لجريدة عمان:
2025-06-25@11:50:20 GMT

إيران .. قراءة في صعود مشروع جيوسياسي بديل

تاريخ النشر: 25th, June 2025 GMT

إيران .. قراءة في صعود مشروع جيوسياسي بديل

«عمان»: منذ الثورة الإسلامية عام 1979، لم تكفّ إيران عن إثارة الحيرة في أروقة السياسة الدولية. دولة بقيت محاضرة بالعقوبات، لكنّها مع ذلك تمدّ ظلّها من شواطئ المتوسط إلى مضيق باب المندب. في كتابه الجديد، «صعود إيران ومنافستها مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط»، يقدم محسن ملاني قراءة دقيقة لما يمكن اعتباره أحد أكثر التحولات الجيوسياسية استعصاء على التفسير في العقود الأربعة الماضية: كيف نجحت إيران، رغم كل القيود، في إعادة رسم خرائط القوة في الشرق الأوسط؟

ينطلق ملاني من افتراض بسيط لكن إشكالي: أن إيران ليست مجرّد دولة، بل مشروع.

ويقترح أن فهم هذا المشروع يتطلب تتبّع جذور القطيعة التي نشأت مع الولايات المتحدة، والتي لم تكن نتيجة تصادم لحظي، بل نتاج صراع سرديتين: سردية إمبراطورية عابرة للقارات، وسردية ثورية ترى في الهيمنة الغربية امتدادا للاستعمار. وبذلك، يتحوّل ملاني من تحليل الوقائع إلى تحليل البنية التي تنتجها، من تفسير السلوك إلى تفكيك الأسطورة.

قبل عام 1979، كانت طهران تُعتبر حليفًا نموذجيًا لواشنطن في مواجهة التمدد السوفييتي. لكن الثورة، كما يقول ملاني، لم تكتف بإسقاط النظام، بل أسقطت الرؤية الكونية المصاحبة له. وقد استبدلت إيران الشاهنية بالهوية «المستضعَفة»، وأعادت تعريف الجغرافيا السياسية للمنطقة من خلال بناء شبكات عابرة للدولة، تنظيمات مقاومة، وشبكات دعم أيديولوجي واقتصادي. وهكذا، برز مفهوم «محور المقاومة» ليس بوصفه خطابا تعبويا، ولكن كعقيدة إستراتيجية تتجاوز منطق الدولة التقليدية.

من أبرز ملامح الكتاب أن ملاني لا يسقط في الثنائية الأخلاقية المألوفة: إيران كدولة مارقة، أو كضحية. بل يسرد، بحذر شديد، كيف أن هذا الصعود لم يكن حتميًا، بل جاء نتيجة فراغات صنعتها الولايات المتحدة نفسها. فغزو العراق عام 2003، كما يبيّن المؤلف، لم يفتح المجال فقط لإزاحة نظام معادٍ لطهران، بل مهّد الأرضية لسيطرة إيرانية ناعمة على القرار السياسي الشيعي في بغداد. ومن هناك، بدأت إيران تُمسك بخيوط خارطة إقليمية جديدة، تصل إلى دمشق وبيروت وغزة وصنعاء.

غير أن هذا التمدد لم يكن بلا كلفة. يشير ملاني إلى أن إيران، رغم نجاحها في بناء نفوذ غير متماثل، تواجه تحديات وجودية متزايدة: اقتصاد منهك تحت وطأة العقوبات، احتجاجات اجتماعية متكررة، ومناخ إقليمي معادٍ بشكل متصاعد. وهو يذهب أبعد من ذلك حين يطرح سؤالًا محوريًا: هل تملك إيران القدرة على الاستمرار في هذه اللعبة، أم أن طبيعة استراتيجيتها ـ القائمة على شبكات غير رسمية ـ تحمل بذور انهيارها الذاتي؟

يتميز تحليل ملاني بقدرته على ربط المسارات المتوازية: كيف تتفاعل العقوبات مع الداخل الإيراني؟ كيف تقرأ إسرائيل دعم إيران لحماس وحزب الله؟ لماذا تشكل اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية تهديدا غير مباشر لهذا المشروع؟ وما هي حدود الدور الصيني والروسي في دعم طهران، دون تبنّي مشروعها بالكامل؟

الأهم ربما هو أن الكتاب لا يروّج لفكرة أن إيران تُهدِّد النظام الدولي، بل يطرح احتمالًا مقلقًا أكثر: أن إيران، على عكس ما يُقال، نجحت في صياغة «نظامها الدولي الصغير»، الذي ينافس على الشرعية والامتداد، دون أن يعلن حربًا صريحة. هذا ما يجعل الولايات المتحدة عاجزة عن الحسم، فلا الحرب الشاملة مجدية، ولا التهدئة ممكنة. إنها، بتعبير ملاني، «حرب باردة هجينة»، تخوضها إيران بعقلية الحصار والاختراق، وتردّ عليها واشنطن بالأدوات التقليدية ذاتها التي فشلت في كوبا وكوريا الشمالية.

في الفصل الأخير، يتطرق ملاني إلى البُعد الأخلاقي باعتباره معضلة لصنّاع القرار في الغرب. فالتعامل مع إيران كعدو أبدي يُنتج قصر نظر استراتيجي، لكنه أيضًا يُعمي عن تطورات داخلية في بنية النظام الإيراني: جيل جديد أكثر وعيًا، وصراع صامت بين دوائر الحكم، ومحاولات لتحديث الخطاب من الداخل. هل هذا كافٍ لإحداث تغيير؟ لا يجيب ملاني بوضوح، لكنه يلمّح إلى أن الجمود الحالي يحمل في طياته إمّا الانفجار أو إعادة التموضع.

ختامًا، يقدم «صعود إيران ومنافستها مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط» قراءة ضرورية لفهم عالم يُعاد ترتيبه على وقع التوازنات الهجينة واللاعبين غير الرسميين. لا يسعى محسن ملاني إلى تبرئة إيران ولا إلى إدانتها، بل إلى فهمها، وهو ما يجعل كتابه عملًا نادرًا في زمن الاصطفافات الجاهزة. إنه ليس كتابًا عن إيران فحسب، بل عن أمريكا أيضًا، عن كيف ترى ذاتها من خلال مرآة العدو.

ولا ينقص من هذا الكتاب قراءته في وقت شهدت فيه الأحداث الأخيرة من المواجهة بين إيران والغرب، بل على العكس يبدو الكتاب أكثر أهمية الآن لأنه يساعدنا في فهم إيران من الداخل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة أن إیران

إقرأ أيضاً:

إيران تهدّد بتفعيل خلايا نائمة داخل الولايات المتحدة 

#سواليف

أفادت شبكة NBC الأمريكية، أن #إيران نقلت إلى الرئيس الأمريكي دونالد #ترامب، قبل عدة أيام، #رسالة #تهديد تفيد بإمكانية تفعيل #خلايا_نائمة لمهاجمة #الولايات_المتحدة_الأمريكية، وذلك ردًا على أي #هجوم يستهدف منشآتها النووية.

ووفق ما نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”؛ فقد وصلت هذه الرسالة إلى الرئيس الأمريكي خلال قمة مجموعة السبع (G7) في كندا الأسبوع الماضي، وهي القمة التي غادرها ترامب مبكرًا على خلفية التصعيد مع إيران، وذلك قبل عدة أيام من تنفيذ ضربات جوية أمريكية استهدفت منشآت نووية إيرانية فجر الأحد.

ولم يصدر أي تعليق من البيت الأبيض أو البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة بشأن تقرير NBC، الذي استند إلى مصدرَين رسميَين أمريكيَين وشخص ثالث على اطلاع بالتهديد.

مقالات ذات صلة الجيش الإيراني يهدد الولايات المتحدة 2025/06/23

وفي مقابلة مع برنامج “Meet the Press” على شبكة NBC، قال نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس إن البيت الأبيض “يدرس تهديد وقوع هجوم على الأراضي الأمريكية بجدية بالغة”.

كما أضاف دبلوماسي أوروبي للشبكة الأمريكية أن الولايات المتحدة وحلفاءها يعتقدون أن إيران تمتلك القدرة على مهاجمة مواطنين أمريكيين وأوروبيين خارج الأراضي الأمريكية وخارج منطقة الشرق الأوسط أيضًا.

ويوم أمس أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مهاجمتها منشآت إيران النووية بقنابل خارقة للتحصينات، وفي أول رد رسمي على الضربات الجوية الأميركية، أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني أن “كل مواطن أو عسكري أميركي في المنطقة أصبح الآن هدفًا مشروعًا”.

جاء ذلك بالتوازي مع تصريح مهدي محمدي، مستشار رئيس البرلمان الإيراني، الذي قال إن “المواقع النووية الثلاثة التي استهدفتها واشنطن لم تتعرض لأضرار لا يمكن إصلاحها”.

ويأتي هذا الموقف الإيراني بعد ساعات من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تنفيذ هجوم “دقيق وناجح” على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان، باستخدام قاذفات “B-2”.

وفي تصريح لاحق، قال ترامب إن موقع فوردو النووي الإيراني “انتهى” بالكامل عقب الضربة. ودعا إيران إلى الموافقة على إنهاء الحرب فورًا، معتبرًا أن الوقت قد حان “لوقف التصعيد والعودة إلى السلام”، على حد تعبيره.

وتأتي تصريحات ترامب، في الوقت الذي أكدت فيه تقارير أمريكية، أن منشآت إيران النووية خاصة فوردو لا يمكن تدميرها بالقنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات، مؤكدة أن “فوردو” موقع محصن لا يمكن تدميره إلا بأسلحة نووية أو بتفجيره بواسطة قوة برية.

ووفق الصحيفة، فإن الضربات الجوية الإسرائيلية دمّرت بعض المباني على سطح منشآت إيران النووية، لكن من المرجّح أن قلب العمليات في مواقع مثل مصنع تخصيب الوقود في فوردو لا يزال سليماً، مخفياً عميقًا تحت الأرض، وتدمير هذا النوع من المنشآت يتطلب قنابل خارقة للتحصينات أقوى من أي سلاح تقليدي يمكن لـ “إسرائيل” أن تستخدمه.

وللوصول إلى تحصينات إيران، تقول الصحيفة، إنه الأمر يتطلب نوعًا خاصًا من القنابل مثل قنبلة القوة الخارقة لاختراق التحصينات GBU-57 (MOP) التابعة لسلاح الجو الأميركي.

مقالات مشابهة

  • إيران بين الادعاء بالانتصار والتحول الجيوسياسي.. قراءة تحليلية
  • سيناريوهات رد الولايات المتحدة على إيران بعد استهداف القواعد الأمريكية
  • هل ترد إيران على الولايات المتحدة؟
  • بيجيدي يهاجم الولايات المتحدة ويتضامن مع إيران
  • إيران تهدّد بتفعيل خلايا نائمة داخل الولايات المتحدة 
  • كيف سترد إيران على الولايات المتحدة؟
  • مندوب إسرائيل: الولايات المتحدة أنقذت العالم بعد ضرب إيران
  • الولايات المتحدة تحث الصين على ثني إيران عن إغلاق مضيق هرمز
  • محلل أميركي يتنبأ: تورط الولايات المتحدة في حرب ضد إيران سيحطم إرث ترامب