جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-02@19:37:23 GMT

الأوطان مسؤولية من؟

تاريخ النشر: 2nd, August 2025 GMT

الأوطان مسؤولية من؟

د. إبراهيم بن سالم السيابي

سؤال كبير يُثير الذهن، ليس فقط لارتباطه بمفهوم الوطن الذي نعيش فيه، بل لأنه يطرح لنا تحديًا فكريًا عن ماهية هذه المسؤولية، ومن يتحمل عبئها في النهاية، ففي خضم التفكير فيه، نجد أن الأوطان لا تُبنى على كتف واحد في الواقع، بناء الوطن لا يتوقف على القادة أو السياسيين أو الحكومات فقط، بل هو مسؤولية جماعية تتشارك فيها جميع الأطراف.

فالمسؤولية تجاه الوطن هي مسؤولية شاملة، تتناثر خيوطها في كل زاوية من زوايا حياتنا اليومية.

فلماذا نعتقد أحيانًا أن المسؤولية تقتصر على السلطة؟ وهل يمكن حقًا للأوطان أن تُبنى إذا حملت القيادة وحدها عبء حمايتها وصونها؟

من المؤكد أن أي نقاش حول الوطن يتطلب التطرق إلى دور القيادة السياسية، فهي من تحدد سياساتنا، ترسم حدودنا الاقتصادية، وتحفظ أمننا الوطني، لكن هل تكمن المسؤولية في هذا فقط؟ هل هي حقًا بهذه البساطة؟ أن نُحمّل القادة وحدهم مسؤولية تصريف شؤون الوطن؟ الواقع يؤكد أن الأوطان تحتاج إلى أكثر من ذلك، فهي لا تُصنع فقط بالقرارات السياسية، ولا تُحفظ بالقوانين والتشريعات، فالأوطان تُبنى بالمشاركة الحية من الجميع، في كل لحظة، في كل قرار، في كل موقف، المسؤولية لا تنحصر في القمة، بل تتوزع على الجميع.

ومع ذلك، ومن باب الإنصاف، فإننا لا نستطيع إعفاء القادة السياسيين من مسؤولياتهم الجوهرية، فالقادة يتحملون أمانة اختيار القيادات القادرة والكفؤة، ومتابعة أدائها، ومدى التزامها بتحقيق الأهداف الوطنية والبرامج التي تصبّ في مصلحة المواطنين، كما تقع عليهم مسؤولية صون القيم الوطنية، وحماية مصالح الوطن، والحفاظ على استقلاله وحريته، فبوصلة القيادة هي التي ترسم المسار العام، وإذا اختلت هذه البوصلة، تاهت الخطوات، مهما كانت الجهود الفردية مخلصة.

 ولكن ماذا عن المواطن؟ هل هو مجرد متلقٍ لقرارات تُفرض عليه؟ بالتأكيد لا، فالمواطن هو شريك في بناء الوطن، وشريك في صيانة تماسكه واستقراره، فعندما نتحدث عن المسؤولية تجاه الوطن، نتحدث عن المشاركة الحقيقية، فالمشاركة لا تقتصر على التصويت في الانتخابات أو دعم المبادرات الوطنية، بل تتجاوز ذلك إلى الحياة اليومية. فالمواطن الذي يحترم القوانين، ويُعزز من قيم العدالة والمساواة، هو حجر الزاوية في هذا البناء الاجتماعي، والمواطن الذي يلتزم بدوره في المجتمع، يُدرك أنه جزء من هذا الكائن الحي الذي نسميه وطنًا، ومن خلال هذه الأدوار الصغيرة والتفاصيل الدقيقة، ولكن المؤثرة، يظل الوطن قويًا ومتحدًا.

فحينما نفكر في الأوطان، نجد أن مسؤوليتها ليست شيئًا يمكن تحميله بالكامل على عاتق مجموعة معينة، فالأوطان تُبنى من خلال تفاعل مستمر بين القيادة والشعب، حيث لكل طرفٍ دوره، غير أن الركيزة الأهم تظل في الشراكة والتكامل، وإذا غاب دور أحدهما، بدأ البناء يتصدع. فالقيادة تُرشد، لكن الشعب يبني، والوطن يُصان بحماية القيم الإنسانية والتعاون الجماعي، ولا شيء يمكن أن يكون أهم من ذلك، ومثلما تتحمل القيادة السياسية المسؤولية في رسم الخطوط الكبرى، فإن المواطن يُسهم في رسم التفاصيل اليومية، تلك التي تُحدد شكل المجتمع في النهاية.

وقد يتساءل البعض: هل بإمكان الأوطان الاستمرار في النمو إذا لم تتضافر جهود الجميع؟ هل يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كانت السلطة السياسية فقط من تتحمل تبعات هذا البناء؟ الإجابة هي: لا، بالطبع، فالأوطان لا تُبنى إلا بتكامل الجهود بين جميع الأطراف، فالقائد الذي يتحمل المسؤولية في مواقع اتخاذ القرار يحتاج إلى شعب يدعمه، يتعاون معه، ويُشارك في تحقيق أهدافه، والأمة التي لا تتعاون هي أمة مهددة، وكلما فشل الفرد في أداء دوره، وكلما تراجع المواطن عن التزامه، بدأ الوطن في التراجع معه.

إن السؤال "الأوطان مسؤولية من؟" ليس مجرد تساؤل فلسفي أو نظري، بل هو اختبار حقيقي لنا جميعًا، يتطلب منا إعادة النظر في مفهوم المواطنة: هل نحن مجرد متفرجين على ما يحدث في وطننا؟ أم أننا مشاركون فعليًا في صناعة هذا الوطن وصونه؟ هل ننظر إلى وطننا ككيان منفصل عنّا، أم أننا نعتبره جزءًا منا، نعمل من أجله، نتحمل مسؤولياته، ونُشارك في تحمّل تبعاته؟

فالأوطان مسؤولية من؟ فالمسؤولية ليست حكرًا على القادة، بل هي مسؤولية جماعية. هي مسؤولية تقاس بمقدار مشاركة كل فرد في بناء هذه الأرض، وهي مسؤولية لا تنتهي بحجم ما يُقدّم، بل تظل مستمرة طالما أن هناك روحًا ترفض العيش في الفراغ أو الانسحاب، فالأوطان هي، بلا شك، ملك للجميع، ونجاحها ليس مرهونًا بمن يتصدر المشهد فحسب، بل بمن يتناغم مع المشهد ويعمل بجد في صمت.

في الختام، من يحمل عبء المسؤولية تجاه الوطن؟ الجميع من يتحمل هذه المسؤولية، ونحن جميعًا شركاء في هذه المسيرة.

فالأوطان تبنى بالتكافل، وتُصان باليقظة، وتنهض حينما يدرك كل فرد أن عليه دورًا لا يقل أهمية عن الآخر.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: هی مسؤولیة جمیع ا

إقرأ أيضاً:

رايتس ووتش تحمّل سلطات بوركينا فاسو مسؤولية اختفاء صحفيين

نوهت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بإفراج سلطات بوركينا فاسو عن 5 صحفيين وناشط في مجال حقوق الإنسان كانوا قد جُنّدوا قسرا في الجيش بعد انتقادهم للمجلس العسكري الحاكم في البلاد، وحمّلتها في الآن ذاته مسؤولية استمرار اختفاء زملاء لهم.

وقالت المنظمة إنه على الرغم من أن هذا التطور يُعد "إيجابيًا، فإن الإفراج عنهم يسلط الضوء على واقع مأساوي يتمثل في استمرار اختفاء آخرين، بعضهم منذ عام 2024، دون أي معلومات عن مصيرهم".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأمم المتحدة تدعو أنغولا للتحقيق بسقوط قتلى أثناء احتجاجاتlist 2 of 2بلجيكا تحيل على الجنائية الدولية اتهامات بجرائم حرب ضد إسرائيلييْنend of list

وسجلت أن سلطات بوركينا فاسو احتجزت في 24 مارس/آذار 2024، في العاصمة واغادوغو كلا من "غيزوما سانوغو، بوكاري وأوبا، وفيل رولاند زونغو، وهم أعضاء في رابطة الصحفيين بالبلاد، إلى جانب لوس باغبيلغيم، وهو صحفي يعمل في محطة BF1 التلفزيونية الخاصة، وذلك بعد إدانتهم لقيود المجلس العسكري المفروضة على حرية التعبير.

وفي 2 أبريل/نيسان الماضي، أشارت المنظمة إلى أنه جرى تداول مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر سانوغو وأوبا وباغبيلغيم وهم يرتدون "الزي العسكري، مما أثار مخاوف من أنهم جُنّدوا قسرا، أما تجنيد زونغو فلم يتم الإعلان عنه إلا بعد الإفراج عنه".

كما أبلغ في 18 يونيو/حزيران 2024 عن اختفاء كاليفارا سيري، وهو معلق تلفزيوني في قناة BF1، بعد اجتماعه مع أعضاء من المجلس الأعلى للإعلام، وهو الهيئة المنظمة للإعلام في بوركينا فاسو.

وأفادت المنظمة بأنه استُجوب بشأن تعليق أعرب فيه عن شكوكه في صحة صور نُشرت لرئيس الدولة، وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، اعترفت السلطات بأنه "تم تجنيده للخدمة العسكرية، إلى جانب صحفيين آخرين هما سيرج أولون وآداما بايالا، اللذان لا يزال مصيرهما مجهولا حتى الآن".

وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، اختُطف لامين واتارا وهو عضو في حركة بوركينابية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب، من منزله على يد رجال بلباس مدني قالوا إنهم من جهاز الاستخبارات الوطني، وقد أكد مقربون من واتارا أنه جُنّد قسرا.

إعلان

وتقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إنها وثقت استخدام المجلس العسكري قانون الطوارئ الواسع لتجنيد منتقدين وصحفيين ونشطاء حقوقيين وقضاة بهدف إسكاتهم.

واعتبرت أن الحكومات لها الحق في تجنيد المدنيين البالغين لأغراض الدفاع الوطني، لكن يجب أن يتم ذلك وفق طريقة توفر للمجندين المحتملين "إشعارا مسبقا بفترة الخدمة العسكرية وفرصة كافية للطعن في أمر التجنيد".

ودعت المنظمة سلطات بوركينا فاسو إلى الإفراج "فورا عن جميع المحتجزين بشكل غير قانوني، وأن تتوقف عن استخدام التجنيد كأداة لقمع وسائل الإعلام والمنتقدين".

مقالات مشابهة

  • المحامية إيمان الحيدر: من يتحمل المسؤولية القانونية لأخطاء الذكاء الاصطناعي؟
  • رئيس أركان جيش الاحتلال يعتقد أن حكومة نتنياهو ستعد ملفا ضده لتحميله مسؤولية فشل الأهداف في غزة
  • إجراءات احترازية مشددة.. بلدية الموصل تحمل المؤسسات الحكومية مسؤولية أي حوادث مستقبلية
  • سفير مصر بـ كينيا: مشاركة أبناء الجالية في انتخابات الشيوخ تعكس روح المسؤولية
  • سفير مصر بكينيا: مشاركة أبناء الجالية في انتخابات الشيوخ تعكس روح المسؤولية
  • رايتس ووتش تحمّل سلطات بوركينا فاسو مسؤولية اختفاء صحفيين
  • الانتقالي يعتبر مقتل مواطن في تريم تصعيد خطير ويحمل السلطة المحلية وجماعة الهضبة المسؤولية
  • الشيباني من موسكو: لا خطة أو نية لـإبادة الدروز.. وحمايتهم مسؤولية الدولة
  • مصر وبلدان الطوق الغياب الفاضح .. تصاعد المسؤولية مع تصاعد الإجرام