الذكاء الاصطناعي يحاكي تعقيدات العقل البشري.. GPT-4o يعكس تناقضات نفسية
تاريخ النشر: 2nd, June 2025 GMT
أظهرت دراسة حديثة نشرت في مجلة PNAS أن نموذج الذكاء الاصطناعي GPT-4o من OpenAI يظهر سلوكًا يشبه التنافر المعرفي، وهي ظاهرة نفسية بشرية تُعرف بتناقض المواقف بين السلوك والمعتقدات.
والتنافر المعرفي في علم النفس هو حالة من التوتر الذهني تحدث عندما يتعارض سلوك الفرد مع معتقداته أو قيمه، مما يدفعه إلى تعديل أحدهما لتخفيف هذا الصراع الداخلي، وقد صمم العالمان ماهزارين باناجي وستيف لير تجربة لاختبار هذه الظاهرة على GPT-4o، حيث طلبا من النموذج كتابة مقالين متعارضين حول رجل الأعمال إيلون ماسك، أحدهما مؤيد والآخر ناقد.
ولاحظ الباحثان أن النموذج غيّر “مواقفه” تجاه ماسك اعتمادًا على المحتوى الذي أنتجه، خاصة حينما منحه حرية اختيار وجهة نظر المقال، وأوضح البروفيسور باناجي أن النموذج، رغم تدريبه على كميات ضخمة من البيانات المتعلقة بماسك، انحرف عن موقفه المحايد بعد كتابة مقال قصير، في ظاهرة مشابهة لما يحدث للبشر عند مواجهة تحيزات غير عقلانية.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه الظاهرة تحاكي ميكانيزمات نفسية معقدة تعمل في الدماغ البشري، حيث يميل الإنسان إلى تعديل معتقداته لتتوافق مع أفعاله، خاصة إذا عزى تلك الأفعال إلى اختيارات شخصية حرة، وهذا يسلط الضوء على هشاشة “القناعات” التي تتبناها نماذج اللغات الكبيرة، التي يمكن لتجربة قصيرة أن تؤدي إلى تغييرات جذريّة في مواقفها.
وأكد الباحثون أن هذه النماذج لا تمتلك وعيًا أو نية مسبقة، وإنما تحاكي ببراعة العمليات النفسية البشرية، بما في ذلك التحيزات والتناقضات، دون إدراك حقيقي.
واعتبر البروفيسور لير أن قدرة GPT على محاكاة التنافر المعرفي تلقائيًا تعكس عمق التفاعل البنيوي بين أنظمة الذكاء الاصطناعي والعمليات الإدراكية البشرية.
واختتم الفريق البحثي بأن هذه النتائج تفرض إعادة نظر جذرية في فهمنا لكيفية عمل الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد آلة لمعالجة النصوص، بل نموذج قادر على إعادة إنتاج التعقيدات النفسية والاجتماعية التي لطالما اعتبرناها حكراً على العقل البشري.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي شات جي تي بي نموذج ChatGPT الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
تعليم التفكير في العصر الرقمي.. تحدٍّ تربوي في مواجهة الذكاء الاصطناعي
«الدماغ بخيلٌ معرفيّا يسعى إلى إنفاق أقل قدر ممكن من الطاقة في حلّ المشكلات»
سوزان فيسك وشيللي تايلور
خلال الأسابيع الأخيرة، وفي أحاديث مع مهنيين من جامعات مختلفة وتخصّصات متباينة، كنّا نلتقي عند القلق نفسه: الاعتماد المتزايد للطلاب على الذكاء الاصطناعي. كثيرون شاركوا تجارب متشابهة. فعند طلب مشروعات أو أبحاث يُسمح فيها بالاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي، وصلتهم أعمالٌ مكتوبة كتابة متقنة، لكن خالية من الفهم الحقيقي. وخلال العروض الشفوية، عجز عدد من الطلاب عن شرح المنهجيات المستخدمة أو تبرير النتائج التي قدّموها. كانت الدهشة عامة، وكذلك الإحباط: لقد استُخدمت التكنولوجيا بديلا عن التفكير، لا وسيلة لتعزيزه.
لا يتعلق الأمر برفض الذكاء الاصطناعي. على العكس، فإمكاناته في توسيع الوصول إلى المعرفة، وتحسين الإنتاجية الأكاديمية، وتخصيص عملية التعلّم لا جدال فيها. لكن القيمة الحقيقية لهذه الأدوات تعتمد على الكيفية التي نستخدمها بها.
التحدي الأكبر اليوم لا يكمن في إتقان التكنولوجيا، بل في تكوين عقول قادرة على التفكير والتحليل والتفسير في بيئة تبدو فيها الإجابات دوما على بُعد نقرة واحدة.
لقد اقترحت اليونسكو إطارا للكفاءات يوجه المعلمين والطلاب في الاستخدام الأخلاقي والفعّال للذكاء الاصطناعي. يشمل هذا الإطار أربع أبعاد: التفكير المرتكز على الإنسان، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والتقنيات والتطبيقات، وتصميم الأنظمة. ومن بين هذه الأبعاد، تظل الأخلاقيات والتفكير النقدي هما الأكثر إلحاحًا بالنسبة إلينا نحن التربويين. المسألة ليست في تقييد استخدام التكنولوجيا، بل في دمجها دون أن نفقد جوهر التعلّم: التفكير، والفهم، وبناء المعنى.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، من الضروري إعادة التفكير في ممارساتنا التعليمية. فإذا واصلنا تقييم المنتجات النهائية فقط ـ تقارير مكتوبة جيدا، ورسوم بيانية دقيقة، أو خلاصات منمّقة ـ فإننا نخاطر بأن نُكافئ مظهر المعرفة لا عمقها.
في دورة تدريبية حديثة حول الذكاء الاصطناعي، قال أحد المدرِّبين جملة شديدة الدقة «اليوم لم يعد بإمكان المعلّمين أن يقيسوا أداء الطلاب بالنتائج فقط، لأن الذكاءات الاصطناعية قادرة على إنتاج تلك النتائج بسهولة؛ علينا أن نعود إلى تقدير المسار، الطريق الذي قاد إلى تلك النتيجة».
هذه العبارة تختزل التحوّل في النظرة الذي نحتاج إليه. تقييم العملية يعني مرافقة الطالب في مساره الفكري، وتقدير جهده في الفهم، وقراءته الشخصية، وقدرته على المحاجّة. يعني أن نعيد إلى مركز التعلّم قيم الفضول، والتأمل، والتفكير الذاتي.
بهذا الهدف، أقترح ثلاث خطوط عمل يمكن أن تعزّز مهمة التدريس في هذا المشهد الجديد:
1- تقييم العملية، لا النتيجة فقط: طلب الأدلة على العمل المنجَز ـ مراحل التقدّم، وتبرير استخدام الذكاء الاصطناعي ـ يسمح بالتحقق من مستوى الفهم، ويسهم في ترسيخ النزاهة الأكاديمية.
2- تعزيز الدفاع الشفهي والتحليل النقدي: يجب أن تتركّز العروض التقديمية على الـ«لماذا» والـ«كيف» في النتائج، أكثر من مجرد تكرار معلومات وُلدت من أداة رقمية.
3- تعزيز محو الأمية الرقمية والأخلاقية في الذكاء الاصطناعي، لدى المعلّمين والطلاب على حدّ سواء: لا يكفي أن نُعلِّم استخدام التكنولوجيا؛ من الضروري أيضا تكوين حس نقدي حول الاستخدام المسؤول وحدوده.
السياق الجامعي في بوليفيا يواجه تحدّيًا مزدوجا: دمج الابتكار التكنولوجي، وفي الوقت نفسه الحفاظ على تنمية التفكير النقدي. بعض الجامعات بدأت بالفعل في إدماج الذكاء الاصطناعي في القاعات الدراسية، لكن ما يزال هناك نقص في عملية تعميم أعمق، وفي برامج تدريب منهجية تتناول الأبعاد الأخلاقية والتربوية.
ينبغي أن تكون تنمية المعلمين مستمرة ومرنة، لأن الأدوات التكنولوجية تتطور بسرعة، ومعها تنمو أيضا مخاطر الاعتماد المفرط وسهولة الوقوع في التضليل.
في هذا المسار، للجامعات دور حاسم. وفي حالة «الجامعة التكنولوجية الخاصة لسانتا كروز (UTEPSA)»، فإن التزامها بالتكوين المتكامل، وبالاستخدام الأخلاقي والمسؤول للذكاء الاصطناعي، يمثّل مثالا على التقدّم المؤسسي. مبادرات من هذا النوع تبرهن أن من الممكن تحقيق توازن بين الابتكار والتفكير النقدي، وبين التكنولوجيا والإنسانية.
التدريس في القرن الحادي والعشرين يتطلّب توازنًا ووضوحًا في الغاية. لا يتعلق الأمر بتعليم استخدام أداة فحسب، بل بتعليم التفكير معها: فهم حدودها وإمكاناتها، التعرف على تحيزاتها، واستخدامها لتعزيز التعلّم. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون حليفًا استثنائيًا، شريطة أن يدرك الطلاب أن فعل التفكير يظل مهمة لا يمكن استبدالها.
رسالتي واضحة: لا نتخلَّ عن التفكير الإنساني في عصر الذكاء الاصطناعي. مهمّتنا ليست منافسة التكنولوجيا، بل تكوين أشخاص قادرين على فهمها، ومساءلتها، واستخدامها بوعي ومعنى.
يجب أن تظلّ التربية ذلك الفضاء الذي يتحاور فيه الذكاء البشري والاصطناعية ويتكاملان ويبنيان معا معرفة أصيلة. التكنولوجيا ليست العدو. التهديد الحقيقي هو الكسل المعرفي. وأمام هذا التهديد، ستبقى أفضل استجابة لدينا هي أن نعلم الناس كيف يفكّرون في هذه الحقبة الرقمية.
ألبرتو ليمبياس كالفيمونتيس أكاديمي بوليفي، وأستاذ جامعي وباحث في «الجامعة التكنولوجية الخاصة في سانتا كروز» (UTEPSA)، ومتخصّص في قضايا التعليم العالي، والابتكار التربوي، وتوظيف التقنيات والذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية.
عن صحيفة إل ديبير «El Deber» البوليفية.
تمت الترجمة عن الإسبانية باستخدام الذكاء الاصطناعي.