يتأكد لنا في كل مرة تُستهدَف دولة من دولنا أن الغرب إنما يتصرف ككتلة واحدة تجاه بقية العالم، وفي مسألة دعم الكيان الصهيوني بالتحديد يزداد الموقف صلابة، وإن اختلف الإخراج أو تم تقاسم الأدوار.. نراه اليوم في الموقف من العدوان على إيران، أمريكا تتطابق في مواقفها تماما مع الكيان الصهيوني وأحيانا تكون أكثر تشددا منه، وأوروبا مازالت تتحدث عن خطورة البرنامج النووي الإيراني السلمي على المنطقة وعليها و حتى على العالم! وكأنها لا ترى الترسانة النووية الصهيونية الموجودة فعلا لدى الكيان فما بالك أن تتحدث عن الحق في تفتيشها أو مراقبتها أو حتى الإشارة إلى ذلك.
والأكثر من هذا تجدها عندما تَضرب إيران المنشآت الصهيونية في قلب تل أبيب تقوم الدنيا ولا تقعد عندها، ويجري الحديث عبر كافة وسائل الإعلام الرسمية عن حق الكيان في الدفاع عن النفس وعن ضرورة حماية المدنيين!! في حين تعتبر الأهداف والمنشآت المدنية مشروعة في إيران ولا يهم إن كان عدد الضحايا فيها بالمئات أو الآلاف…
أما الإشارة إلى مخاطر إمكانية حدوث إشعاعات نووية قاتلة بإيران نتيجة ضرب المنشآت الإيرانية على طريقة التذكير بمخاطر ضرب روسيا للمفاعلات الأكرانية وما سيترتب عنها من إشعاعات تعم كافة الدول الأوروبية، مثل هذه المسألة لا تُثار تماما عندما يتعلق الأمر بالمنشآت التي تم ضربها لحد الآن في نطننز أو إصفهان أو غيرها فلا حديث عن ذلك، حتى وهم يعلمون أن حلفاءهم الخليجيين سيكونون عرضة لمثل هذه الإشعاعات لسنوات عدة إذا ما تضررت إيران من ذلك. لا يهم كل هذا، لأن الخليجيين وبقية الآسيويين ليسوا غربيين في آخر المطاف، ولا مانع عند أوروبا أو أمريكا إن هم عانوا مثل البقية..
أما أخطر مسألة يتجلى فيها الانحياز الغربي للكيان اليوم هي ما يحدث بغزة أثناء هذا العدوان على إيران.. لا حديث عن مدنيين هناك يُقتَلون يوميا بالعشرات وهم ينتظرون حفنة من الطعام، ولا حديث عن أطفال ورضع يموتون يوميا من الجوع، ولا عن كبار سن من نساء ورجال أعياهم المرض ومَنَع عنهم الكيان الدواء فضلا عن الغذاء والماء! ولا حديث عن أكثر من مليوني شخص محاصرين قرابة السنتين من كل اتجاه تَنزل القنابل الضخمة على رؤوسهم حيث حلوا، ولا حديث عن عشرات الأسرى في سجون الاحتلال يُقتَلون بدم بارد صباح مساء جوعا وعطشا وتعذيبا…
كل هؤلاء لا وجود لهم ولا اكتراث لحالهم، فقط هي إيران التي مازالت تقول “لا” التي ينبغي تحطيمها وتخريبها والقضاء على شعبها وإن باستخدام السلاح النووي الصهيوني- الأمريكي- الغربي. أليس هذا هو الظلم العالمي في أوضح تجلياته؟ ألا يُبرِّر هذا أن تسعى ليس فقط إيران بل كل دولة حرة في العالم إلى امتلاك القدرات النووية بل والسلاح الذي تدافع به عن نفسها وتردع به خصومها إذا لزم الأمر اللازم لذلك؟ أليس من حق إيران أن تتسلح وتمتلك التكنولوجيا الدفاعية اللازمة لمواجهة هذا الواقع الدولي الظالم؟
بكل تأكيد، إن هذا هو الموقف العادل والقرار السليم الذي ينبغي أن تتخذه ليس فقط إيران بل كل دولة تريد أن تكون لها مكانة في هذا العالم وأنْ لا يعيش شعبها تحت الذل والاستعباد على طريقة القرون البائدة زمن الهيمنة الغربية على الشرق بقوة السلاح ومن خلال تحالف عنصري للرجل الأبيض ضد بقية الشعوب…
متى يحين موقف هذه الأمة لتدعم حق إيران في امتلاك برنامج نووي مستقل وامتلاكها السلاح النووي لردع أعدائها.. متى يتحرك هذا العالم الإسلامي ككتلة لمواجهة العدوان على عضو من أعضائها.. كيف يُسمَح لترامب بالدعوة لِتهجير الإيرانيين من عاصمتهم وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، دون أية رد فعل؟ لماذا لا نتعلم من المقاومة الفلسطينية التي مازالت صامدة في وجه الأعداء وإن كان ببندقية الغول؟ لماذا لا نتعلم من المقاومة اليمنية التي مازالت تقض مضاجع العدو الصهيوني بصواريخها البالستية الفرط صوتية مهما قل عددها ؟ لماذا لا نتعلم من المقاومة الإيرانية التي مازالت تقدم جحافل الأبطال الشهداء صفا بعد صف دون كلل ولا ملل إلى حين تغيير معادلة الصراع وتحقيق النصر، أو الفوز بوسام الشهادة الأرفع على الإطلاق؟
بكل تأكيد، ورغم كل المآسي التي تعرفها الأمة، فإن مخزونها الاستراتيجي مازال مليئا بالقدرات والإمكانيات العلمية والإعلامية والعسكرية… وحتى النووية، وإن غدا لناظره قريب…
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه إيران الاحتلال إيران الولايات المتحدة غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات مقالات تكنولوجيا سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التی مازالت لا حدیث عن
إقرأ أيضاً:
الأطفال الجائعون وتفشي البلادة الأخلاقية
على مدى ما يقارب عامين، وغزة تُدمر على رؤوس ساكنيها أطفالا ونساء وكهولا في مشهد إجرامي تراجيدي همجي جبان، يفوق خيال أخصب المتخيلين بشاعة، وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع.
مشهد غزة الدامي وحده مَن رفع الستار وأزال الأقنعة عن كثيرين ممن ظلوا طويلا يلوكون مصطلحات التمدن والحضارة والإنسانية والحداثة السياسية وحقوق الإنسان وهلم جرا، وحتى ستار أولي القربى من إخوة الدين والعقيدة والدم والنسب.
إن مأساة غزة اليوم كبيرة جدا، وتتعدى حدود مأساويتها جغرافيا غزة الصغيرة، وتتخطى ذلك إلى كامل الجغرافيا الكونية، هذه المأساة هي بمثابة شهادة وفاة لكل شيء إنساني ذي قيمة في هذه اللحظة البشرية الأكثر قتامة وسقوطا وانهيارا لكل القيم والمسميات، وفي القلب منها سقوط الحضارة ودفنها وعودة الهمجية والبدائية والوحشية بأبشع صورها ومسمياتها.
لا شيء يفسّر ما يجري في غزة اليوم، سوى أن التدهور الأخلاقي قد بلغ ذروته، وأن خللًا عميقًا أصاب الضمير الإنساني، فلا تفسير لهذا الصمت المطبق إزاء إبادة جماعية تُرتكب بسبق الإصرار والترصد، سوى وجود تواطؤ مقصود، ورضا ضمني عمّا تقترفه آلة نتنياهو وعصابته الصهيونية. هذا التواطؤ لن يمرّ دون ثمن، وسيُعيد البشرية قرونًا إلى الوراء، متجاوزًا كل ما راكمته من قيم في مسيرتها نحو التحضر والإنسانية.
لسنا هنا بصدد التباري بحشد كل مصطلحات البلاغة اللغوية لتوصيف ما يجري فقد فاق ما يجري كل قدرة العقل البشري اللغوي على وصف الجريمة، فما يجري لا يفسره سوى السقوط والانحلال لكل مكتسبات إنسان اليوم في سُلم الرقي والتطور الأخلاقي، والارتداد إلى ما قبل كل ذلك.
وهو ما قد يُعجز البعض عن تفسير هذا الانحدار، لكن من يتأمل قليلا في مسرح الأحداث سيدرك جيدا أن كل ما يجري في غزة اليوم ليس سوى الحقيقة العارية التي ظل الغرب وأدواته طويلا يحاولون سترها وحجبها عنا.
إعلانلهذا بدأت أصوات غربية تعلو رافضة لما يجري، ويفوق تصوراتهم عن بشاعة الجريمة، فهذا المفكر الفرنسي ديدييه فاسين والأستاذ في كلية فرنسا كوليج دو فرانس والذي لم يتحمل ما يجري فأصدر كتابا بعنوان: "هزيمة غربية"، وصف فيه الأحداث في غزة بأنها "أعمق هاوية أخلاقية سقط فيها العالم الغربي منذ الحرب العالمية الثانية".
مشيرا إلى أن دعم الغرب لإسرائيل وسط تدمير غزة واستهداف المدنيين، يعكس ازدواجية معايير وتواطؤا أخلاقيا، منتقدا الصمت الغربي إزاء قتل الأطفال، وتدمير المستشفيات والمدارس.
وهذا مواطنه الفرنسي باسكال بونيفاس الخبير في الشؤون الجيوسياسية، تحدث في كتابه: "رخصة للقتل: غزة بين الإبادة الجماعية والإنكار والهاسبارا"، عن تورط الغرب في التغطية على الأحداث، مؤكدا أن من ينكرون الإبادة "لا يريدون أن يعلموا".
صحيح أن ثمة أصواتا كثيرة أدانت هذه الحرب واصفة إياه بالإبادة من سلافوي جيجك إلى نعوم تشومسكي، مرورا بعدد غير قليل من الفلاسفة والنشطاء الغربيين، لكن هذه الأصوات لم تغير من حقيقة التوجه الغربي الرسمي شيئا تجاه ما يجري لأكثر من مليوني إنسان محاصرين بالقتل والجوع في غزة، فثمة صمت قاتل لا يقل جريمة عن سلاح القتل الذي تعربد به دولة الكيان الصهيوني، إن لم يكن هو سلاح الجريمة الأشد فتكا بالغزيين.
لكن دعونا من الغرب ونخبه ودوله وقياداته، فهم قد وصلوا إلى مرحلة من الانكشاف الذي لا يمكن ستره، وهو مفهوم في إطار المعادلة الكولونيالية الحاكمة للعالم، والتي يعيد الغرب تذكيرنا بها حتى لا ننساها أو نغفلها أحيانا، وهو أن هذه الرقعة الجغرافية بكل مشاكلها وإشكالياتها هي صنيعة غربية بامتياز.
السؤال الذي يبحث عن إجابة هو: أن صمت الغرب في هذا السياق ربما يعد مفهوما اليوم، لكن ماذا عن العرب والمسلمين اليوم حول العالم، كيف تواطؤوا هكذا ضد كل قيمهم وأعرافهم وأخلاقهم ومعتقداتهم التي تحض على مناصرة المظلومين ومقاومة الظالمين في كل وقت وحين حتى يكفوا ظلمهم عن الناس؟، ما الذي أصاب القوم ليلوذوا بكل هذا الصمت؟!
لا شيء يفسر هذا الحال المزري الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية، سوى أن الأمة قد أصيبت بالتبلد، وأن مشاهد القتل اليومي والدمار وقتلى الجوع، قد أصابت القوم بنوع من التطبيع مع هذه المشاهد، وهو ما يجعلهم يشاهدونها يوميا وكأنها مشاهد سينمائية وخدع بصرية ليس إلا.
إن هذا النقل المباشر للجريمة، بقدر ما يفترض أنه يحمي الضحية، بقدر ما يعطل حاسة الاشمئزاز والرفض والإنكار للجريمة التي من كثرة مشاهدها تطبّعت النفوس على التعايش معها، رغم كل ما فيها من وحشية وقسوة وإجرام يفوق التصور.
الجانب الآخر والأخطر في هذا الصمت العربي والإسلامي، هو حالة التطبيع مع توجهات الأنظمة الحاكمة تجاه ما يجري في غزة، والتعلل بأن كل حكومة لها ظروفها الخاصة وتقديراتها للأمر، مع أن هذه الحكومات لا تملك قرارا خاصا بها بقدر ما تنفذ كل ما يملى عليها غربيا، وأن الشعوب المطبعة مع هذه الحكومات، لا يمكن أن تجد مبررا أخلاقيا أو سياسيا أو قل ما شئت من المبررات، يمكنه أن يعفيها من الغضب والمسؤولية الملقاة عليها، أخلاقية أو إنسانية كانت.
إعلانليس مبالغة اليوم القول إن ما يجري لغزة شيء من خارج التاريخ الإنساني كله، فالتاريخ البشري مليء بالأحداث التي تحكمها سياقاتها الزمنية والمكانية المختلفة، لكن هذا التاريخ ربما لم يسجل سابقة كسابقة غزة اليوم، حيث يتم إبادة الأطفال والشيوخ والحوامل بالسلاح والجوع والوحشية، وأمام أعين الكاميرات والهواتف.
لهذا كله، فإن الصمت اليوم لم يعد مقبولا ولا معقولا، وأن هذا الصمت هو سلاح الجريمة الأشد فتكا من كل أسلحة الكيان الصهيوني، لما يمثله من مشاركة ورضا ضمني بما يجري من إبادة، فالجميع اليوم على امتداد الجغرافيا الإنسانية مسؤولون عما يجري لغزة وأهلها، ولا شيء يبرر هذا الصمت تجاه كل هذا الإجرام مطلقا، فإن صمتت الحكومات، وهذا عهدنا بها، فكيف بالشعوب أن تصمت، فالصمت لم يعد مجرد خيانة، وإنما جريمة مركبة في عالم اليوم المفتوح؟!
ندرك جيدا أن الغرب أطلق لدولة الكيان العنان، وندرك أيضا أن حكوماتنا العربية تقوم بواجبها المنوط بها غربيا، لكن لا يمكن سريان ذلك على الشعوب، التي لا تعرف الحسابات السياسية الدقيقة، وإنما تستجيب لمشاعرها وتحدياتها المحيطة بها، ولا يمكن تدجينها إلى هذا الحد من الذل والخضوع.
فما يجري شيء يدعو للحيرة والعجب معا، وخاصة أن غزة ليست سوى حائط الصد الأخير لطوفان الإجرام الصهيوني والغربي، وأن إبادة غزة ليست سوى البروفة التحضيرية لما بعدها من إبادات لن تستثني أحدا في حدود هذه الجغرافيا العربية المستلبة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline