يُعد ابتكار منتج جديد، أو تحسين خدمة ما عمليةً محفوفةً بالتحديات في العموم، والأمر يزداد تعقيدا مع الابتكارات الموسمية التي ترتبط بالمناسبات، والأعياد، وغيرها من الفعاليات، ما يضع عبئا إضافيا على البنية الابتكارية، فقد أصبحت تواجه معضلة جوهرية تتمثل في المفاضلة بين مسارين متعاكسين وهما: اتخاذ قرارات استثمارية لتعزيز الابتكارات على المدى المتوسط والبعيد، أو التركيز على الاستفادة من الاتجاهات الموسمية، واغتنام الفرص الاستراتيجية بابتكارات موجهة لتلبية المتطلبات المتغيرة على المدى القصير، والتحدي الأكبر هو تحقيق التوازن والتكامل بين المسارين معاً.

إذا توقفنا في البدء عند البنية الابتكارية وإمكاناتها، نجد بأنها من حيث الدور الوظيفي هي تمثل المكافئ المعرفي والفكري للبنية الأساسية، والبنية الرقمية. وهي تضم أربعة أركان وهي: المعرفة، والتقنيات، والمهارات، والعقول التي تدعم استمرار عمل الأنظمة الديناميكية والمعقدة للابتكار. وبذلك فإن البنية الابتكارية تؤدي دورًا حاسمًا في تعزيز جميع أنواع الابتكارات الدائمة منها والموسمية، ولكن تكمن المفارقة في أن الابتكار الموسمي يتميز بالسلاسة والوضوح إلى الحد الذي لا يلفت انتباه شركات الابتكار الناشئة، وهذا هو السبب الرئيسي لانخفاض نسبة الابتكارات الموسمية مقارنةً بالأنواع الأخرى، ووراء هذه الإحصاءات، هناك رسالة أعمق وهي أن نوعا متميزا من الأفكار الإبداعية يغيب عن المشهد الكلي لمنظومات الابتكار، فالمبتكرون الناشئون ينشغلون في البحث عن حلول ابتكارية للتحديات الكبرى مثل الأمن الغذائي، والطاقة المتجددة، وصون البيئة، ولا تجد المتطلبات المتعلقة بمواسم السياحة، أو الأعياد التركيز والمحاولة. وعلى الرغم من أن الابتكار الموسمي يبدو سهلا في ظاهره، إلا أنه غالبًا ما يواجه تحديات من نوع آخر. فهو يتطلّب مهارات استثنائية، ورؤىً ثاقبةً ومستشرفة لاحتياجات الجهات المستفيدة، وقدرات إبداعية تتماشى مع خصوصية الابتكار الموسمي الذي تغلب عليه سمة الانتقائية.

وبموازاة ذلك، فإن المخزون الإجمالي للمهارات النوعية يتعرض للجمود والتناقص بإحجام المبتكرين عن المبادرة في معالجة التحديات الآنية والمؤقتة؛ إذ أن الاهتمام بالابتكارات الموسمية ليس مجرد استثمار في مبتكرين ظهروا لإتمام مهمة عابرة، وتنفيذ أفكار تضع حلولا لتحديات مؤقتة، بل هو استثمار في الاستدامة، لأن هذه الفئة من المبتكرين هم نواة جيل جديد من حاملي المعرفة المؤهلين لاغتنام الفرص الاستراتيجية التي لا يفطن إليها غيرهم من المبتكرين، وهم بذلك يرسخون ركائز البنية الأساسية الذهنية التي تقف وراء البنية الابتكارية. وعلى الرغم من أن الابتكارات الموسمية تواجه عقبات عدة، إلا أن عوائدها مجزية. فمن خلال الابتكارات التي تعالج تحديات محددة؛ يُمكن للشركات الناشئة القائمة على الابتكار أن تنظر إلى رحلتها وفي التطبيق العملي كأنها مصادر واقعية للتجربة والتعلم، وهي ميزة قلما تتيحها أنواع الابتكارات الأخرى. ولا يُعزّز هذا النهج تجويد الابتكارات فحسب، بل لديه أيضًا القدرة على جذب دعم الممولين، والمستثمرين، والمستفيدين، والذي بدوره يفتح آفاق أرحب للشراكات الاستراتيجية، والتوسع في الابتكارات الموسمية لتشمل أبعادا أخرى، ونطاقات خارج حدود التركيز المحددة لها سابقا، ما يكسبها الأولوية في الاستثمار والتمويل، ويعزز كذلك من ميزتها التنافسية.

ومع وضع ذلك في الاعتبار، تبدو فرص الابتكارات الموسمية واعدة استراتيجيا، وهي في الواقع أقرب إلى التطبيق بسبب وجود القوة الدافعة لها من جانب الطلب، وعلى سبيل المثال، هناك العديد من الفرص التي تتهيأ في المواسم والأعياد والمناسبات والتي يمكن للمبتكرين التركيز عليها من خلال توظيف التقنيات المتقدمة في حل التحديات القائمة حاليا. وتشير التجارب الناجحة في اكتساب القيمة من الابتكارات الموسمية بأنه يجب إيلاء الاهتمام بمقياسين رئيسيين لصناعة النجاح وهي: ضمان إمكانية تجربة الابتكارات والتي تعتمد بشكل كامل على المبادرة في تحليل الفجوات الحالية، وتوظيف الابتكارات التي يمكن تحويلها لمنتجات، أو خدمات قابلة للاستخدام وكأنها بيئة محاكاة، حيث توفر هذه الابتكارات فرصة للتفاعل مع المستفيدين، وكذلك تساهم في تحديد المشكلات المحتملة وإجراء التحسينات اللازمة على الحلول الابتكارية، وإعادة طرحها في المواسم القادمة. والمقياس الثاني هو الوصول إلى درجة كافية من احتمالية قبول المستفيدين للمنتج المطروح كحل أمثل للتحديات، وعلى أعلى تقدير، ضمان تفوق هذه الحلول مقارنةً بما هو متوفر حاليًا في السوق -إن كانت هناك ابتكارات غير فعالة-، وبالتالي يمكنها أن تجد طريقا للتوسع والتطوير، إذ غالبًا ما تعجز الطرق التقليدية في تجريب المنتج عن نقل عمق البيانات، وتعقيدها بالكامل.

وبتحليل واقع الابتكارات الموسمية، والعوامل الكامنة التي تقف وراء عزوف المبتكرين والشركات الناشئة العلمية والقائمة على الابتكار عن التركيز على هذا النوع، نجد بأن الاتجاهات العامة في مختلف منظومات الابتكار تشير إلى رصد حالة من التبادل الطوعي للأدوار، والذي ساهم بشكل كبير في تراجع اقبال المبتكرين الناشئين على خوض تجربة الابتكارات الموسمية، حيث أصبحت التحديات الموسمية تجتذب المبادرين من مختلف مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الخيرية على نحو أكثر شيوعًا، وذلك لملء الفراغ الذي يخيم على بيئة الابتكار الموسمي، وأصبحت هذه الجهات تمثل الفاعل الرئيسي في الوضع الراهن فيما يتعلق باقتراح وتجريب الابتكارات الموسمية تحت مظلة الابتكار الاجتماعي، ويتطلب ذلك وقفة مراجعة لتوليد نظرة عامة على العلاقات التبادلية والتشاركية بين المبتكرين، ومبادرات الابتكار الاجتماعي، ووضع آليات التكامل.

تحمل الابتكارات الموسمية في طياتها إمكانيات واعدة، ويُعد تبني وتنظيم هذه الابتكارات استراتيجية فعّالة لتعزيز البنية الابتكارية. ومع استمرار تطور التقنيات المتقدمة، وزيادة سهولة الوصول إليها، فمن المتوقع أن تحدث الحلول الابتكارية القائمة على التكنولوجيا نقلة نوعية في ترقية الابتكارات الموسمية لتتحول إلى حلول مستدامة. ويستوجب ذلك إيلاء الأهمية بالابتكارات الموسمية كموضع التركيز، ثم تعزيز التكامل والتعاون مع جميع الفاعلين في منظومة الابتكار، وخصوصا مؤسسات المجتمع المدني، وذلك من أجل إعادة تشكيل البنية الابتكارية، وتوزيع الأدوار بشكل متوازن، وتمهيد الطريق لممارسات جديدة ومبتكرة في فهم التحديات والمتطلبات الموسمية، وتغيير طريقة تصميم الحلول الذكية لها، وبالتالي استخلاص صورة شاملة لدور الابتكارات الموسمية على جميع المستويات، وتفعيلها في دعم استدامة قطاعات الاعمال، والاستثمار، وإتاحة الدروس المستفادة لرفد جميع أنواع الابتكارات.

د. جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

د. النسور: استراتيجية ” البوتاس العربية ” تضع الابتكار والاستدامة في صميم عملياتها

صراحة نيوز ـ قامت الرئيس التنفيذي والمدير العام للاتحاد الدولي للأسمدة (IFA)، ألزبيتا كلاين، بزيارة رسمية إلى شركة البوتاس العربية، احدى الشركات الرائدة عالمياً في إنتاج وتوريد الأسمدة عالية الجودة، والعضو الرئيسي في الاتحاد.
وجرى خلال هذه الزيارة عقد لقاء مع رئيس مجلس إدارة شركة البوتاس العربية، المهندس شحادة أبو هديب، والرئيس التنفيذي لشركة البوتاس العربية، الدكتور معن النسور، وعدد من أعضاء الإدارة التنفيذية للشركة، حيث جرى استعراض إنجازات “البوتاس” المتميزة خلال السنوات الأخيرة على صعيد الإنتاج والمبيعات والتسويق، إضافة إلى مشاريعها التوسعية الطموحة، التي تهدف إلى رفع قدراتها الإنتاجية وتعزيز تنافسيتها في الأسواق العالمية. كما استمعت كلاين إلى عرض حول الشركات التابعة والحليفة وخططها المستقبلية، التي تركز على الابتكار والاستدامة والالتزام بالمعايير البيئية.
وبحثت السيدة كلاين خلال لقائها رئيس مجلس إدارة شركة البوتاس العربية، المهندس شحادة أبو هديب، سبل تطوير الشراكة الاستراتيجية وتعزيز التعاون بين الجانبين، بما يرسخ مكانة الأردن كشريك رئيس في دعم الأمن الغذائي العالمي، ويسهم في تلبية الطلب المتزايد على الأسمدة عالية الجودة في الأسواق العالمية.
وخلال اللقاء تم استعراض خطط شركة البوتاس العربية للتوسع في الإنتاج، واعتماد أحدث التقنيات لزيادة الكفاءة التشغيلية وخفض البصمة الكربونية، إلى جانب بحث آليات التعاون مع الاتحاد الدولي للأسمدة لدعم استقرار سلاسل الإمداد الزراعي وتعزيز الحلول المبتكرة لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية.
واكد رئيس مجلس إدارة شركة البوتاس العربية، المهندس شحادة أبو هديب، أن زيارة السيدة ألزبيتا كلاين لشركة البوتاس العربية تمثل محطة مهمة لتعزيز التعاون مع الاتحاد الدولي للأسمدة، وتؤكد الدور الحيوي الذي تلعبه الشركة في تأمين احتياجات الزراعة العالمية من الأسمدة عالية الجودة.
وأضاف المهندس أبو هديب، أن هذه الزيارة تحمل بعداً استراتيجياً يعكس التقدير العالمي لمكانة شركة البوتاس العربية، ليس فقط كمورد موثوق للبوتاس، بل كشريك ملتزم بدعم سلاسل الإمداد الزراعي وتعزيز الحلول المبتكرة لمواجهة التحديات المرتبطة بالأمن الغذائي والاستدامة البيئية، مشيرا إلى التزام الشركة بالعمل مع الشركاء الدوليين لتطوير القطاع الزراعي وتبني أفضل الممارسات العالمية في الإنتاج والتوزيع، مما يدعم جهود تحسين الكفاءة التشغيلية وتقليل الأثر البيئي.
وشهدت الزيارة، جولة ميدانية شاملة لكلاين على مواقع الشركة التشغيلية في غور الصافي والعقبة، ومحطاتها اللوجستية والصناعية، بما في ذلك محطة الضخ والملاحات الشمسية، ومركز البحث والتطوير والابتكار، ومستودعات التخزين، والميناء الصناعي، إضافة إلى شركة صناعات الأسمدة والكيماويات العربية “كيمابكو” -إحدى الشركات التابعة لشركة البوتاس العربية-.
وفي هذا الصدد أوضح الرئيس التنفيذي لشركة البوتاس العربية، الدكتور معن النسور، أن زيارة السيدة كلاين تؤكد الثقة الدولية بمكانة شركة البوتاس العربية كشريك موثوق ومصدر أساسي للبوتاس عالي الجودة للأسواق العالمية، مشدداً على التزام الشركة بدورها كمحرك رئيس للاقتصاد الأردني، ولاعب حيوي في تحقيق الأمن الغذائي العالمي.
وأشار الدكتور النسور، إلى أن الخطط والمشاريع التوسعية التي تنفذها شركة البوتاس العربية ترتكز على الاستثمار المستمر في أحدث التقنيات لتحقيق أعلى مستويات الكفاءة التشغيلية والجودة، وتعزيز القدرة التنافسية للشركة على المستويين الإقليمي والدولي، مؤكداً أن استراتيجية شركة البوتاس العربية تضع الابتكار والاستدامة في صميم عملياتها، من خلال الالتزام الصارم بالمعايير البيئية وتقليل البصمة الكربونية في عمليات الشركة التصنيعية، بما يتماشى مع توجهات الاتحاد الدولي للأسمدة وأهدافه المستقبلية، ويعزز دور الشركة في مواجهة التحديات العالمية، وتحقيق أثر إيجابي مستدام على المجتمعات المحلية والبيئة.
من جانبها، أكدت السيدة كلاين على الأهمية الاستراتيجية لشركة البوتاس العربية كلاعب رئيسي في منظومة الأمن الغذائي العالمي، مشيرة إلى أن قدرتها على تلبية الطلب المتزايد على الأسمدة عالية الجودة، إلى جانب التزامها بتطبيق أحدث التقنيات في عملياتها، يعكس مكانة الشركة كمحرك أساسي في تعزيز استقرار سلاسل الإمداد العالمية وتلبية احتياجات المزارعين حول العالم.
وأوضحت كلاين، أن خطط التوسع والإنتاج ليست مجرد خطط للنمو الاقتصادي، بل تمثل مساهمة استراتيجية ملموسة في مواجهة التحديات الزراعية والبيئية العالمية، مؤكدة أن الشراكة مع شركة البوتاس العربية تمثل ركيزة أساسية لتطوير حلول مبتكرة تعزز من استدامة الزراعة وكفاءة الموارد في مختلف أنحاء العالم.
وخلال زيارتها التي استمرت ثلاث أيام، التقت السيدة كلاين بوزير الزراعة المهندس خالد حنيفات حيث بحثا سبل تعزيز التعاون الثنائي لمواجهة التحديات العالمية المتعلقة بالزراعة والأمن الغذائي والاستدامة.
كما حضرت كلاين، الحفل الخاص الذي أقامه السفير البرازيلي في عمّان مارسيو فاغونديس دو ناسيمنتو، بمناسبة تقليد الرئيس التنفيذي لشركة البوتاس العربية، الدكتور معن النسور وسام “ريو برانكو” من جمهورية البرازيل، تقديراً لجهوده في تعزيز العلاقات الاقتصاديّة بين البلدين، لا سيما في قطاع الأسمدة.
وتأتي زيارة السيدة كلاين لشركة البوتاس العربية في إطار مبادرة “IFA on the Road” التي تهدف إلى تعزيز قنوات التواصل المباشر بين الاتحاد الدولي للأسمدة وأعضائه الرئيسيين، وتؤكد في الوقت ذاته على الأهمية المتزايدة للشراكات الدولية في دعم الأمن الغذائي العالمي والتنمية الزراعية المستدامة، وترسيخ مكانة شركة البوتاس العربية كمورد موثوق للبوتاس، وشريك أساسي في تحقيق الأمن الغذائي العالمي.
تجدر الإشارة، إلى أن الهيئة العامة للاتحاد العالمي للأسمدة قد أعادت انتخاب الرئيس التنفيذي لشركة البوتاس العربية الدكتور معن النسور عضوا في مجلس إدارة الاتحاد للدورة الجديدة (2025-2027)، وذلك خلال اجتماعها الذي عقد في موناكو خلال الفترة من 12-14 أيار الماضي، وذلك تقديراً لدور الشركة الريادي في تعزيز الأمن الغذائي وتوفير الأسمدة عالية الجودة، ولإسهاماتها المتنامية في إنتاج الأسمدة والكيماويات المشتقة وفق أفضل ممارسات الاستدامة والابتكار.
كما كان الدكتور النسور عضوا في مجلس إدارة الاتحاد العالمي للأسمدة خلال دورته السابقة (2023-2025).

مقالات مشابهة

  • “الجوازات” تواصل أعمالها بمراكز اللجان الإدارية الموسمية في مداخل العاصمة المقدسة
  • د. النسور: استراتيجية ” البوتاس العربية ” تضع الابتكار والاستدامة في صميم عملياتها
  • وكيل «الصحة»: كورونا أصبح من الفيروسات الموسمية ولم نسجل إصابات به حتى الآن بموسم الحج
  • سمو الأمير يصدر قرارا أميريا بإنشاء المؤسسة القطرية لدعم الابتكار والبحث العلمي
  • سمو الأمير يصدر قانون دعم الابتكار والبحث العلمي
  • تعزيز الابتكار ودعم الشركات الطلابية بجامعة التقنية
  • الأحوال المدنية توضح الإجراء المتبع في حال فقدان كارت العائلة
  • جرافات الاحتلال تدمر البنية التحتية لمخيم الفارعة
  • البحوث الفلكية: الزلازل التي شعرت بها مصر لم تؤثر على البنية التحتية