عربي21:
2025-06-02@15:18:06 GMT

رسالة تعزية إلى الدكتورة آلاء النجار

تاريخ النشر: 1st, June 2025 GMT

يا آلاء: لا أستطيع وضعَ نفسي مكانك، ولا الدخولَ في الغلاف الذي أفترض أنك قد أحطتِ نفسَكِ به، حمايةً لها وضمن محاولات الاستعانة بالإيمان والصبر من أجل التماسك، حتى لو أدت إلى الانفصال عن الواقع ومتطلبات استكمال رحلة الحزن حتى الاكتفاء منه، فيا لقلبك المكسور، ويا لقلب كل أُمٍ فاقدة في قطاع غزة أو أُمٍ تستشعر أن الموت يقترب من عائلتها، ولا تملك شيئاً إزاءه سوى الدعاءِ إلى الله على إبقاء أبنائها في حضنها وعدم تمكين الاحتلال من انتزاعهم منه.



وأنتِ يا آلاء الطبيبة، تعرفين أكثر من الجميع أن كل طفل في غزة قد حُكم عليه بالقتل، ففي المستشفى حيث تعملين، تشاهدين بأُم عينِكِ وتعُدّين الأرقام الداخلة إلى الثلاجات وحكاياتها.. متأكدةً من صحة ما ذهبتِ له من استخلاصِ تجربةِ الأمهات المُرّةِ ومشاهداتك المتكررة بأن على الأمهات الفلسطينيات المزيدَ من الإنجاب ما استطعنَ إليه سبيلا، وبادرتِ إلى تطبيقه على نفسك، عاملةً على تعويض الفاقد بشكل مُسبق، وقد كان لمبادرتك منطقُها الخاصُ وموضوعُها العام في غزة، لأنها البقعةُ الجغرافيةُ المُشَرَّعةُ على جميع الاحتمالات المجنونة، الممكنةِ والمستحيلة، فكان قرارُكِ بالإنجاب المفتوح على عشرة، وجيهاً من جميع الوجوه.

كنتِ حكيمةً يا آلاء وعملية، فالأبناءُ العشرة قد يصبحون في أسوأ الكوابيس نصفَهم، أقل قليلاً أو أكثر قليلاً، لكنها تعليمات الإبادة الجماعية وشهوة الاحتلال للقتل والدماء تفوقَتْ على قراءتِكِ العمليةِ وعلى خططك المُسْبقة، فطبيعتُكِ ومهنتُكِ وفطرتُكِ الانسانية، تتعارض مع طبيعة الاحتلال وغرائزه التي لا تشبع من الدماء الفلسطينية، لقد وُجدوا ليَقتلوا!

يا آلاء: لا مناصَ أو مخرجَ لحزنك الذي لا يمكن لكل مصطلحات اللغات توصيفُه أو تعريفُه، سيبقى الحزنُ ملازماً لك للأبد، ما زالت الصواريخ تنهمر كالمطر ساحقةً أجساد الأطفال تحت المنازل، وما دام الجيش الفاقد لبشريته يطرق الأبواب بالرصاص، وما زال الدخان يتصاعد من البيت الذي التصقَت بجدرانه الأشلاء.

يا آلاء الأُم: ستبقى فصول المأساة تتوالى أمام عينيكِ الزائغتين، ستتردّدين على القبرَين الصغيرَين اللذينِ احتضنا أشلاء البنات والأولاد، وتنظرين إلى صورهم التي تحتفظين بها في جيوب قلبك، مرددةً أناشيدهم العالقة على لسانكِ وفوق ما بقي من الجدران المتهالكة، ستبقى المأساة تمر أمامك كشريطٍ مُصوَّرٍ، بينما يستمر الاحتلال في تقطيع الأجساد الصغيرة وإرسالها إلى السماء، وتستمر أرواح الغزيين تهيمُ على وجهها تبحث عن مكانٍ لا يُقصف، عن مأوى لم يُدَمّر، عن كلمةِ حقٍ يتردد صداها من آخر الدنيا، تُردّدها الانسانيةُ التي ما انفكت تتظاهر في الشوارع وعلى مقربة من سفارات الاحتلال منذ الإبادة.

يا أُختي في الحزن المقيم: أنت تعلمين أكثر من أي فلسطينية أخرى، من موقعك كطبيبة في مستشفى تغص ثلاجاتُها بالجثث والأشلاء، وتواظبين على استقبال الجرحى منذ أكثر من ستمائة يوم، وتحت ناظرَيكِ تتم مراسمُ الرثاء والوداع، تعرفين تماماً أيَّ مجرمين نواجه في معركة غير متكافئة على الإطلاق، تصبح فيها خطتكِ في التعويض عن الفاقد أُمَّ الخطط الاستراتيجية.. تقابل خطط الاحتلال في اغتيال مئات ألوف الحيوات لأناس بسطاء وأطفال أبرياء وشباب واعدين كانوا يملكون آمالاً وخططاً ومواهب، كالخطط التي رسمتِها من أجل أبناء يستكملون بناء العائلة الطبيّة.. قام جيش الاحتلال المجرد من المبادئ ببترها، فاتحاً مقبرةً عملاقة غير مسبوقة تعادل مساحة غزة.

يا آلاء الأُم الجميلة: ثمةَ كلامٌ كثير حزين عن خذلان بحجم التاريخ، وثمةَ جراحٌ وأرواح لا تشفى أو تتعافى حتى تغلَق المأساة تماماً بالوصول إلى العدالة، فردياً وجماعياً.

وحتى تحين اللحظة المنتظرة لا أطلب منك النسيان، وكيف أفعلُ بينما نتبنى وعد النكبة الأولى وشهدائها: «لا ننسى ولن نغفر»، فلن يكون بمقدورك النسيان ولا نريده لك كما لا نريده لشعبنا، لكن ما أتمناه منك المسارعةُ الى تجفيف دموعك والانخراطُ في حملة عالمية تروين فيها القصة بحذافيرها، لكل ولد وبنت فيها حصة، يحيى وجبران وسيدرا ولقمان وريفال وراكان وإيف ورسلان وسيدين وآدم، ومعهم أطفال فلسطين..

تحملين رسائلهم عن مدارس مدمرة أصبحت ملاذاً للقلوب المنهكة عن الخيام التي يتم حرقها بمن يسكنها، عن دفاتر صغارِكِ وثيابهم التي ما زالت مطويةً في الأدراج مع لعبهم المهجورة، وذكرياتهم التي يتردد صداها في الغرف الصغيرة، مختلطةً مع ذكرى لم تكن عابرةً على الإطلاق.. لحظةَ تعرفتِ على أشلائهم.

الأيام الفلسطينية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال غزة الاحتلال مجازر الشهداء الاء النجار مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

بعد أيام من استشهاد أولاده التسعة.. الطبيب حمدي النجار يلحق بأطفاله في خان يونس

الطبيب حمدي النجار يلحق بأطفاله في خان يونس.. أعلن مجمع ناصر الطبي عن استشهاد الدكتور حمدي النجار، والد الأطفال التسعة الذين استشهدوا في قصف جوي استهدف منزل العائلة في خان يونس قبل نحو أسبوع، بحسب ما أفاد مراسل الجزيرة هاني الشاعر.

وتكشف تفاصيل المأساة عن قصة مؤلمة، حيث كانت الطبيبة آلاء زوجة الدكتور حمدي النجار على رأس عملها في مجمع ناصر الطبي عندما وقعت الغارة الجوية على منزلها في 23 مايو

واستقبلت الطبيبة تسعة من أطفالها متفحمين بفعل غارة جوية استهدفت منزلها، فيما وصل زوجها الطبيب حمدي مصابًا بجروح حرجة إلى جانب طفلهما الناجي الوحيد آدم الذي أصيب بجروح حرجة.

وروي المدير العام لوزارة الصحة في غزة الدكتور منير البر تفاصيل المأساة قائلا الدكتورة آلاء لديها 10 أبناء، أكبرهم لم يتجاوز 12 عاما، وفي صباح المأساة، خرجت مع زوجها الدكتور حمدي النجار ليوصلها إلى عملها، وبعد دقائق فقط من عودته، سقط صاروخ إسرائيلي على منزلهم.

وأضاف عبر حسابه في منصة إكس: استُشهد تسعة من أطفالهما: يحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لقمان، وسيدرا. أُصيب الطفل الوحيد المتبقي، آدم، كما أُصيب زوجها الدكتور حمدي، الذي يرقد حاليا في العناية المركزة.

اقرأ أيضاًالإغاثة الطبية بغزة: قصف المدنيين خلال وجودهم في مراكز توزيع المساعدات إجرام وهمجية

لحق بأبنائه التسعة.. استشهاد زوج الطبيبة آلاء النجار في قصف إسرائيلي جنوب غزة

مسؤول في «حماس»: لم نرفض اقتراح ويتكوف لوقف إطلاق النار في غزة

مقالات مشابهة

  • "آخر نظرة لوجه حبيبي".. حمدي النجار زوج الطبيبة آلاء النجار يلتحق بأولاده التسعة
  • نقابة العلاج الطبيعي تكرم أم الشهداء آلاء النجار بهذا القرار
  • استشهاد زوج الطبيبة آلاء النجار المفجوعة بفقدان أبنائها التسعة في قصف للاحتلال
  • بعد أيام من استشهاد أولاده التسعة.. الطبيب حمدي النجار يلحق بأطفاله في خان يونس
  • ملتحقًا بأطفاله الشهداء الـ 9 .. استشهاد زوج الطبيبة آلاء النجار
  • زوج الطبيبة آلاء النجار يلتحق بأولادها الشهداء.. من بقي لها؟ (شاهد)
  • لحق بأبنائه التسعة.. استشهاد زوج الطبيبة آلاء النجار في قصف إسرائيلي جنوب غزة
  • بعد فقدان أبنائها الـ9.. استشهاد زوج الطبيبة آلاء النجار في قصف إسرائيلي جنوب غزة
  • أقوى امرأة في التاريخ الحديث