لجريدة عمان:
2025-10-13@09:02:38 GMT

إيران .. قراءة في صعود مشروع جيوسياسي بديل

تاريخ النشر: 25th, June 2025 GMT

إيران .. قراءة في صعود مشروع جيوسياسي بديل

«عمان»: منذ الثورة الإسلامية عام 1979، لم تكفّ إيران عن إثارة الحيرة في أروقة السياسة الدولية. دولة بقيت محاضرة بالعقوبات، لكنّها مع ذلك تمدّ ظلّها من شواطئ المتوسط إلى مضيق باب المندب. في كتابه الجديد، «صعود إيران ومنافستها مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط»، يقدم محسن ملاني قراءة دقيقة لما يمكن اعتباره أحد أكثر التحولات الجيوسياسية استعصاء على التفسير في العقود الأربعة الماضية: كيف نجحت إيران، رغم كل القيود، في إعادة رسم خرائط القوة في الشرق الأوسط؟

ينطلق ملاني من افتراض بسيط لكن إشكالي: أن إيران ليست مجرّد دولة، بل مشروع.

ويقترح أن فهم هذا المشروع يتطلب تتبّع جذور القطيعة التي نشأت مع الولايات المتحدة، والتي لم تكن نتيجة تصادم لحظي، بل نتاج صراع سرديتين: سردية إمبراطورية عابرة للقارات، وسردية ثورية ترى في الهيمنة الغربية امتدادا للاستعمار. وبذلك، يتحوّل ملاني من تحليل الوقائع إلى تحليل البنية التي تنتجها، من تفسير السلوك إلى تفكيك الأسطورة.

قبل عام 1979، كانت طهران تُعتبر حليفًا نموذجيًا لواشنطن في مواجهة التمدد السوفييتي. لكن الثورة، كما يقول ملاني، لم تكتف بإسقاط النظام، بل أسقطت الرؤية الكونية المصاحبة له. وقد استبدلت إيران الشاهنية بالهوية «المستضعَفة»، وأعادت تعريف الجغرافيا السياسية للمنطقة من خلال بناء شبكات عابرة للدولة، تنظيمات مقاومة، وشبكات دعم أيديولوجي واقتصادي. وهكذا، برز مفهوم «محور المقاومة» ليس بوصفه خطابا تعبويا، ولكن كعقيدة إستراتيجية تتجاوز منطق الدولة التقليدية.

من أبرز ملامح الكتاب أن ملاني لا يسقط في الثنائية الأخلاقية المألوفة: إيران كدولة مارقة، أو كضحية. بل يسرد، بحذر شديد، كيف أن هذا الصعود لم يكن حتميًا، بل جاء نتيجة فراغات صنعتها الولايات المتحدة نفسها. فغزو العراق عام 2003، كما يبيّن المؤلف، لم يفتح المجال فقط لإزاحة نظام معادٍ لطهران، بل مهّد الأرضية لسيطرة إيرانية ناعمة على القرار السياسي الشيعي في بغداد. ومن هناك، بدأت إيران تُمسك بخيوط خارطة إقليمية جديدة، تصل إلى دمشق وبيروت وغزة وصنعاء.

غير أن هذا التمدد لم يكن بلا كلفة. يشير ملاني إلى أن إيران، رغم نجاحها في بناء نفوذ غير متماثل، تواجه تحديات وجودية متزايدة: اقتصاد منهك تحت وطأة العقوبات، احتجاجات اجتماعية متكررة، ومناخ إقليمي معادٍ بشكل متصاعد. وهو يذهب أبعد من ذلك حين يطرح سؤالًا محوريًا: هل تملك إيران القدرة على الاستمرار في هذه اللعبة، أم أن طبيعة استراتيجيتها ـ القائمة على شبكات غير رسمية ـ تحمل بذور انهيارها الذاتي؟

يتميز تحليل ملاني بقدرته على ربط المسارات المتوازية: كيف تتفاعل العقوبات مع الداخل الإيراني؟ كيف تقرأ إسرائيل دعم إيران لحماس وحزب الله؟ لماذا تشكل اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية تهديدا غير مباشر لهذا المشروع؟ وما هي حدود الدور الصيني والروسي في دعم طهران، دون تبنّي مشروعها بالكامل؟

الأهم ربما هو أن الكتاب لا يروّج لفكرة أن إيران تُهدِّد النظام الدولي، بل يطرح احتمالًا مقلقًا أكثر: أن إيران، على عكس ما يُقال، نجحت في صياغة «نظامها الدولي الصغير»، الذي ينافس على الشرعية والامتداد، دون أن يعلن حربًا صريحة. هذا ما يجعل الولايات المتحدة عاجزة عن الحسم، فلا الحرب الشاملة مجدية، ولا التهدئة ممكنة. إنها، بتعبير ملاني، «حرب باردة هجينة»، تخوضها إيران بعقلية الحصار والاختراق، وتردّ عليها واشنطن بالأدوات التقليدية ذاتها التي فشلت في كوبا وكوريا الشمالية.

في الفصل الأخير، يتطرق ملاني إلى البُعد الأخلاقي باعتباره معضلة لصنّاع القرار في الغرب. فالتعامل مع إيران كعدو أبدي يُنتج قصر نظر استراتيجي، لكنه أيضًا يُعمي عن تطورات داخلية في بنية النظام الإيراني: جيل جديد أكثر وعيًا، وصراع صامت بين دوائر الحكم، ومحاولات لتحديث الخطاب من الداخل. هل هذا كافٍ لإحداث تغيير؟ لا يجيب ملاني بوضوح، لكنه يلمّح إلى أن الجمود الحالي يحمل في طياته إمّا الانفجار أو إعادة التموضع.

ختامًا، يقدم «صعود إيران ومنافستها مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط» قراءة ضرورية لفهم عالم يُعاد ترتيبه على وقع التوازنات الهجينة واللاعبين غير الرسميين. لا يسعى محسن ملاني إلى تبرئة إيران ولا إلى إدانتها، بل إلى فهمها، وهو ما يجعل كتابه عملًا نادرًا في زمن الاصطفافات الجاهزة. إنه ليس كتابًا عن إيران فحسب، بل عن أمريكا أيضًا، عن كيف ترى ذاتها من خلال مرآة العدو.

ولا ينقص من هذا الكتاب قراءته في وقت شهدت فيه الأحداث الأخيرة من المواجهة بين إيران والغرب، بل على العكس يبدو الكتاب أكثر أهمية الآن لأنه يساعدنا في فهم إيران من الداخل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة أن إیران

إقرأ أيضاً:

ترامب يغادر الولايات المتحدة لزيارة إسرائيل وحضور قمة شرم الشيخ

غادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الولايات المتحدة؛ لزيارة إسرائيل، وحضور قمة شرم الشيخ للسلام في مصر، حسبما أفادت قناة "القاهرة الإخبارية" في نبأ عاجل.

وأعلنت رئاسة الجمهورية في مصر، عن تأكيد حضور الرئيس الأمريكي وملك الأردن وأمير قطر وأمير الكويت، لقمة شرم الشيخ للسلام، حتى الآن.

لميس الحديدي: زيارة الرئيس ترامب ستستغرق ثلاث ساعات فقطزيلينسكي يطلب من ترامب تعزيز الدفاعات الجوية الأوكرانية

وقالت رئاسة الجمهورية، في بيان عاجل على قناة “إكسترا نيوز”، إن ملك البحرين والرئيس الفلسطيني والرئيس التركي ورئيس إندونيسيا سيشاركون في قمة شرم الشيخ للسلام.

وتابعت: رؤساء أذربيجان وفرنسا وقبرص والمستشار الألماني ورئيس وزراء المملكة المتحدة سيشاركون في قمة شرم الشيخ للسلام.

واستكملت: رؤساء وزراء إيطاليا وإسبانيا واليونان وأرمينيا والمجر وباكستان وكندا والنرويج والعراق سيشاركون في قمة شرم الشيخ للسلام.

وقالت رئاسة الجمهورية: نائب رئيس دولة الإمارات ووزير خارجية سلطنة عمان وسكرتير عام الأمم المتحدة سيشاركون في قمة شرم الشيخ للسلام.

وأضافت: أمين عام الجامعة العربية ورئيس المجلس الأوروبي ووزير الدولة للشؤون الخارجية للهند وسفير اليابان بالقاهرة سيشاركون في قمة شرم الشيخ للسلام.

طباعة شارك ترامب أمريكا شرم الشيخ إسرائيل مفاوضات شرم الشيخ

مقالات مشابهة

  • رئيس الولايات المتحدة يصل إلى إسرائيل قبل توجهه إلى مصر للمشاركة في قمة السلام بغزة
  • النفط يستعيد بعض مكاسبه بعد خسارته بفعل التوترات بين الولايات المتحدة والصين
  • استقرار الدولار مع تركيز الأسواق على التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين
  • ترامب يغادر الولايات المتحدة لزيارة إسرائيل وحضور قمة شرم الشيخ
  • ترامب: الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين لا إيذاءها
  • إيران.. تراجع حاد في معدلات الأمطار هو الأكبر منذ أكثر من نصف قرن
  • 16 قتيلا بانفجار مصنع في الولايات المتحدة
  • 16 قتيلا بانفجار المصنع في الولايات المتحدة
  • كيف تنظر إيران لمشاركة أميركا بمشروع باسني الباكستاني؟
  • مقتل 4 أشخاص بإطلاق نار في الولايات المتحدة