استهداف المزيد من الصحفيين الأوروبيين باستخدام برمجيات باراغون الإسرائيلية الخبيثة
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
ظهر تقرير جديد من مختبرات "سيتزين لاب" (Citizen Lab) الكندية المتخصصة في الأمن السيبراني، يتضمن مجموعة من الأدلة الجديدة حول أزمة قرصنة هواتف المعارضين للحكومة الإيطالية، بحسب تقرير "الغارديان".
وتشير الأدلة إلى أن برمجيات "باراغون" الخبيثة استخدمت في اختراق هاتف سيرو بيليجرينو رئيس مكتب نابولي التابع لموقع التحقيقات "فان بيج" (FanPage.
ويذكر أن بيليجرينو يتمتع بعلاقة وطيدة ويعد من الأصدقاء المقربين لضحية الاختراق السابق في فبراير/شباط الماضي فرانشيسكو كانسيلاتو الذي كانت مؤسسته الإخبارية تنتقد حكومة ميلوني، مما يثير الشكوك حول حالة الاختراق هذه، بحسب الغارديان.
ويأتي التقرير الجديد من "سيتزين لاب" وسط خلاف علني حاد بين الحكومة الإيطالية وشركة باراغون، إذ صرحت الأخيرة مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مؤكدةً أنها عرضت على الحكومة الإيطالية المساعدة في التحقيقات بخصوص قضية كانسيلاتو، ولكن تقرير الغارديان يشير إلى أن إيطاليا رفضت العرضة، مؤكدةً مخاوفها على الأمن الوطني.
وبينما تتحول قضية الاختراق إلى قضية رأي عام تثير حفيظة المعارضة الإيطالية وأعضاء البرلمان الأوروبي في بروكسل، رفض مكتب ميلوني التعليق لصحيفة الغارديان، ومن جانبها أكدت باراغون أنها لا تبيع برمجياتها إلا للحكومات الديمقراطية وتحظر في سياسة الاستخدام الخاصة بها اختراق هواتف المدنيين والصحفيين.
وعن تقرير "سيتزين لاب"، أشار جون سكوت رايلتون إلى أن عملية تحليل الهواتف المستهدفة تظهر بوضوح آثار باراغون الرقمية، والأهم أنها تتضمن الآثار الرقمية للعميل ذاته الذي اخترق هاتف كانسيلاتو، فضلًا عن ذلك توصلت لجنة برلمانية تابعة لمنظمة كوباسير إلى أن وكالات الاستخبارات المحلية والأجنبية الإيطالية أبرمت عقودًا مع شركة باراغون في عامي 2023 و2024.
وأكدت اللجنة أن "البرمجية الخبيثة استخدمت بعلم المدعي العام للتجسس على بعض الإرهابيين والهاربين من العدالة"، وأشار تقرير الغارديان إلى أن عملية التجسس على نشطاء حقوق الإنسان المؤيدين للهجرة، ومن بينهم لوكا كاساريني وجوزيبي كاتشيا، كانت بسبب علاقتهم بالمهاجرين غير الشرعيين وليس بسبب دورهم في حماية حقوق الإنسان.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
"حماية الصحفيين" وتهاوي السردية الصهيونية
د. يوسف الشامسي**
تابعت عددا من لقاءات الإعلامي البريطاني بيرس مورغان مع ضيوفه الصهاينة الذين لا ينفكّون من تكرار سرديتهم المتهافتة لتبرير القتل والتنكيل الحاصل في غزة، وتقمص دور وصوت ولباس "الضحية" في وقتٍ ما عاد تمثيلهم ينطلي على الجماهير والشعوب الحرة، يطرح مورغان سؤالاً مكررا على ضيوفه الصهاينة عندما يبدؤون في التشكيك بالتقارير الدولية حول "حجم المجاعة" و"دقة ضربات الجيش" وعدد الضحايا المدنيين من الأطفال والنساء: إذا كنتم تشككون في المعلومات فلماذا تمنعون وسائل الإعلام الدولية من دخول غزة والتحقق من الوضع؟! هنا غالبا ما تأتي الإجابات في نموذجين فجّين لا يخلوان من المناورة والتضليل المعهود في السردية الصهيونية:
تارة يزعم المتحدثون الصهاينة -كما في لقاء آفي هايمان المتحدث السابق لحكومة الكيان الصهيوني، وتسيبي هوتوفلي السفيرة الإسرائيلية لدى المملكة المتحدة، وقبل أيام داني دانون سفير إسرائيل بالأمم المتحدة، وكذلك قبلها المحامية البريطانية ناتاشا هاسدورف- أن منع الصحفيين من دخول غزة هو لحمايتهم من "خطر حماس". لكن الأرقام تكشف تناقضًا بليغا، فمنذ أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية على الأقل 186 صحفيًا في غزة وفقًا لتقرير لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، بينما لا يزال جثمان 130 آخرين قيد التحقق. كذلك وفقا لتقارير صحفيون بلا حدود والاتحاد الدولي للصحفيين، يمثل ضحايا العدوان الإسرائيلي على الإعلاميين في فلسطين قرابة ثلي الحالات المسجلة عالميا، والعدد في ازدياد. بالطبع يكرر الصهاينة أن هذه الأرقام -وغيرها من أعداد الضحايا- غير دقيقة ومشكوك فيها؛ فيعود مورغان بسؤال يفضح تناقضهم المنطقي: إن كنتم تعرفون عدد قتلى حماس بدقة، فكيف لا تعرفون عدد الضحايا المدنيين؟! وإن كنتم تشككون في الأرقام التي تنشرها وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة فكيف إذن صدقتم فيديو الأسير الجائع الذي نشرته حماس بالأمس! وهكذا من الأسئلة الفاضحة لسخافة تبريراتهم.
وهناك في المقابل من يناورون الإجابة بطريقة الإنكار، فينكر المتحدثون الصهاينة منع وسائل الإعلام من دخول غزة، بل ويذهبون أبعد من ذلك، فمنهم من يدعو مورغان مباشرة لزيارة المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل برفقتهم، والحقيقة أن إسرائيل لا تمنع التغطية الإعلامية بالمطلق؛ ولكن تفتح الباب فقط لمن يقبل لعب دور "الدمية"، فهي تطبق آلية "الوصول الانتقائي" المشروط تارة، و"الدعاية السياحية" تارة أخرى في تعاملها مع وسائل الإعلام، فعبر الآلية الأولى قد تسمح إسرائيل فقط للمؤسسات الإعلامية الموالية لها بالوصول تحت حراسة عسكرية، كصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية لينشروا تقارير مُعدة مسبقًا لتبرر الرواية الصهيونية الرسمية، في المقابل تمنع دخول فريق وكالة "رويترز" و"الأسوشيتد برس" و"الجزيرة" وغيرها، وإن سمحت للبعض فلا يتمّ إلا برفقة العساكر الصهاينة، بهذا الأسلوب في تغطية الحرب -أو ما يعرف في دراسات الإعلام بمصطلح embedded journalism الذي برز بشكل أكبر إبّان العدوان الأمريكي على العراق- يقبع الصحفي مسيّرا موجها في نقله للأحداث، فتقتصر تغطيته على مواقع "منتقاة" كتصوير نقاط مساعدات مجهزة بطريقة استعراضية لعدسات الكاميرة فقط، في تجاهل متعمد لحقيقة أن 85% من سكان شمال غزة يواجهون المجاعة حسب تقديرات برنامج الأغذية العالمي. وأما عبر الآلية الثانية فتموّل إسرائيل "سياحة دعائية" شاملة لبعض الصحفيين وسائل الإعلام، إذ كشفت مؤسسة "بتسليم" أن السلطات الإسرائيلية تقوم بتنظيم جولات لمراسلين غربيين مختارين -خصوصا مراسلي وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية الموالية للصهيونية- إلى حدود غزة، ومنعهم من التحرك بحرية أو لقاء المدنيين الفلسطينيين.
أساليب التضليل هذه تعكس سياسة إعلامية مدروسة لصنع سردية صهيونية موازية، فهي تعزل الصحافة عن جرائم الصهاينة، ثم تشكك في الحقائق التي تنشرها وزارة الصحة الفلسطينية والأمم المتحدة ومختلف المؤسسات الحقوقية لأنها "لم تشهد الحدث على الأرض"، ثم تروّج روايتها الرسمية بنشرها مشاهد منتقاة عن الوضع لتوحي للمشاهد أن الناس في غزة "مصابون بالتخمة" لكثرة المساعدات والأغذية التي تصلهم حسب المزاعم الوقحة لأحد ضيوف برنامج مورغان. لكن كل هذه الأساليب أضحت مكشوفة على الملأ بفضل وسائل التواصل الاجتماعي وبفضل من بقي في الداخل من الإعلاميين الذين يضحّون بأنفسكم لنقل الصورة الحقيقية من قلب المأساة، حيث يأكل الناس علف الحيوانات لحفظ رمق حياتهم، ويموت الأطفال والنساء والشيوخ جوعا، وتبث الصور والمقاطع في مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ولكن لا من قريب معين. مثل هذه الصور باتت تحرك الشعوب الحرة حول العالم للضغط على حكوماتها لوقف دعمها للكيان الصهيوني ووضع حدٍ لهذه المجازر اليومية، ويكفي دلالة على سقوط تلك السردية المزيفة تحذير الرئيس الصهيوني ترامب نفسه قبل أيام لأحد كبار المتبرعين اليهود لإسرائيل -بحسب صحيفة فايننشال تايمز- من ازدياد سخط الكثيرين في حزبه تجاه حكومة نتنياهو قائلا "أتباعي بدأوا يكرهون إسرائيل".
لا غرابة إذن من هذه السياسة المزدوجة والتناقض الدموي الذي يمارسه الكيان مع الصحفيين في غزة، ولا عجب في أن تصنّف شبكة "مراسلون بلا حدود" إسرائيل في ذيل قائمة الدول التي تحترم حرية التغطية في مناطق النزاع، فهي تقمع كل صحفيّ حرّ باعتباره خطرا يجب إخراسه، فلا تنفك من ترويج أكذوبة أو "هراء حماية الصحفيين" كما يصفها مورغان… لأنها تدرك جيدًا أن صورة واحدة حقيقية قد تنسف سرديتها الإعلامية بالكامل.
** أكاديمي بقسم الإعلام الجماهيري بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بنزوى
رابط مختصر