الدن تقدم عرضها المونودرامي تمثال من مدينة سندان
تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT
في تجربة جديدة، قدمت فرقة مسرح الدن للثقافة والفن عرضها المسرحي المونودرامي الجديد "تمثال" بمقر الفرقة بمدينة سندان على مدى يومين 1 و2 من يونيو. والعرض المسرحي من تأليف الكاتبة الكويتية تغريد الداود وإخراج وسينوغرافيا الفنان عمير أنور، وأدى دور التمثال الممثل محمد الضبعوني، وكان في تنفيذ الديكور خالد العبري وحسين السالمي، وفي الأزياء والمكياج إبراهيم الجساسي، وفي الصوتيات حسين السالمي، وإضاءة ناصر النبهاني، وفي إدارة الإنتاج سلطان الدرمكي، و في الفريق الإداري حمد الرواحي ومحمد السليمي وهيثم المعولي وعبدالحميد القاسمي، وفي الإشراف العام محمد النبهاني.
ومن غرفة مغلقة أقرب إلى قاعة في متحف، بدأ التمثال الثائر ضد واقعه، طالبا الخروج من المكان الذي يعيش فيه، وحالما بالحرية وشاكيا الوحدة، في مونودراما تأرجحت بين الصمود والتصدع، وبين العزلة والصراع الداخلي، بين الحيرة والتوتر النفسي.
وقال محمد النبهاني رئيس الفرقة، في سؤاله حول هذه التجربة الأولى من مقر الفرقة بمدينة سندان في صالة تتسع فقط ل60 متفرج، أن الفكرة من تقديم العرض بطريقة مختلفة -خاصة في ظل نقص دور العرض وصعوبة الحصول عليها سواء بتنسق لوجستي أو اجراءات مالية- هي استثمار إقامة العرض في مقر الفرقة وتهيئته بحيث يكون العرض هو المكان والمكان هو العرض خاصة أن العرض يتحدث عن تمثال في متحف. وأضاف: "أعتقد أن العرض خدمنا وناسب المكا فحعله أكثر حميمية وقرب الممثل من الجمهور ، أردنا من خلال ذلك أن نثبت لأنفسنا قبل أي أحد آخر أن بإمكان المسرحي أن يقدم عرضا في البيئة والمكان الذي يتناسب مع حدود إمكانياته، فهو من يصنع المكان والإمكانات والظروف المصاحبة للعرض وتهيأتها بحيث تكون متوائمة مع جمالية العرض." وتابع: "أرى أن بإمكان الفرق المسرحية أن تصنع لأنفسها أماكن عرض داخل مقر داخل فصل أو حتى في ساحة ما بحيث يتأقلم العرض في البيئة المتاحة له وأتمنى فعلا أن عرضنا استطاع أن يوصل نفسه من خلال مقر الفرقة ولم يكن عائقا. والجمهور سيأتي مهما كان عددهم المهم أن تستمر".
وتحدث محمد الضبعوني مؤدي دور التمثال: "المونودراما هو لون من ألوان المسرح له عشاقه والمهتمين به، وهو فن صعب، ممثل واحد على خشبة المسرح يجسد شخصيات مختلفة ويسرد حالات شعورية مختلفة، ويغوص في مضامين القصة وفي مضامين الفكرة نفسها، ويجب أن يتعمق في الرسائل نفسها ويكون مثقفا وواعيا، لأنه يقدم هذه الرسالة والفكرة بنفسه فإن لم يكن الممثل واع لما يقوله لن تصل هذه الفكرة للمتلقي".
وحول تجربته في "تمثال" قال: "كانت لي تجربة سابقة في المونودراما عبر مسرحية "هذه المدينة لا تحب الخضار" والتي قدمت في الكويت، وهذه تجربة ثانية وعلى الصعيد الجسدي والصوتي والحسي المونودراما تجربة منهكة تستنزفك وتحتاج حضور على صعيد اللياقة الجسدية، والتنويع في المستوى والإيقاع الصوتي حتى تصل الرسائل بسلاسة وجمالية للمتلقي، وإن لم تكن صادق حسيا وتستشعر ما تقول فكل ما تقوله لن يصل، لذلك هذا فن صعب وكان فيه شيء من العبء، فهل نجحنا ؟ هذا يعتمد على الجمهور، أما التجربة فكانت تجربة مختلفة في صالة مغلقة تتسع ل60 متفرج على يومين لنخلق حميمية وكيمياء بين الجمهور والممثل ويكون الجمهور جزء من العرض والممثل الذي أمامه
في النهاية هي تجربة يراد لها أن تتجه لفضاءات أرحب وما كانت هذه إلا بداية لتجارب أكبر".
وحول تحدي المكان و استغلاله بالشكل الأمثل قال مخرج العرض عمير أنور: "جاء عرض مسرحية تمثال كتجربة فنية نوعية تراهن على الشغف أكثر من الإمكانيات، وعلى الفكر أكثر من المساحة. ورغم أن القاعة صغيرة، فإن رؤيتنا الإخراجية والسينوغرافية اعتمدت على استثمار المكان بأقصى طاقاته، فكان التحدي فرصة لاختبار مرونة الإبداع لا عائقًا أمامه."
وتابع: "العمل هو مونودراما من تأليف الكاتبة تغريد الداوود، وتمثيل الفنان محمد الضبعوني، وسينواغرافيا و اخراج عمير أنور، وقد شكّل هذا الثلاثي، مع فريق فرقة مسرح الدن و طاقم العمل الفني و الاداري ، نواة جادة لصياغة عرض مكثف يلامس أعماق المتلقي. نحن كشباب الدن نؤمن بأن المسرح الحقيقي لا يُقاس بحجم القاعة، بل بمدى صدقه وقوة حضوره. وما قدمناه في تمثال هو امتداد لروحنا الفنية التي لا تتوقف عن التجريب والسعي إلى التجاوز."
وعن الاعتماد على الأسلوب البصري المبتكر في تكوين المشهد و تكامل عناصر العرض مع أداء الممثل قال: "في تمثال كان الاشتغال البصري عنصرًا محوريًا في بناء المشهد المسرحي. لم نتعامل مع السينوغرافيا كخلفية صامتة، بل كشريك فاعل في السرد، يُعبّر ويُكثّف المعنى، ويُحفّز الخيال. حرصنا على أن يكون كل عنصر بصري - من الضوء إلى الفراغ إلى حركة الممثل – جزءًا من شبكة متناغمة تخلق حالة مسرحية مكتملة. ولأن العمل مونودراما، كان لا بد أن تتكامل لغة الأداء مع التكوين البصري حتى لا يشعر المتلقي بأي فراغ أو تكرار. وهنا لعب الأداء المتزن للفنان محمد الضبعوني دورًا كبيرًا في ملء الفضاء بطاقة شعورية عالية، تقاطعت بذكاء مع الإخراج والسينوغرافيا. نحن نؤمن أن المسرح لا يُروى بالكلمة فقط، بل يُرى ويُشعر ويُعاش، ولهذا سعينا إلى أن يكون تمثال تجربة حسية وفكرية وصورة بصرية متكاملة."
واختتم حديثه حول التجربة قائلا: "تجربتي في إخراج مسرحية “تمثال” كانت مختلفة بامتياز. ليست فقط لأنها مونودراما تتطلب حساسية مضاعفة في التعامل مع الفضاء والممثل، بل لأنها أيضًا وُلدت في ظروف مسرحية فيها الكثير من التحدي. القاعة صغيرة، والإمكانات محدودة، لكن الرغبة في خلق عرض حيّ ومؤثر كانت أقوى من كل ذلك. عملتُ على أن يكون المشهد البصري جزءًا من الحكاية، لا مجرد ديكور. فكل إضاءة، وكل زاوية، وكل لحظة صمت كانت محسوبة لتخدم النص وتدعم أداء الممثل. كان عليّ كُمخرج أن أوازن بين التجريد والواقعية، بين الرمز والوضوح، وأن أخلق إيقاعًا داخليًا للعروض يرافق تحوّلات الشخصية ويمنح الجمهور فرصة للتأمل والتلقي العميق. كنا نحمل همّ العرض بروح واحدة، وكان واضحًا أن تمثال ليس مجرد تجربة مسرحية عابرة، بل عمل يعكس وعينا كفنانين شباب بأن المسرح قادر على أن يقول الكثير بأبسط الوسائل، إذا كان فيه صدق وشغف وفكر."
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مقر الفرقة
إقرأ أيضاً:
"ماسح الأحذية" في كتارا شراكة ثقافية تُرسّخ موقع قطر في المسرح العربي
في أجواء مسرحية مفعمة بالإبداع والتأمل، استضاف مسرح الدراما في المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" العرض المنتظر لمسرحية "ماسح الأحذية"، القادمة من تونس بعد أن لفتت الأنظار في مهرجان "أيام قرطاج الدولي للمونودراما"، ونالت فيه جائزتي أفضل نص وأفضل إضاءة. وقد شكّل عرضها في الدوحة محطة جديدة تؤكد المكانة المتنامية للمسرح القطري، ومساعيه الجادة للتموضع إقليميًا ودوليًا كمنصة ريادية للفن المسرحي الراقي.
هذا العمل المسرحي، الذي جرى تكريمه من قبل د. خالد بن إبراهيم السليطي، المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي "كتارا"، يُعد ثمرة تعاون فني وثقافي مثمر بين قطر وتونس. وهو من تأليف الدكتور خالد الجابر، بينما تولّى الإخراج والتصميم السينوغرافي الفنان حافظ خليفة، وقدّمه باقتدار الممثل محمد العباسي، بلمسة أداء عاطفية دقيقة وتعبير جسدي مكثف. أنتجت المسرحية جسور للإنتاج الفني، برعاية كريمة من "كتارا".
وفي تعليقه على العمل، أعرب د. خالد بن إبراهيم السليطي عن اعتزازه بهذه الشراكة الفنية والثقافية القطرية - التونسية في هذه التجربة المسرحية المتميزة، مؤكدًا أن العرض يمثّل احتفاءً بروح إبداعية تتجاوز الحواجز الجغرافية والثقافية، وتعبّر عن حوار إنساني مشترك. وأضاف أن "كتارا" تواصل التزامها بدعم المسرح النوعي، واحتضان الأعمال التي تحترم وعي الجمهور وتخاطب وجدانه وتسهم في تنشيط الحركة الثقافية محليًا وعالميًا.
وأشار السليطي إلى أن قوة النص تكمن في خروجه عن الشعارات والخطابات المباشرة، واعتماده على التأمل الصامت والنقد الرصين، داعيًا المتلقي إلى مواجهة الواقع بعمق دون ضجيج. كما شدد على أن الجوائز التي حصدها العمل ليست فقط تكريمًا له، بل أيضًا إشارة واعدة إلى بروز جيل مسرحي جديد من الكتّاب والمخرجين الذين يكتبون من أجل الحوار والإدراك، لا من أجل الاستعراض والضوء العابر.
أما مؤلف المسرحية، الدكتور خالد الجابر، فقد عبّر عن امتنانه العميق لمؤسسة الحي الثقافي "كتارا" على الاستضافة الكريمة والتكريم والدعم المتواصل الذي رافق العمل منذ خطواته الأولى، وحتى مشاركاته في المهرجانات الإقليمية والدولية، مؤكدًا أن هذا الاحتضان كان له أثر بالغ في نجاح المسرحية وبلورة رؤيتها الفنية.
وأوضح الجابر أن "ماسح الأحذية" لا تقدم خطابًا تعبويًا أو اجتماعيًا تقليديًا، بل هي تجربة فنية رمزية، تسعى إلى تفكيك الحالة النفسية والاجتماعية للفرد والمجتمع في لحظات الانكسار والتأمل والمراجعة. وبيّن أن الأحذية في النص ليست رمزًا للمكانة أو المظهر الخارجي، بل تحوّلت إلى شواهد هشة على كبرياء مجروح، بينما اتخذت الشخصيات شكل تجسيد للصوت الداخلي الذي يواجه الحقيقة بصمت موجع.
من جهته، نوّه المخرج التونسي حافظ خليفة بالدور الجوهري الذي لعبته الإضاءة في تعميق المعنى الرمزي والجمالي للمسرحية. فقد نجحت الإضاءة، كما أشار، في فتح آفاق واسعة للتأويل والدلالة، حيث عكست هشاشة الأحلام وضبابية الأمل في وجدان الشخصيات، مضفية على العرض أبعادًا حسية تتجاوز حدود النص.
كما لفت خليفة إلى بساطة الفضاء المسرحي، الذي اقتصر على رصيف مهجور، مقاعد معدنية، وحقائب مثقلة بالغياب والحنين، مبينًا أن هذا الفراغ المتقشف لم يكن مجرد خلفية، بل تحوّل إلى عنصر درامي حي، لعب دورًا فاعلًا في تشكيل التجربة البصرية والجمالية للمشاهد. وكان صوت القطار الغائب، الذي تكرّر خلال العرض، أكثر من مجرد مؤثر صوتي، بل كان تجسيدًا لانتظار أبدي، مؤلم، ومعلق بلا نهاية.
تدور أحداث "ماسح الأحذية" في محطة قطار مهجورة، مسرحٌ بسيط في ظاهره، لكنه مشحون بدلالات رمزية كثيفة. فالمكان، بكل ما فيه من سكون وانقطاع، يتحوّل إلى مرآة عميقة للانتظار والقلق والترقّب، كأنما هو صورة مصغّرة للزمن العربي الراكد، حيث يقف الإنسان وجهًا لوجه مع انكساراته. في هذا الفضاء الرمزي، تتقاطع مصائر خمس شخصيات متباينة، يحمل كل منها جرحًا خاصًا ومرآة داخلية مشروخة لا تعكس إلا الخسارة.
بعد النجاح الكبير الذي حققته المسرحية في تونس والدوحة، يستعد فريق "ماسح الأحذية" لإطلاق جولات عروض موسعة تشمل عواصم عربية وغربية، في القاهرة، والرباط، وعمّان، إلى مدريد، وباريس، وكندا، والولايات المتحدة الامريكية.
وقد تميز العرض المسرحي بقدرته على المزج بانسيابية بين نص فلسفي عميق، ورؤية إخراجية تجريبية لا تخشى التجاوز، وأداء تمثيلي مشحون بالإحساس والصدق. كل ذلك منح العرض طابعًا خاصًا، خرج به عن النمط التقليدي للمونودراما إلى تجربة مسرحية نابضة بالحياة، تتحدى القوالب وتخاطب الوجدان.