وقف الصافوطي هو أحد الأوقاف الذُرِّية الإسلامية التاريخية في مدينة القدس، أوقفه الشيخ إبراهيم بن محمد الصافوطي -وهو من أصول مغربية- عام 998هـ/1589م، بهدف حماية الممتلكات من الضياع والتسرب في ظل محاولات تهويد المدينة. 

الموقع

يقع وقف الصافوطي ضمن أسوار البلدة القديمة في القدس الشرقية، بمنطقة باب الخليل تحديدا.

ويتصل موقعه بسوق علّون المحاذي لميدان عمر بن الخطاب قرب باب الخليل​، وقد ظلّ أحفاد الواقف يقطنون في منازل هذا الوقف على مدى قرون​.

وقد أوقف الصافوطي عقاراته (منازل ومحالّ تجارية) في البلدة القديمة، بحيث ينتفع منها أولاده ونسله في السكن والحياة من دون بيعها أو تصرف خارج إطار الوقف​.

وبلغ عدد المستفيدين أكثر من 250 وارثا حسب شهادة المتولي السابق للعائلة، إذ اشترط الواقف تقسيم ريعه بالتساوي على ذريته من الذكور والإناث.

يشمل وقف الصافوطي مجموعة من العقارات الواقعة في محلة بني حارث في القدس، وتتضمن هذه العقارات دورا سكنية مكونة من طابقين تحتوي على بيوت ومساكن وساحات، وفرنا ملاصقا لتلك الدور، وصهاريج لجمع مياه الأمطار، وحاكورة بها زراعة.

وقف الصافوطي في مدينة القدس تتوارث الانتفاع به ذرية الصافوطي منذ قرون (الجزيرة نت) تاريخ وقف الصافوطي

ورد في أحكام السجلات الشرعية أن الشيخ إبراهيم بن المرحوم الحاج محمد الصافوطي كان من الأعيان المقدسيين القادمين من المغرب، وقد أوقف جميع عقاراته في البلدة القديمة لوجه الله​.

فالواقف المعروف بلقب الحاج إبراهيم خصص تلك الأملاك لأبنائه وذريته مدى الأجيال بلا تمييز جنسي (ذكرًا كان أم أنثى)​، ويأتي ذلك في سياق تقليد راسخ عند الأجداد الفلسطينيين، أوقف بموجبه السلف الصالح عقاراتهم في القدس الشريف سعيا للثواب وحفظ ممتلكاتهم​.

إعلان

وأوقف الحاج إبراهيم الصافوطي على عهده بتصديق الجزء الأكبر من أملاكه لذريته وإحسان المستفيدين المقيمين فيها، ووضع في الحسبان أن غالبية الأوقاف الذُرِّية في القدس تهدف بالأساس إلى منع انحلال ملكيات العائلة وضياعها لغير ذويها​.

الاسم الرسمي للوقف هو "وقف الشيخ إبراهيم بن محمد الصافوطي"، ومع مرور الزمن بسبب تغير النظار وارتباط الأحفاد بأسماء عائلية أخرى، أصبحت السجلات تشير إلى الوقف بأسماء متفرعة أو مرتبطة بمن تولى نظارته مثل "وقف آل زريق"، كما سمته بعض الوثائق العائلية "وقف جدي الأعلى".

وتنص وثيقة الوقف على أن صاحبه "أوقفه على نفسه مدة حياته ثم على أولاده الموجودين من بعده من الذكور محمد وعلي، ومن الإناث فاطمة وعائشة وحليمة وصفية القاصرة، على السوية الذكر والأنثى في ذلك سواء، لا ميزة لأحدهم على الآخر".

وتضيف الوثيقة "ثم بعد أولاده المذكورين أولادهم ثم أولاد أولادهم ثم أولاد أولاد أولادهم، ثم على نسلهم وعقبهم؛ على أن من مات منهم انتقل نصيبه لولده أو لولد ولده أو أسفل من ذلك، وإن لم يكن ولده موجودا، ومن مات من غير ولد ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك عاد نصيبه إلى من هو في درجته وذوي طبقته، وإذا انقرضوا ولم يبق للواقف نسل ولا عقب كان ذلك وقفا على الحجرة النبوية الشريفة المحمدية على الحال أو للفقراء، ويكون النظر عليه للمحاكم الشرعية".

وكان المحامي علاء البكري متولي وقف الشيخ علاء الصافوطي، والقاضي فواز إبراهيم نزار عطية من المنتفعين منه ومن المهتمين بصيانة مواقعه.

الوقف يضمن لذرية الصافوطي حق السكن والانتفاع من ريعه مدى الحياة (الجزيرة نت) وقف للسكن والانتفاع

وقف الصافوطي وقف ذرّي (عائليّ) بالدرجة الأولى، وليس وقفا خيريا عاما. وبحسب نصوص الوقف المتداولة، فقد ضمن الواقف للذريَّة حق السكن والانتفاع من ريعه مدى الحياة، مع إلزام الحراس الشرعيين (المتولي) بإصلاح عقارات الوقف من عائداته والمحافظة عليها​.

إعلان

وإذ إن هذه العقارات لم تتجاوز قديما نحو 12 بناء (من بيوت ومحال) وكان عائدها السنوي ضئيلا، فقد ظل مجموع الإيجارات السنوية لا يتجاوز 3500 دينار أردني، منها 10% أجرة للمتولي، والنسبة الباقية تُقسم على المئات من المستحقين​، ويستخدم الورثة الوقف للسكن والعيش والتجارة.

ومن العائلات العريقة المستفيدة من هذا الوقف عائلة زريق التي يتمسك أهلها بسكناهم في مباني الجد الحاج إبراهيم منذ 443 عاما.

فقد تولى نظارة الوقف مثلا عبد القادر زريق ومحمد بن خليل زريق وعطية زريق وموسى بن عطية بن محمد زريق.

على غرار أوقاف مقدسية أخرى يتعرَّض وقف الصافوطي لضغوط من جهات استيطانية (الجزيرة نت) وقف الصافوطي تحت الاحتلال

لا تعترف إسرائيل بالأوقاف الذرّية الإسلامية كما تنص عليها الصيغ الشرعية، وتعتبر مثل هذه الأوقاف التقليدية تحدّيا لمخططاتها في المدينة​. وعلى غرار أوقاف مقدسية أخرى، يتعرَّض وقف الصافوطي لضغوط من جهات استيطانية أو إجراءات قانونية إسرائيلية.

فقد وثقت مصادر مقدسية محاولات متكررة للاستيلاء على عقارات وقفية بالقدس (أحيانا عبر تزييف الوثائق أو تحريض ضعفاء النفوس)، وذلك جزء من حملة تهويد المدينة. ورغم عدم إغلاق وقف الصافوطي أو إلغائه رسميا، فإنه يتعرض للتهديد، فالإجراءات التشريعية الإسرائيلية وأحكام أملاك الغائبين قد تُفرض على أملاك الوقف كما وقع لعقارات عربية أخرى.

ويؤكد القائمون على الوقف أنه لا يزال قائما اسميا، وأن الأدلة الشرعية تحمي حق ورثة الواقف في الانتفاع بعقاراتهم​، وإن ظلت الحاجة قائمة لتعزيز صموده والالتفاف على الإجراءات التعسفية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی القدس

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: مشارف العودة إلى الاتحاد الإفريقي

بعد أكثر من ثلاث سنوات من التجميد، يبدو أن السودان بات على مشارف العودة إلى الاتحاد الإفريقي، مدفوعًا بجملة من التحولات السياسية والدبلوماسية التي بدأت تثمر مواقف أكثر تفهمًا من قبل المجتمع القاري تجاه الأزمة السودانية. هذه العودة لا تنفصل عن سياقات إقليمية ودولية، كما أنها تعكس صراعًا محتدمًا بين مساعي تثبيت الدولة الوطنية و محاولات الالتفاف عليها. في هذا المقال نستعرض مؤشرات هذه العودة المحتملة، والسياقات التي تجعلها ضرورة لتسريع الانتقال.

خلال الأشهر الأخيرة بات السودان على وشك العودة إلى الاتحاد الإفريقي، بعد أكثر من ثلاث سنوات من تعليق عضويته إثر إجراءات 25 أكتوبر 2021. وتُقرأ هذه العودة المحتملة في سياق انعكاس لتحولات داخل المشهد السياسي السوداني، وتفاعل مختلف المؤشرات والمعطيات الإقليمية والدولية المحيطة.

في 19 مايو 2025، أقدم الرئيس البرهان على تعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء، في خطوة وُصفت في عدد من التصريحات الدولية بأنها إشارة إيجابية نحو استعادة المسار الدستوري. فقد رحّب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمود علي يوسف، بهذا التعيين واعتبره خطوة نحو حكومة قد تسهم في تهيئة البيئة السياسية للانتقال المدني الشامل، وفقًا لما ورد في بيان رسمي صادر عن المفوضية نُشر عبر وسائل إعلام دولية، منها وكالة “رويترز”.

وقد جاء هذا التطور في سياق دبلوماسي حافل بالتحركات السودانية الهادفة إلى إعادة بناء جسور الثقة مع الاتحاد الإفريقي، وهو ما برز بوضوح الأسبوع الماضي من خلال المشاركة الرسمية للسودان في فعالية “يوم إفريقيا” بمقر الاتحاد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وقد ضمّت المشاركة جناحًا ثقافيًا سودانيًا لافتًا، وكانت الأولى منذ قرار التجميد في أكتوبر 2021، وحظيت باهتمام واضح من قيادات إفريقية، أبرزهم رئيس مفوضية الاتحاد ووزير الخارجية الإثيوبي، كما أكدت تغطيات إعلامية لشبكة “BBC Africa”.

كذلك تبنّت قمة إحياء السلم والأمن لجمهورية الكونغو الديمقراطية والمنطقة، والتي انعقدت في مدينة عنتيبي الأوغندية مؤخرًا، بندًا خاصًا تحت عنوان “التضامن مع السودان” في بيانها الختامي. وجاء في البيان دعم لخارطة طريق الحكومة السودانية، وتأكيد على سيادة السودان ورفض الحلول المفروضة من الخارج، وهي صيغة تحمل إدانة مبطنة لأي تدخلات إقليمية مباشرة، خاصة تلك التي تمارسها بعض الدول في دعم الميليشيا .

وقد نقلت وسائل إعلام رسمية، مثل “الشرق”، تصريحات من الوفد السوداني المشارك برئاسة مالك عقار، اتهم فيها دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم ميليشيا الدعم السريع المتمردة، وطالبها بوقف الدعم الذي تقدّمه.

لكن التحول الأبرز في العلاقة مع المنظمة تمثل في زيارة وفد مجلس السلم والأمن الإفريقي إلى بورتسودان في أكتوبر 2024 ، برئاسة السفير محمد جاد، سفير مصر لدى الاتحاد. وقد اعتُبرت هذه الزيارة، وفق مراقبين، أبرز محطة في مسار تطبيع العلاقات بين السودان والمنظمة القارية. وتأتي أهمية هذه الزيارة من كونها الأولى منذ اندلاع الحرب، وكونها أيضًا مثّلت اعترافًا ضمنيًا من الاتحاد بضرورة مراجعة مواقفه السابقة تجاه السودان، خاصة بعد أن عبّر الرئيس البرهان عن موقف حازم من توصيف الاتحاد لما جرى في أكتوبر 2021، معتبرًا أن السودان يواجه استعمارًا بالوكالة عبر ميليشيا متمردة مدعومة إقليميًا.

وفي هذا اللقاء، أشار البرهان إلى أن جزءً من البلاد “يقبع تحت احتلال ميليشيا متمردة مدعومة بمرتزقة أجانب”، وهو توصيف وجد طريقه إلى النقاشات الداخلية للمجلس، بحسب تسريبات صحيفة Jeune Afrique في تغطيتها بتاريخ 26 مايو 2025.

وأشار السفير محمد جاد حينها، في تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام دولية، من بينها قناة “الحدث”، إلى أن الوفد لمس خلال زيارته تفاهُمًا واسعًا لضرورة استعادة السودان لعضويته، باعتبار ذلك شرطًا أساسيًا لدعم جهود السلام وفتح قنوات التعاون، مؤكدًا أن الزيارة تؤسس لـ”خارطة طريق جديدة” لعودة السودان إلى المنظومة الإفريقية.

وتتزامن هذه التحولات مع استمرار انتهاكات جسيمة ترتكبها ميليشيا الدعم السريع، بحسب ما أكدته منظمات حقوقية ودولية، أبرزها “هيومن رايتس ووتش”، التي وثّقت في تقارير حديثة ارتكاب هذه القوات جرائم حرب في ولايات دارفور وكردفان. وآخر الإدانات صدرت أمس من الخارجية الأمريكية، نتيجة قصف الميليشيا منشأة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في دارفور، كما سبق أن فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على قائدها محمد حمدان دقلو، وسبع من شركاته التي تتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها.

هذا، وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن استعادة السودان لمقعده في الاتحاد الإفريقي ستكون تتويجًا لتحول سياسي ودبلوماسي كبير، ونجاحًا حقيقيًا للاتحاد الإفريقي في مغادرة موقع “المراقب السلبي” والتحول إلى شريك حقيقي في استعادة الأمن والسلام في السودان. عليه، فإن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد طبيعة العلاقة بين السودان والاتحاد الإفريقي. وحال تحقق ذلك، ستكون الخرطوم قد قطعت شوطًا مهمًا نحو استعادة موقعها كدولة محورية في القارة الإفريقية.
إبراهيم شقلاوي

الأحد 1 يونيو 2025م. Shglawi55@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الجلاد: لو عُرض عليّ اختيار إبراهيم عيسى أم الباز للبرلمان.. أختار عيسى طبعاً
  • هشام يكن عن إبراهيم سعيد: أتمني الأهلي يسانده ده واحد من أولاد النادي
  • لماذا يخشى المصريون من طرح أصول الوقف أمام الخواص؟
  • وزير الخارجية البريطاني: العلاقات مع المغرب تمتد لـ8 قرون
  • وزير الأوقاف يكلف الشيخ محمد إبراهيم سليمان مديرا لإدارة المراجعة والحوكمة
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: مشارف العودة إلى الاتحاد الإفريقي
  • وظائف شاغرة بهيئة عقارات الدولة في عدة تخصصات
  • حملة «وقف الحياة» تجمع أكثر من 500 مليون درهم خلال أسبوعين من إطلاقها
  • حملة «وقف الحياة» تجمع 500 مليون درهم من 93 ألف مساهم في أسبوعين