عبيدلي العبيدلي

خبير إعلامي

 

يُعدّ الذكاء الاصطناعي أحد أبرز الظواهر التقنية المعاصرة التي يعتقد الكثيرون أنها ستُعيد رسم ملامح الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين. فمنذ بداية الألفية، تحوّل الذكاء الاصطناعي من مجرد كونه فرعًا نظريًا في علوم الحوسبة، إلى محرك فعلي لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وربما العالمي، بما في ذلك تشكيل سلاسل الإنتاج، وأسواق العمل، وأنظمة اتخاذ القرار.

ومع كل طفرة في هذا المجال، تتسارع التحولات الاقتصادية، وتتشكل استقطابات فكرية جديدة تتوزع بين مؤيدين يرون فيه أداة فعالة لتحفيز النمو، ومعارضين له لا يكفون عن التحذير من مغبة تداعيات انعكاساته الاقتصادية البنيوية.

يمتاز الجدل حول الذكاء الاصطناعي بطابعه الديناميكي، إذ لا يتصل فقط بفعالية التقنية، بل يتقاطع مع قضايا توزيع الثروة، ومستقبل العمل، والمساواة الرقمية، والسيادة الاقتصادية. وقد بات من الملحّ، بشكل قاطع، التفكير فيه باعتباره قضية سياسية–اقتصادية–أخلاقية بامتياز، تتطلب تجاوز التقييمات التقنية البحتة نحو تحليلات عميقة للبنى الاقتصادية والاجتماعية.

تهدف هذه المقالة إلى تفكيك هذا الجدل من خلال عرض شامل لحجج المؤيدين والمعارضين، وتحليل القضايا المحورية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في الاقتصاد، مع تقديم حالات واقعية تجسد الاتجاهين، وأخيرًا استشراف مآلات هذه التحولات على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

مواقف المؤيدين: الذكاء الاصطناعي رافعة للتحول الاقتصادي

يرى المؤيدون أن الذكاء الاصطناعي يمثل قفزة نوعية في تاريخ التطور الإنتاجي للبشرية، مكافئة لاختراع الكهرباء أو الإنترنت. وتتركز مبرراتهم في خمسة محاور أساسية هي:

 رفع الإنتاجية وتقليل التكاليف

تُظهر التجارب أن الذكاء الاصطناعي قادر، وبكفاءة غير مسبوقة، على مضاعفة إنتاجية القوى العاملة البشرية من خلال الأتمتة الذكية وتحليل البيانات والتعلّم الآلي. فالشركات التي تبنت أدوات تحليل البيانات والتنبؤ باستخدام AI – كـ Amazon وAlibaba، نجحت في خفض تكاليف التشغيل، وزيادة كفاءة سلسلة الإمداد، وتسريع دورة الإنتاج. وتُشير دراسة صدرت في العام 2022 عن مؤسسة   PricewaterhouseCoopers (PWC) إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يضيف 15.7 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول 2030.

 خلق نماذج أعمال جديدة

لا يقتصر أثر الذكاء الاصطناعي على تحسين العمليات التقليدية، بل يفتح الباب أمام نماذج أعمال جديدة بالكامل. فالخدمات المالية مثلًا شهدت ظهور شركات FinTech تستخدم الذكاء الاصطناعي في تقييم الجدارة الائتمانية والتسعير التفاعلي. وفي الطب، بات التشخيص القائم على AI يتفوق على بعض القدرات البشرية. هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي لا يُقصي العمل البشري، بل يُعيد تعريفه.

 تمكين الدول النامية عبر القفزات التقنية

من أبرز وعود الذكاء الاصطناعي قدرته على مساعدة الدول النامية في تجاوز مراحل التصنيع التقليدي. ففي الهند مثلًا، ساعدت أدوات الذكاء الاصطناعي المزارعين في التنبؤ بالمواسم الزراعية وتحسين الإنتاج. أما في كينيا، فتم تطبيق الذكاء الاصطناعي في إدارة شبكات الكهرباء المحدودة لتعظيم كفاءتها. هذا الاستخدام "التنموي" يخلق أملًا بإعادة التوازن العالمي عبر التكنولوجيا.

 تعزيز الحوكمة واتخاذ القرار الاقتصادي

تُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي اليوم في تحليل اتجاهات الاقتصاد الكلي، وتقييم المخاطر الائتمانية، وضبط التهرب الضريبي. فالهند طوّرت نظامًا رقميًا يعتمد على AI لرصد التجارة غير الرسمية والتهرب من الضرائب، مما ساعد في رفع الإيرادات العامة بنسبة 14%. كما تلجأ بعض الحكومات إلى أدوات الذكاء الاصطناعي لمحاكاة نتائج السياسات الاقتصادية قبل تطبيقها.

 تسريع البحث العلمي والابتكار

بفضل قدرته على معالجة كميات هائلة من البيانات، ساهم الذكاء الاصطناعي في تسريع وتيرة البحث العلمي، خاصة في مجالات الأدوية، والطاقة، والمناخ. كما أدى إلى تخفيض تكاليف الابتكار، مما يُمكّن الشركات الناشئة من المنافسة في مجالات كانت سابقًا حكرًا على الشركات العملاقة.

مواقف المعارضين: الذكاء الاصطناعي كتهديد اقتصادي بنيوي

رغم الحماس الذي يُبديه أنصار الذكاء الاصطناعي، فإن معارضيه يُثيرون مخاوف جوهرية تتجاوز المسائل التقنية إلى بنية الاقتصاد العالمي نفسه. يرى هؤلاء أن الذكاء الاصطناعي، في صيغته الحالية، وجوهر أدائه التقني، لا يخدم التنمية الشاملة، بل يُكرّس الاحتكار، ويقضي على الوظائف، ويُعمّق الفجوة الطبقية، ويُضعف قدرة المجتمعات على السيطرة على مستقبلها الاقتصادي ويمكن تلخيص دعوات المنتقدين في النقاط التالية.

 تهديد سوق العمل وتفكيك الطبقة الوسطى

يشير المنتقدون إلى أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى فقدان الملايين من الوظائف، خاصة في المجالات المتوسطة المهارة التي شكلت تاريخيًا عماد الطبقة الوسطى. فعلى سبيل المثال، تعمل تقنيات الترجمة الآلية على تقليص الحاجة للمترجمين، وتقوم خوارزميات المحاسبة بتقليل الطلب على المحاسبين التقليديين، بينما بدأت السيارات ذاتية القيادة تُهدد وظائف سائقي الأجرة والنقل.

وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (2023)، من المتوقع أن تستبدل الأتمتة نحو 85 مليون وظيفة بحلول العام 2025، رغم خلقها وظائف جديدة. إلا أن هذه الوظائف تتطلب مهارات عالية في البرمجة، وتحليل البيانات، والرياضيات، وهي مهارات لا تمتلكها الغالبية العظمى من العاملين حاليًا. هذا الخلل قد يؤدي إلى بطالة هيكلية مزمنة وتآكل الاستقرار الاجتماعي.

تعميق الاحتكار وتركيز الثروة

يرى كثيرون، ممن يقفون في وجه توسيع نطاق استخدامات الذكاء الاصطناعي، أنه بوعي أو بدون وعي، يُعزز من هيمنة الشركات الكبرى، خاصة تلك التي تمتلك البيانات الضخمة والبنى التحتية السحابية. فشركات مثل Google وMeta وAmazon تملك من المعلومات والقدرات الحسابية ما يُمكّنها من احتكار الابتكار وتوجيه السوق وفق مصالحها. وهذا الوضع يخلق ما يسميه بعض الاقتصاديين "الرأسمالية الخوارزمية"، حيث يتحول السوق إلى مساحة مغلقة تديرها خوارزميات بلا شفافية.

هذا التركّز لا يُضعف فقط المنافسة، بل يخلق فجوة عميقة بين الشركات العملاقة وبقية الفاعلين الاقتصاديين، ويمنع الشركات الناشئة في الدول النامية من الدخول الجدي إلى السوق.

 إخفاقات أخلاقية وتمييز منهجي

العديد من حالات سوء استخدام الذكاء الاصطناعي كشفت عن ميل هذه التكنولوجيا إلى إنتاج نتائج متحيزة وغير عادلة. تعود هذه المشكلة إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي تُدرَّب على بيانات تاريخية تعكس أوجه التمييز الطبقي أو العرقي أو الجندري في المجتمع. على سبيل المثال، في عام 2018 اضطرت شركة Amazon إلى سحب نظام توظيف آلي تبين أنه يقلل تلقائيًا من تقييم السير الذاتية للنساء.

تنعكس هذه التحيزات في القرارات الاقتصادية: من يُمنح قرضًا؟ من يتم قبوله في الوظيفة؟ من يُصنف كزبون مميز؟ الذكاء الاصطناعي هنا لا يُعيد إنتاج التمييز فقط، بل يُخفيه تحت قناع "الحياد الرقمي".

 تقويض السيادة الاقتصادية الوطنية

يرى النقاد أن الذكاء الاصطناعي، وخاصة في مجال صنع القرار الاقتصادي، يُضعف قدرة الدول على التحكم في سياساتها. فمع ازدياد الاعتماد على خوارزميات خارجية في القطاعات الحيوية، تفقد الحكومات، وعلى وجه الخصوص حكومات الدول الصغيرة أو النامية، السيطرة على أدوات الرقابة والتنظيم. في حالات عديدة، باتت قرارات تتعلق بالإقراض أو التوظيف أو الاستثمار تُتخذ بناء على أنظمة خوارزمية مملوكة لشركات خاصة لا تخضع للرقابة العامة.

الأمر لا يقتصر على الدول النامية، بل يمتد إلى الاقتصادات المتقدمة، حيث بدأت البنوك والشركات الكبرى تعتمد على نماذج ذكاء اصطناعي من تطوير شركات خارجية، ما يخلق تهديدًا حقيقيًا لـ "السيادة الاقتصادية الرقمية".

 نشوء أزمات اقتصادية خوارزمية

أحد المخاوف الكبرى يتعلق بالقدرة المحدودة للبشر على توقع وتفسير سلوك أنظمة الذكاء الاصطناعي المعقدة. فقد نشهد في المستقبل أزمات مالية أو تجارية أو استهلاكية ناتجة عن قرارات آلية غير مفهومة أو تفاعل تلقائي بين أنظمة متنافسة. مثال على ذلك ما حدث في "الانهيار الخاطف" (Flash Crash) في بورصة نيويورك عام 2010، حيث أدت معاملات آلية إلى انهيار الأسواق خلال دقائق دون تدخل بشري.

لذا يحذر المعارضون من أخطار تنامي استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي أنه إذا استمر الاعتماد المفرط على أنظمة لا يمكن تفسيرها أو مساءلتها، فقد نصل إلى نقطة تفقد فيها المؤسسات الاقتصادية سيطرتها على أدواتها نفسها.

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی أن الذکاء الاصطناعی الدول النامیة

إقرأ أيضاً:

النظام العالمي والشرق الأوسط الجديد

الجِدة في التسمية، لم تخف القبح والإجرام في حق الشعوب العربية والإسلامية، لأنه نظام استعماري يعتمد على إخفاء كل مظاهر الإجرام والطغيان والاستغلال والفساد تحت عناوين خادعة؛ فسلب خيرات الشعوب واستعبادها والدول المستهدفة نامية أو من دول العالم الثالث وهكذا.
عندما انتصر تحالف الدول الأوروبية في الحرب العالمية الأولى، اتفقوا على إنشاء عصبة الأمم لتمكينهم من استكمال تحقيق أهدافهم من خلالها كمظلة لتمرير مؤامراتهم وإجرامهم، لكن تحت مسمى المجتمع الدولي؛ ظاهر الأمر أنها لتنظيم الأسرة الدولية.. والحقيقة هي تأمين السيطرة الاستعمارية واستلاب الثروات ومصادرة السيادة وبالتالي حراسة الإجرام والاستعباد وضمان استمرار التفوق العسكري والتقني والاقتصادي لذلك التحالف واستدامة الانحطاط والتخلف لبقية الدول وأبرز مثال على ذلك تقنين الانتدابات والوصاية علة بقية الدول.
الثورات التي كانت تحدث إما أن يتم إجهاضها أو التحكم بمخرجاتها من خلال زرع العملاء وتسليمهم زمام الأمور، وهو ما حدث في كثير من الأقطار إلا في القليل والنادر الذي لا حكم له أو بالتدخل المباشر وفرض الأمر بقوة الحديد والنار.
استمر الأمر على ما هو عليه، لكن بروز قوى جديدة على الساحة مثل أمريكا والاتحاد السوفيتي وهزيمة دول المحور، أسقط عصبة الأمم، لأنها كانت تخدم توجهات التحالف الأوروبي لصالح إنشاء منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل التحكم في مخرجات وقرارات الأجماع الدولي وفرض الأيديولوجيات والتحكم بالشعوب والأمم، لكن تحت مظلة الإرادة الدولية.
انحسر النفوذ الأوروبي قليلا وبرز التنافس بين المعسكرين (الاشتراكي والرأسمالي) أيهما يستطيع السيطرة والاستحواذ على العالم من خلال اللعبة الدولية، وشهد العالم صراعات دامية لصالح الإجرام بشقيه، لكن امتلاك المعسكر الرأسمالي مناطق الثروات أجّل سقوطه إلى حين ولكنه عجّل بسقوط المعسكر الاشتراكي.
الدول التي اعتمدت على قدراتها وإمكانياتها، استفادت من التجاذب القطبي بين المعسكرين، أما الشعوب التي عوّلت على الاحتماء بالنفوذ فقط، لم تحقق أي نهضة، بل رهنت مقدراتها لدى ساسة الإمبريالية والرأسمالية الجديدة الأكثر طمعا وجشعا والتي لا يماثلها إلا الاستعمار الأوروبي الذي أباد سكان أمريكا من الهنود الحمر واستعبد قارة افريقيا وغيرها من القارات لصالحه.
العالم العربي والإسلامي وُضع تحت قائمة الأمم التي يجب عدم السماح لها بامتلاك قراراتها أو الاستفادة من ثرواتها وكل قطر سعى لتحقيق نهضة، تم تدميره، بينما نهضت أمم من كبوتها واستطاعت أن تنافس في كل المجالات المسموح بها، واستثناء في غير المسموح به مثل باكستان والهند ودول النمور الآسيوية واليابان وغيرها .
النظام العالمي يعتمد على الحروب في فرض أيديولوجيته وسياسته وإذا كان بعد الحرب العالمية الأولى قد أوجد نظام العُصبة وبعد الثانية أوجد الأمم المتحدة، فها هو اليوم وبعد سقوط النظام القطبي يسعى لفرض نظام القطب الواحد من خلال شن الحروب التي يريد بها القضاء على الأنظمة المخالفة وتأكيد السيطرة وإثبات الوجود، وهو ما تعمل عليه أمريكا مع المتحالفين معها من خلال السعي لإنشاء القطب الواحد الذي تتفرد فيه مع وجود كيانات إقليمية وغيرها، لكن تحت سيطرتها ولحساب تنفيذ السياسة الأمريكية.
معظم الأنظمة في العالمين العربي والإسلامي لأنها صُنعت من الخارج، وُضعت على هامش التاريخ ولذلك فقد صيغت أيديولوجيتها في الماضي على تنفيذ أجندات ومصالح المعسكرين (الاشتراكي والرأسمالي)، فبعضهم يحارب مع المعسكر الاشتراكي وبعضهم يحارب مع المعسكر الرأسمالي وبعد سقوط الاشتراكية تمت صياغة أيديولوجيات لحماية مصالح التحالف الصهيوني الصليبي، لكن تحت عنوان (مكافحة الإرهاب) خاصة وقد أوجد الإجرام المبرر لشن الحرب على الدين الإسلامي وتحت عناوين إسلامية وبإمكانيات وثروات إسلامية وأسماء وصور مسلمين.
الأنظمة استغلت العنوان لتوطيد أدواتها والقضاء على الخصوم السياسيين والمنافسين وحتى المظاهر الديمقراطية التي تم السماح بها لا تعني شيئا إذا لم تحم مصالح التحالف الصهيوني الصليبي وهو ما قاله زعماء الغرب “لا نريد ديمقراطية إذا أتت بالإسلاميين إلى السلطة”.
أمريكا وتحالفها استغلت عنوان (مكافحة الإرهاب) لمد نفوذها وسيطرتها إلى كل الأماكن التي تعارض سياستها وأوجدت تحالفات لإبادة العرب والمسلمين، حتى الفتاوى حصلت عليها ووصل الحال ببعض هذه الفتاوى إلى تأييد ودعم الإجرام اليهودي والهندوسي والبوذي واستحلال دماء الإسلام والمسلمين.
النظام العالمي الجديد الذي يُراد الوصول إليه يعتمد على فرض الرؤية والهيمنة الأمريكية دون منازع وضمان السيطرة والتفوق لكيان الاحتلال في إطار ما يطلق عليه (الشرق الأوسط الجديد) وذلك لحماية المصالح الأمريكية والغربية في الوطن العربي وحماية الأنظمة التي تدين بالولاء للغرب والقضاء على كل محاولات التغيير والتطور، بالإضافة إلى مواجهة التغلغل والتمدد للقوى المنافسة، باعتبار الوطن العربي منطقة نفوذ مغلقة لصالح التحالف الصهيوني الصليبي.
تركيز النظام الدولي الجديد على استهداف الدين الإسلامي دون القوى والأيديولوجيات الأخرى، لأنه يستطيع القضاء على القوة الروسية بالقوة من خلال الحرب الأوكرانية التي تمولها أوروبا ويستطيع مواجهة الصين كقوة اقتصادية وعسكرية أيضا، أما الإسلام فقد تم تحطيم القوة المادية، لكن القوة الروحية والصحوة الدينية هي أهم ما يثير رعب النظام الرأسمالي والاستعماري الذي أساسه الأنانية والسعي للسيطرة على ثروات الأمتين العربية والإسلامية، وكل ذلك بفضل الأنظمة التي أوجدها ويخشى أن تذهب كل مصالحه ويخسر كل نفوذه في حال زوالها.
مفكرو السياسة الاستعمارية يبررون ذلك تحت شعار أو عنوان (صراع الحضارات)، فالتفوق الحضاري للغرب يقابله التخلف والانحطاط، خلق صراعا حضاريا، متناسين الإجرام المستمر والمتواصل، سواء مباشرة أو بواسطة الخونة والعملاء ومصادرة حريات الشعوب وسيادتها وثرواتها لصالح الاستعمار بأشكاله المتلونة وحقيقته القذرة التي لم تتغير؛ وهناك من المفكرين من يرى أن الحرب على الإسلام بمثابة استراحة استعداد لجولة قادمة من الصراع، فالإسلام والعالم الإسلامي خصم سهل، لكن العائدات كبيرة، أما المواجهة المرتقبة فستكون بين شركاء التحالف أمريكا وأوروبا، لأن النظام الذي يراد الوصول إليه لا يقبل القسمة على أكثر من واحد وهو ما طرحه المفكر الراحل الدكتور جمال حمدان قبل اغتياله من قبل من الموساد الإسرائيلي.
وإذا كان معظم مفكري الغرب يرون أن الدول العربية قد تختفي من الوجود بأي شكل من الأشكال، فإن مذكرات وزراء المستعمرات الذين صاغوا الخرائط القُطرية ووضعوا الحدود واعتمدوا على إثارة النعرات والاختلافات كأساس للواقع العربي، يتمنون أن تستمر الأوضاع كما هي عليه ولا يستفيق منها بسرعة، لأن ذلك سيؤدي إلى انهيار مشاريع القُطرية والتجزئة التي يراهنون عليها.
الحرب على غزة والحرب على محور المقاومة، تهدف إلى الحفاظ على المكون الأساسي لحماية مشاريع التجزئة والفُرقة والشتات الذي بدأ كمشروع استعماري لخدمة التحالف الصهيوني الصليبي ويسعى للتحول إلى قوة اقليمية تحكم العالم، وبينما تريد أمريكا القول إنها هي الحاكمة والمتحكمة فيه (كيان الاحتلال)، يثبت عكس ذلك وهو أن أمريكا ليست سوى أداة من أدواته وحتى الدول الأخرى التي قد تختلف معه، لكنها على الأقل تراعي مصالحه ولا تتعارض مع سياساته.
النظام العالمي الجديد ومثله الشرق الأوسط، لعبة إجرامية لتكريس النفوذ على حساب دماء الشعوب باستغلال التفوق العسكري والتكنولوجي والاقتصادي، وإذا كان يسمح للدول الأخرى بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، فإنه يعمل جاهدا على تدمير كل قدرات الدول العربية والإسلامية واحدة تلو أخرى، فها هو يعتدي على إيران ويصرّح برغبته في ضرب باكستان تاليا لكنه في المقابل يدعم القدرات النووية الهندية ولا يسمح بالحديث عن القدرات الإجرامية للكيان المحتل، ولا يستطيع أحد المطالبة بخضوعه للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لأنهم يعتبرون ذلك من قبيل معاداة السامية.

مقالات مشابهة

  • النظام العالمي والشرق الأوسط الجديد
  • اليمن نموذج فريد للمقاومة الاقتصادية.. لا بضائع أمريكية ولا (إسرائيلية) في الأسواق
  • بكين تتحدى الهيمنة الأمريكية.. الصين تدعو لتعاون دولي في «الذكاء الاصطناعي»
  • الصين تحذر من احتكار الذكاء الاصطناعي
  • الصين تدعو لتأسيس منظمة دولية لتنسيق التعاون في الذكاء الاصطناعي
  • أهم ما يميز أداة الذكاء الاصطناعي نوت بوك إل إم من غوغل
  • وزيرة الاقتصاد والمالية: يمكن أن نراجع التوقعات الاقتصادية للميزانية جراء تداعيات التوترات
  • المغرب يتوقع تسارع النمو الاقتصادي إلى 4.5% خلال 2025
  • ترامب يثير الجدل من جديد: لا يجب فرض رسوم على تدريب الذكاء الاصطناعي