جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-13@08:27:53 GMT

حين يُهمَّش القلم.. من يكتب لعُمان؟

تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT

حين يُهمَّش القلم.. من يكتب لعُمان؟

 

 

 

عصماء بنت محمد الكحالية

الكاتب ليس ناقلًا للكلمات، بل صانعُ وعيٍ، وحارسُ هوية، ومهندسُ فكر. يبني بالأحرف صروحًا من الإدراك، ويوقظ في السطور ضمير الأمة. والقلمُ؟ ليس خشبةً صمّاء، بل شعلة مسؤولية وشرارة تغيير. في عُمان، لا يزال القلم يكتب بإخلاص، لكن الطريق أمامه بات أكثر وعورة. بين الحلم والمطبعة، يقف الكاتب العُماني مثقلًا بالهموم، ومُحاطًا بتحديات تُكبل صوته وتؤخّر رسالته.

فهل أصبحت الكتابة رفاهية؟ أم أن الثقافة باتت خيارًا جانبيًا؟ ارتفاع تكاليف النشر والطباعة، تضييق قنوات التوزيع، وغياب الدعم المؤسسي الحقيقي، كلّها عوامل جعلت من إنتاج الكتاب العُماني مُغامرة محفوفة بالتأجيل أو الانطفاء. نحن لا نطلب امتيازًا... بل نُطالب بما هو بديهي: أن لا يتحوّل النشر إلى عبء مالي يكسر ظهر المبدع. أن لا يُقصى الكاتب عن جمهوره بسبب سعر كتابه. أن لا يُكافأ العمل الثقافي بالتجاهل أو التهميش. إذا كنَّا نطمح إلى شعب قارئ، فليبدأ ذلك من رعاية من يكتب. الكاتب لا يحتاج تصفيقًا، بل بيئة عادلة، ومساحة يُحترم فيها جهده، ويصل فيها صوته. الكتاب ليس سلعة ترف... بل مشروع وطني. في كل كتاب يتم دعمه، هناك فكرة تُنقذ، وعقل يُنار، وجيل يُبنى.

أما حين يُترك الكاتب يُصارع وحده، فإننا لا نخسر نصًا، بل نخسر وعيًا بأكمله. والوجع لم يعد خفيًا: تكلفة النشر تُرهق المبدع. القارئ يتراجع أمام الأسعار. السوق الثقافية تختنق بين إنتاج بلا دعم، ومحتوى لا يُعرض. وهنا نُطالب بتحرك فعلي لا شعارات: دعم مؤسسي حقيقي ومستدام للطباعة والنشر المحلي. مبادرات مكتبية تُبرز الإنتاج العُماني وتضمن وصوله للمجتمع. معارض كُتب تُبنى على أهداف معرفية واضحة، لا مجرّد مظاهر احتفالية. نحن لا نكتب بحثًا عن المجد؛ بل نكتب لأننا لا نُجيد الصمت حين يصمت كل شيء. نكتب لأنَّ الكلمة عندنا ليست هواية؛ بل عهد.

ولأنَّ هذا الوطن يستحق أن يُروى بحبر الوفاء، لا أن يُختزل في هوامش التجاهل. نكتب لأننا نؤمن أنَّ الفكر لا يزدهر بالتمني، وإنما بالتمكين، وأن القلم العُماني لا يجب أن يُترك وحيدًا في معركته. مطالبنا ليست ترفًا، لكن نبض حياة ثقافية تختنق. وصوت الكاتب العُماني لن يخفت، لأنَّ صوته ليس صوته فقط... بل صوت وطنٍ يُريد أن يظلّ حيًا في ذاكرة الكلمة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رحيل محمد هاشم.. صوت النشر الحر صنع أجيالا وأضاء قلب القاهرة الثقافي

فقدت الساحة الثقافية المصرية اليوم واحدًا من أبرز رموزها وأكثرهم تأثيرًا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، برحيل الناشر محمد هاشم، مؤسس دار ميريت وأحد أعمدة حركة النشر المستقل في مصر، ومع إعلان الخبر، عمّت موجة واسعة من الحزن بين الكتّاب والقراء والنشطاء الثقافيين، ممن عرفوا دوره الريادي وشهدوا أثره العميق في تشكيل مشهد أدبي أكثر حرية وجرأة.

أعلن الدكتور أحمد مجاهد، المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، خبر الوفاة عبر صفحته على “فيسبوك”، ناعيًا هاشم بكلمات مؤثرة قال فيها: “لا حول ولا قوة إلا بالله، وداعًا للصديق محمد هاشم أحد العلامات البارزة في مسيرة الثقافة والسياسة بمصر”، مضيفًا أنه نشر بالأمس فقط منشورًا يشكو فيه من إصابته بالإنفلونزا التي منعته من حضور خطوبة ابنته.

الخبر وقع كالصاعقة على الوسط الثقافي، فمحمد هاشم لم يكن مجرد ناشر، بل كان شخصية محورية ساهمت في صياغة موجة جديدة من الكتابة المصرية والعربية منذ أواخر التسعينيات.

وُلد محمد هاشم عام 1958 بمدينة طنطا، وبدأ مسيرته المهنية صحفيًا وكاتبًا، جذبته الكتابة منذ سنواته الأولى، لكنه وجد نفسه لاحقًا في موقع أكثر تأثيرًا: موقع الناشر الذي يفتح الباب للأصوات الجديدة ويمنح المساحة للنصوص الخارجة عن المألوف.

في عام 1998، أسس هاشم دار ميريت في وسط القاهرة، في زمن لم تكن فيه حركة النشر المستقل قد نشأت بعد. جاءت ميريت كحلمٍ متمرد، صغير في حجمه، كبير في أثره. 
وقد أسسها هاشم بفلسفة واضحة: النشر يجب أن يكون حرًا، محرّرًا من الرقابة والخوف، ومفتوحًا للكتابة التي تُقلق السائد.

ومع السنوات، تحولت ميريت إلى منصة للأصوات الشابة التي كانت تبحث عن مساحة للتعبير، وقدمت كتّابًا صاروا لاحقًا من أبرز أسماء الأدب المصري المعاصر.

تميّز مشروع هاشم بأنه لم يكن تجاريًا بقدر ما كان ثقافيًا مقاومًا، ودار ميريت لم تكن مجرد دار نشر، بل بيتًا مفتوحًا للكتّاب والفنانين. مقرها في وسط البلد أصبح ملتقى أدبيًا يوميًا، تلتقي فيه الأجيال وتتقاطع فيه التيارات الفكرية، وتُصنع فيه – على طاولة صغيرة – التحولات الكبرى في الكتابة الجديدة.

احتضنت الدار نصوصًا جريئة، اجتماعية وسياسية وفنية، ونشرت أعمالًا أثارت نقاشات واسعة، ورفضت الاستسلام للرقابة، وقدّم هاشم عشرات الكتب التي خرجت من النطاق المحلي إلى الشهرة العربية، وكانت سببًا في إطلاق موجة من الأدب المعاصر المتحرر من القوالب التقليدية.

وبفضل روحه الداعمة، تحولت ميريت إلى مدرسة: مدرسة في الحرية، وفي احترام الكاتب، وفي الإيمان بأن الكلمة الصادقة قادرة على تغيير الوعي.

على المستوى الإنساني، كان محمد هاشم شخصية محبوبة، بسيطة، صريحة، لا يخشى قول رأيه، ولا يتردد في دعم موهبة يراها تستحق. كثير من الكتّاب يعتبرون أن بداياتهم الحقيقية كانت على يديه، وأنه كان “اليد الخفية” التي دفعتهم نحو الجرأة والثقة.

لم يسعَ يومًا إلى الأضواء، ولم يتعامل مع الكتابة كسلعة، بل كرسالة. وقد عرف عنه انحيازه الدائم للحريات، ومواقفه السياسية الواضحة دفاعًا عن العدالة وحقوق الإنسان.

برحيل محمد هاشم، تفقد الثقافة المصرية أحد أهم حراس الكلمة الحرة، وواحدًا من أكثر الفاعلين الذين أثّروا في شكل الكتابة ونقلوها إلى آفاق جديدة، لقد بنى ميراثًا ثقافيًا سيظل حاضرًا في الكتب التي نشرها، والكتّاب الذين آمن بهم، والجيل الذي فتح أمامه أبواب النشر الحرّ.

ستظل «ميريت» شاهدة على بصمته، ليس فقط كدار نشر، بل كفكرة… وموقف… ورجل أحب الثقافة بصدق، ودفع ثمن هذا الحب من عمره وصحته وراحته، اليوم يرحل محمد هاشم، لكن أثره باقٍ، صامتًا أحيانًا، مرتفعًا أحيانًا أخرى.. تمامًا كما أحب أن يكون.

طباعة شارك الساحة الثقافية الناشر محمد هاشم مؤسس دار ميريت أعمدة حركة النشر مشهد أدبي

مقالات مشابهة

  • «الوطني الاتحادي» يستقبل وفد «الشورى العُماني»
  • رحيل صوت الأقصى .. وفاة الشيخ ياسر قليبو إمام المسجد المبارك
  • مصطفى بكري يُشيد بسرعة ضبط المتهمين بمحاولة اغتيال الكاتب الصحفي عبده مغربي
  • رحيل محمد هاشم.. صوت النشر الحر صنع أجيالا وأضاء قلب القاهرة الثقافي
  • أسرة صدى البلد تنعى والدة الكاتب الصحفي عماد الدين حسين
  • أسرة صدى البلد تنعى الكاتب الصحفي محمد عبدالواحد سكرتير تحرير الأخبار
  • ماني يدعم صلاح: لا تحزن ولا تنكسر ستظل أسطورة رغم أنف الحاقدين
  • لذة لا تُباع ولا تُشترى
  • سعادة لا تُشترى!
  • الرئيس اللبناني يغادر مسقط.. وبيان عُماني–لبناني مشترك يؤكد تعزيز التعاون الثنائي