غزة وتل أبيب.. ودراما التوأم وولاية العهد وخيانته
تاريخ النشر: 2nd, June 2025 GMT
ثمة حبكة درامية شهيرة، بُنيت على عروتها أفلام كثيرة أشهرها وليس أفضلها فيلم هنديٌ اسمه "دهارام فير"، وقد عُرض لدن العرب باسم "التوأمان". وسبب التسمية هو إزالة جفوة الاسمين الهنديين لدى العرب. وفي حكاية الفيلم، أنَّ الوزير الشرير يدسُّ ابنه في مهد ابن الملك، حتى يتولى الحكم ويرث العرش منه. وقد استغرق عرضه في حلب ستة أشهر، وتقول سيرة الفيلم إنّ صناعته استغرقت ست سنوات، وقد أخبرني شاب حلبي أنه شاهده 36 مرة، فالأفلام الهندية استعراضية، حافلة بالغناء والرقص والمشاهد الجميلة، وحكايتها سهلة مأنوسة، الأفلام الهندية أحلام يقظة يحتال بها صنّاع السينما على المُشاهد المغلوب.
وللحكاية القديمة، وقد تكون أقدم حكاية معروفة، نسخ صينية وأمريكية، وهي جميعها مقبوسة من قصة "دائرة الطباشير القوقازية"، فهي الأثر المعروف في الغرب، وهي مسرحية لبرتولد بريخت، قُبست عنها أفلام كثيرة على سبيل المثال لا الحصر؛ "الأميرة" (1959)، "المدينة التي لا تفي" (1986)، "المرآة" (1975)، "لا أعتقد أن هذا هو" (1970)، "المرأة التي تحب الرجل" (1972)،"فنون الطباشير" (2003)، فيلم رسوم متحركة، "بين الأرض والسماء" (1958)، "الميرا " (1957)، "الأم الشجاعة" (1963)، "الجنون" (1962)، "أنا" (1971)، "أعطني طفلا" (1958).
يحكم المؤلف الألماني بالوليد للأم الراعية، لا للأم الوالدة ظلما وعدْوا، فالغرب المسيحي يرى أنَّ المربية أولى من الوالدة، على عكس القضاء الإسلامي (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)، ويمكن تذكّر قصة الصحابي زيد بن حارثة، وهو الصحابي الوحيد الذي ورد اسمه في الذكر الحكيم (وحده لا غير)، تطييبا لخاطره في يتمه وطلاقه من سيدة قريش زينب بنت جحش. وهي حكاية مركبة بطابقين من حكايات التوأمين المتعاديين.
حكاية التوأمين من قصص النبي داود عليه الصلاة والسلام، جاء في الأثر النبوي: بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود صلى الله عليه وسلم، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم، فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أَشُقُّهُ بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل، رحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى.
وإن مضينا إلى الآثار سنجد الحكاية في الإسرائيليات، القذة بالقذة، وقد كبر الأخوان، حتى بلغا سنَّ الولاية، وفيها سذاجة الأفلام الهندية، (والحكايات العبرية) وقد وجدت تلخيصا في موسوعة اليهود واليهودية للحكاية التي وردت في سفر التكوين:
"يعقوب" اسم عبري (مطابق للعربي) معناه "يعقب" أو "يمسك العقب" أو "يحلُّ محل". ويعقوب هو ثالث آباء اليهود، وهو ابن إسحاق وجَدّ اليهود الأعلى، وأن يعقوب أمسك بكعب قدم عيسو (بالعبرية، عقب) عقب الولادة، ومن هنا كان اسمه. (تكوين 25/26). وتوجد قصتان أساسيتان في حياة يعقوب، أولاهما أنه حينما عاد عيسو من الصيد جائعا متعبا وجد أخاه يعقوب قد أعد طعاما، فسأله شيئا مما أُعدّ، فانتهز يعقوب الفرصة وباعه طعاما نظير بكورته (أي سبقه في الولادة)، وبحكم الشريعة كان الأكبر هو الذي يرث الزعامة بعد الأب، وقد خدع الابن الأصغر أبيه أيضا بتواطؤ من أمه! أي أنه ابتاع الولاية من الابن والأب.
ونجد في هذه الأيام صراعا حول الطعام، إسرائيل ومن خلفها أمريكا تعادل رفقة زوجة إسحاق ("ربيكا" في اللفظ الغربي) بمكرها وميلها إلى ابنها الأصغر، وكان إسحاق يميل إلى ابنه الأكبر، وقد أصاب بصره الكلال، فعمي. وأمريكا عمياء (منعت الإعلام من دخول غزة)، أو هي لا تحبّ أن ترى الحق (يمكن تذكر قصص الاغتصاب التي اتُهم بها مقاتلو القسام، وحرق الأطفال إبان وقوع طوفان الأقصى). وقد فسَّر بعض الحاخامات فقدان إسحاق البصر بأنه أطال النظر في ابنه عيسو "الشرير الإرهابي"، فأفقده البصر، وسينال يعقوب جزاء من جنس العمل في قصة يوسف الإسلامية: "وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم".
عودا على بدء، يُراد من فلسطين (التي لم يبق منها سوى غزة ومن غزة سوى رفح) أن تبيع الولاية بالطعام، وفي الحكاية مفاضلة بين الصيد والنبات أيضا، وتنسب الحكاية إلى إسحاق ميلا عن الحق، وقد عرف بالحيلة، لكنه أغضى وفضّل الطعام على الحق، وكذلك فعل عيسو (أو العيص)، وعين ما يراد من غزة الأمن مقابل الطعام أو الولاية مقابل الطعام، فقال الأب: وهو يجسّ ابنه المتنكر: الصوت صوت يعقوب والمسُّ مسُّ عيسو (هذه العبارة في القانون اسمها: التواطؤ مع سبق الإصرار والترصد). وكانت الولاية هي النبوة، والأنبياء ملوك في بني إسرائيل، وقد تفضلت الخوارزميات، فقذفت إلينا بصورة لأربعة ملوك بالأسود والأبيض، وفدوا إلى لندن، وهم: عيدي أمين من أوغندا، عبد ربه منصور من اليمن، معمر القذافي من ليبيا، ولد سيدي الطايع من موريتانيا، فعادوا إلى بلادهم ملوكا! تقول تحليلات كثيرة، فيها منطق وبراهين، إن أكثر زعماء العرب ليسوا على عقائد شعوبهم، ويمكن الاستدلال على ذلك بأقوالهم وأفعالهم، وليس فيهم من ورث الحكم كابرا عن كابر، أو نالها برضى الشعب.
غزة كشفت شخصيتها ونزعت قناعها، بثمن عظيم من دماء الأطفال والنساء والأطباء والصحافيين، وإنَّ المحتال يستخدم سلاح الجوع، وهو محرم دوليا، لكن الأب الغربي أعمى أو يتعامى
ومن المعجزات المقلوبة أنَّ نبيا مثل إسحاق في الراوية التوراتية باع النبوة بوجبة واحدة! ويمكن أن نذكر نبوءة مبكرة في أثر الطعام على خلق الإنسان لابن خلدون، بل نجد في الآثار نبوءات أبكر من تلك في الطعام وأثره، والحكاية التي نقصدها، وقد علمها القارئ؛ أنَّ أوربا دسّت ابنها العبري في مهد طفل فلسطيني، فتولاها وورثها وحكمها، وأقصى عنها الابن الشرعي، وشرده عن بيته وأهله، واغتصب حقوقه، وادّعاها لنفسه. يقول سفر التكوين: كبر الغلامان، وكان عيسو إنسانا يعرف الصيد، إنسان البرية، ويعقوب إنسانا "كاملا" يسكن الخيام (التي تعني الحضارة وقتها). وهي إعادة لقصة قابيل وهابيل، وقد استبدل فيها الإله بالأب.
تقول دراسة مصورة وثائقية إنَّ الناس يسارعون إلى نجدة الغني حسن الهيئة في الشارع عند وقوع حادث له، وتهمل رثّ الهيئة ذا الطمرين، وإنّ الوريث المزيف حسن الهيئة، وكان إلى ما قبل طوفان الأقصى أقل شرا ظاهرا، أقرب إلى الناس. بل إن إسرائيل المخادعة كانت تفزع إلى الكوارث -وكنا نراها في وكالات الإعلام وأغلبها مملوك لأبناء دينهم- وهي تخرج الأطفال من تحت الأنقاض في زلزال تركيا، فتظهر بصورة الدولة الحانية، لكن غزة كشفت شخصيتها ونزعت قناعها، بثمن عظيم من دماء الأطفال والنساء والأطباء والصحافيين، وإنَّ المحتال يستخدم سلاح الجوع، وهو محرم دوليا، لكن الأب الغربي أعمى أو يتعامى.
إنَّ مصر الرسمية (التي تعادل رفقة في الرواية) ومعها حكام العرب يميلون سرا للابن القوي الجميل، حسن الزيِّ (في دراما مسلسل وادي المسك شبيهان؛ أصيل ومدّع، تميل الأخت -منى واصف- إلى المدعي المحتال لأنه غنيٌّ وظريف)، لكن الحيلة لم تنطلِ على الشعوب الغربية، مع بسالة شعب غزة، فالناس بفطرتها تميل إلى الحق والسلم، فلا يمكن السكوت عن قتل الأطفال والعجز.
أمس هتفت الحشود في شوارع ميونخ بعد مباراة نادي باريس سان جيرمان وانتر ميلان في نهائي دوري أبطال أوروبا، الذي أقيم في ملعب "Allianz Arena" بمدينة ميونيخ: نحن أولاد غزة، وهو تحوّل كبير في ألمانيا التي حمل أبناؤها ذنبا لم يقرفوه.
كأننا نشاهد فيلما، وليس مجازر غزة في فيلم، بل حتى أنه في الأفلام كان النظارة يصفقون للبطل، وينكرون على الشرير بالصفير، وقد انكشفت حيلة إسرائيل (وهو لقب يعقوب) وبقي أن ينتصر العيص، وقد لاحت علامات هزيمة إسرائيل أخلاقيا في أكثر من عاصمة غربية.
x.com/OmarImaromar
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه فيلم الإسرائيليات غزة إسرائيل فيلم غزة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة مقالات مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يصعد من جرائمه بحق 47 أسيرة فلسطينية في سجونه
#سواليف
تواصل منظومة #سجون_الاحتلال التّصعيد من استهداف #الأسيرات، من خلال ترسيخ جملة #الجرائم، وسياسات السّلب والحرمان الممنهجة لحقوقهن، من بينها التّعذيب، والتّجويع، والجرائم الطبيّة، والتّفتيش العاري، واحتجازهن في #زنازين تفتقر للحد الأدنى من الشروط الصحيّة.
وقال نادي الأسير الفلسطيني في بيان، اليوم الاثنين، إنه واستنادا لمجموعة من الزيارات التي أجراها لعدد من الأسيرات خلال النصف الثاني من شهر أيار/ مايو المنصرم، عكست شهادتهن، استمرار الجرائم بكافة أشكالها دون أي تغيير على الواقع الاعتقالي الذي فرضته منظومة السّجون منذ بدء الإبادة، إلى جانب استمرار تسجيل عمليات تفتيش، وقمع، واعتداءات متكررة بحقهن، وقد خيم على إفاداتهن تدهور الأوضاع الصحيّة لعدد منهن، لا سيما الأسيرات اللواتي يعانين من مشاكل صحيّة مزمنة، وحاجة عدد آخر منهنّ للعلاج والمتابعة.
ولفت نادي الأسير، إلى قضية الأسيرة فداء عساف من قلقيلية المعتقلة منذ شهر شباط/ فبراير 2015، والتي تُعاني من سرطان في الدم، حيث تواجه تفاقاً مستمراً على وضعها الصحيّ، جرّاء ظروف الاعتقال القاسية، وحاجتها الماسّة للرعاية وللمتابعة الحثيثة؛ وبحسب الفحوص الطبيّة التي أُجريت لها مؤخراً في مستشفى (رمبام) الإسرائيليّ، فقد بيّنت أنّ المرض قد وصل إلى مرحلة أصعب مما كان عليه قبل الاعتقال، وأنها بحاجة إلى علاج مضاعف، ومع ذلك يواصل الاحتلال اعتقالها على خلفية ما يسميه بالتحريض.
مقالات ذات صلة مجازر جديدة في قطاع غزة.. وجيش الاحتلال يوسع عملياته جنوبا وشمالا / شاهد 2025/06/02وذكر أنّ حالة المعتقلة عساف، واحدة من بين عدد من الأسيرات اللواتي بحاجة إلى متابعة صحيّة بشكل حثيث، ونذكر هنا حالة الأسيرة حنين جابر من طولكرم وهي وأم لشهيدين، جرى اعتقالها في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024، والتي تبين بعد اعتقالها أنها تعاني من ورم في الثدي، واليوم تحتاج جابر إلى متابعة صحيّة مضاعفة، وأن تكون خارج الأسر حتى تتمكن من الحصول على العلاج اللازم لها.
أما على صعيد الاعتداءات المتواصلة بحقّ الأسيرات، فقط تعرضت الأسيرة كرمل الخواجا مؤخرا لاعتداء جرى بعد عملية قمع تعرضت لها الأسيرات في شهر أيار/ مايو المنصرم، حيث اقتحمت قوات القمع قسم الأسيرات وأقدمت على إخراجهن إلى ساحة السّجن، وأجرت تفتيشات للزنازين، وخلال عملية القمع اعتدت إحدى السجانات على الأسيرة الخواجا، كما وأجريت لها محاكمة داخلية، وفرضت عليها جملة من (العقوبات)، ومنها (عقوبات) شملت الأسيرات اللواتي يقبعن معها، وكان من بينها عزل الأسيرة الخواجا، وحرمان الأسيرات من الخروج إلى (الفورة – ساحة السّجن).
وبيّن نادي الأسير، أنّ الأسيرات وكما الأسرى كافة يواجهن #جريمة_التجويع بشكل ممنهج، فقط عبّرت الأسيرات عن شعورهن بالجوع، بسبب كميات الطعام القليلة، وسوء نوعيتها، وتعمد إدارة السّجن في كثير من الأحيان تقليص لقيمات الطعام المقدمة لهنّ، علماً أنّ جريمة التّجويع سببت مشاكل صحيّة للأسيرات، وتحديداّ في الجهاز الهضميّ، إلى جانب النقصان الواضح في أوزانهن.
وذكرت الأسيرة (س. و)، أنه “عند اعتقالي تعرضت لإهانات وشتائم، وتهديد بالقتل، وقد بقيت على هذا النحو حتّى اليوم التالي من اعتقالي، وكل هذه المدة لم يسمحوا لي من استخدام دورة المياه، وفي الفجر أحضر جندي عينة من الخبز، ووضعها في فمي، وأنا معصوبة، ثم وضع أنبوبة الماء على طرف فمي واستطعت بالكاد أن أشرب القليل من الماء، وفي ساعات الليل وأنا أحاول أن أجد وضعية غير مؤلمة للنوم، قام أحد الجنود بضربي على جبيني حتى أستيقظ، بعد ذلك نقلت إلى سجن (هشارون)، وفي طريقي إلى الزنزانة، كان ينعتوني (بعدوة الله)، حيث أُجبرتُ على النوم على الحديد في سجن (هشارون)”.
وتضيف: “أما على صعيد الطعام فقد قدموا لي لقيمات من الطعام، وكنت مجبرة على شرب الماء من الصنبور مباشرة، وبعدها نُقلت إلى سجن (الدامون)، وفي اليوم التالي من نقلي (للدامون)، تم قمعنا، وتقييدنا، وإخراجنا لساحة السجن، وقامت قوات القمع بكسر علب البلاستيك، وتوزيعنا على الزنازين، حيث تحاول إدارة السّجن استغلال أي سبب من أجل قمعنا، فمجرد صدور أي صوت في قسم الأسيرات، يتم حرماننا من الفورة، أو إطفاء الضوء”.
وصعد الاحتلال مؤخراً من عمليات اعتقال النّساء، بعد أنّ انخفض عددهنّ بعد صفقة التبادل الأخيرة. حيث اعتقل الاحتلال العشرات من النساء، واليوم يقبع في سجون الاحتلال (47) أسيرة، من بينهن طفلة، وأسيرتان حامل في شهرهما الخامس، علماً أن عددا من بينهن أمهات، وطالبات، ومعلمات، وشقيقات لأسرى، وشهداء، وغالبية الأسيرات معتقلات على خلفية ما يسميه الاحتلال (بالتحريض)، إلى جانب اعتقال (8) أسيرات إدارياً تحت ذريعة وجود (ملف سري).
يُشار إلى أنّه ومنذ بدء الإبادة سُجلت نحو (545) حالة اعتقال بين صفوف النساء، بعضهن اعتقلن رهائنا للضغط على أحد أفراد العائلة المطاردين لتسليم نفسه.