د. محمد بن خلفان العاصمي

كثر الحديث عن ملف الباحثين عن عمل والمسرحين من أعمالهم خلال الفترة الماضية، وهو أمر بديهي في ظل ما تشهده البلاد من تحولات اقتصادية واجتماعية، وفي المجتمعات الحية تتسع دائرة الاهتمام بالقضايا وتتخذ أبعادا ذات طابع يعكس مدى الوعي والفهم الذي يتمتع به أفراد المجتمع، وهي ظاهرة اجتماعية صحية بلا شك، ومهما كانت الآراء والأفكار المطروحة والمعتقدات والتوجهات والتجاذبات فهي تمثل حالة من الاستيعاب والوعي والإدراك والانفتاح الفكري الذي يفضي إلى بناء المجتمع فكريًا وثقافيًا، هذا البناء الذي يمثل نموذجًا خاصًا به يميزه عن غيره من المجتمعات.

لا يختلف اثنان حول محورية وأهمية قضية الباحثين عن عمل وقضية المسرحين التي هي ملازمة للقضية الأولى وأحد روافدها العميقة، وبطبيعة الحال من المنطقي أن تشغل هذه القضية الرأي العام، وأن يكون الحديث حولها مطولًا، وهي قضية عالمية شئنا أم أبينا، وحتى لا نسهب في تحليل هذه المشكلة العالمية فإن وضع حل جذري وسحري لها هو ضرب من الخيال، ولكن يمكن التقليل من حدتها والنزول بها إلى أدنى المستويات، وهو ما يعد هدفا استراتيجيا لجميع حكومات العالم، فمساءلة توفير وظيفة لكل فرد في المجتمع عملية غير متحققة واقعيا ولا يمكن الوصول إليها، وحتى لا نعيد اكتشاف العجلة علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، وأن نبدأ بالحديث عن الحلول وليس عن المشكلة.

وحقيقة الأمر أجدني لا أنساق مع فكرة أن هذه المشكلة تقود إلى تصرفات سلبية نحو البلد، فهذا الشعب عرف عنه حبه وإخلاصه وتضحيته في سبيل وطنه، وكان دائمًا حصنًا حصينًا وسدًا لكل من حاول زرع الفتنة واستغلال المواقف لنشر أفكاره المسمومة، والشواهد كثيرة حول تضحيات الإنسان العماني قديمًا وحديثًا، ولذلك من يحمل هذه القيم العظيمة والمبادئ الوطنية الأصيلة لن يكون مصدر إساءة لوطنه، ولن يكون مصدر تهديد وإقلاق لأبناء جلدته، وما هذا التدافع إلا رغبة في خدمة الوطن ومطالبات بالحقوق والتزام بالواجب من أجل المساهمة في بناء الدولة، وهو دليل على أن العماني يعلي قيمة العمل ولا يركن للدعة والراحة وتكفل الدولة بالصرف عليه وهو ما ابتليت به بعض الشعوب التي ركن شبابها للراحة والاتكال وانتشرت فيهم الكثير من المشاكل الاجتماعية الناتجة من الرفاهية المفرطة.

إن الشباب هم ثروة الأمم وهم مصدر قوتها ورفعتها، ولا تفلح الأمم التي تهمش شبابها وتهدر طاقاتهم، وتهمل هذا المورد البشري المهم، وينبغى الحرص على استثمار الإنفاق الذي ينفق على الشباب من تعليم وتدريب وتأهيل وتطوير بالشكل الأمثل، ولن يتم هذا الاستثمار الحقيقي إلا من خلال التخطيط الاستراتيجي المحكم، وتوفير فرص العمل المناسبة للكفاءات الوطنية، مع وجود برامج متكاملة من ريادة الأعمال والمشاريع وتقديم الدعم المادي واللوجستي لمشاريع الشباب، وتبني سياسات تسهم في حصولهم على مصادر دخل تضمن لهم الاستقرار والمساهمة الفاعلة في التنمية، وينبغي أن يتم توفير التمويل المناسب وإنشاء حاضنات لتبني هذه المشاريع ورعايتها، وأن يقوم القطاع الخاص بدوره من خلال الإيمان بقدرات الشباب العماني ومنحه الفرصة للمشاركة والانخراط في سوق العمل واكتساب الخبرات اللازمة.

ومع التوجهات الجديدة بتفعيل دور المحافظات وتمكينها وزيادة صلاحياتها فلا بد من أن تلعب المحافظات دورا محوريا في حل مشكلة الباحثين عن عمل وذلك من خلال خلق فرص عمل للشباب، وعليها أن تتجه نحو استثمار الموارد التي تميزها والتركيز على المشاريع التي يمكن أن تكون ذات مردود اقتصادي يسهم في توفير وظائف مباشرة وغير مباشرة لأبناء المحافظة، والحمد لله فإن كل محافظة من محافظات سلطنة عمان تتميز بميزة خاصة بها وتتنوع مواردها الطبيعية وجغرافيتها وهذه ممكنات يتوجب استغلالها بشكل أمثل، وقد تكون هذه الجهود باب الأمل للشباب العماني المتعطش لخدمة وطنه.

إن المواطنة الحقيقية هي تلك التي تحفز الإنسان نحو رد الجميل لوطنه، فكل فرد يملك القدرة للمساهمة في حل هذه المشكلة عليه أن يبادر، فقضية التعمين ليست قانونا يلزم التقيد به، بل هي مسؤولية وطنية ينبغي القيام بها دون مراوغة وتحايل، كما إن النظر للباحث عن عمل أو المسرح بنظرة مسؤولية اتجاه أسرة وليس فرد هو واجب ينبغي أن يكون حاضرًا لدى أي مسؤول قبل أن يترك حبر قلمه ينساب على الورق، ويصدر قرارات مصيرية تزيد من سوء الوضع دون مبالاة لمآلات هذا القرار، أو مراعاة لعواقبه على الفرد والأسرة والمجتمع، وينبغي أن يتعاون الجميع من أجل صالح الوطن والمواطن.

لا شك أن المتربصين بالوطن كثر، وهم ينتظرون الفرصة في كل حين لتحقيق مآربهم، وفي سبيل ذلك فهم يستغلون كل الظروف، ويلعبون على وتر المشاعر والأحاسيس التي تكون مدخلًا مؤاتيا لتمرير أفكارهم وأجندتهم الخاصة، وخلال الفترة الماضية لاحظنا كيف تم توظيف قضية الباحثين عن عمل والمسرحين لخدمة هذه التوجهات والأجندة المحددة سلفاً، ولكن ولله الحمد ما زال المجتمع يملك الوعي ويملك الإدراك الذي يجعله قادرا على مواجهة هذه الأفكار ومعرفة ما يراد بوطنه من خلال مجموعة جندت نفسها للإساءة والتحريض والتشويه والبحث عن الزلل وانتقاء السلبيات والتركيز عليها وترك الإيجابيات والتغافل عنها.

إن قضية الباحثين عن عمل والمسرحين هي قضايا واقعية وحقيقية ولا مجال للتغافل عنها وتركها دون حل، ويجب أن تبدأ الحلول من السياسات العامة والاستراتيجيات التي ترسم مع وضع هذا المحور الأساسي في الاعتبار، ولا بد من معالجات عاجلة تمنع التسريح خاصة، وحلول لمساءلة الإحلال والتعمين وريادة الأعمال، هذه المحاور الثلاثة هي مفتاح الحل العاجل لقضية الباحثين عن عمل، مع ما ذكرت سابقًا من سياسات واستراتيجيات لإيجاد حلول مستدامة تضمن عدم الوقوع مرة أخرى في هذا المطب الذي يؤرق الجميع، وحتى يظل هذا الوطن شامخًا بإنسانه الذي هو أساس التنمية وغايتها.

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصادر أممية: إسرائيل قتلت في يومين 105 من الباحثين عن المساعدات بغزة

قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة إن القوات الإسرائيلية قتلت 105 فلسطينيين وأصابت ما لا يقل عن 680 آخرين على امتداد طرق القوافل في منطقة زيكيم شمال غزة ومنطقة موراغ جنوب خان يونس، خلال يومي 30 و31 يوليو/تموز.

وأفاد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان باستمرار إطلاق النار وقصف الفلسطينيين من قبل القوات الإسرائيلية على امتداد طرق قوافل المساعدات الغذائية وفي محيط مواقع ما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية".

وتأتي هذه الأنباء رغم إعلان الجيش الإسرائيلي في 27 يوليو/تموز عن "توقف مؤقت للعمليات العسكرية" في المناطق الغربية من مدينة غزة وحتى المواصي وخلال ساعات محددة "لتحسين الاستجابة الإنسانية"، حسب ما أفاد المكتب الأممي في بيان اليوم الجمعة.

وسجل المكتب أن عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا أثناء بحثهم عن الغذاء منذ 27 مايو/أيار بلغ ما لا يقل عن 1,373 شخصا منهم 859 استشهدوا في محيط "مؤسسة غزة الإنسانية" و514 على امتداد طرق قوافل المساعدات.

وأكد مكتب حقوق الإنسان أن "هؤلاء الضحايا –وغالبيتهم من الرجال والفتيان– ليسوا مجرد أرقام. ولا تتوافر لدى المكتب أي معلومات تشير إلى أن هؤلاء الفلسطينيين كانوا قد شاركوا مباشرة في الأعمال العدائية أو يشكلون تهديدا للقوات الإسرائيلية أو لأي طرف آخر".

كما أشار مكتب حقوق الإنسان إلى ازدياد عدد الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال وكبار السن وذوو الإعاقة والمرضى والمصابون الذين يموتون نتيجة سوء التغذية والمجاعة، حيث يفتقر هؤلاء الأشخاص غالبا لأي دعم ولا يمكنهم الوصول إلى المواقع التي قد تتوفر فيها كميات ضئيلة من المساعدات.

وأوضح مكتب حقوق الإنسان أن ما يجري "كارثة إنسانية من صنع الإنسان. ونتيجة مباشرة لسياسات فرضتها إسرائيل أدت إلى تقليص حاد في كميات المساعدات المنقذة للحياة في غزة".

إعلان

وجدد مكتب حقوق الإنسان التأكيد على أن "توجيه الهجمات المتعمدة ضد المدنيين غير المشاركين مباشرة في الأعمال العدائية، واستخدام التجويع كوسيلة حرب من خلال حرمان المدنيين من العناصر الضرورية لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك عرقلة وصول الإغاثة، تشكل جرائم حرب"، وأضاف "إذا ما ارتكبت كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين فقد ترقى أيضا إلى جرائم ضد الإنسانية".

مقالات مشابهة

  • التوجيهات السامية ورسم السياسات.. جهود حثيثة نحو حل أزمة الباحثين عن عمل في عُمان
  • «منها المقالي المخدوشة».. 3 أشياء في المنزل تدمر صحتك
  • مصادر أممية: إسرائيل قتلت في يومين 105 من الباحثين عن المساعدات بغزة
  • العسكري: قارة إفريقيا لا تمثل شيئا في التغيرات المناخية والانبعاثات
  • أدعو الله كثيرا ولا يستجاب لي فماذا أفعل؟.. يسري جبر: المشكلة فيك
  • هيومن رايتس ووتش: قتل إسرائيل المواطنين الباحثين عن الطعام جريمة حرب
  • ترامب: لا أعلم ما الذي كان يفعله إبستين مع الفتيات اللواتي أخذهن من منتجعي في مار إيه لاغو (فيديو)
  • «السياحة والآثار» تطلق مسابقة لتصوير القطع الأثرية التي تم انتشالها من مياه البحر المتوسط
  • ما الذي دفع ترامب لتغيير موقفه من المجاعة في غزة خلال 48 ساعة؟