د. خالد بن علي الخوالدي
من شدة ما كانوا واثقين من حديث المؤامرة بين إيران والولايات المتحدة ودولة الاحتلال (إسرائيل) والإيمان بهذا، كدت أصدق وأثق في كلامهم، وهناك غيري كثر كادوا يصدقون هذه الهرطقات، وكان كثيرًا ما يبرز النقاش حول العلاقة المعقدة بين إيران وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حتى اعتبر البعض بحكم معرفتهم العميقة وتحليلهم السياسي، أنَّ هذه الدول الثلاثة تشترك في مشروع مشترك ضد العرب!! وأنه من المستحيل أن تشن أمريكا أو إسرائيل حرباً على إيران، إلّا إن التطورات الأخيرة تكذب هذا المُعتقد وتثبت أنَّ إيران العدو الأبرز لهؤلاء المرتزقة وتُشير إلى وجود تصورات جديدة حول هذه العلاقة، وتطرح تساؤلات حول كيفية استمرار استخدام إيران كعدو أبدي في الخطاب العربي.
مع إيماننا العميق بأنَّ لإيران أجندتها وسياساتها وتوجهاتها مثلها مثل غيرها من الدول والحضارات والأمم، فتركيا مثلاً لديها أجندة لاستعادة الحكم العثماني وإيران صاحبة تاريخ عميق بحكم كونها تمثل الحضارة الفارسية، وهناك دول تحاول عودة هيمنتها ولديها أجندات لتحقيق ذلك، ومع ذلك يظل العرب متفرقين ومتشرذمين، ويلقون الكرة في ملاعب غيرهم، بدلًا من أن يقفوا مع بعضهم، متحدين ومؤمنين بعظم دورهم الحضاري؛ كأمة كبيرة تتفق في اللغة والدين والحضارة والجغرافيا والتاريخ والعادات والتقاليد وغيرها الكثير. وللأسف يظل الحديث عند بعض العرب في مجالسهم وإعلامهم وعلمائهم عن إيران كعدو أبدي يتكرر بشكل مُستمر، فبينما يروج البعض لفكرة أن أمريكا وإسرائيل وإيران ينسقون معًا ضد العرب، يظهر الواقع عكس ذلك، فإيران تعتبر تهديدًا حقيقيًا للصهاينة؛ حيث تتمتع بقدرات عسكرية متطورة، بما في ذلك برنامجها النووي الذي يُخيف تل أبيب، لذا فإن استمرار تصوير إيران كعدو مشترك قد يُساعد في توحيد المواقف العربية ضدها، لكنه في النهاية لا يعكس الحقائق على الأرض.
مع تزايد التوترات في المنطقة بدأت تظهر علامات على فشل النظرية القائلة بأنَّ أمريكا وإسرائيل لن تحاربا إيران؛ فالأحداث مثل اغتيال قاسم سليماني وتزايد الضغوط الاقتصادية على طهران تشير إلى أنَّ هناك استراتيجيات جديدة قد تعتمد، هذا الفشل في تصور العلاقة بين القوى الكبرى وإيران قد يدفع المطبعين والصهاينة العرب إلى البحث عن مخرج جديد.
بعد فشل النظرية السابقة قد يتحتم على المطبعين والصهاينة العرب إعادة تقييم العدو المشترك، والبحث عن مخرج جديد؛ فلم تعد إيران في تصوري تصلح لأن تكون متعاونة مع هذه الدول المارقة، ويمكن أن يتمثل المخرج الجديد أيضاً في إعادة صياغة الخطاب الإعلامي حول إيران، والخروج من كونها عدوة لدى البعض إلى كونها شريكة كدولة مسلمة، على أن يكون العدو الذي تتفق عليه الكلمة وتتوحد الصفوف في مواجهته هو العدو اللدود الذي أصبح مثله مثل مرض السرطان.
وعلى الدول الإسلامية والعربية الوقوف إلى جانب إيران لتبقى بُعبعًا مروعًا للصهاينة ومن على شاكلتهم؛ فهي تمثل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، وستظل هذه الأخيرة مستمرة في استخدام إيران كعدو لتبرير سياساتها العسكرية والأمنية، وستظل الخطابات التي تربط بين إيران والإرهاب قائمة، مما يسمح لهم بتعزيز التعاون مع الدول العربية التي تسعى لمواجهة هذا التهديد.
ستبقى إيران جزءًا أساسيًا من المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، ومع فشل النظرية السابقة التي ربطت بين أمريكا وإسرائيل وإيران كمشاريع مشتركة ضد العرب، فإنَّ المطبعين والصهاينة سيجدون أنفسهم مضطرين لتبني استراتيجيات جديدة، وربما ستظل إيران العدو الأبدي لدى البعض في المنطقة، لكن كيف سيستمر هذا الخطاب في التطور في ظل التحديات الجديدة التي تواجهها المنطقة سيكون هو السؤال الأهم في المستقبل.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سلطان عُمان يبحث مع بزشكيان سبل التهدئة بين إيران وإسرائيل
بحث سلطان عُمان هيثم بن طارق، الاثنين، مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، سبل التهدئة مع إسرائيل بهدف إيقاف الاشتباك الذي بدأته تل أبيب بعدوان على إيران الجمعة.
وذكرت وكالة الأنباء العمانية أن السلطان هيثم أجرى اتصالا هاتفيا مع بزشكيان، قدم فيه تعزيته ومواساته بضحايا الاعتداءات الإسرائيلية على بلاده.
وفي الاتصال الهاتفي، استنكر سلطان عُمان ما سببه العدوان الإسرائيلي من أضرار في البنى الأساسية والمنشآت في إيران.
وأكد على "أهمية التهدئة من الجانبين، والعودة للمفاوضات والحوار والتفاهم، لإيقاف شبح الصراع الدائر وتداعياته الكارثية، حفاظا على سلامة أرواح السكان والمقدرات".
كما أكد السلطان هيثم على "حرص وسعي حكومة سلطنة عُمان للمساهمة الفاعلة وبكل الوسائل السياسية والدبلوماسية لإنهاء هذه الأزمة ومنع تفاقمها، وإيجاد تسويات عادلة ومنصفة، بما يكفل عودة الحياة إلى مجرياتها الطبيعية".
من جانبه، ثمّن الرئيس الإيراني "الجهود الحثيثة التي تبذلها حكومة سلطنة عُمان بقيادة جلالة السلطان لتقريب وجهات النظر، وحل النزاعات بالطرق السلمية، ترسيخا لدعائم الأمن والسلم وتحقيقا للاستقرار والازدهار لكافة الشعوب"، وفق الوكالة العمانية.
وأكد بزشكيان أن بلاده "وهي تواجه العدوان الإسرائيلي الغاشم عليها، تؤيد الحلول الدبلوماسية عبر الحوار والتفاوض، وملتزمة بقواعد القانون الدولي واحترام سيادة الدول".
وأوضح أن إيران "تطالب المجتمع الدولي بالوقوف مع العدالة وحق الدول للدفاع عن النفس".
وفجر الجمعة، أطلقت إسرائيل بدعم أمريكي هجوما واسعا على إيران بقصف منشآت نووية وقواعد صواريخ واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، ما خلف إجمالا 224 قتيلا و1277 جريحا.
ومساء ذات اليوم، بدأت إيران الرد بهجمات صاروخية بالستية وطائرات مسيّرة، بلغ عدد موجاتها 11، وخلفت أيضا أضرار مادية كبيرة و24 قتيلا و592 مصابا، وفق مكتب الإعلام الحكومي الإسرائيلي.