أي أفق لمبادرات القوى الديمقراطية تجاه النظام في تونس؟
تاريخ النشر: 31st, May 2025 GMT
إذا ما أردنا التأريخ لبداية الأزمة المفتوحة بين النظام التونسي من جهة أولى وبين أغلب مكوّنات ما يُسمى بـ"القوى الديمقراطية" من جهة ثانية، فإننا سنجد أن "العلاج بالرضة" الذي مارسه "تصحيح المسار" على أحزمته السياسية والنقابية والمدنية قد بدأ منذ إصدار الأمر الرئاسي عدد 117 المؤرخ في 22 أيلول/ سبتمبر 2021، والمتعلق بالتدابير الاستثنائية.
لقد حرص الرئيس على تأكيد أن مشروعه السياسي غير مدين لأي طرف سياسي أو نقابي أو مدني، وأنه "تأسيس ثوري جديد" يستمد شرعيته من الإرادة الشعبية غير المتلاعب بها، كما يستمد تلك الشرعية من عزمه القطع مع "العشرية السوداء" ومع الأجسام/المؤسسات الوسيطة التي هي "خطر جاثم" بحكم دورها المشبوه في التمكين لمنظومة الفساد. إننا أمام منطق سياسي يتحرك خارج مدار الشراكة والاعتراف بأي تمثيلية شعبية منافسة أو حتى رديفة، وهو منطق سيجد تجسيده في خارطة الطريق التي استوت على سوقها بدستور جديد (دستور 2022)، وبتغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسوي، وتهميش الأحزاب ومجمل الأجسام الوسيطة، وسيطرة السلطة التنفيذية على كل "الوظائف" (أي على السلطتين التشريعية والقضائية وكذلك على السلطة الرابعة -السلطة "الإعلامية"- التي أصبحت مجرد وظائف محمولة على المساهمة في "حرب التحرير الوطني").
واقعيا، فإن ما قام به الرئيس بعد 25 تموز/ ليو 2021 لم يكن إلا تفعيلا لمشروعه السياسي الذي لم تحمله النخبة السياسية على محمل الجد: انتهاء زمن الأحزاب والديمقراطية التمثيلية وبداية زمن سياسي جديد أساسه الديمقراطية القاعدية أو المجالسية. ونحن نستطيع أن نقول دون أن نجانب الصواب بأن 25 تموز/ يوليو 2021 ليس في جوهره إلا صدى لتلك الصرخة التي أطلقها "الخبير القانوني" قيس سعيد بعد اغتيال المرحوم محمد البراهمي في اليوم نفسه من سنة 2013: "ليرحلوا جميعا حكومةً ومعارضةً". لقد كان "الخبير الدستوري" يتحرك بمنطق "البديل" لا الشريك، وهو ما أكده في "حملته التفسيرية" (أي الحملة الانتخابية سنة 2019) وفي حواره الشهير مع الصحفية كوثر زنطور في صحيفة الشارع المغاربي. ولكنّ النخب التونسية بمختلف مرجعياتها تعاملت مع مشروعه باعتباره نوعا من الفكر السياسي "الطوباوي" الذي تعوز صاحبه موارد القوة، مثل التنظيم الحزبي أو اللوبي الجهة أو التاريخ النضالي. ولذلك قدّرت أغلب النخب "الديمقراطية" إمكانية "توظيف" هذا المشروع لصالحها بمنطق التعامد الوظيفي.
بالنسبة إلى أغلب "القوى الديمقراطية"، فإن "تصحيح المسار" كان فرصة ذهبية للاستقواء بالدولة وأجهزتها الصلبة لإعادة هندسة الحقل السياسي بعيدا عن صناديق الاقتراع والإرادة الشعبية. وكان أغلب "الديمقراطيين" يظنون أن وصم منظومة الحكم بـ"منظومة النهضة" وإنكار أدوارهم فيها؛ يكفيان لإعادة تدويرهم في منظومة الحكم الجديدة. وفي البنية العميقة لهذا المنطق السياسي كان أولئك "الديمقراطيون" يقايسون "تصحيح المسار" على المنظومة الحاكمة قبل الثورة.
ففي تلك المنظومة كانت الترتيبات السياسية تقضي بإشراك بعض مكونات "العائلة الديمقراطية" في امتيازات السلطة، وعدم استهداف بقية الأطراف التي ارتضت "شرف" المعارضة المدجنة أو الوظيفية (الموالاة النقدية). ولم يفهم "الديمقراطيون" أن تشريكهم في الحكم أو حتى القبول بـ"حوار وطني" معهم يعني ضرب سردية تصحيح المسار في مقتل، فسردية الحكم تقوم على شيطنة الديمقراطية التمثيلية وأجسامها التي هيمنت على النظام البرلماني المعدّل. إننا أمام سردية لا تقبل بمنطق الشراكة، لأن الشراكة تعني تعدد "الشرعيات" وتعني اعتراف السلطة بعدم احتكارها لتمثيل الإرادة الشعبية، وتعني أخيرا وجود "قوى وطنية" غير فاسدة أو متآمرة ولكنها لا تنتمي إلى "تصحيح المسار".
بناء على ما تقدم، سيكون من المفهوم أن ترفض السلطة كل دعوات الحوار الوطني أو حتى تلك الدعوات المتكررة للانفتاح على الأجسام السياسية والمدنية والنقابية المساندة لها. فالحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل مثلا يعني التشكيك في توجهات السلطة وفي الإرادة الشعبية التي تقف وراءها، كما يعني أن "الحقيقة الجماعية" ليست حكرا على السلطة وأنها نتيجة "التفكير معا" على الأقل مع أولئك الذين يساندون "تصحيح المسار". ولكن هذا الخيار سيعيد الزمن السياسي إلى الديمقراطية التمثيلية التي جاءت الديمقراطية المجالسية لإنهاء الحاجة إليها، وهو ما ينسف شرعية النظام وسرديته السياسية القائمة على أن الأجسام الوسيطة في الديمقراطية التمثيلية هي جوهر "الخطر الجاثم" على الدولة ومؤسساتها، وهو خطر أصلي لا يمثل "الخطر الداهم" المذكور في دستور 2014 إلا خطرا هامشيا إذا ما قورن به. أما ما دعت إليه الأحزاب المساندة لتصحيح المسار (مثل حركة الشعب أو الوطد الموحد أو حزب المسار.. الخ) من تشريك لها في السلطة، فإنه هو أيضا منطق سياسي غير واع بجوهر تصحيح المسار: رفض التعامل مع الأجسام الوسيطة والاعتراف بها شريكا في السلطة.
في الفلسفة السياسية لتصحيح المسار باعتباره تبشيرا بزمن سياسي كوني جديد، فإن السلطة يمكن أن تنفتح على "الأفراد" ولكنها لا يمكن أبدا أن تنفتح على "الأجسام الوسيطة"، ولذلك لا مكان فيها للشخصيات "المعنوية" كالأحزاب والنقابات والجمعيات المدنية. فوجود تلك المؤسسات بصفتها "الجماعية" يناقض فلسفة "تصحيح المسار" وتبشيرها بنهاية زمن الأحزاب، بل نهاية الديمقراطية التمثيلية. ولذلك فإن على من يريد الاندارج في السلطة أن يأتيَ إليها فردا، وبمنطق "الموظف" لا بمنطق النظير أو الشريك. فلا وجود في تصحيح المسار لسلطات، بل توجد وظائف، ولا وجود لتقاسم سلطات، بل توجد سلطة أصلية واحدة هي سلطة الشعب وممثل أوحد لها هو الرئيس. وهو ما يجعل أي دعوة للنظام إلى الانفتاح على "القوى الديمقراطية" أو إلى الحوار الوطني -على الأقل مع "القوى الديمقراطية- مجرد تعبير عن منطق الرغبة، ولا علاقة لها بالاشتغال الفعلي للسلطة وما يؤسسها في مستوى الشرعية السياسية.
ختاما، فإن موازين القوى بين النظام وبين "العائلة الديمقراطية" تجعل السلطة في غنى عن أجسامها الوسيطة، وإن لم تكن مستغنية عن رساميلها البشرية باعتبارها خزانا استراتيجيا "للموظفين" بالمعنى السياسي للكلمة داخل سردية "تصحيح المسار". فالسلطة لا تحتاج إلى "شركاء" بل إلى "موظفين" لا يستقوون عليها بعصبيّاتهم الحزبية أو النقابية أو المدنية، وهو ما يعني أن كل الدعوات التي تنطلق من الأجسام الوسيطة "الديمقراطية" -سواء للمشاركة في الحكم أو على الأقل للحوار مع السلطة- هي دعوات بلا أفق واقعي ما دامت تطلب الاعتراف بها "شريكا" أو "نظيرا" للسلطة، وهي مجرد تنفيس عن إحساس عميق بالتهميش وعجز عن الخروج منه في ظل التوازنات الحالية بين السلطة وبين المعارضة الراديكالية والموالاة النقدية على حد سواء.
x.com/adel_arabi21
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء التونسي الديمقراطية تصحيح المسار الشرعية تونس ديمقراطية شرعية تصحيح المسار قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات رياضة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدیمقراطیة التمثیلیة القوى الدیمقراطیة تصحیح المسار أو حتى وهو ما
إقرأ أيضاً:
مدبولي: الإقبال على العملية الانتخابية حجر أساس لتعزيز المسار الديمقراطي
كتب- محمد أبو بكر:
وجه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، دعوة مباشرة إلى جميع المواطنين للمشاركة الجادة والفعالة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، مؤكدًا أن الإسهام الشعبي في العملية الانتخابية يُعد حجر الأساس في تعزيز المسار الديمقراطي وترسيخ دعائم الدولة المدنية الحديثة.
وشدد "مدبولي"، خلال مؤتمر صحفي عقده مدبولي، اليوم الأربعاء، عقب انتهاء الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، على أهمية الحضور الواسع في صناديق الاقتراع، مشيرًا إلى أن الدولة حريصة على تهيئة المناخ العام وضمان توفير كل ما يلزم لإجراء الانتخابات في بيئة آمنة ومنضبطة.
وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة اتخذت كافة الإجراءات اللازمة لتنظيم العملية الانتخابية، من تجهيز المقار الانتخابية وتوفير الدعم اللوجستي والأمني، إلى ضمان تيسير وصول المواطنين إلى لجانهم الانتخابية دون معوقات، لافتًا إلى أن مؤسسات الدولة تعمل بتناغم كامل لإنجاح هذا الحدث الوطني.
وأوضح مدبولي أن مجلسي النواب والشيوخ يمثلان ركيزة أساسية في دعم البنية التشريعية للدولة، مشيرًا إلى الدور المحوري الذي يقوم به مجلس الشيوخ في دراسة السياسات العامة وتقديم رؤى استراتيجية داعمة لخطط الحكومة، بما يسهم في تبني خطوات إصلاحية مدروسة ومتكاملة.
وأكد على أن أعضاء مجلس الشيوخ يتمتعون بخبرات كبيرة ورؤى متعمقة تعزز من جهود الدولة نحو بناء مستقبل أكثر استقرارًا وتنمية، معربًا عن ثقته في وعي المواطنين وحسهم الوطني في المشاركة الفعالة في صناعة القرار.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
الدكتور مصطفى مدبولي الإقبال على العملية الانتخابية مدبولي خلال مؤتمر صحفي تجهيز المقار الانتخابيةتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
أخبار
المزيدالثانوية العامة
المزيدإعلان
مدبولي: الإقبال على العملية الانتخابية حجر أساس لتعزيز المسار الديمقراطي
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
37 26 الرطوبة: 25% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك