د. محمد بن عوض المشيخي**

في الفكر العربي التقليدي، أو ما يُعرف بالحرس القديم من صناع القرار في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج، يُقال دائمًا: إذا أردت قتل موضوع ما، فيجب أن تحيله إلى لجان لدراسته شكلاً. ولكن يكون الهدف الحقيقي هو تهميش تلك القضية أو الموضوع؛ فمن دراسة إلى أخرى دون اتخاذ قرار معين لإنجاز ذلك المشروع المُفترض، ويكون الرهان هنا على الوقت والأيام لنسيان الناس، مع مرور الأيام، للحلول والنتائج التي يُفترض أن تفضي إليها تلك المواضيع الوطنية التي تتعلق -في كثير من الأحيان- بمستقبل المجتمع واحتياجاته الأساسية.

وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن للناس أن يتجاوزوا تلك الحقوق بمرور الوقت أو بالتقادم؛ بل نجد الكثير من تلك القضايا المعلّقة تظل في الذاكرة، لدى الذين ينتظرون الفرج والوعود التي تصدر من أصحاب الاختصاص، وعلى وجه الخصوص ما تقدمه تلك اللجان ومتابعتها إلى نهاية الطريق؛ لعل وعسى يتذكر المسؤول أنه عليه واجبات تجاه المحتاج، فالمواطن شريك، وله من الحقوق التي يجب أن تُنفّذ، فالوظيفة تكليف وليست تشريفًا.

هذا التوصيف أعلاه ليس بالضرورة أن ينطبق على كل البلدان؛ ففي سلطنتنا الحبيبة -مثلًا- هناك رغبة صادقة من الحكومة الرشيدة، وجهود جبارة تُبذل من الوزارات بمختلف دوائرها لتذليل العقبات والتحديات التي تواجه المجتمع، وخاصة الشباب، الذين هم مستقبل الوطن الواعد، والذين تقع عليهم مسؤولية حمل الراية في المستقبل للارتقاء بعُمان في مختلف المحافل الدولية، لكي ينعم فيها كل فرد بخيرات بلده، وإنجازات رؤية "عُمان 2040" التي تهدف بالدرجة الأولى إلى نقل السلطنة إلى مصاف الدول المتقدمة بحلول نهاية تلك الرؤية الطموحة.

لا شك بأن جهودًا جبارة تُبذلها وزارة العمل لتوظيف الباحثين عن عمل على الدوام، وبالفعل هناك إنجازات قد تحققت خلال السنوات الماضية لا ينكرها إلا ظالم، ولكن هناك تحديات عديدة تحتاج إلى سرعة اتخاذ القرار بعيدًا عن البيروقراطية القاتلة التي تعشّش في أروقة ونفوس ضعاف النفوس من الخبراء الذين يدرسون ملفات أكبر من إمكانياتهم، بحيث تكون نهاية تلك المواضيع المطروحة للنقاش -بهدف إيجاد حلول جادة- الحفظ في الأدراج أو النسيان، على الرغم من أهميتها للوطن والمواطن.

من هنا، نطرح سؤالًا مشروعًا يتعلق بالدراسة المتعلقة بملف الباحثين عن عمل، لكونه يُعد واحدًا من العقبات التي تواجه بلدنا الحبيب وبحاجة لحلول عاجلة؛ فالسؤال المطروح هو: أين هي الدراسات التي يُفترض أن تكون قد أُنجزت لكي تُنفّذ بعد استخلاص النتائج العلمية والمتعلقة بإمكانية توسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل الشباب الذين لم يُوفَّقوا بالحصول على وظيفة؟ فالقصة تعود لفترة طويلة من ضرب الأخماس في الأسداس من قبل الخبراء المختصين في اللجان الوزارية، التي يمكن وصفها بأن "الداخل إليها من الدراسات مفقود، والخارج منها مولود".

من هنا، وجب بالفعل الإشارة إلى ما أُعلِن عنه من قِبل وكيل وزارة العمل للعمل في ملتقى "معًا نتقدم" في نسخته الثالثة، وتحديدًا في اليوم الثاني بعنوان: (مستقبل سوق الوظائف)، أي قبل نصف سنة من الآن؛ إذ استبشرنا خيرًا بالكشف عن دراستين تُطبخان على نارٍ هادئة في دهاليز الوزارة والمؤسسات الحكومية والأهلية التي لها علاقة مباشرة بذلك الملف المُتشعِّب والصعب.

الدراسة الأولى تتمحور حول إمكانية منح الباحثين عن عمل راتبًا شهريًا مؤقتًا من صندوق الحماية الاجتماعية، أُسوةً بغيرهم من الفئات المُحتاجة التي كفلها قانون الحماية الاجتماعية، لكونهم في أمسّ الحاجة لتلك المساعدة، حتى يحصلوا على الوظيفة. ولم تكن هذه الفكرة بجديدة؛ بل طالبنا -عبر هذه النافذة- غير مرة بعدم تطويف الباحثين عن عمل من الوظيفة والمنفعة معًا؛ فالفقر كُفر، والحرمان ظُلم يقتل الأمل في نفوس المحتاجين، وقد يجعل من بعضهم أدوات في يد أعداء الوطن الذين هم بالمرصاد للعبث بأمن واستقرار هذا البلد العزيز، الذي ينعم بالنهضة المُتجددة، وما تحمله من خيرات وإنجازات شامخة تُعانق عنان السماء.

وقد يقع هؤلاء الشباب، ممن لم يجد وظيفة، ضحية التضليل عبر استخدامه في الإساءة إلى عُمان ورموزها الأجلاء من خلال أساليب دعائية رخيصة، ونشر الفتن عبر المنصات الرقمية، بقصد التقليل من جهود أجهزة الدولة المختلفة. ومن المؤسف حقًّا أننا لم نسمع حتى هذه اللحظة عن نتائج تلك الدراسات التي تُعد مهمة وتشكل عصب الحياة للمنتظرين من الشباب لتلك المنافع من صندوق الحماية الاجتماعية، الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق العديد من الأهداف السامية للإنسان العماني كما أراد له جلالة السلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- فهو توفير الحياة الكريمة لكل مواطن في هذه الأرض الطيبة، لكونه المظلة الإنسانية للفقراء، بحيث يُفترض أن يعمل على توسيع نطاق خدماته الاجتماعية لتشمل كافة شرائح المجتمع العماني بلا استثناء؛ وخاصة تلك الشرائح المحتاجة للمساعدة.

وفي الختام، إن إيجاد حلول عملية وجادة لتوظيف أبناء هذا الوطن ليس بالأمر المستحيل؛ فتكليف فريق حكومي مصغّر من أصحاب المعالي المختصين في إدارة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة تلك المتعلقة بواقع احتياجات الوزارات والشركات المحلية من الكوادر الوطنية، أصبح من الضروريات في هذه المرحلة. فالهدف الأول من هذا الفريق -الذي نقترح أن تتولى رئاسته الأمانة العامة لمجلس الوزراء باعتبارها العقل المدبر لمختلف أجهزة الدولة- أن تكون بدايته العمل على وضع خريطة طريق عاجلة وواضحة المعالم لتوظيف الشباب توظيفًا مباشرًا، ذلك لكون الأمانة العامة لمجلس الوزراء قد نجحت بامتياز في الوقوف على معظم التحديات التي تواجه ملف التوظيف في هذا البلد، وذلك من خلال النسخ المتكررة لملتقى (معًا نتقدم)، الذي شكّل جسورًا من الحوار الوطني، وجمع مختلف أطراف المجتمع العماني على أرضية صلبة لا تنقصها الصراحة والشفافية، وعلى وجه الخصوص في تشخيص موطن الضعف في هذا الملف الوطني، الذي يُعتبر بمثابة قنبلة موقوتة تنتظر الانفراج والحلول الصادقة من خارج الصندوق؛ لكون ملف التوظيف أكبر من أن تتولاه وزارة واحدة فقط.

**أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهير

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الحمایة الاجتماعیة الباحثین عن عمل التی ت التی ی

إقرأ أيضاً:

يعلن مكتب الشؤون الاجتماعية بالأمانة عند نتائج الاجتماع التأسيسي لجمعية آزال التعاونية

يعلن مكتب الشؤون الاجتماعية بالأمانة عند نتائج الاجتماع التأسيسي لجمعية آزال التعاونية

مقالات مشابهة

  • مدير التعليم بالغربية: تنسيق كامل بين الإدارات التعليمية والجهات المعنية لتجاوز أي عقبات محتملة
  • رئيس هيئة المفقودين: نتعاون مع المنظمات الحقوقية والجهات المعنية لكشف مصير المفقودين
  • حلول مناسبة لمشاكل الرضاعة الطبيعية بعد الولادة
  • النفط في 2025… استقرار هش وسط ضبابية الرسوم والإنتاج
  • رسالة مؤثرة من زوجة سالم الدوسري تشعل المنصات الاجتماعية
  • يعلن مكتب الشؤون الاجتماعية بالأمانة عند نتائج الاجتماع التأسيسي لجمعية آزال التعاونية
  • الرئيس تبون يترأس جلسة عمل ضمّت كل مسؤولي القطاعات المعنية بعمليات التصدير و الاستيراد
  • محافظة جدة تستضيف فعاليات “مختبر الذكاء الاصطناعي” لدعم رواد الأعمال
  • المكتتبون الذين ضيعو كلمة السر للولوج إلى منصة عدل 3..هذه طريقة استرجاعها