووعيها.

الاقتصاد المطلوب هو اقتصاد يحرّر المجتمع من الزبائنية، لا فقط بوصفها علاقة مصلحية مشوهة بين الحاكم والمحكوم، بل كآلية تهدر الكفاءات، وتُضعف قيم المواطنة، وتكرّس الانقسام الطبقي والطائفي، عبر تحويل الدولة إلى شبكة من الولاءات الشخصية، بدلا من أن تكون حاضنة للعدالة والفرص المتكافئة
الاقتصاد العادل.. لغة الانتماء الجديدة

في السياقات ما بعد النزاعات، يُختزل الاقتصاد غالبا كأداة إسعاف اجتماعي. أما في سوريا الجديدة، فلا بد أن يُعاد التفكير فيه كبنية تأسيسية تعيد إنتاج الانتماء الوطني على قاعدة الكرامة، والمشاركة، والعدالة.

لم يكن الفقر في سوريا نتيجة الحرب فقط، بل أصبح سببا لإعادة إنتاج الطائفية والانغلاق، حين عجز النظام البائد عن خلق نموذج توزيعي عادل.

لذلك، فالاقتصاد المطلوب هو اقتصاد يحرّر المجتمع من الزبائنية، لا فقط بوصفها علاقة مصلحية مشوهة بين الحاكم والمحكوم، بل كآلية تهدر الكفاءات، وتُضعف قيم المواطنة، وتكرّس الانقسام الطبقي والطائفي، عبر تحويل الدولة إلى شبكة من الولاءات الشخصية، بدلا من أن تكون حاضنة للعدالة والفرص المتكافئة. إنه اقتصاد يُعيد تعريف الدولة كمشروع وطني جامع، لا كغنيمة تُوزَّع على مراكز النفوذ.

الأمن القومي.. تحصين الوعي قبل الحدود

لا يمكن لسوريا الجديدة أن تنهض دون رؤية أمنية تتجاوز الخطاب التقليدي. فإسرائيل لم تكن يوما خصما حدوديا، بل مشروعا تفكيكيا يشتغل على وعي الشعوب، لا فقط على جغرافيا الدول.

الأمن القومي لا يتجسّد فقط في السلاح، بل في الذاكرة، والتعليم، والإعلام، وفي قدرة المجتمع على مقاومة التطبيع الناعم. والمطلوب ليس فقط إعادة هيكلة العقيدة العسكرية، بل إنتاج خطاب سياسي وثقافي يتعامل مع إسرائيل بوصفها تهديدا لبنية الدولة الوطنية ولسيادتها الرمزية والمادية.

سوريا الجديدة لا تُبنى بالقوانين والموازنات فقط، بل برؤية تعيد تعريف العلاقة بين الدولة ومواطنيها، على قاعدة المشاركة لا التبعية، والانتماء لا الولاء
نحو ميثاق وطني يُعيد هندسة العلاقة بين الدولة والمجتمع

سوريا الجديدة لا تُبنى بالقوانين والموازنات فقط، بل برؤية تعيد تعريف العلاقة بين الدولة ومواطنيها، على قاعدة المشاركة لا التبعية، والانتماء لا الولاء.

ولذلك، تبدأ خطوات التأسيس من:

1- نموذج اقتصادي تنموي قائم على الإنتاج والتوزيع العادل للفرص والثروات.

2. إصلاح سيادي للمؤسسات الأمنية والعسكرية يجعلها حامية للوطن، لا حارسة للتوازنات الداخلية.

3- إطلاق حوار وطني شامل يعيد رسم ملامح العقد الاجتماعي على قاعدة تجاوز الطائفية وبناء دولة المواطنة.

سوريا الجديدة ليست عودة إلى ما قبل الحرب، بل قفزة نحو ما تستحقه، وما يجب أن تكون عليه:

- دولة تستلهم من الألم وعيا جديدا، ومن الفوضى حكمة، ومن العدو دافعا لإعادة ترتيب أولوياتها.

- إنها الدولة التي لا تُبنى على أنقاض الماضي فقط، بل على إرادة شعب قرّر أن لا ينسى مَن كان خلف الأسلاك، يترقّب لحظة سقوط جديدة، ولن يمنحها له.

مقالات مشابهة

  • العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
  • سعر الدولار مقابل الدينار العراقي اليوم الجمعة 2025/5/30 في المصارف
  • ترامب يبحث مع رئيس الاحتياطي الفيدرالي التطورات الاقتصادية دون التطرق لأسعار الفائدة
  • سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار يواصل الارتفاع
  • الدولار ينتفض بعد حكم قضائي.. هل تبدأ رحلة التعافي بعد هبوط مستمر في 2025؟
  • قيادي بمستقبل وطن: قانون العلاوة وزيادة الأجور لتخفيف الضغوط الاقتصادية
  • الدولار يغلق على ارتفاع أمام الدينار العراقي مع الإغلاق في نهاية الأسبوع
  • الدولار يرتفع بعد أن أوقفت محكمة أميركية رسوم ترامب الجمركية
  • سوريا الجديدة: بين عدالة الاقتصاد ووعي السيادة