اللقاء القاتل.. وثيقة تاريخية تكشف التوتّر بين حافظ الأسد وكمال جنبلاط
تاريخ النشر: 12th, June 2025 GMT
صدر حديثًا عن دار "نوفل" (هاشيت أنطوان) كتاب "اللقاء القاتل" لمؤلفه هادي وهّاب، ليُشكل إضافة نوعية للمكتبة التاريخية والسياسية. ولا يقتصر العمل على كونه مجرد كتاب، بل هو وثيقة تاريخية بامتياز، تُنشر للمرة الأولى، وتُلقي الضوء على محضر الجلسة الأخيرة بين الرئيس السوري حافظ الأسد والزعيم اللبناني كمال جنبلاط، التي عُقدت بتاريخ 27 آذار 1976، أي قبل عام تقريبًا من اغتيال جنبلاط.
يؤكد المؤلف في مقدمته أنه اختار أن يقرأ هذه الوثيقة قراءة توثيقية تاريخية لا تحليلية أو تأويلية، وأن هدفه كشف ما جرى "دون فلترة"، لما لهذا اللقاء من أثر بالغ في مجرى التاريخ اللبناني والسوري. ويبدأ الكتاب بمقدمة تاريخية قصيرة. ويتضمن المحضر الكامل المفرغ للجلسة التي امتدت نحو 8 ساعات ونصف من الحوار المتواصل. ثم يختم بخاتمة تحليلية قصيرة تضع اللقاء في سياقه الأوسع.
يأتي هذا اللقاء في ذروة الحرب الأهلية اللبنانية، عقب التدخل العسكري السوري في لبنان، وهو ما يضفي عليه أهمية قصوى. إنه يوثق لحظة فارقة في التاريخ اللبناني والسوري، ويُبرز عمق الخلافات الفكرية والسياسية بين قائدين محوريين. من جهة، كان كمال جنبلاط رائدًا في فكره، يسعى إلى تغيير شامل للنظام الطائفي اللبناني، ساعيًا نحو دولة علمانية اشتراكية تقدمية. ومن جهة أخرى، كان حافظ الأسد ينظر إلى التدخل السوري من منظور الضرورة القومية، لكنه حرص على احتواء النزاع ومنع أي تغييرات جذرية قد تهدد التوازنات القائمة في المنطقة. هذا التباين في الرؤى يُشكل جوهر الصراع الذي يكشفه المحضر.
إعلان مضامين اللقاءامتد اللقاء لنحو ثماني ساعات، وحضره إلى جانب جنبلاط كل من عباس خلف، محسن دلول، ورياض رعد. دار النقاش حول قضايا حساسة ومصيرية، في مقدمتها الوضع العسكري المتدهور في بيروت والجبل، وتداعيات تمرد الضباط اللبنانيين والانقسامات الحادة داخل الجيش اللبناني.
قدم جنبلاط خلال اللقاء رؤيته الجريئة لمستقبل لبنان، والتي تضمنت إلغاء الطائفية، تطبيق العلمانية، الإصلاح الزراعي، تأميم المصارف، وإنشاء مجلس نيابي مزدوج. لم يتوقف عند هذا الحد، بل وجه انتقادات حادة للنظام التعليمي والتربوي، مُشيرًا إلى غياب القيم في الجيل الجديد. في المقابل، عبر الأسد عن رفضه القاطع لأي انقلاب سياسي كامل على النظام، مُشككًا في إمكانية نجاح نظام اشتراكي كامل في لبنان. من جانبه، أطلق جنبلاط تحذيرات واضحة من بقاء الطائفية، مُشددًا على أن الجيل الجديد لن يُمكن احتواؤه دون إصلاحات جذرية.
اتسمت النبرة بين الرجلين بالصراحة المفرطة والصدامية. بدا جنبلاط متحمسًا ومؤمنًا بثورته الاجتماعية والسياسية، بينما كان الأسد براغماتيًا، هادئًا، لكنه حاسمًا في رفضه للفوضى. كلا الطرفين أدركا أن المسار مفتوح على كل الاحتمالات، بما في ذلك الحرب والانفجار الكامل، مما يعكس عمق التوتر والمخاطر التي كانت تكتنف تلك المرحلة.
يُعد "اللقاء القاتل" مصدرًا نادرًا لفهم اللحظة الحاسمة التي سبقت اغتيال كمال جنبلاط. يعرض الكتاب فكر جنبلاط بوضوح غير مسبوق: فكر اشتراكي، علماني، إصلاحي جذري، وناقد للتقاليد. كما يكشف كيف حاول الأسد احتواء جنبلاط، دون كسره أو التورط علنًا في صدام مباشر معه، وهو ما يُلقي الضوء على تعقيدات العلاقة السورية-اللبنانية.
إعلانيحمل اللقاء دلالات عميقة حول توازنات القوى العربية في تلك الحقبة، والخلفيات المعقدة للصراعات اللبنانية-السورية-الفلسطينية التي كانت تتشابك في المنطقة.
يتجاوز هذا الكتاب مجرد سرد الأحداث؛ إنه يعيد تأطيرها ضمن سردية أوسع عن مأساة التغيير في المجتمعات الطائفية، واصطدام الثورة بالواقع الإقليمي. لهذا، يُصنف "محضر اللقاء الأخير" من أهم الكتب السياسية التوثيقية التي صدرت حديثًا عن لبنان وسوريا. يقدم الكتاب رؤية شاملة وعميقة لجزء بالغ الأهمية من التاريخ العربي الحديث، ويُعتبر مرجعًا لا غنى عنه للباحثين والمهتمين بالصراعات الإقليمية وتحولات الأنظمة السياسية.
صراع المشاريعيُعد محضر اللقاء الأخير هذا وثيقة تاريخية وسياسية لا غنى عنها لفهم التعقيدات التي أحاطت بلبنان وسوريا في منتصف السبعينيات. يكشف الكتاب عن صراع محموم بين مشروعين سياسيين وفكريين متناقضين، يمثلهما الرئيس السوري حافظ الأسد والزعيم اللبناني كمال جنبلاط. يلقي هذا التحليل المفصل الضوء على المحاور الرئيسية للكتاب، مبرزًا وظيفتها السياسية والفكرية.
لم يكن اللقاء بين الأسد وجنبلاط مجرد لقاء بين صديقين يتبادلان وجهات النظر، بل كان مواجهة بين مشروعين سياسيين متناقضين في لحظة مفصلية من الحرب الأهلية اللبنانية، وبعد عام من التدخل العسكري السوري. كان لبنان غارقًا في صراع بين القوى الوطنية اليسارية المدعومة فلسطينيًا، والقوى اليمينية المسيحية المدعومة أميركيًا. وفي هذا المشهد المضطرب، كانت سوريا تسعى لفرض "الاستقرار بالقوة" بما يتوافق مع مصالحها الإقليمية. هذا السياق يقدم الخلفية الضرورية لفهم أن جنبلاط كان يسعى لإصلاح بنيوي شامل، بينما كان الأسد حريصًا على منع انهيار النظام القائم، مما يعكس تباينًا جذريًا في الأولويات والأهداف.
يُبرز المحضر التوتر الفكري والسياسي بين الرجلين. جنبلاط كان ينظر لنفسه كقائد ثورة وطنية واجتماعية، هدفها إلغاء الطائفية وبناء دولة حديثة ديمقراطية اشتراكية. كانت لغته مندفعَة، أقرب إلى الخطابة الثورية. في المقابل، كان الأسد براغماتيًا، يرى أن الحفاظ على استقرار النظام الإقليمي مقدم على أي مشروع مثالي. استخدم الأسد لغة هادئة لكن حاسمة، مما يكشف عن مدى تحفّظه على المشروع التغييري الجنبلاطي، رغم تقاطعهما في العداء لإسرائيل والولاء لفكرة "العروبة". هذا المحور يبين بوضوح حدود التعاون بين الحليفين السابقين.
إعلان رؤية جنبلاط الثوريةركز جنبلاط بقوة على ضرورة إلغاء الطائفية السياسية، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية من خلال قانون انتخاب نسبي، وإلغاء الامتيازات الطبقية والطائفية. حتى أنه طرح نظامًا برلمانيًا مزدوجًا يُنتخب من النقابات والطبقات العاملة، شبيهًا بنظام النواب والشيوخ. هذا المحور يُظهر البعد الثوري لرؤية جنبلاط، ويؤكد أنه لم يكن مجرد قائد ميليشيا أو زعيم طائفي، بل صاحب مشروع دولة حقيقي. في المقابل، لم يبدُ الأسد متحمسًا لهذا المستوى من التغيير، وربما رآه خطيرًا على البنية الاجتماعية الحليفة له في لبنان.
يتطرق اللقاء إلى الانشقاقات داخل الجيش اللبناني، ولا سيما انشقاق أحمد الخطيب وتشكيله "جيش لبنان العربي". هذا النقاش يسلط الضوء على أزمة القيادة والانضباط والطابع الطبقي داخل الجيش، الذي تحول إلى صورة مصغّرة عن الدولة المفككة نفسها. هذا المحور يرصد ديناميات التفكك في مؤسسات الدولة اللبنانية، ويقدم قراءة سوسيولوجية مبكرة عن الدور الذي ستلعبه الميليشيات في مستقبل لبنان.
المشهد الإقليمي وحسابات القوى الكبرىناقش اللقاء خريطة العلاقات الدولية في لبنان، وخاصة العلاقة المعقدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد عبر جنبلاط عن خشيته من أن يكون الوجود السوري ذريعة لتدخل إسرائيلي، بينما أشار الأسد إلى أن كل شيء مرهون بـ"لعبة دولية كبرى"، وأن أميركا كانت تسعى لمعاقبة الموارنة على تمردهم الرمزي. هذا المحور يُظهر أن القرار اللبناني لم يكن محليًا بالكامل، وأن سوريا كانت تحاول الاستفادة من الفراغ الإقليمي لفرض واقع سياسي جديد، بينما جنبلاط كان يتعامل مع الحسابات الدولية كعنصر ثانوي في صراعه الداخلي.
يفتح كمال جنبلاط نقاشًا عميقًا حول غياب التربية المدرسية، واختفاء التراث، وهيمنة السوق واللغة المنفلتة. ينتقد انعدام القيم، ويعزو انحراف الشباب إلى ذلك، رغم انخراطهم في معركة نضالية. هذا المحور يُظهر جنبلاط هنا كرجل تربية وفكر وفلسفة، يرى في أزمة التعليم مدخلًا للخراب، وفي غياب المتنبي وأبي فراس إشارة إلى انقطاع جذري بين الهوية والتنشئة.
كما يدور النقاش حول ما إذا كانت "ثورة اجتماعية" ممكنة من دون صدام، أم أن العنف أصبح طريقًا لا مفر منه. الأسد يعارض الحلول الراديكالية ويخشى من الانفجار، فيما جنبلاط لا يستبعد خيار "الحسم العسكري" لتحقيق الإصلاح. هذا الحوار يضع الإصبع على جذر المعضلة اللبنانية – السورية: هل يُصلح النظام من الداخل أم يُقلب من الخارج؟ الأسد يراهن على التدرج، جنبلاط على الانقلاب السياسي والاجتماعي الكامل.
إعلانيطالب جنبلاط بوضوح بالزواج المدني، وعلمنة النظام، وإلغاء الحصص الطائفية، ويعرض شواهد من داخل الأوساط المسيحية المؤيدة لذلك. يطرح هذه المطالب كمخرج تاريخي، لا مجرد أمنية. هذا المحور يوضح تفوق جنبلاط فكريًا على خصومه الطائفيين، وتأكيده أن العلمانية مطلب شبابي وشعبي. لكن هذا الطموح اصطدم بواقع سياسي طائفي مقفل.
في نهاية اللقاء، يعبر الأسد عن قلقه من "الاندفاع" الجنبلاطي، ويرى أن المبالغة في الطموحات قد تودي بالمشروع كله إلى الفشل. يعتبر أن المصلحة القومية تتطلب التروي، وأنه لا يمانع في التغيير بشرط ألا يكون شاملًا. يُختتم اللقاء على نغمة تحذيرية، وكأن الأسد يُنذر جنبلاط بمصيره، أو على الأقل يعبر عن فقدان الثقة بينهما. وهذا يفسر لاحقًا لماذا لم تحبط سوريا عملية اغتياله أو حتى تدينها بقوة.
يُقدم "محضر اللقاء الأخير" بذلك ليس فقط سجلًا لوقائع تاريخية، بل مادة ثرية يمكننا أن نرى فيها تشابك الرؤى، وتصادم المشاريع، والظروف المعقدة التي شكلت مسار الأحداث في المنطقة. إنه دعوة للتفكير في التحديات المستمرة التي تواجه المجتمعات الطائفية، وحدود التغيير الثوري في وجه المصالح الإقليمية والدولية.
صورة الأسدمن خلال القراءة الدقيقة لحوارات حافظ الأسد في "اللقاء القاتل"، تتكشف لنا شخصية مركّبة، مدروسة، واقعية حتى حدود البرود، ومعبّرة عن ذهنية رجل أمن يرتدي عباءة الزعيم القومي. إنه ليس مجرد شخصية سلطوية تقليدية، بل شخصية سياسية صُنعت من طبقات متعددة من البراغماتية، الخبرة العسكرية، الحس بالمخاطر، والخوف من الفوضى المقنّعة بثوب الإصلاح.
الأسد يبدو مع "الواقعية السياسية"، يرفض الحسم العسكري الشامل الذي يطرحه جنبلاط، ويرى أن التغيير يجب أن يتم تدريجيًا، وأن لكل بلد ظروفه. لا يتحدث بلغة اليساري المؤمن، بل بلغة المهندس السياسي: "هل تستطيعون فرض نظام اشتراكي كامل؟ ما هو الثمن؟ وما المكاسب؟ وهل هذا مقبول دوليًا؟".
إعلانوقد لا يظهر أن الأسد يُعادي الثورات، لكنه حتما لا يثق بها. بل يرى أنها تؤدي إلى فوضى، ولا يستطيع أن يتحكم بمنطقها. كما أن وراء نبرة الأسد المتزنة، تلوح شخصية رجل أمني بامتياز. لديه معلومات دقيقة عن الفصائل، عن تحركات الميليشيات، عن المزاج الدولي، وحتى عن شكاوى المسيحيين من الكنيسة. إنه يعرف أسماء الضباط، يتحدث عن الصحفيين، عن المخابرات الأميركية، عن "ماذا قال كسينجر". كل شيء مراقب، مدروس، محسوب. ويبدو تماما أن الأسد لا يرى العالم كما يراه الحالمون. إنه يرى الخيوط، التحالفات، المصالح، ويتصرّف بناء عليها.
ورغم حديثه الظاهري عن "العروبة" و"الشعب الواحد"، إلا أن الأسد يُقرّ ضمنيًا أن تدخله في لبنان لم يكن فقط بدافع قومي، بل لدرء خطر داخلي، ولمنع تحول لبنان إلى ساحة فالتة تهدد سوريا.
يقولها بوضوح: تدخلنا رغم معرفتنا بالمخاطر، لأن المصلحة اقتضت ذلك. هو لا يُنكر العاطفة تمامًا، لكنه يراها تابعة للمصلحة، لا سابقة لها.
وأخيرا فإن هذا الرئيس الذي انقلب على رفاقه القدامى، يمتلك حسًا ساخرًا وسلطويًا في آن. فالأسد يسخر من خصومه، يمازح محدثيه أحيانًا، لكنه لا يترك لحظة دون أن يُذكّر بأنه هو من بيده القرار. لم يكن ديكتاتورًا فظًا في هذه الجلسة، لكنه أدار الحوار بأسلوب من يعرف أنه الأقوى. إنه لا يرفع صوته، لكنه يُشعرك أن أي تجاوز للحدود سيُكلف غاليًا. هذه ليست ديمقراطية حوار، بل إدارة محكمة لزمام الأمور.
صورة جنبلاطفي المقابل، فإن صورة الزعيم الدرزي كمال جنبلاط في محضر اللقاء الأخير مع حافظ الأسد، تكشف عن شخصية نادرة في التاريخ السياسي العربي، فهو زعيم لا يساوم، حالم حتى في حضرة الجلاد، متكلّم حتى الرمق الأخير، ومقتنع بأن الكلمة قد تكون أكثر مضاءً من الرصاصة.
ويمكن تلخيص ملامح شخصيته كما تظهر في الحوار وفق عدة محاور، أهمها أنه يتحدث بلغة القائد الذي يرى نفسه على رأس حركة تغيير تاريخية كبرى. لا يخجل من الحلم الكبير، وعلى رأسه إلغاء الطائفية السياسية وإقامة نظام علماني وبناء جيش وطني وتحويل لبنان إلى "هونغ كونغ اشتراكية". إنّه يطالب ليس فقط بتغيير النظام، بل بتغيير البنية الذهنية والاجتماعية والثقافية. وهذه طموحات لا يطلقها سياسي تقليدي، بل قائد يقرأ نفسه في التاريخ.
إعلانكما ويتكلم جنبلاط وكأن الثورة انتصرت بالفعل. يؤمن أن الشباب تغيّر، أن الناس مع العلمنة، أن المسيحيين تعبوا من الإكليروس الكهنوتي، وأن بيروت يمكن أن تسقط، وأنه يمكن فرض نظام جديد بقوة السلاح وشرعية الجماهير. وهذه القناعة، التي تمتلئ بالحماسة، تُظهِره كزعيم تخطى الحسابات الواقعية، وأصبح أسيرًا للمشروع الذي تبنّاه. نحن نرى أن جنبلاط في حضرة الأسد لم يكن يتفاوض، بل كان يُنظّر، يُفكّر، يُعلّم، يُعاند، يُصرّ على الحق، حتى وإن علم أنه قد يُكلّفه حياته. فيبدو كأنه فيلسوف اجتماعي لا مجرد زعيم درزي. وهو لا يختزل لبنان في طائفة أو منطقة، بل يطرحه كمختبر للعروبة التقدمية. هنا يخرج جنبلاط من عباءة الزعيم الطائفي، ويظهر كأنه أستاذ في معهد نهضوي عربي واسع.
كما أننا نرى وجها أخر في جنبلاط، فهو متمرد أخلاقي أكثر منه عسكري، ورغم أنه لا يمانع في الحسم المسلح لتحقيق أهدافه، فإن جذوة التمرد الأخلاقي فيه تطغى على أي نزعة دموية. إنه ينتقد الطبقية، يهاجم الامتيازات، يطالب بعدالة اجتماعية لا مجرد سلطة. لقد كان يريد أن يُؤسّس شرعية جديدة تقوم على المواطنة لا المِلّة، على الانتماء للناس لا للزعيم.
ونلاحظ أيضا أن جنبلاط صادق حتى التهور، فلم يكن يتحدث إلى حافظ الأسد كما يتحدث سياسي تابع أو مرتجف. بل كان يتكلم بنديّة، وربما بقدرٍ من الغرور الفلسفي. لقد طرح أفكارًا يعلم مسبقًا أنها ستُغضب دمشق، لكنه أصرّ عليها. وهذا يشير إلى أنه لم يُفكّر بما يجب أن يُقال، بل قال ما يجب أن يُفكَّر به. وهنا مأساة الرجل. إنه مفكر سياسي طوباوي أراد أن يصنع ثورة أخلاقية واجتماعية وثقافية في بلد لم يكن مستعدًا لها. كما أنه زعيم يساري قومي علماني آمن بأن تغيير لبنان سيكون بوابة لتغيير العرب. وهو أيضا فيلسوف ضلّ طريقه إلى ميدان الحرب، فقتله التاريخ قبل أن يقتله الرصاص.
إعلان وثيقة تفتح التاريخ على مصراعيهلم يكن اللقاء بين حافظ الأسد وكمال جنبلاط مجرد اجتماع سياسي عابر، بل محطة كاشفة في تاريخ العلاقة بين سوريا ولبنان، وبين منطق الدولة ومنطق الثورة. تشكل الوثيقة شهادة فريدة على لحظة سياسية فارقة في تاريخ المشرق العربي، حيث تتواجه رؤيتان متعارضتان لمستقبل لبنان والمنطقة: رؤية الأسد المستندة إلى الواقعية البراغماتية وإدارة التوازنات. ورؤية جنبلاط المبنية على الإصلاح الجذري والتغيير البنيوي.
هذه الأحاديث تضع القارئ مباشرة داخل غرفة القرار العربي حين كان الدم يسبق البيان. لقد انتهى اللقاء دون اتفاق. لكن المحضر ترك ما هو أثمن من الاتفاقات الظرفية: شهادة مكتوبة على مفترق طرق، بين زعيم أراد أن يصوغ مستقبلًا جديدًا، ورئيس كان يسعى إلى ضبط حاضرٍ متفجّر. والنتيجة، كما نعرف اليوم، كانت خروج جنبلاط من المعادلة، وبقاء الأسد لعقود، محاطًا بما تبقّى من تلك الجلسة: الحذر، والسلطة، والصمت الطويل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج اللقاء القاتل هذا المحور ی کمال جنبلاط حافظ الأسد فی المقابل الضوء على أن الأسد فی لبنان الأسد ی یرى أن لم یکن نظام ا
إقرأ أيضاً:
خطة لإعادة النازحين السوريين.. وزيرة لبنانية تكشف التفاصيل
المناطق_متابعات
في ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التي يشهدها لبنان، تتجه الحكومة نحو تفعيل خطة متكاملة لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، بالتزامن مع إعلان مفوضية اللاجئين في لبنان UNHCR توقيف دعمها للتكاليف الاستشفائية للاجئين بشكل نهائي مع نهاية عام 2025.
وفي السياق، أوضحت وزيرة الشؤون الاجتماعية المكلّفة بملف النازحين السوريين حنين السيد، في حديث للعربية.نت/الحدث.نت أن اللجنة الوزارية المكلفة بهذا الملف برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري أنجزت خطة متكاملة لعودة النازحين.
أخبار قد تهمك “OpenAI” تؤكد وجود عطل بـ”شات جي بي تي” وتقول إنها تعمل على حل 11 يونيو 2025 - 9:04 صباحًا طقس شديد الحرارة على أجزاء من مناطق الشرقية و الرياض و مكة المكرمة 11 يونيو 2025 - 9:01 صباحًاإلا أنها أشارت إلى أن هذه الخطة لا تزال بحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء لاعتمادها رسميًا والمباشرة في تنفيذها.
ورداً على سؤال حول توقيت البدء بتنفيذ الخطة أكدت السيد أن الخطة بدأت فعليًا من حيث المضمون، إذ نشهد حاليًا حركة عودة لافتة، ويجري العمل على تهيئة الأرضية لتطبيق الخطة بطريقة منظمة.
كما لفتت إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية تضطلع بدور محوري في التحضيرات الجارية، بالتنسيق مع سائر الوزارات المعنية.
من البقاع أولاًأما من ناحية الإطار الزمني، فأوضحت الوزيرة أن الخطة ستُستكمل بشكل تدريجي بما يتيح عودة عدد كبير من العائلات السورية، خاصةً مع بداية فصل الصيف وانتهاء العام الدراسي، حيث يُتوقع تزايد وتيرة العودة تزامنًا مع موسم الزراعة في سوريا، وكلما ظهرت مؤشرات على تحسن الأوضاع داخل البلاد.
إلى ذلك، كشفت السيد أنه من المتوقع أن تتراوح أعداد العائدين بين 200,000 و400,000 شخص قبل نهاية العام. وأضافت أن الأولوية ستُعطى للعائلات المقيمة في المخيمات العشوائية، خصوصًا في منطقة البقاع وعلى ضفاف الأنهر، نظرًا لهشاشة أوضاعهم المعيشية.
قرار المفوضية يسرّع العودةوأشارت إلى أن قرار المفوضية السامية لشؤون النازحين في لبنان بتوقيف مساعداتها الاستشفائية في نهاية العام الحالي ممكن أن يساهم في زيادة وتيرة العودة، إلا أن الأهم يكمن بالعبء الإضافي الذي يتكبده لبنان في ملف الاستشفاء، وهو قطاع يتطلب موارد مالية ضخمة. وتابعت أن هذا التوجه قد يُسرّع عملية العودة من جهة، لكنه في الوقت نفسه يُشكّل تحديًا إضافيًا على مستوى الخدمات الصحيةالبنانية.
بدورها، أكدت الناطقة باسم مفوضية اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد للعربية.نت/الحدث.نت أن المفوضية ستضطر إلى التوقف كاملاً عن دعم التكاليف الاستشفائية للاجئين مع نهاية عام 2025، وذلك نتيجة النقص الكبير في التمويل. وأكدت أن “القرار نهائي لأنه يأتي في أعقاب التخفيضات التدريجية التي اضُطرت المفوضية على تنفيذها بما يتعلّق في برنامج الصحة خلال السنوات الأخيرة”.
كما كشفت عن تواصل حصل سابقاً مع وزارة الصحة العامة، إذ حرصت المفوضية منذ السنة الماضية على إطلاع الوزارة والحكومة ككل بانتظام على وضعها التمويلي. وأكدت مواصلة المفوضية التزامها بالعمل التعاوني للمطالبة بتوفير موارد إضافية وإيجاد حلول بديلة كلما أمكن.
لا خلفيات سياسيةورداً على سؤال حول احتمالية أن يكون القرار له خلفية سياسية، قالت أبو خالد: “يؤلمنا أن نضطر إلى اتخاذ هذه القرارات الصعبة”، مشددة على أن وقف الدعم الصحي للنازحين لا علاقة له بتاتاً بأي سبب سياسي، لكن السبب الوحيد هو غياب التمويل الكافي والمستدام، إذ لم يكن هناك إلا هذا الخيار فلا يمكن إنفاق موارد لا تملكها المفوضية.
إلى ذلك اعتبرت أن المفوضية بذلت منذ عام 2011، كل ما في وسعها لدعم لبنان في استضافة اللاجئين، وفقًا للموارد التي كانت متاحة لديها، والتي تشهد انخفاضًا كبيرًا وسريعًا وغير متوقع في التمويل لعام 2025.
كما كشفت أن تمويل المنظمة لم يتجاوز نسبة 12% حتى مايو/أيار 2025، إضافة إلى أن توقعات التمويل لعام 2026 لا تبدو مطمئنة.
فيما طالبت الجهات المانحة على مواصلة وتكثيف جهودها في هذه المرحلة الحرجة.
انخفاض بعدد المُستفيدينوأوضحت أبو خالد أن المفوضية تُدرك الضغط الذي سيُشكّله القرار على نظام الرعاية الصحية المُثقل في لبنان، وعلى صحة وسلامة اللاجئين الأكثر ضعفاً في جميع أنحاء البلاد. علما أن عدد المُستفيدين من الخدمات الاستشفائية انخفض من 60353 مريضاً في عام 2023 إلى 44796 في عام 2024.
كذلك أضافت أن المفوضية وضعت خطة عمل للعودة الطوعية للنازحين، تشمل تقديم المساعدات اللازمة لتسهيل عودتهم، بما في ذلك توفير وسائل النقل، والمساعدة في إنجاز الوثائق المطلوبة داخل سوريا.
تحديات التنفيذوبينما يُتوقع أن تتراوح أعداد العائدين السوريين بين 200,000 و400,000 قبل نهاية العام، تتجه الأنظار إلى مدى قدرة الحكومة اللبنانية على تنفيذ هذه الخطة في ظل التحديات الصحية والمالية التي تواجه البلاد.
في المقابل، يضع قرار المفوضية بوقف الدعم الاستشفائي عبئًا إضافيًا على القطاع الصحي اللبناني المثقل أصلًا، ويجعل من تسريع العودة ضرورة ملحّة. وبين ضغوط التمويل ومساعي التنظيم، تظل العودة الطوعية الآمنة رهناً بالتنسيق الفعّال بين الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط 11 يونيو 2025 - 9:08 صباحًا شاركها فيسبوك X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد11 يونيو 2025 - 8:47 صباحًا9 أطعمة تساعد على التمتع بحياة صحية خالية من الأمراض أبرز المواد11 يونيو 2025 - 8:17 صباحًاسيل انتقادات من إدارة ترامب لحاكم كاليفورنيا..”أغرقنا بالمهاجرين” أبرز المواد11 يونيو 2025 - 8:11 صباحًاهدنة غزة.. نسخة محدثة من مقترح ويتكوف بين أيدي حماس أبرز المواد11 يونيو 2025 - 7:36 صباحًاأمريكا والصين تتفقان على تخفيف قيود التصدير وإبقاء “هدنة” الرسوم أبرز المواد11 يونيو 2025 - 7:31 صباحًاحالة الطقس المتوقعة اليوم11 يونيو 2025 - 8:47 صباحًا9 أطعمة تساعد على التمتع بحياة صحية خالية من الأمراض11 يونيو 2025 - 8:17 صباحًاسيل انتقادات من إدارة ترامب لحاكم كاليفورنيا..”أغرقنا بالمهاجرين”11 يونيو 2025 - 8:11 صباحًاهدنة غزة.. نسخة محدثة من مقترح ويتكوف بين أيدي حماس11 يونيو 2025 - 7:36 صباحًاأمريكا والصين تتفقان على تخفيف قيود التصدير وإبقاء “هدنة” الرسوم11 يونيو 2025 - 7:31 صباحًاحالة الطقس المتوقعة اليوم "OpenAI" تؤكد وجود عطل بـ"شات جي بي تي" وتقول إنها تعمل على حل "OpenAI" تؤكد وجود عطل بـ"شات جي بي تي" وتقول إنها تعمل على حل تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً أجمل رسائل وعبارات صباح الخير وأدعية صباحية للإهداء 24 أبريل 2022 - 9:35 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2025 | تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن