جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-17@04:20:01 GMT

حين يُهمَّش القلم.. من يكتب لعُمان؟

تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT

حين يُهمَّش القلم.. من يكتب لعُمان؟

 

 

 

عصماء بنت محمد الكحالية

الكاتب ليس ناقلًا للكلمات، بل صانعُ وعيٍ، وحارسُ هوية، ومهندسُ فكر. يبني بالأحرف صروحًا من الإدراك، ويوقظ في السطور ضمير الأمة. والقلمُ؟ ليس خشبةً صمّاء، بل شعلة مسؤولية وشرارة تغيير. في عُمان، لا يزال القلم يكتب بإخلاص، لكن الطريق أمامه بات أكثر وعورة. بين الحلم والمطبعة، يقف الكاتب العُماني مثقلًا بالهموم، ومُحاطًا بتحديات تُكبل صوته وتؤخّر رسالته.

فهل أصبحت الكتابة رفاهية؟ أم أن الثقافة باتت خيارًا جانبيًا؟ ارتفاع تكاليف النشر والطباعة، تضييق قنوات التوزيع، وغياب الدعم المؤسسي الحقيقي، كلّها عوامل جعلت من إنتاج الكتاب العُماني مُغامرة محفوفة بالتأجيل أو الانطفاء. نحن لا نطلب امتيازًا... بل نُطالب بما هو بديهي: أن لا يتحوّل النشر إلى عبء مالي يكسر ظهر المبدع. أن لا يُقصى الكاتب عن جمهوره بسبب سعر كتابه. أن لا يُكافأ العمل الثقافي بالتجاهل أو التهميش. إذا كنَّا نطمح إلى شعب قارئ، فليبدأ ذلك من رعاية من يكتب. الكاتب لا يحتاج تصفيقًا، بل بيئة عادلة، ومساحة يُحترم فيها جهده، ويصل فيها صوته. الكتاب ليس سلعة ترف... بل مشروع وطني. في كل كتاب يتم دعمه، هناك فكرة تُنقذ، وعقل يُنار، وجيل يُبنى.

أما حين يُترك الكاتب يُصارع وحده، فإننا لا نخسر نصًا، بل نخسر وعيًا بأكمله. والوجع لم يعد خفيًا: تكلفة النشر تُرهق المبدع. القارئ يتراجع أمام الأسعار. السوق الثقافية تختنق بين إنتاج بلا دعم، ومحتوى لا يُعرض. وهنا نُطالب بتحرك فعلي لا شعارات: دعم مؤسسي حقيقي ومستدام للطباعة والنشر المحلي. مبادرات مكتبية تُبرز الإنتاج العُماني وتضمن وصوله للمجتمع. معارض كُتب تُبنى على أهداف معرفية واضحة، لا مجرّد مظاهر احتفالية. نحن لا نكتب بحثًا عن المجد؛ بل نكتب لأننا لا نُجيد الصمت حين يصمت كل شيء. نكتب لأنَّ الكلمة عندنا ليست هواية؛ بل عهد.

ولأنَّ هذا الوطن يستحق أن يُروى بحبر الوفاء، لا أن يُختزل في هوامش التجاهل. نكتب لأننا نؤمن أنَّ الفكر لا يزدهر بالتمني، وإنما بالتمكين، وأن القلم العُماني لا يجب أن يُترك وحيدًا في معركته. مطالبنا ليست ترفًا، لكن نبض حياة ثقافية تختنق. وصوت الكاتب العُماني لن يخفت، لأنَّ صوته ليس صوته فقط... بل صوت وطنٍ يُريد أن يظلّ حيًا في ذاكرة الكلمة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

القضاء العُماني.. عدالة تترسخ بـ"رؤية 2040"

 

 

                  

خالد بن حمد الرواحي

في دولةٍ تضع الإنسان في صميم مشروعها الوطني، وترسّخ العدالة ركيزةً للتنمية والاستقرار، يبرز المجلس الأعلى للقضاء في سلطنة عُمان كأحد الأعمدة المؤسسية التي تقود التحول نحو قضاءٍ عصري، مستقل، ومتين الجذور.

لم يكن هذا المجلس مجرّد إطار تنظيمي لعمل المحاكم، بل منصة إصلاحية تُجسّد رؤية الدولة العُمانية، وتستشرف تحوّلات العصر، وتترجم قيم العدل إلى ممارسة مؤسسية تُعزّز ثقة المواطن في منظومته القضائية.

وقد تجلّت هذه الرؤية بوضوح مع إطلاق المجلس الأعلى للقضاء، في أكتوبر 2023، مشروع خطته الاستراتيجية للفترة 2024-2040، كأول إطار تخطيطي شامل يعيد تشكيل البيئة القضائية وفق تسعة محاور رئيسية. تشمل هذه المحاور: تطوير إجراءات التقاضي والتنفيذ، خدمات المحاكم والكاتب بالعدل، الأداء المؤسسي، تنمية الموارد البشرية، التحول الرقمي، الحوكمة، الاستدامة المالية، بناء الشراكات، والبنية الأساسية. وتتميّز هذه الخطة ليس فقط بشمولها، بل بانسجامها العميق مع مرتكزات رؤية "عُمان 2040"، التي تؤكد أهمية بناء مجتمع تسوده العدالة وتُدار فيه المؤسسات بكفاءة وشفافية.

وفي ضوء هذه الرؤية، وضع المجلس الأعلى للقضاء خطة تشغيلية للفترة 2024–2030 تتضمّن 27 مشروعًا تنفيذيًا، تجسّد الانتقال من التخطيط إلى الإنجاز الملموس. وقد شكّلت الرقمنة ركيزة محورية في هذه المشاريع؛ إذ تُدار منصة 'توثيق'، التي طورتها وزارة العدل والشؤون القانونية، من قبل المجلس الأعلى للقضاء، وتُقدِّم 147 خدمة رقمية موزعة على 8 أنظمة، تشمل مجالات الكاتب بالعدل، شؤون المحامين، شؤون الخبراء، لجان التوفيق والمصالحة، مكتب التصديقات، استثمار الأموال، الضبطية القضائية، بالإضافة إلى خدمات الدعم الفني والمراسلات الداخلية وخدمات المراجعين. وقد تجاوز عدد المستفيدين من هذه الخدمات 100 ألف مستخدم خلال فترة قصيرة، مما يعكس سرعة التفاعل المجتمعي مع التحول الرقمي في القطاع القضائي. كما أسهمت منصات مثل "ميعاد" و"ناجز" في تمكين المواطنين من متابعة قضاياهم إلكترونيًا، وتقليص زمن إنجاز المعاملات من أيامٍ إلى ساعات.

وإذا كانت التقنية قد حسّنت الإجراءات، فإنَّ العنصر البشري ظلّ في قلب الأولويات؛ إذ أولى المجلس أهمية كبيرة لتأهيل القضاة وأعضاء الادعاء العام، من خلال برامج تدريبية متخصصة داخلية وخارجية، تركّز على القضاء التخصصي في المجالات التجارية، والاستثمارية، والضريبية، بما يواكب التحولات الاقتصادية في السلطنة. وفي هذا السياق، أفاد أحد المحامين بمحافظة الداخلية بأن "تجربة تسجيل الوكالات ومتابعة القضايا أصبحت رقمية بالكامل، دون الحاجة إلى مراجعة المحاكم كما في السابق"، وهو ما يعكس واقعيًا الأثر الإيجابي للإصلاحات القضائية.

وقد شملت جهود المجلس أيضًا تحسين بيئة المحاكم من حيث التوزيع الجغرافي، والتجهيزات الفنية والإدارية، بما يعزّز العدالة المكانية ويوفّر تجربة تقاضٍ تحفظ كرامة المواطن. ويأتي هذا التوجّه متسقًا مع محاور رؤية "عُمان 2040"، التي تُعلي من شأن مجتمع آمن وشامل يُصان فيه الحق ويُتاح للجميع بعدالة منصفة.

وتتويجًا لهذه الإصلاحات، بدأت سلطنة عُمان تحقّق حضورًا لافتًا في المؤشرات الدولية المرتبطة بالحوكمة وسيادة القانون. ففي مؤشر سيادة القانون لعام 2023، الصادر عن مشروع العدالة العالمية (WJP)، جاءت السلطنة في المرتبة 52 عالميًا من بين 142 دولة، مسجّلةً 0.61 نقطة، مما يضعها في المرتبة الرابعة إقليميًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويعكس هذا التصنيف تحسّنًا ملحوظًا في مؤشرات الشفافية، واستقلال القضاء، وإنفاذ القانون، ويؤكد التقدم المستمر في بناء منظومة عدلية فعالة ومتوازنة.

وفي عام 2024، واصلت السلطنة تعزيز موقعها في مؤشرات الحوكمة والنزاهة؛ إذ جاءت في المرتبة 33 عالميًا من بين 125 دولة في مؤشر حقوق الملكية الدولي، محققةً 6.092 نقطة، وصاعدة إلى المرتبة الرابعة إقليميًا. وقد تميّزت السلطنة بأداء قوي في معايير استقلال القضاء، وسيادة القانون، والاستقرار السياسي، ومكافحة الفساد.

أما في مؤشر إدراك الفساد لعام 2024، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، فقد حققت السلطنة قفزة نوعية بتقدّمها 20 مركزًا، منتقلة من المرتبة 70 إلى 50 عالميًا من أصل 180 دولة، مسجّلةً 55 نقطة من أصل 100، وبزيادة قدرها 12 نقطة خلال عامٍ واحد. كما ارتقت إلى المرتبة الرابعة عربيًا بعد أن كانت في السابعة، في إنجاز يعكس فاعلية الجهود الوطنية في ترسيخ الشفافية والنزاهة، وتعزيز ثقة المواطن في المنظومة القضائية والإدارية.

وفي تأكيد مباشر على مكانة العدالة في المشروع الوطني، ترأس حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- اجتماع المجلس الأعلى للقضاء مطلع عام 2025، مؤكّدًا جلالته- أعزه الله- أهمية تحديث منظومة العدالة، وتسريع إجراءات التقاضي، وتطوير البنية الرقمية للقطاع القضائي، بما يحقق العدالة الناجزة، ويُلبّي تطلعات المواطنين، ويتماشى مع مرتكزات رؤية "عُمان 2040" في الحوكمة الرشيدة وبناء مؤسسات فعالة.

وتُعزى هذه المنجزات إلى القيادة الواعية للمجلس الأعلى للقضاء، ممثلةً في معالي السيد نائب رئيس المجلس، وسعادة الأمين العام، وكوادر الأمانة العامة، الذين قادوا التحوّل المؤسسي برؤية استشرافية جمعت بين التخطيط بعيد المدى والتنفيذ المدروس، ضمن بيئة عمل منفتحة على المجتمع، وملتزمة بأرفع المعايير المهنية.

وما يميّز التجربة العُمانية أنها لا تسير بمنأى عن السياق الإقليمي والدولي، بل أصبحت اليوم نموذجًا مرجعيًا يُشار إليه في تطوير العدالة الرقمية، وتحديث إجراءات التقاضي، وبناء قضاء تخصصي متطور. ففي الوقت الذي لا تزال فيه بعض الأنظمة القضائية الإقليمية تعتمد الأساليب الورقية، رسّخت السلطنة منظومة إلكترونية متكاملة، مدعومة بموارد بشرية مؤهلة، وقوانين عصرية تعكس احترام الخصوصية الوطنية ومواكبة المتغيرات.

وهكذا، لم يعد المجلس الأعلى للقضاء مجرّد هيئة تنظيمية، بل أصبح أحد أبرز روافع التحول المؤسسي، ومكوّنًا رئيسيًا في تفعيل محاور رؤية "عُمان 2040"، من العدالة الاجتماعية إلى الاقتصاد المعرفي، ومن الحوكمة الرقمية إلى ترسيخ قيم المواطنة والثقة العامة.

وإذا كانت العدالة جوهر الحضارة، فإنَّ ما تشهده عُمان اليوم ليس مجرّد إصلاح إداري، بل هو تجسيد متكامل لدولة تصنع العدالة وتفخر بمؤسساتها، وترفع راية الإنصاف في كل محفل، لتُصبح العدالة واقعًا يعيشه المواطن… لا شعارًا يُرفع فقط.

 

مقالات مشابهة

  • المعلم العُماني.. من صمته يولد القادة ومن ظله تُبنى الحضارات (2-2)
  • الثقافة بين الورق والرقمية.. مناقشات برلمانية حول الاستثمار الثقافي ومستقبل النشر في مصر
  • القضاء العُماني.. عدالة تترسخ بـ"رؤية 2040"
  • الكاتب محي الدين لاذقاني يتناول كتابه “مثقف السلطة بين عهدين” خلال ندوة بدمشق
  • الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد وجودنا
  • جامعة نزوى تتصدر الجامعات العمانية في النشر العلمي
  • وسام أبو علي: أشعر بإحباط كبير جدًا لأننا لم ننجح في حصد الثلاث نقاط
  • لـ 103 دور نشر بـ10 محافظات.. دار الكتب: الحصول على رقم الإيداع إلكترونيًا
  • عاجل | الصفدي ونظيره العُماني يؤكدان خطورة استمرار التصعيد في المنطقة