الذهاب إلى:آفاق الرواية التاريخيةالرواية والتاريخ: علامات وهويات وقومياتأجراس القبار" بوصفها رواية تاريخيةالعودة إلى عمان في الزمن الرومانياضطهاد الرومان للمسيحية: استشهاد زينون وزيناسبناء الروايةسيمياء العناوين الصراع في الرواية: عوالم متعارضةأسلوب الرواية ولغتهاالخلاصة: مقولات الرواية

يندرج الروائي والكاتب الأردني مجدي دعيبس ضمن أبرز الكتاب العرب في الألفية الثالثة، خصوصا أنه قدم إلى الكتابة وهو يحمل قدرا عاليا من النضج والتجربة والاستعداد والثقافة المعمقة.

وقد نشر، منذ عام 2018، عام صدور كتابه الأول، نحو عشرة كتب متميزة تنوعت بين عدة أجناس سردية: الرواية، والقصة القصيرة، والمسرحية، والسيرة.

الكاتب دعيبس من مواليد بلدة الحصن، إربد، شمال الأردن، عام 1968م. أنهى الثانوية العامة في بلدته عام 1986، ودرس في جامعة مؤتة (جنوب الأردن) وتخرج منها بشهادة البكالوريوس في هندسة الاتصالات. عمل بعد تخرجه عام 1990 في سلاح الجو الملكي، حتى تقاعده عام 2017. وبعد هذه المرحلة المهنية غير القصيرة، عاد إلى الدراسة وتخصص في مستوى الماجستير في مجال علوم وهندسة النانوتكنولوجيا في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية. وتفرغ بعد ذلك للكتابة الأدبية، فنشر مجموعة من المؤلفات الروائية والقصصية البارزة.

ففي مجال الرواية، نشر خمس روايات حتى اليوم:

الوزر المالح، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت-عمان، 2018. حكايات الدرج، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت-عمان، 2019. أجراس القبار، الآن ناشرون وموزعون، عمان، 2020. قلعة الدروز، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2022. السيح، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2024. إعلان

وفي مجال القصة القصيرة، نشر أربع مجموعات هي:

بيادق الضالين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2019. ليل طويل، حياة قصيرة، الآن ناشرون وموزعون، عمان، 2022. ألفة الوحدة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2023. ليلة عيد الحب – كولاج حكي وحكائين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2024.

كما نشر مسرحية بعنوان: الدهليز، دائرة المكتبات، أمانة عمان الكبرى، 2020. ونشر كتابا في السيرة الغيرية بعنوان: مغامرون وراء الأطلسي، دار الخليج، عمان، 2022.

وقد حظيت روايته الأولى الوزر المالح بجائزة كتارا للرواية العربية، التي تمنحها مؤسسة الحي الثقافي (كتارا) في دولة قطر، في دورتها الخامسة (2019)، وقد ترجمت إلى الإنجليزية.

آفاق الرواية التاريخية

تتميز معظم روايات دعيبس بتوجهها التاريخي، سواء من خلال استيحاء أزمنة موغلة في القدم، أو تجارب تاريخية تعود إلى أحداث مفصلية في القرن العشرين، أو في العصر العربي الحديث، الذي ما يزال مفتوحا على التجسيد والتمثيل.

ولدى الكاتب مقدرة فنية وتخييلية ثمينة، تظهر من خلال اجتهاده في الجمع بين ما يتطلبه التاريخ من دقة وأمانة، وبين مقتضيات التخييل الروائي وما يدعو إليه أو يتطلبه من إضافات فنية.

ولذلك، يعمد إلى تناول مراحل متشابكة وحكايات مضببة، يمكن للرواية أن تنفذ من خلال غموضها إلى ملء فراغاتها، وتقديم تأويلات جديدة لا تخرجها عن أصولها التاريخية، لكنها تمنح التاريخ معنى متجددا يلتقي مع حاجات الزمن الراهن ومتطلباته.

معظم روايات دعيبس تتميز بتوجهها التاريخي (الجزيرة) الرواية والتاريخ: علامات وهويات وقوميات

وليست الرواية التاريخية جديدة على اهتمام الروائيين وإسهاماتهم، بل تعد في صورتها الأشمل نوعا فرعيا من أنواع الرواية، ويتضمن تاريخها علامات كبرى؛ فيذهب مؤرخو الرواية إلى أنها نضجت في القرن التاسع عشر على يد الروائي الأسكتلندي والتر سكوت (1771–1832).

إعلان

وفي تاريخ الرواية العربية، برز فيها كثيرون مثل: سليم البستاني، وجرجي زيدان، وفرح أنطون، بل إن كثيرا من رواد الرواية العربية بدأوا بالرواية التاريخية، فقد افتتح نجيب محفوظ تجربته الروائية في ثلاثينيات القرن الماضي بعدة روايات تستوحي التاريخ الفرعوني، قبل أن ينتقل إلى الرواية الواقعية. وحتى اليوم، لا يزال الروائيون العرب يقبلون عليها بصور وتجليات مختلفة على مستوى المضمون والأسلوب.

وتقترن الرواية التاريخية، في الشرق والغرب، بصعود القوميات والهويات، ذلك أن الاهتمام بالتاريخ غالبا ما يرتبط بهذه المسائل، ويستعمل أو يوظف في إطار تثبيت الهوية أو تأكيدها، وإبراز البطولات القومية التي يمكن أن تستمد من المنابع والشخصيات التاريخية، ومن أبطال يستعارون من التاريخ لتغذية الحاضر بما يسانده على القوة والثبات والاعتداد بالرموز، والتأسي بأدوارهم وبطولاتهم.

وبهذا المعنى، تغدو الرواية التاريخية مسارا أدبيا مهما يرتبط بالماضي والحاضر معا.

"ولقد تنبه الدارسون منذ وقت مبكر إلى أن الرواية التاريخية، مهما سعت إلى التوغل في الماضي، تظل على صلة بالحاضر لا يمكنها أن تتملص منه".

وإذا كانت الرواية التاريخية تطرح دوما أسئلتها، فإن تلك الأسئلة تتعدد وتتشعب بحسب طبيعة كل رواية؛ فليست الروايات التاريخية سواء، وإنما لكل رواية ملابساتها، وطبيعتها، وبناؤها، بل قبل ذلك: طبيعة صلتها بالتاريخ، وبالمادة التاريخية التي تستند إليها.

فمن الروايات التاريخية ما يبدو تلخيصا لوقائع وسرديات تاريخية محددة، فلا تضيف شيئا، وإنما تحسن أسلوب السرد والصياغة. ومنها روايات تبدأ من التاريخ ثم تبتعد عنه فتجور عليه، بخروجها عن مقتضيات الأحداث الموثقة أو المحددة. ومنها روايات تستعمل المادة التاريخية والتراثية استعمالا تجريبيا يقوم أحيانا على المحاكاة الساخرة، بقصد التعارض مع التاريخ. ومنها ما يستعمل مواده استعمالا يتطلع إلى الاستئناف واستمرار معاني التاريخ، إلى غير ذلك من الصور والتجليات.

إعلان

ومن أبرز فضائل الرواية التاريخية أنها، حين تتناول التاريخ، غالبا ما تقوم بترهينه، أي أنها تجعله جزءا من وعي الحاضر ومكونا من مكوناته، إما لغايات التأسي والاعتبار، وإما للمراجعة وتجنب الوقوع في أخطاء سبق أن وقعت.

وهذه واحدة من أهم الرسائل التي تنطوي عليها الرواية التاريخية؛ فهي لا تتناول وقائع ميتة، وإنما وقائع حية في دلالتها، لتؤدي الرسائل التي يومئ إليها مؤلف الرواية التاريخية.

"أجراس القبار" بوصفها رواية تاريخية

تقع رواية "أجراس القبار" للروائي الأردني مجدي دعيبس في (180) صفحة، ونصنفها ضمن باب الرواية التاريخية من حيث نوعها الروائي الفرعي، وهي لا تبتعد، من هذه الناحية، عن المناخ العام لروايات المؤلف الأخرى من حيث توجهها نحو المادة التاريخية.

وقد أظهر مؤلفها اهتمامه بالتاريخ من خلال كتابته الروائية، ومن خلال رؤيته التاريخ مصدرا غنيا للرواية. يقول في أحد حواراته:

"التاريخ مادة غنية وحية ومغرية أيضا، وأستمتع جدا بقراءة الكتب التاريخية. حتى نفهم ونهضم ما يحدث، علينا أن نفهم ما حدث أولا.

 

الكثير من الكتاب يستخدمون التاريخ لإسقاطه على الحاضر والواقع السياسي والاجتماعي في المنطقة العربية، وهي أعمال ناجحة وجميلة.

 

التاريخ والخيال يتوازيان ويتقاطعان في الرواية التاريخية؛ فأحيانا تتوقف الجغرافيا ويصمت السارد التاريخي، ويبدأ الخيال بتأثيث المكان وإدارة المونولوج الذي يبرز الشخصية وهواجسها ودوافعها.

 

يمكن أن تكون الرواية من التأريخ الاجتماعي، ولكن ليس كمصدر من المصادر التاريخية المتخصصة".

استندت رواية مجدي دعيبس إلى الحقبة الرومانية، وإلى واقعة محددة، لها وجودها التاريخي (مولدة بالذكاء الاصطناعي-الجزيرة) العودة إلى عمان في الزمن الروماني

وقد بنيت رواية "أجراس القبار" من خلال الرجوع إلى حقبة تاريخية قديمة، هي حقبة الدولة الرومانية، حيث اختارت زمنا محددا من عمر تلك الحقبة، وهو بداية القرن الرابع الميلادي، وركزت على وقائع وأحداث تتصل بماضي مدينة عمان، العاصمة الأردنية اليوم، وذلك بالرجوع إليها حين كانت تسمى فيلادلفيا.

وقد رسمت الرواية صورة موسعة لهذه الحاضرة الرومانية، إحدى مدن الديكابولس أو المدن الرومانية العشر، وسمت الرواية حاكمها باسمه التاريخي مكسيموس.

كما أعطت اهتماما مقصودا إلى حامية زيزيوم (بلدة زيزياء اليوم قرب عمان)، الواقعة على طريق القوافل التجارية (تبعد نحو 37 كم جنوب فيلادلفيا)، وهي حامية عسكرية على طريق تراجان، الذي كان يربط حواضر الدولة الرومانية، ويسلكه التجار والمسافرون، وكانت الحاميات تقوم بمهمة الحفاظ على الأمن في مواجهة ما قد تتعرض له القوافل من نهب أو سطو.

إعلان

وقد صورت الرواية جوانب من الطريق باتجاه الجنوب إلى حامية أخرى تدعى اللجون (قرب الكرك)، وباتجاه الشمال وصولا إلى مدينة أنطاكية (الواقعة اليوم في تركيا قرب الحدود السورية)، عندما تابعت رحلات بعض الشخصيات الأساسية. وغذت من خلال هذا الترحال الخيوط الأساسية في الرواية، فضلا عن دلالته على جانب من امتداد الجغرافيا الرومانية، وما استتبعه ذلك من تأثيرات وتفاعلات دينية وسياسية وسكانية.

واستندت الرواية إلى مراجع تاريخية صريحة، أثبت المؤلف أهمها في قائمة ملحقة بروايته، وهو ملمح ضروري في الرواية التاريخية، لكونها رواية معرفية تستند إلى مصادر ومراجع يحسن أن يصرح المؤلف بها، كما هو معلوم في الدراسات والمؤلفات البحثية.

القديسان زينون وزيناس، من رسم جداري في كنيسة الراعي الصالح في مركز سيدة السلام، عمان، الأردن (التراث الأردني) اضطهاد الرومان للمسيحية: استشهاد زينون وزيناس

استندت رواية مجدي دعيبس إلى الحقبة الموصوفة فيما سبق، وإلى واقعة محددة لها وجودها التاريخي وصياغتها الموجزة في بعض المصادر والمراجع، نعني بها الواقعة المتعلقة باستشهاد زينون ومساعده أو خادمه زيناس، وهي الواقعة التي ختمت بها الرواية في مشهدها الأخير بإعدام هذين الرجلين.

هذه هي الحادثة التي يمكن أن نعدها الحادثة التاريخية الأبرز التي استندت إليها الرواية بشكل صريح، ولها وجود في بعض المصادر التاريخية، وخاصة في سير الشهداء الأوائل الذين قضوا بسبب إيمانهم بالمسيحية إبان حقبة رفض الرومان لهذه الديانة وملاحقتهم للمتدينين بها في القرون الثلاثة الأولى من عمر الدولة الرومانية.

وما عدا ذلك، فإن الكاتب أخذ من التاريخ روح المرحلة أو الحقبة التي يعالجها، وهي تقريبا بداية القرن الرابع الميلادي حتى عام 304م، وهو العام الذي أعدم فيه الرجلان المذكوران، وذلك قبل سنوات من تحول الدولة الرومانية إلى المسيحية، لتغدو ديانة الدولة بعد أن كانت ديانة مطاردة ومنبوذة طوال القرون الثلاثة الأولى من عمرها.

إعلان

وتعد هذه الحادثة الثيمة الرئيسة في الرواية، وهي المقولة التي تتردد فيها باستمرار. ومع أنها تكشفت صراحة في الفصل الأخير المعنون ب(السياف)، فإن الروائي رسم مسارا يمهد لها منذ بداية الرواية، أي منذ ظهور شخصية زينون، الضابط في الجيش الروماني والعامل في حامية زيزيوم.

نسج الروائي هذه الخيوط بتأن ودون عجلة، ليتيح لنفسه تأثيث الرواية وتأدية أدوار أخرى إلى جانب الثيمة الرئيسة، التي تؤكد قيمة التضحية بالنفس والشهادة في سبيل ما يراه المرء حقا. وأثناء ذلك، كلف الرواية بتوثيق جانب من حياة المسيحية وتضحياتها في وقت مبكر من تاريخ المنطقة.

وفي الحقبة التي تناولتها الرواية، اشتد الاضطهاد، وصدرت عدة أوامر إمبراطورية بهذا الخصوص، في عهد الإمبراطور دقلديانوس، آخر الأباطرة الذين اضطهدوا المسيحيين.

وقد دفع هذا حكام الأقاليم والحواضر إلى التشدد، وأطلقت أيديهم في إعدام كل من لا يثبت ولاءه للأصنام والمعبودات الرومانية.

وفي هذا المناخ، ارتفعت نبرة الشهادة والاستشهاد، وكثر عدد الشهداء وتجاربهم. وحتى اليوم، لا يزال لهؤلاء الشهداء حضور في ثقافة الكنائس الشرقية، التي جللتهم بالمعاني الرفيعة والذكر الطيب.

وقد رصدت بعض المؤلفات سير هؤلاء الشهداء، ومن ضمنها سيرة زينون وصاحبه زيناس، اللذين يحتفل بعيدهما في بعض الكنائس بتاريخ 23 حزيران سنويا، استذكارا لتضحيتهما الشجاعة، ولأخذ العبرة منهما في ضرورة التمسك بالمبدأ وعدم التراجع عن الحق، حتى لو أدى ذلك إلى خسارة الحياة والتضحية بالنفس.

وهو المعنى الجوهري لمبدأ الشهادة؛ ذلك أن الشهيد إنسان يمتلك الشجاعة ونبل التضحية، فيضحي بنفسه ليحيا الآخرون، ويضمن الحياة والبقاء للمبدأ أو الوطن الذي ضحى من أجله.

بناء الرواية

بنى المؤلف روايته وفق مقتضيات السرد المنظم؛ فالبداية ترسم الصورة العامة وتسرب بعض الخيوط الابتدائية، ثم تتقدم الأحداث مع تقدم خط الزمن، ومع توالي صفحات الرواية وفصولها، بشكل متسلسل منتظم، لا يكاد يظهر فيه الإرجاء أو الاستباق.

إعلان

ولا يتم خلخلة الخط الزمني إلا باسترجاعات قليلة غير بعيدة، أو ببعض التأملات المتأتية من وعي الشخصية، بما يقترب من تيار الوعي، ومن حديث النفس أو المناجاة (المونولوج)، وصولا إلى النهاية التي تبدو غير مفاجئة في ضوء ما سبقها من تصعيد تدريجي للصراع، وتعد خاتمة موفقة للأحداث والوقائع التي طورتها الرواية، وانتهت بوقوع واقعة التعذيب واستشهاد بطلي الرواية بسبب تمسكهما بدينهما ورفضهما الوثنية الرومانية.

ويمكن القول إن البلاغة الشكلية والخصائص التجريبية في الرواية – أي رواية – ليست مطلبا بحد ذاتها، وليس هناك شكل مفضل أكثر من غيره، وإنما نحتكم في ذلك إلى حاجة الرواية وطبيعتها ومتطلباتها.

وفي رواية أجراس القبار بدا هذا الشكل ملائما للمادة الروائية، ولأسلوب السرد، ولعناصر بناء الرواية، فلم يشكل عبئا أو عيبا – في رأينا – لمجرد أنه الشكل الكلاسيكي أو المحافظ أو المنتظم.

ومن ناحية البناء العام، فقد جزأ المؤلف روايته إلى فصول تظهر من خلال عناوين تحكم نظام التقسيم والقراءة، وهي خمسة عشر عنوانا على الترتيب الآتي: الحامية، الجارية، عيد هرقل، عبيد وخدم، الجارية، ليس بعد اليوم، سبيروس، برميدوس، روزاريو، مكسيموس، الجارية، مكسيموس، زينون، زوجة الحاكم، السياف.

وفصول الرواية متفاوتة الطول، أطولها أربعة فصول هي:

الفصل الأول (الحامية): من ص 5–33، الفصل الثالث (عيد هرقل): من ص 39–78، الفصل الرابع (عبيد وخدم): من ص 79–113، الفصل السادس (ليس بعد اليوم): من ص 119–147.

أما بقية الفصول (أحد عشر فصلا)، فهي فصول قصيرة يتراوح طولها من صفحتين إلى خمس صفحات.

ويلاحظ أن الفصول الطويلة نسبيا انتهت في الصفحة 148 من الرواية، ثم حافظت بقية الفصول على القصر، لإضفاء ضرب من الحركة والحيوية، ومواجهة ما قد يعتري الرواية التاريخية من رتابة محتملة.

يمكن القول إن العناوين جزء دال من الرواية، بما تقوم به من توجيه للقراءة، والاستدلال على معانيها (شترستوك) سيمياء العناوين

وأما عنوان الرواية (أجراس القبار)، فهو عنوان مستقل، أي أنه ليس واردا في عناوين فصولها، بل هو "عنوان العناوين"، إذا أردنا تمييزه وتفريده. وقد استمده المؤلف من جو الرواية نفسها، وذلك عندما تعرضت الرواية لذكر إحدى الزهور أو النباتات البرية، حيث ورد وصف الزهرة في فصل (عبيد وخدم)، وجاء في الفقرة المخصصة لوصفها:

"لطالما أثارت هذه النباتات البرية المزهرة فضول الجنود الذين لم يألفوا مثلها في بلادهم، كالقبار، وهي شجيرة زاحفة يستمر موسم إزهارها لأشهر. في فترة ما من السنة تكون الوحيدة التي تحمل الأزهار البيضاء الطازجة، بينما يصفر المشهد من حولها. يمكن أن تعيش في أحلك الظروف من حر وقر وتعسف وإهمال. تنبت في أضيق الأماكن وحواشي الطرق، وتتحمل الجفاف وتغول الشمس. كلما ظنوا أنهم اقتلعوها، تعود لتظهر في العام اللاحق خضراء يانعة. وعندما تنضج ثمارها، تتفتح مثل الزهرة وينكشف لبها عن آلاف البذور الجميلة."

واستعمال اسم النبتة أو الزهرة يستند إلى طبيعتها الموصوفة من ناحية خصوصيتها وارتباطها ببيئة الرواية. ويمكن اعتبارها رمزا من رموز هوية المنطقة، التي تؤشر على اختلافها، إلى جانب ديمومة إزهارها وصمودها. فنضيف ما تشف عنه من دلالات المواجهة والصمود والصبر والإصرار على البقاء. فهي بذلك من رموز المقاومة أيضا.

إعلان

وعند النظر في تركيب العنوان (أجراس القبار)، يمكن أن نضيف إليه ما تدل عليه كلمة "أجراس" ذات الطبيعة السمعية – جمع "جرس" – إلى جانب ارتباطها بأجراس الكنيسة والدعوة إلى الصلاة في المسيحية. فهي إذا تربط هذا بذاك، وتكثف جانبا من المعنى الجوهري للرواية نفسها، أي ما نهض به أبطالها من صمود وشجاعة ومقاومة في مواجهة ما تعرضوا له من اضطهاد وتعذيب.

أما عناوين الفصول، فتشف بدورها عن جو الرواية. فمنها فصول بأسماء الشخصيات التاريخية أو شبه التاريخية. فمن أسماء العلم: مكسيموس، وهو حاكم فيلادلفيا، وقد ظهر في عنوانين. وسبيروس، وهو قائد حامية زيزيوم، ظهر في عنوان واحد، ومثله شخصيات: برميدوس، روزاريو، زينون.

وهناك أسماء من فئة أسماء الوظيفة أو الصفة، مثل: الجارية، وظهرت في ثلاثة عناوين، وزوجة الحاكم، والسياف، وظهر كل منهما في عنوان واحد.

وهناك عناوين مثل: الحامية، وهو اسم لا يدل على شخص واحد، وإنما على معسكر صغير أو كتيبة من الجند. وهناك عنوان مقارب هو عبيد وخدم، الذي يدل على فئة أو طبقة، بحسب المنظور الطبقي في المجتمع الروماني.

وهناك تسمية زمنية باسم عيد روماني هو عيد هرقل، وهو اسم مناسبة من مناسباتهم. وهناك عنوان واحد في صورة جملة موحية: ليس بعد اليوم، ويدل على التغير والانتقال من مرحلة إلى مرحلة.

وقد جاء العنوان للتعبير عن مرحلة حاسمة، قام فيها (زينون) برحلته إلى أنطاكية، أملا في الحصول على نسخة من الكتاب المقدس، لكنه تعرض لتجارب قاسية، أدت به إلى مرحلة جديدة، قرر فيها تحرير عبيده وخدمه، والمضي الحاسم إلى المواجهة بدلا من التستر والخفاء.

ويمكن القول إن العناوين جزء دال من الرواية، بما تقوم به من توجيه للقراءة، والاستدلال على معانيها. وقد لاحظنا أن المؤلف اختار أسماء العلم من الأسماء الرومانية الدالة على الحقبة التي تستعيدها الرواية، وكذلك فعل في اختيار أسماء الطبقات والوظائف، وفي اختيار أحد الأعياد الرومانية الرئيسية. فهذا كله يتواءم مع الرواية ويشكل جزءا من بنائها ومناخها.

إعلان

أما تكرار اسم (الجارية) في عناوين ثلاثة فصول، وهو أكثر العناوين تكرارا، فقد التمسنا له دلالة ما، لكننا وجدنا دور الجارية هامشيا من ناحية صلته بالأحداث الرئيسية، ويكاد يقتصر على الدور السردي، وعلى تقديم صورة لبيت الحاكم أو قصره من منظور أحد العاملين فيه. ويمكن تسويغ هذا التكرار بأنه دور سردي لتقديم الأحداث من زاوية جانبية، دون المبالغة في البحث عن وظيفة كبرى لها في الرواية.

بينما ظهر اسم زينون في عنوان فصل واحد فقط، ومع ذلك فهو الشخصية الرئيسية التي ظهرت في جميع الفصول، وكانت هي محور الرواية في نظرنا. أي أن العناوين لا تعكس بصورة تلقائية أهمية الشخصيات أو المساحة التي تحتلها في الرواية، وإنما هي أقرب إلى علامات تنظيمية وإجراءات فنية في تقسيم الرواية.

تبرز الرواية صراعات دينية واجتماعية وطبقية وجندرية شكلت بنية العمل وساهمت في تطوره (شترستوك)  الصراع في الرواية: عوالم متعارضة

وأما عنصر الصراع، فيمكن أن يكون عنصرا آخر ضروريا في البناء، ونستمده من مضمون الرواية أو من الأفكار والمبادئ التي تمثلها الشخصيات. فهناك صراع ديني بين ممثلي الدولة الرومانية ومجموعة المؤمنين الأوائل بالديانة المسيحية، وهم من مواطني الدولة ومن ضباطها وجنودها وعمالها، ولكنهم بانتمائهم إلى الدين الجديد كأنما انتقلوا إلى وضعية المنشق أو المختلف، لتعارض الدين المسيحي مع الوثنية الرومانية. وهذا التعارض الصراعي يمثل عنصرا بنائيا بارزا، حكم تطور الرواية وتوجهها إلى حد بعيد.

وقد مثلت الرواية الشخصيات المسيحية من خلال شخصية (زينون) وشخصية مساعده (زيناس)، اللتين أشرنا إلى تاريخيتهما، ومعهما وفي ظلالهما ظهرت شخصيات أخرى؛ منها شخصية الراهب الذي مثل دور المعلم منذ دل (زينون) على طريق الدين في رحلته الأولى إلى حامية (اللجون) باتجاه الجنوب، وظل يعود إليه ليستمد منه المزيد.

إعلان

ومنها بعض المسافرين الذين تأتي بهم القوافل، كشخصية (فينالوس) المسيحي الأنطاكي، الذي التقياه وتحاورا معه في موضوع اضطهاد المسيحيين، ومنها شخصية صاحب الخان في فيلادلفيا، صديق (زينون)، ومنها شخصية ورد، المسيحي العربي من بصرى، الذي التقياه في رحلة أنطاكية، ومنها شخصيات مسيحية من مدينة أنطاكية بعد وصولهم إليها.

وهناك شخصية غامضة هي شخصية الخادم (ساوروس)، الذي لم يعلن لهما مسيحيته جهرا، ولكن (زيناس) أحس إحساسا غامضا أنه يعرف سرهما، ثم لاحقا تكشف الرواية عما تعرض له جده المسيحي من تنكيل في فترة سابقة على يد الرومان الوثنيين.

وبشكل مجمل، قدمت الرواية هذه الشخصيات بدرجات متفاوتة، وفي مقابلها قدمت شخصيات رومانية ترفض المسيحية وتحاربها وتنفذ أوامر الإمبراطورية في هذا الصدد، وعلى رأسها شخصية حاكم فيلادلفيا، وقائد الحامية، والضابط المنافس الغيور (يوليانوس)، وغير ذلك من شخصيات أسهم حضورها في رسم أبعاد الصراع بين الفريقين المتعارضين.

وهناك عنصر آخر يمكن التماسه في المقابلة بين فيلادلفيا بوصفها حاضرة ومركزا من مراكز الرومان، في مقابل حامية (زيزيوم) التي تبدو فقيرة محدودة عند مضاهاتها بالمدينة. وقد تأملت الرواية بعض المقارنات، وصورت تطلع جنود الحامية إلى زيارة المدينة والاستفادة من خياراتها الثرية، والحصول على كثير من حاجاتهم من أسواقها.

وهناك عناصر صراعية أخرى ربما تكون أقل ظهورا؛ من مثل ما يمكن استنتاجه من طبيعة المجتمع الروماني الطبقي، الذي ميز بين السادة والعبيد، وهناك فعلا تقاليد أبرزتها الرواية للطبقية المستندة إلى هذه القسمة، ولكل طبقة أعمالها واعتبارها وتقاليدها.

وعنصر أخير من عناصر الصراع يمكن أن نلتمسه في التقسيم أو الاختلاف الجنسي بين الرجال والنساء، وقد يتداخل هذا التقسيم مع التقسيم الطبقي، فتجد الشخصية امرأة وجارية، وقد انشغلت الرواية بتصوير طبقة الوصيفات والخادمات، وتنبهت إلى اعتباراتهن وتقاليد حضورهن.

وترافق هذا الاهتمام بإبراز بعض الشخصيات من الطبقة الحاكمة والثرية أو طبقة السادة، وهذا التقابل بين الشخصيات له دور، في نظرنا، في بناء الرواية واستقرار عالمها والمحافظة على تطورها؛ ذلك أن الصراع من العناصر الفنية الأساسية في تحريك الرواية وتطويرها.

ويمكن أن نقرن قصة الحب الجانبية بين (برميدوس)، أحد عبيد (زينون)، و(صوفيا)، وصيفة زوجة الحاكم، ضمن أجواء الصراع هذه، وقد تطور الصراع بمحاولة الفتى الغني العابث (بيراتو) – من طبقة السادة الأثرياء – استمالتها، وصولا إلى محاولة استدراجها بمعونة خادمة أخرى ساعدته على الإيقاع ب(صوفيا).

إعلان

ولكن وصول حبيبها (برميدوس) في الوقت المناسب خلصها من بين يديه، إلى جانب ما تعرض له الغني العابث من ضرب مبرح على يد الشاب الذي تحرر حديثا، وحق له أن يضرب عدوه، إذ لم تعد تنطبق عليه أحكام العبيد.

الرواية لها لغتها المختلفة عن الشعر، ومجدي دعيبس يعي هذا ويكتب بلغة تقتصد في التصوير، وتركز على المواقف والصور والمشاهد (مواقع التواصل) أسلوب الرواية ولغتها

تتضمن الرواية لمحات من التأمل والتفكير والتساؤل والمراجعة، وأكثر ما تظهر تلك اللمحات في مواقف الحوار الذي بدا عنصرا أساسيا في الرواية، وهو ما يتلاءم مع اعتمادها في بنائها ومضمونها على عنصر الصراع والتعارض الفكري والديني. فمناقشة الأفكار وقضايا الإيمان والوثنية، ومسائل الاضطهاد وكيفية المقاومة، كل ذلك اقتضى الحوار بين الشخصيات.

ولجأت الرواية في بعض فصولها وفقراتها أيضا إلى قدر من تيار الوعي، الذي تنساب فيه أفكار الشخصية بطريقة منسابة متدفقة، كما في بعض المواقف المرتبطة بشخصية (زينون) بعد إيداعه السجن وتعذيبه، أو شخصية الفتى (زيناس) بعدما قرر أن يتبع طريق سيده وصاحبه. وقامت اللمحات الذاتية بمساعدة الاثنين على الصمود والمضي فيما نذرا نفسيهما من أجله.

تميل لغة الرواية، في مستوى السرد والحوار والوصف، إلى الصياغة اللغوية النثرية، وإلى الابتعاد عن اللغة الشعرية أو اللغة المزخرفة التي قد نستحسنها في الشعر، ولكنها في السرد غالبا ما تستحيل إلى طبقات من التزيين المجاني تعيق المواقف السردية.

يقتصد الكاتب في استعمال المنحى الشعري، الذي نعني به الصور والأوصاف العاطفية؛ ولذلك فإن المواقف العاطفية في الرواية غالبا ما تأتي نتيجة للمواقف السردية ودرامية الحدث، وليس من خلال اللغة ذاتها.

ويبدو الكاتب حريصا على مستوى لغوي بعينه، يمكن تسميته بالأسلوب السردي الذي ينقل الأحداث ويقدم الأوصاف المطلوبة وفق حاجة الرواية، دون الجنوح إلى اللغة التصويرية والشعرية التي قد تكون مجانية في معظم الحالات.

إعلان

الرواية لها لغتها المختلفة عن الشعر، ومجدي دعيبس يعي هذا ويكتب بلغة تقتصد في التصوير، وتركز على المواقف والصور والمشاهد، مقدمة إياها بلغة سردية قادرة على نقل الأحداث دون اللجوء إلى أساليب التخييل الشعري، وإنما لصالح اللغة التي تبدو عادية في ظاهرها، ولكن بلاغتها تكمن في مقدرتها على نقل المواقف والشخصيات والصور والحوارات.

وإلى جانب ذلك، هناك مقتبسات قليلة من الكتاب المقدس وجمل بعض الأدعية، ظهرت على ألسنة الشخصيات المسيحية، وتكفلت باستكمال الجو الديني والاختلاف مع الوثنية.

وقد استعمل المؤلف العربية الفصحى بمستواها الواضح والسهل في نسيج الرواية كلها، سواء في السرد أو الحوار أو الوصف. وأما الكلمات الرومانية وبعض الأسماء الأجنبية، فإنها تمثل معجما محدودا لا يؤثر في سلامة الأسلوب وفصاحته. وينهض هذا المعجم (المرومن) بتكثيف أجواء الحقبة التاريخية التي قدمتها الرواية.

لعل أهم معنى شغلت به الرواية هو ترسيخ مبدأ التضحية والشهادة، وإبراز جانب من معاناة المسيحيين الأوائل وما نالهم من أذى في سبيل حرية الاعتقاد وحقه (مولدة بالذكاء الاصطناعي-الجزيرة) الخلاصة: مقولات الرواية

وننتهي أخيرا إلى تكثيف أهم مقولات الرواية، وقد ظهرت متفرقة فيما سبق. ولعل أهم معنى شغلت به الرواية هو ترسيخ مبدأ التضحية والشهادة، وإبراز جانب من معاناة المسيحيين الأوائل وما نالهم من أذى في سبيل حرية الاعتقاد وحقه، وهو ما تمثل في قصة القديسين الشهيدين (زينون) و(زيناس) وما انتهى إليه أمرهما على نحو ما ذكرناه في ثنايا هذه القراءة.

وإلى جانب ذلك، يمكن أن نقرأ في الرواية بعدا مهما يتمثل في تأكيد حضور المكون المسيحي في تاريخ عمان (فيلادلفيا) وفي تاريخ المنطقة على وجه الإجمال، وتشجيع التفاعل مع هذا المكون في ماضيه وحاضره، بصفته مكونا من مكونات عمان/فيلادلفيا المتنوعة قديما وحديثا.

إعلان

وإذا أضفنا دلالة التضحية والتعرض للاضطهاد وصولا إلى التعذيب والاستشهاد، فإن الرواية تقول لنا ضما إن هذا المكون قد تحمل الكثير في سبيل أن يصمد ويبقى، ويحافظ على عناصر هويته الثقافية والحضارية والدينية.

ويمكن أن نضيف مقولة أخرى بثتها الرواية عبر الاهتمام بإبراز صورة المكان ومعالمه العمرانية والبشرية، فضلا عما جرى على ألسنة بعض الشخصيات من توصيفات ومقولات تتصل بهوية المكان (فيلادلفيا/عمان) مما يمكن أن يكون إسقاطا قصديا يلتقي فيه الحاضر بالماضي، وينقل الرواية من مرجعيتها التاريخية إلى دلالتها المعاصرة.

ومن ذلك ما جرى على لسان زوجة حاكم فيلادلفيا في موقف إلقاء كلمتها الترحيبية في حفل الاستقبال الذي صورته الرواية، وقدمت من خلاله تمثيلا لبعض استقبالات فيلادلفيا وتقاليدها. قالت امرأة الحاكم مخاطبة ضيوفها:

"نحن نعرف أن مدينتنا ليست روما ولا الإسكندرية ولا أنطاكية. مدينة صغيرة وفيها خليط من أجناس عدة، لكنها تبقى مدينتنا التي ألفناها وأحببنا نهرها الصغير، وتلالها الجرداء، ومعبدها ومدرجها ودرجها الذي لا ينتهي. أحببنا كل شيء فيها حتى أصبحت جزءا منا. والأهم من هذا كله، والأمر الذي يجعلنا نشعر بالفخر والاعتزاز، أن هناك متسعا للجميع في مدينتنا التي تدعو إلى الحب والتسامح".

مررت الرواية هذا الخطاب على لسان الشخصية، وهو في رأينا موجه إلى الزمن الراهن، وإن كان مستمدا من الحجة التاريخية، وهو جدير حقا بالانتباه، لما فيه من قيمة حضارية وثقافية راقية. وبمتابعة تفاصيل الرواية يلفتنا اختلاف الشخصية صاحبة هذا الخطاب عن غيرها من الشخصيات الرومانية، رغم أنها زوجة حاكم فيلادلفيا.

فهي ذات سلوك مختلف عن غيرها، تترفق بالخدم وتتعامل معهم تعاملا إنسانيا، وهي "تنظر في عيني الخادم أو الخادمة كأم حانية… تخفي داخلها طيبة وصفاء، لكنها تتحفظ في إظهارهما. متحفظة في كل شيء".

ونتبين في مواقف لاحقة ما قد يفسر هذا السلوك المختلف، عندما نتبين أن مربيتها (ريناتا) وهي صغيرة كانت امرأة مسيحية طيبة، وأنها تأثرت بها، كأن الجانب الطيب فيها جاء من خلال ذلك التأثير، بل نتبين من جملتها الدعائية "يا إلهي العظيم! ثبت قدمي على طريق البر والإخلاص واغفر لزوجي" أنها قد اعتقدت بالمسيحية سرا، وقد حاولت التأثير في زوجها الحاكم بطريقة غير مباشرة لتخفف عن زينون في سجنه في نهاية الرواية.

إعلان

أخيرا، نشير إلى أن مسألة الشهداء المسيحيين ممن ضحوا بأنفسهم لأجل الدين هم حقا جديرون بالاحترام والإجلال، وليس أدل على إجلالهم وتقديرهم أن السورة القرآنية المسماة بسورة (البروج) قد ذكرت طائفة من هؤلاء في حادثة غير بعيدة في طبيعتها ودلالتها عما تعرض له أبطال هذه الرواية.

وقد غمض خبر هؤلاء على المفسرين والإخباريين الأوائل، ذلك أن الآيات الكريمة جاءت مجملة للعظة والعبرة، فذهبوا في تأويلها عدة مذاهب، ونفهم من بعض روايات الطبري أن الحادثة وقعت في نجران باليمن، و"كان أصحاب الأخدود قوما مؤمنين، اعتزلوا الناس في الفترة، وإن جبارا من الجبابرة من عبدة الأوثان أرسل إليهم، فعرض عليهم الدخول في دينه فأبوا، فخد أخدودا، وأوقد فيه نارا، ثم خيرهم بين الدخول في دينه وبين إلقائهم في النار، فاختاروا إلقاءهم في النار على الرجوع عن دينهم". ويرجح المؤرخون وقوع الحادثة سنة 523م في نجران على يد الملك اليمني المتهود المعروف في المصادر العربية بذي نواس.

وبذلك، فإن ثيمة التضحية من أجل المبدأ الحق هي ثيمة أصيلة قديما وحديثا، ولا تخضع لموازين القوة بل لموازين الحق. وقد يفقد المرء حياته ويغدو لموته معنى مختلفا مما يتمثل في معنى الشهادة، من أجل قضيته، ودفاعا عن إيمانه، تاركا للتاريخ أن يحكم له ضد جلاديه، ومفسحا المجال لأجيال أخرى كي تكمل مسيرة التضحية، وكي تسجل عبر الكتابة الأدبية والفكرية جوانب من هذا الصراع الدائر أبدا بين المثقف والسلطة، وتؤكد لنا -كما في رواية أجراس القبار- أن الأفكار لا تموت بمقتل أصحابها، بل ربما بث فيها ذلك الموت المختلف حياة جديدة وخالدة على مدى التاريخ.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحج حريات الحج الروایة التاریخیة الدولة الرومانیة من الروایة فی الروایة وصولا إلى على طریق إلى جانب غالبا ما فی عنوان تعرض له من خلال فی سبیل جانب من ما تعرض یمکن أن ذلک أن إلى أن على ید ذلک من فی بعض

إقرأ أيضاً:

مجدي عبد الغني: دعمت مرتجي علي حساب صالح سليم.. والخطيب السبب

كشف مجدى عبد الغنى نجم الأهلي الأسبق كواليس وقوفه بجانب الفريق مرتجي ضد صالح سليم في انتخابات الاهلي بطلب من محمود الخطيب.

وقال مجدى عبد الغنى خلال تواجده ضيفا مع عمر ربيع ياسين ببرنامجه"مان تو مان " عبر صفحته الرسمية:" معنديش خلاف مع محمود الخطيب، ولو زعلت من الخطيب مش في ايدى حاجة اعملهالو.. ومش زعلان "

ويضيف مجدى عبد الغنى: " الخطيب دعم الفريق مرتجي ضد صالح سليم في انتخابات الاهلي وكان بياخدنا احنا عند ابراهيم عبد الرازق في المنيل نعمل اجتماعات لدعم الفريق مرتجي ضد صالح سليم "

وتابع البلدوزر:" واخر اجتماع لدعم مرتجي الخطيب مجاش وسابنا، وكان في اجتماع لدعم صالح سليم حضره كل الممثلين عادل امام وصلاح السعدني وفاروق الفيشاوي ومع ذلك الخطيب نزل الانتخابات ونجح ودخل مجلس صالح سليم ".

مقالات مشابهة

  • محافظ الغربية: عيد الأضحى مناسبة عظيمة لتعميق قيم التضحية من أجل الوطن
  • خطبة عيد الأضحى من المسجد الحرام: دعوة للتقوى والتراحم وتجسيد معاني التضحية
  • هي العيد.. وئام مجدي تشارك فيديو مع جدتها الراحلة
  • الرئيس عون مهنّئاً بعيد الأضحى: للتحلّي بروح التضحية والعطاء في سبيل وطننا الحبيب
  • تحقيق للجزيرة يكشف تضارب الرواية الإسرائيلية بشأن مجزرة المساعدات في رفح
  • مجدي البدوي: قرار تاريخي يرفع مكانة فلسطين داخل منظمة العمل الدولية
  • في الطريق لبيت الله الحرام.. تاريخ أفريقي طويل من التضحية والعبادة
  • مجدي الجلاد عن تضارب تصريحات الحكومة عن النشاط الزلزالي في مصر: نخاف ولا نأنتخ
  • مجدي عبد الغني: دعمت مرتجي علي حساب صالح سليم.. والخطيب السبب